تتجاوز عمليات التجسس لتشمل التخريب والتضليل الإعلامي
الاتحاد الأوروبي في تأهب للهجمات الروسية الهجينة
يتصاعد قلق الاتحاد الأوروبي من التدخل الروسي، في إطار ما يعتبره التكتل حملة هجينة أوسع نطاقاً تدبرها موسكو سعياً لإضعاف الغرب.
وفي كلمة أمام اجتماع للجنة الخاصة المعنية بالدرع الأوروبية للديمقراطية، بالبرلمان الأوروبي، يوم الثلاثاء الماضي، أكد الصحفي الاستقصائي البلغاري كريستو غروزيف أن الحرب الهجينة التي تشنها روسيا تتجاوز عمليات التجسس، لتشمل التخريب والهجمات الإلكترونية والتضليل الإعلامي. ووفقاً لغروزيف الذي كان يعمل لدى موقع «بيلينغ كات» الاستقصائي، ويكتب الآن في مجلة دير شبيغل الألمانية، وموقع إنسايدر الإعلامي المستقل، الذي يركز على روسيا، فإن روسيا خططت لنشر الفوضى والارتباك والخوف. واعتبرت فعاليات مثل دورة الألعاب الأولمبية في باريس، والانتخابات العامة في رومانيا وألمانيا ومولدوفا، وأيضاً انتخابات البرلمان الأوروبي العام الماضي، أهدافاً للحملة الروسية الهجينة.
وتعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، العام الماضي، بإقامة مركز الاتحاد الأوروبي للديمقراطية والتنمية لمواجهة هذه التهديدات. ويتولى مفوض الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون وحماية المستهلك، مايكل ماكغراث، مسؤولية تطوير هذه المبادرة.
وأنشأ البرلمان الأوروبي اللجنة الخاصة، وكلفها بتقديم حلول ملموسة لتعزيز قدرة التكتل على مواجهة التهديدات الهجينة.
وأعرب غروزيف عن تفاؤله بإمكانية مواجهة التهديدات الروسية الهجينة، حيث قال: «تظهر الخلايا المكشوفة، والشبكات التي تم رصدها، والجواسيس المدانون، أنه يمكن مواجهة هذه العمليات. ويولد النجاح من التعاون بين الصحفيين، وبين الدول بعضها البعض».
التهديدات الهجينة
وتشير التهديدات الهجينة إلى مجموعة من الهجمات غير التقليدية، مثل الهجمات السيبرانية، أو المعلومات المضللة. ويغطي هذا المصطلح الأمني العام الأعمال التي تلجأ إليها الجهات الفاعلة، الحكومية أو غير الحكومية، لإلحاق أضرار بدول أخرى، دون شن حرب مفتوحة. وكقاعدة عامة، من الصعب، بل من المستحيل، نسب هذه الأعمال إلى فاعل محدد. وعلى مدار الأشهر الأخيرة، أبلغت دول عدة في أوروبا عن أضرار أصابت البنية التحتية لديها، بما يشمل كابلات البيانات تحت مياه بحر البلطيق، وهجمات الحرق العمد. ويعتقد المحققون أن روسيا تقف وراء العديد من هذه الهجمات، ويبدو في بعض الأحيان وكأن دولاً أخرى مسؤولة عنها.
وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، في تقرير سنوي الشهر الماضي: «يشكل التلاعب والتدخل الأجنبي في المعلومات تهديداً أمنياً واسعاً للاتحاد الأوروبي». وأوضح التقرير أنه جرى تتبع هجمات التضليل الإعلامي ضد أكثر من 80 دولة، وما يربو على 200 منظمة، خلال 2024.
وقبيل اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي، في العاصمة البلجيكية بروكسل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال وزير خارجية التشيك إيان ليبافسكي إنه «كان هناك 500 حادث مششوه في أوروبا في 2024، وأن قرابة 100 منها تعود إلى روسيا». وقال الأمين العام لحلف الأطلسي مارك روته، خلال الاجتماع إن «الصين وإيران وكوريا الشمالية تنشط أيضاً في الهجمات الإلكترونية».
تعطيل الخوادم والانتخابات
ومن الأنماط الشائعة للهجمات الإلكترونية، ما يعرف بهجمات حجب الخدمة الموزعة، والتي تغمر الخادم بحركة مرور الإنترنت في محاولة لجعله غير قابل للوصول إليه، وتوقفه عن العمل.
وأطلقت مجموعة القراصنة الموالية لروسيا «نو نيم 057 (16)»، هجمات حجب الخدمة الموزعة ضد المؤسسات العامة والقطاعات الاستراتيجية في إسبانيا ودول أخرى أعضاء في الناتو، تعد حليفة لأوكرانيا. ورغم حجب بعض المواقع الإلكترونية الإسبانية بشكل مؤقت، أمكن احتواء الهجمات ولم يبلغ عن أي سرقة للبيانات، أو برمجيات خبيثة. وكانت هذه المجموعة ظهرت عقب إطلاق روسيا حربها على أوكرانيا، وهددت بالرد على الإجراءات «المعادية لروسيا» من دول الغرب. وفي يوليو (تموز) الماضي، اعتقل الحرس المدني في إسبانيا 3 على خلفية تورطهم في الهجمات.
ووفقاً لأجهزة الاستخبارات، حاولت روسيا أيضاً في كثير من الأحيان التدخل في العمليات الديمقراطية في أوروبا من خلال محاولة تعطيل الانتخابات. وكشف التقرير السنوي لـ 2024، الذي أصدره جهاز الاستخبارات العسكرية والأمن في هولندا، هذا الأسبوع، أن القراصنة الروس شنوا هجمات إلكترونية على شركات النقل العام ومواقع الأحزاب السياسية، في مسعى إلى تعطيل انتخابات البرلمان الأوروبي في هولندا، مما زاد من صعوبة التصويت أمام المواطنين. ووفقاً لرئيس الجهاز، فايس أدميرال بيتر ريسينك، حاول القراصنة أيضاً الوصول إلى البنية التحتية الحيوية في هولندا، سعياً لتعطيل المساعدات لأوكرانيا.
وقبل أيام من الانتخابات العامة التي شهدتها ألمانيا في فبراير (شباط) الماضي، حذرت وزارة الداخلية من استهداف روسيا الناخبين بحملة تضليل تسعى إلى دعم حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، و»تدمير الثقة في الديمقراطية». وأشارت الحملة إلى أن حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يتبنى خطاً أكثر تعاطفاً مع روسيا من الأحزاب الأخرى، يتعرض لمعاملة غير عادلة.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ألغت المحكمة الدستورية في رومانيا الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد، على خلفية مخاوف من تدخل روسيا في التصويت، وفاز بالجولة الأولى، على نحو غير متوقع، اليميني المتطرف، كالين جورجيسكو، المدعوم من موسكو.
ووفقاً للمجلس الأعلى للدفاع الوطني، استهدفت رومانيا بـ»أعمال نفذها فاعل سيبراني حكومي»، ضد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تدعم العملية الانتخابية.
مراقبة جيران الاتحاد الأوروبي
وتواصل المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة إغراق الدول جارة الاتحاد الأوروبي المقربة، مثل مولدوفا ومقدونيا الشمالية، والتي تسعى بقوة لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي.
ولا تزال مولدوفا، وهي واحدة من أفقر دول القارة، تعتمد إلى حد كبيرعلى الغاز الطبيعي القادم من روسيا.
وهذه الجمهورية السوفيتية السابقة منقسمة بشدة بين الفصائل الموالية لأوروبا، والموالية لروسيا. وفازت الرئيسة الموالية للغرب مايا ساندو برئاسة ثانية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اتهم الاتحاد الأوروبي روسيا بالتدخل «غير المسبوق» في الانتخابات، لترجيح كفة المرشح الموالي للكرملين ألكسندر ستويانوجلو.
وفي مقدونيا الشمالية، تركز الجهات المؤيدة للكرملين على وسائل التواصل الاجتماعي على زرع إحساس بخيبة الأمل، والشك والريبة، وذلك حسب ما أظهره تقرير للمجلس الأوروبي الأطلسي في مقدونيا الشمالية.
وقال وزير الشؤون الخارجية والتجارة الخارجية في مقدونيا الشمالية، تيمشو موكونسكي، إن مصداقية الاتحاد الأوروبي على المحك، وأعرب عن اعتقاده أن التوسيع هو السبيل للحيلولة دون استخدام الرعاية الروسية سلاحاً. وحذر الوزير على وجه التحديد من «جهات فاعلة خبيثة» تسعى لإحباط مقدونيا الشمالية، إزاء المتطلبات التي تتغير بشكل مستمر فيما يتعلق بالانضمام للاتحاد الأوروبي.