قرار قضائي يعيد صياغة المشهد السياسي:
البرازيل: أي مستقبل سياسي للولا دا سيلفا ...؟
-- المواجهة بين لولا وبولسونارو عام 2022، ليست مؤكدة تمامًا
-- لا يزال العديد من المجهول السياسي وراء مستقبل نتائج قرارات المحكمة العليا
-- رحبت القوى اليسارية بعودة لولا، وإشارات دعم من الجناح اليميني التقليدي
-- لا يريد دفاع لولا إثبات براءة موكلهم فقط، وإنما استبعاد القاضي سيرجيو مورو أيضًا
-- خيار لولا 2022 مرحب به من قبل قسم من يسار الوسط ويمين الوسط في أمريكا اللاتينية
سيظل يوم الاثنين 8 مارس الجاري بلا شك تاريخًا رئيسيًا في الحياة السياسية في البرازيل. فبالإعلان أن محكمة كوريتيبا (ولاية بارانا) ليست “مؤهلة ولا مختصة” لمحاكمة الرئيس البرازيلي السابق (2003-2011)، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في أربع قضايا فساد مزعومة، وبإلغاء، لهذا السبب الإجرائي، إدانات الرئيس السابق وإعادة جميع حقوقه السياسية، وضع قاضي المحكمة العليا (المحكمة الاتحادية العليا،) إدسون فاشين البلاد في وضع سياسي جديد، وهذا، قبل عام واحد من الانتخابات الرئاسية التي ستجري في بلد تمزّقه أزمة صحية ناجمة عن جائحة كوفيد -19، والذي يستعد لمواجهة عواقبها الاقتصادية والاجتماعية.
لتبرير قراره -الذي تم اتخاذه عقب استئناف قانوني بدأه محامو لولا في نوفمبر 2020 -طور القاضي فاشين حجتين بشكل خاص: الأولى، هي أن المحكمة تكون غير مختصة في صورة ان تكليفها يقضي بالتحقيق في قضايا الفساد المرتبطة بما يسمى بقضية “لافا جاتو” “1” (انفجرت عام 2014)، وأنه لم يتم اثبات اي صلة مادية بين لولا وهذه الأخيرة. والثاني هو التأكيد على أن مبدأ “القاضي الطبيعي” لم يُحترم في محاكمة لولا.
وينص مبدأ هذا القانون، بشكل تخطيطي، على أن المتهم لا يمكنه اختيار القاضي الذي سيحاكمه، وأن القاضي لا يمكنه، على العكس، اختيار المتهم الذي سيحاكمه. وهذا هو مبدأ نزاهة وحيادية القاضي والمؤسسة القضائية. وبإبداء هذا الرأي، يلاحظ إدسون فاشين، دون أن يسميه، أن هذا المبدأ لم يُحترم مع سيرجيو مورو، القاضي الفيدرالي في كوريتيبا المسؤول عن تحقيق “لافا جاتو” ومحاكمة لولا “2».
سيكون لقرار قاضي المحكمة الاتحادية العليا تأثير كبير على مستقبل لولا الشخصي والسياسي، ولكن من المحتمل أيضًا على مستقبل سيرجيو مورو. فهذا الأخير، الذي تم استنكار وتوثيق أساليبه وأفعاله وتحيّزه ضد لولا مرارًا وتكرارًا، سيكون علاوة على ذلك، موضوع إجراء آخر، تم إطلاقه أيضًا بمبادرة من محامي لولا. البدء فيما يسمى بإجراء “الاشتباه” وقد اعتُبر مقبولاً في 9 مارس 2021 من قبل لجنة دراسة بالمحكمة العليا. ويسمح هذا الاجراء بفتح تحقيق لتحديد انحياز القاضي في قضية ما، وإلغاء جميع أحكامه وإداناته، إذا ثبت هذا “الاشتباه”. ووافق القضاة (بأغلبية 4 أصوات مقابل صوت واحد) على الشروع في هذا الإجراء، دون التعليق في هذه المرحلة على الجدول الزمني لتنفيذه.
وهكذا، فإن دفاع لولا لا يريد فقط إثبات براءة موكله، بل يريد أيضًا استبعاد القاضي سيرجيو مورو من خلال التأكيد على عدم شرعية والبعد التعسفي لحكمه. ويريدون إثبات أن هدفه منذ البداية كان مواصلة “الاضطهاد السياسي” ضد الرئيس السابق.
القاضي الوحيد الذي عارض فتح تحقيق “اشتباه” ضد سيرجيو مورو ليس سوى… إدسون فاشين، المعروف بقربه من قاضي كوريتيبا. هذا الموقف الفريد الذي يبدو متناقضًا يؤدي في الواقع إلى تفسير يتم تداوله بين العديد من الفاعلين البرازيليين السياسيين والإعلاميين. توجد عناصر عديدة للادعاء لإثبات انحياز سيرجيو مورو. ومن شأن تنحيته المحتملة بعد تحقيق “اشتباه”، أن يؤثر على القضاء بأكمله، ويمكن أن يشكك في العديد من الإدانات الصادرة في قضية “لافا جاتو” التي كان مسؤولاً عنها.
وفي حالة لولا، قد تعني هذه النتيجة اعترافًا نهائيًا ببراءته. ولتجنب مثل هذا السيناريو، كان إدسون فاشين -الذي صوت دائمًا ضد لولا في الماضي كلما قدم دفاع الأخير طعونًا إلى المحكمة الاتحادية العليا قبل سجنه - يأخذ زمام المبادرة.
من ناحية، منح لولا الإلغاء الفوري لإداناته بسبب مسألة إجرائية، واستئناف محاكماته في ولاية قضائية أخرى (ولاية برازيليا) في موعد بعيد بما يكفي ليكون الرئيس السابق قادرًا، في الاثناء، على الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2022 إذا رغب في ذلك، وتأمين الحصانة إذا فاز. من ناحية أخرى، تجنب التحقيق مع سيرجيو مورو لأنه، بحسب إدسون فاشين، “إذا تم إعلان عدم اختصاص المحكمة في كوريتيبا، فلا داعي للتحقيق في عمل القاضي”. لكن هذه الاستراتيجية لم يتبعها أقرانه، الذين استنكر بعضهم علانية تحيز القاضي مورو.
وفي كل الأحوال، سيشهد هذان القراران اللذان تم اتخاذهما داخل مؤسسة لوحظت خلافاتها الداخلية، تطورات غير متوقعة. ومع ذلك، هناك عدة سيناريوهات ممكنة.
في الحالتين، يمكن استئناف قرارات القضاة من قبل المدعي العام للجمهورية، أوغوستو أراس، المعين من قبل الرئيس جايير بولسونارو. وفي قضية لولا، تم ذلك بالفعل منذ 12 مارس 2021، حيث قدمت نائبة المدعي العام، ليندورا أراوجو، هذا الاستئناف نيابة عن الادعاء، قائلة إنه “من أجل الحفاظ على الاستقرار الإجرائي واليقين القانوني، يجب دعم الإدانات ومواصلة الإجراءات».
بالنسبة للادعاء، إن محكمة كوريتيبا مختصة ويجب احترام قراراتها. ولذلك، فإن جميع القضاة الأحد عشر في المحكمة الاتحادية العليا سيجتمعون في جلسة عامة وسيتعين عليهم هذه المرة تأكيد قرار نظيرهم أو التنصل منه. وإذا أكدوا ذلك، فسيرى لولا بالتالي إلغاء جميع الإدانات ضده، وسيكون قادرًا على استئناف النشاط السياسي (في انتظار إعادة فتح محاكماته لاحقًا في برازيليا). وإذا أنكروا ذلك، فإن الوضع السابق سيسود مجددا، رهنا بتطورات أخرى.
هل سيتمكن لولا من
الترشح عام 2022؟
من المستحيل إعطاء إجابة نهائية على هذا السؤال اليوم. من جهة، من الممكن دائمًا حدوث تقلبات قانونية، حتى لو بدا تشكيك المحكمة الاتحادية العليا في القرار المتخذ في السياق الجديد الذي تم إنشاؤه، محفوفًا بالمخاطر. وهذا رغم الاستئناف المقدم من قبل النيابة العامة المقربة من الرئيس جايير بولسونارو الذي ما زالت المحكمة العليا تشهد تدهورًا مستمرًا في علاقاتها معه (المواجهة حول مسألة إدارة الأزمة الصحية على وجه الخصوص).
من جهة اخرى، في المجال السياسي المباشر، في خطابه الذي ألقاه في 10 مارس 2021 في مقر نقابة عمال الصلب في ساو برناردو دو كامبو في ساو باولو -حيث ألقى خطابه الأخير قبل الاستسلام للشرطة وسجنه في أبريل 2018 بناءً على أوامر من سيرجيو مورو -لم يتطرق الرئيس السابق لولا إلى مسألة ترشّحه، مفضلاً الإشارة إلى أولوياته العاجلة: المساهمة في تطوير مشروع وطني على النقيض من مشروع جايير بولسونارو تمامًا في مسائل الإدارة الصحية والاقتصادية السياسة، والزراعة، والعمالة، والتحول البيئي والمناخي، والسياسة الخارجية، إلخ.
ليوضح في هذا المجال الأخير، للاتحاد الأوروبي، في إشارة ضمنيّة إلى اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والميركوسور، انه لا يمكن للبرازيل أن تكتفي باتفاقية تجارية تسمح لها فقط بتصدير المزيد من الموارد الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي، بينما يرى الأوروبيون مساحة صادراتهم الصناعية والتكنولوجية إلى البرازيل تتوسّع. وهكذا، أكد من جديد أن “البرازيل تريد أن تكون دولة صناعية... البرازيل تريد أن يكون لديها صناعات جديدة، وتقنيات جديدة”، كما قال.
بالنسبة للولا، يجب أن يكون هذا البرنامج نتاجًا للتشاور مع جميع القوى السياسية والنقابية والاجتماعية التي تجد نفسها في افق تعبئة جماعية تهدف إلى إنقاذ واستعادة الديمقراطية البرازيلية ضد جايير بولسونارو.
ويسمح تعريف هذا المحيط الواسع للتحالفات للرئيس السابق بوضع نفسه كقائد يرغب في الحوار مع أكبر عدد ممكن من الفاعلين في الفترة المقبلة (أحزاب يسار، يسار الوسط ولكن أيضًا أحزاب يمين الوسط، وحركات اجتماعية، ومثقفون، وقطاع خاص، ومستثمرين وطنيين ودوليين، الخ). وللقيام بذلك، سيقوم في الأشهر المقبلة، مرة أخرى، بجولة عبر البلاد والالتقاء بالفاعلين السياسيين والاجتماعيين.
وبانفتاح الآفاق بقرار قاضي المحكمة العليا، والإعلان عن عملية التشاور والحوار هذه التي يريدها لولا، وحقيقة أن هذا الأخير هو السياسي الأفضل لهزم جايير بولسونارو اليوم في منظور مواجهة انتخابية مباشرة تعيده إلى قلب اللعبة السياسية البرازيلية، فان مجرد قرار القاضي فاشين، بغض النظر عن استتباعاته بعد الاستئناف المقدم من المدعي العام للجمهورية، قد غيّر فعلا الإطار السياسي للبلاد.
وبينما ترحب القوى اليسارية الضعيفة والمتشرذمة بعودة لولا، يتلقى الأخير أيضًا إشارات دعم من قطاعات معينة من الجناح اليميني التقليدي، حتى من تلك المعادية الى أمس قريب. وهذا هو الحال، على سبيل المثال، مع الرئيس السابق لمجلس النواب، رودريغو مايا (حزب الديمقراطيين، يمين). فقد أشاد هذا الأخير بقرار القاضي في سلسلة تغريدات، ووصف لولا بأنه زعيم “يحترم الديمقراطية ويدافع عنها” بـ “رؤية للوطن”. تم استبداله في 1 فبراير 2021 بالمرشح المدعوم من قبل جايير بولسونارو، آرثر ليرا (الحزب التقدمي)، يعدّ رودريغو مايا معارضا شرسا للرئيس البرازيلي.
مصدر آخر لارتياح لولا يتمثل في التأثير الدولي لقرار القاضي فاشين. فقد رحب الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز على الفور بالقرار وهنأ خصم جايير بولسونارو، الذي تربطه صداقة قوية معه.
ورحبت شخصيات إقليمية أخرى، مثل رئيس تشيلي السابق ريكاردو لاجوس، المعروف بقربه من فرناندو كاردوسو، الرئيس البرازيلي السابق والمنافس للولا، بعودة هذا الاخير إلى صدارة المشهد.
يمكن أن تؤكد هذه الإشارات أن خيار لولا 2022 مرحب به من قبل قسم من يسار الوسط ويمين الوسط في أمريكا اللاتينية المعادين لمواصلة جايير بولسونارو حكم القوة الإقليمية الأولى.
من جانبهم، لم يرد العسكريون البرازيليون على التصريحات. هاملتون موراو، من جهته، صرح انه “إذا أراد الشعب البرازيلي انتخاب لولا، فصبراً”. بالنسبة لنائب الرئيس ولواء الجيش المتقاعد، يهدف هذا الإعلان إلى الإشارة إلى أن اختيار الناخبين سيُحترم في النهاية. لكنه أضاف أنه لا يؤمن باحتمال انتصار لولا “السياسي القديم” ذي “الأفكار القديمة».
من المحتمل حدوث مواجهة بين لولا وجايير بولسونارو عام 2022، رغم أنها ليست مؤكدة تمامًا. لا يزال العديد من المجهول السياسي وراء مستقبل نتائج قرارات المحكمة العليا. ومن بين هذه الأشياء المجهولة، يمكن صياغة العديد في هذه المرحلة: هل يمكن لصدام لولا / بولسونارو أن يفسح المجال لمرشح مستقل من يمين الوسط واليمين التقليدي “3” قادر على الفوز في الانتخابات؟ هل ستؤدي المبارزة المباشرة بين لولا وجايير بولسونارو إلى إحياء ديناميكية استقطاب أقصى كان لصالح الثاني عام 2018 على خلفية تطرف ناخبي اليمين والطبقات الوسطى والعليا؟
ومن من أحزاب يمين الوسط واليمين التقليدي أو حزب جايير بولسونارو، ستعتبره القوى المحافظة والنخب الاقتصادية والمالية البرازيلية، أفضل حصن ضد عودة محتملة لأولئك الذين، إلى جانب لولا، تم طردهم من السلطة في السنوات الأخيرة؟ وكان الثمن أسوأ أزمة ديمقراطية في البرازيل منذ نهاية الديكتاتورية؟
في انتظار حل هذه المسائل القضائية والسياسية المتشابكة في الأشهر المقبلة، ظهر الرئيس جايير بولسونارو مجهزًا، واضعا لأول مرة، كمامة وقائية في 10 مارس 2021 خلال حفل عام أقيم في قصر بلانالتو (قصر الرئاسة) ...
«1» «لافا جاتو “. كشفت عملية مكافحة الفساد هذه عن وجود نظام واسع للرشاوى واختلاس الأموال العامة والإثراء الشخصي ساهمت فيه شركة النفط بتروبراس وفاعلين في صناعة البناء (أودبريشت) ومعظم الأحزاب السياسية البرازيلية.
«2» سيصبح هذا الأخير وزير العدل والأمن العام في عهد جايير بولسونارو حتى استقالته في أبريل 2020.
«3» خاصة من الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي والحركة الديمقراطية البرازيلية والديمقراطيين.
*مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
متخصص في أمريكا اللاتينية ويدرّس أيضًا في المعهد الكاثوليكي بباريس، ودرجة الماجستير في الجغرافيا السياسية في جامعة العلوم الاجتماعية.
-- لا يزال العديد من المجهول السياسي وراء مستقبل نتائج قرارات المحكمة العليا
-- رحبت القوى اليسارية بعودة لولا، وإشارات دعم من الجناح اليميني التقليدي
-- لا يريد دفاع لولا إثبات براءة موكلهم فقط، وإنما استبعاد القاضي سيرجيو مورو أيضًا
-- خيار لولا 2022 مرحب به من قبل قسم من يسار الوسط ويمين الوسط في أمريكا اللاتينية
سيظل يوم الاثنين 8 مارس الجاري بلا شك تاريخًا رئيسيًا في الحياة السياسية في البرازيل. فبالإعلان أن محكمة كوريتيبا (ولاية بارانا) ليست “مؤهلة ولا مختصة” لمحاكمة الرئيس البرازيلي السابق (2003-2011)، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في أربع قضايا فساد مزعومة، وبإلغاء، لهذا السبب الإجرائي، إدانات الرئيس السابق وإعادة جميع حقوقه السياسية، وضع قاضي المحكمة العليا (المحكمة الاتحادية العليا،) إدسون فاشين البلاد في وضع سياسي جديد، وهذا، قبل عام واحد من الانتخابات الرئاسية التي ستجري في بلد تمزّقه أزمة صحية ناجمة عن جائحة كوفيد -19، والذي يستعد لمواجهة عواقبها الاقتصادية والاجتماعية.
لتبرير قراره -الذي تم اتخاذه عقب استئناف قانوني بدأه محامو لولا في نوفمبر 2020 -طور القاضي فاشين حجتين بشكل خاص: الأولى، هي أن المحكمة تكون غير مختصة في صورة ان تكليفها يقضي بالتحقيق في قضايا الفساد المرتبطة بما يسمى بقضية “لافا جاتو” “1” (انفجرت عام 2014)، وأنه لم يتم اثبات اي صلة مادية بين لولا وهذه الأخيرة. والثاني هو التأكيد على أن مبدأ “القاضي الطبيعي” لم يُحترم في محاكمة لولا.
وينص مبدأ هذا القانون، بشكل تخطيطي، على أن المتهم لا يمكنه اختيار القاضي الذي سيحاكمه، وأن القاضي لا يمكنه، على العكس، اختيار المتهم الذي سيحاكمه. وهذا هو مبدأ نزاهة وحيادية القاضي والمؤسسة القضائية. وبإبداء هذا الرأي، يلاحظ إدسون فاشين، دون أن يسميه، أن هذا المبدأ لم يُحترم مع سيرجيو مورو، القاضي الفيدرالي في كوريتيبا المسؤول عن تحقيق “لافا جاتو” ومحاكمة لولا “2».
سيكون لقرار قاضي المحكمة الاتحادية العليا تأثير كبير على مستقبل لولا الشخصي والسياسي، ولكن من المحتمل أيضًا على مستقبل سيرجيو مورو. فهذا الأخير، الذي تم استنكار وتوثيق أساليبه وأفعاله وتحيّزه ضد لولا مرارًا وتكرارًا، سيكون علاوة على ذلك، موضوع إجراء آخر، تم إطلاقه أيضًا بمبادرة من محامي لولا. البدء فيما يسمى بإجراء “الاشتباه” وقد اعتُبر مقبولاً في 9 مارس 2021 من قبل لجنة دراسة بالمحكمة العليا. ويسمح هذا الاجراء بفتح تحقيق لتحديد انحياز القاضي في قضية ما، وإلغاء جميع أحكامه وإداناته، إذا ثبت هذا “الاشتباه”. ووافق القضاة (بأغلبية 4 أصوات مقابل صوت واحد) على الشروع في هذا الإجراء، دون التعليق في هذه المرحلة على الجدول الزمني لتنفيذه.
وهكذا، فإن دفاع لولا لا يريد فقط إثبات براءة موكله، بل يريد أيضًا استبعاد القاضي سيرجيو مورو من خلال التأكيد على عدم شرعية والبعد التعسفي لحكمه. ويريدون إثبات أن هدفه منذ البداية كان مواصلة “الاضطهاد السياسي” ضد الرئيس السابق.
القاضي الوحيد الذي عارض فتح تحقيق “اشتباه” ضد سيرجيو مورو ليس سوى… إدسون فاشين، المعروف بقربه من قاضي كوريتيبا. هذا الموقف الفريد الذي يبدو متناقضًا يؤدي في الواقع إلى تفسير يتم تداوله بين العديد من الفاعلين البرازيليين السياسيين والإعلاميين. توجد عناصر عديدة للادعاء لإثبات انحياز سيرجيو مورو. ومن شأن تنحيته المحتملة بعد تحقيق “اشتباه”، أن يؤثر على القضاء بأكمله، ويمكن أن يشكك في العديد من الإدانات الصادرة في قضية “لافا جاتو” التي كان مسؤولاً عنها.
وفي حالة لولا، قد تعني هذه النتيجة اعترافًا نهائيًا ببراءته. ولتجنب مثل هذا السيناريو، كان إدسون فاشين -الذي صوت دائمًا ضد لولا في الماضي كلما قدم دفاع الأخير طعونًا إلى المحكمة الاتحادية العليا قبل سجنه - يأخذ زمام المبادرة.
من ناحية، منح لولا الإلغاء الفوري لإداناته بسبب مسألة إجرائية، واستئناف محاكماته في ولاية قضائية أخرى (ولاية برازيليا) في موعد بعيد بما يكفي ليكون الرئيس السابق قادرًا، في الاثناء، على الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2022 إذا رغب في ذلك، وتأمين الحصانة إذا فاز. من ناحية أخرى، تجنب التحقيق مع سيرجيو مورو لأنه، بحسب إدسون فاشين، “إذا تم إعلان عدم اختصاص المحكمة في كوريتيبا، فلا داعي للتحقيق في عمل القاضي”. لكن هذه الاستراتيجية لم يتبعها أقرانه، الذين استنكر بعضهم علانية تحيز القاضي مورو.
وفي كل الأحوال، سيشهد هذان القراران اللذان تم اتخاذهما داخل مؤسسة لوحظت خلافاتها الداخلية، تطورات غير متوقعة. ومع ذلك، هناك عدة سيناريوهات ممكنة.
في الحالتين، يمكن استئناف قرارات القضاة من قبل المدعي العام للجمهورية، أوغوستو أراس، المعين من قبل الرئيس جايير بولسونارو. وفي قضية لولا، تم ذلك بالفعل منذ 12 مارس 2021، حيث قدمت نائبة المدعي العام، ليندورا أراوجو، هذا الاستئناف نيابة عن الادعاء، قائلة إنه “من أجل الحفاظ على الاستقرار الإجرائي واليقين القانوني، يجب دعم الإدانات ومواصلة الإجراءات».
بالنسبة للادعاء، إن محكمة كوريتيبا مختصة ويجب احترام قراراتها. ولذلك، فإن جميع القضاة الأحد عشر في المحكمة الاتحادية العليا سيجتمعون في جلسة عامة وسيتعين عليهم هذه المرة تأكيد قرار نظيرهم أو التنصل منه. وإذا أكدوا ذلك، فسيرى لولا بالتالي إلغاء جميع الإدانات ضده، وسيكون قادرًا على استئناف النشاط السياسي (في انتظار إعادة فتح محاكماته لاحقًا في برازيليا). وإذا أنكروا ذلك، فإن الوضع السابق سيسود مجددا، رهنا بتطورات أخرى.
هل سيتمكن لولا من
الترشح عام 2022؟
من المستحيل إعطاء إجابة نهائية على هذا السؤال اليوم. من جهة، من الممكن دائمًا حدوث تقلبات قانونية، حتى لو بدا تشكيك المحكمة الاتحادية العليا في القرار المتخذ في السياق الجديد الذي تم إنشاؤه، محفوفًا بالمخاطر. وهذا رغم الاستئناف المقدم من قبل النيابة العامة المقربة من الرئيس جايير بولسونارو الذي ما زالت المحكمة العليا تشهد تدهورًا مستمرًا في علاقاتها معه (المواجهة حول مسألة إدارة الأزمة الصحية على وجه الخصوص).
من جهة اخرى، في المجال السياسي المباشر، في خطابه الذي ألقاه في 10 مارس 2021 في مقر نقابة عمال الصلب في ساو برناردو دو كامبو في ساو باولو -حيث ألقى خطابه الأخير قبل الاستسلام للشرطة وسجنه في أبريل 2018 بناءً على أوامر من سيرجيو مورو -لم يتطرق الرئيس السابق لولا إلى مسألة ترشّحه، مفضلاً الإشارة إلى أولوياته العاجلة: المساهمة في تطوير مشروع وطني على النقيض من مشروع جايير بولسونارو تمامًا في مسائل الإدارة الصحية والاقتصادية السياسة، والزراعة، والعمالة، والتحول البيئي والمناخي، والسياسة الخارجية، إلخ.
ليوضح في هذا المجال الأخير، للاتحاد الأوروبي، في إشارة ضمنيّة إلى اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي والميركوسور، انه لا يمكن للبرازيل أن تكتفي باتفاقية تجارية تسمح لها فقط بتصدير المزيد من الموارد الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي، بينما يرى الأوروبيون مساحة صادراتهم الصناعية والتكنولوجية إلى البرازيل تتوسّع. وهكذا، أكد من جديد أن “البرازيل تريد أن تكون دولة صناعية... البرازيل تريد أن يكون لديها صناعات جديدة، وتقنيات جديدة”، كما قال.
بالنسبة للولا، يجب أن يكون هذا البرنامج نتاجًا للتشاور مع جميع القوى السياسية والنقابية والاجتماعية التي تجد نفسها في افق تعبئة جماعية تهدف إلى إنقاذ واستعادة الديمقراطية البرازيلية ضد جايير بولسونارو.
ويسمح تعريف هذا المحيط الواسع للتحالفات للرئيس السابق بوضع نفسه كقائد يرغب في الحوار مع أكبر عدد ممكن من الفاعلين في الفترة المقبلة (أحزاب يسار، يسار الوسط ولكن أيضًا أحزاب يمين الوسط، وحركات اجتماعية، ومثقفون، وقطاع خاص، ومستثمرين وطنيين ودوليين، الخ). وللقيام بذلك، سيقوم في الأشهر المقبلة، مرة أخرى، بجولة عبر البلاد والالتقاء بالفاعلين السياسيين والاجتماعيين.
وبانفتاح الآفاق بقرار قاضي المحكمة العليا، والإعلان عن عملية التشاور والحوار هذه التي يريدها لولا، وحقيقة أن هذا الأخير هو السياسي الأفضل لهزم جايير بولسونارو اليوم في منظور مواجهة انتخابية مباشرة تعيده إلى قلب اللعبة السياسية البرازيلية، فان مجرد قرار القاضي فاشين، بغض النظر عن استتباعاته بعد الاستئناف المقدم من المدعي العام للجمهورية، قد غيّر فعلا الإطار السياسي للبلاد.
وبينما ترحب القوى اليسارية الضعيفة والمتشرذمة بعودة لولا، يتلقى الأخير أيضًا إشارات دعم من قطاعات معينة من الجناح اليميني التقليدي، حتى من تلك المعادية الى أمس قريب. وهذا هو الحال، على سبيل المثال، مع الرئيس السابق لمجلس النواب، رودريغو مايا (حزب الديمقراطيين، يمين). فقد أشاد هذا الأخير بقرار القاضي في سلسلة تغريدات، ووصف لولا بأنه زعيم “يحترم الديمقراطية ويدافع عنها” بـ “رؤية للوطن”. تم استبداله في 1 فبراير 2021 بالمرشح المدعوم من قبل جايير بولسونارو، آرثر ليرا (الحزب التقدمي)، يعدّ رودريغو مايا معارضا شرسا للرئيس البرازيلي.
مصدر آخر لارتياح لولا يتمثل في التأثير الدولي لقرار القاضي فاشين. فقد رحب الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز على الفور بالقرار وهنأ خصم جايير بولسونارو، الذي تربطه صداقة قوية معه.
ورحبت شخصيات إقليمية أخرى، مثل رئيس تشيلي السابق ريكاردو لاجوس، المعروف بقربه من فرناندو كاردوسو، الرئيس البرازيلي السابق والمنافس للولا، بعودة هذا الاخير إلى صدارة المشهد.
يمكن أن تؤكد هذه الإشارات أن خيار لولا 2022 مرحب به من قبل قسم من يسار الوسط ويمين الوسط في أمريكا اللاتينية المعادين لمواصلة جايير بولسونارو حكم القوة الإقليمية الأولى.
من جانبهم، لم يرد العسكريون البرازيليون على التصريحات. هاملتون موراو، من جهته، صرح انه “إذا أراد الشعب البرازيلي انتخاب لولا، فصبراً”. بالنسبة لنائب الرئيس ولواء الجيش المتقاعد، يهدف هذا الإعلان إلى الإشارة إلى أن اختيار الناخبين سيُحترم في النهاية. لكنه أضاف أنه لا يؤمن باحتمال انتصار لولا “السياسي القديم” ذي “الأفكار القديمة».
من المحتمل حدوث مواجهة بين لولا وجايير بولسونارو عام 2022، رغم أنها ليست مؤكدة تمامًا. لا يزال العديد من المجهول السياسي وراء مستقبل نتائج قرارات المحكمة العليا. ومن بين هذه الأشياء المجهولة، يمكن صياغة العديد في هذه المرحلة: هل يمكن لصدام لولا / بولسونارو أن يفسح المجال لمرشح مستقل من يمين الوسط واليمين التقليدي “3” قادر على الفوز في الانتخابات؟ هل ستؤدي المبارزة المباشرة بين لولا وجايير بولسونارو إلى إحياء ديناميكية استقطاب أقصى كان لصالح الثاني عام 2018 على خلفية تطرف ناخبي اليمين والطبقات الوسطى والعليا؟
ومن من أحزاب يمين الوسط واليمين التقليدي أو حزب جايير بولسونارو، ستعتبره القوى المحافظة والنخب الاقتصادية والمالية البرازيلية، أفضل حصن ضد عودة محتملة لأولئك الذين، إلى جانب لولا، تم طردهم من السلطة في السنوات الأخيرة؟ وكان الثمن أسوأ أزمة ديمقراطية في البرازيل منذ نهاية الديكتاتورية؟
في انتظار حل هذه المسائل القضائية والسياسية المتشابكة في الأشهر المقبلة، ظهر الرئيس جايير بولسونارو مجهزًا، واضعا لأول مرة، كمامة وقائية في 10 مارس 2021 خلال حفل عام أقيم في قصر بلانالتو (قصر الرئاسة) ...
«1» «لافا جاتو “. كشفت عملية مكافحة الفساد هذه عن وجود نظام واسع للرشاوى واختلاس الأموال العامة والإثراء الشخصي ساهمت فيه شركة النفط بتروبراس وفاعلين في صناعة البناء (أودبريشت) ومعظم الأحزاب السياسية البرازيلية.
«2» سيصبح هذا الأخير وزير العدل والأمن العام في عهد جايير بولسونارو حتى استقالته في أبريل 2020.
«3» خاصة من الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي والحركة الديمقراطية البرازيلية والديمقراطيين.
*مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
متخصص في أمريكا اللاتينية ويدرّس أيضًا في المعهد الكاثوليكي بباريس، ودرجة الماجستير في الجغرافيا السياسية في جامعة العلوم الاجتماعية.