التمرد يتصاعد ضدّ أردوغان في جامعة اسطنبول المرموقة

التمرد يتصاعد ضدّ أردوغان في جامعة اسطنبول المرموقة


منذ أسابيع، اندلع تمرد جديد ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في واحدة من أكثر المؤسسات الأكاديمية التركية شُهرة، حرم جامعة بوغازيتشي في إسطنبول. ويومياً، يتقدم أعضاء هيئة التدريس احتجاجاً صامتاً ضدّ رئيس الجامعة الذي عينه أردوغان.
يعتبر تعيين مليح بولو، رجل الأعمال المعروف بصلاته بحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، خطوة أخرى من الرئيس التركي لتوسيع نفوذه في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية التركية.
فتقليدياً، ينتخب الأكاديميون رئيس الجامعة من صفوفهم، لكن بتعيين الرئيس، حسب رغبته، أطلق أردوغان معركة للسيطرة على إحدى الجواهر المؤسسية في تركيا.

ثقافة ليبرالية
وتُعتبر جامعة بوغازيتشي واحدة من أفضل الجامعات في تركيا، وتتمتع بحرم جامعي مُذهل، محاطة بحصن من الحصى على شواطئ البوسفور.
وكانت جزءاً من كلية “روبرت” التي تأسّست في أمريكا وافتتحت في 1863، وهي تشتهر بالثقافة الليبرالية ذات التوجّه الغربي. وهذا ما جعلها هدفاً للرئيس التركي وأنصاره المحافظين، الذين يشجبون مواقفها الليبرالية.
في الأشهر التي سبقت الانقلاب الفاشل في 2016، استهدف أردوغان الأكاديميين، فطرد الآلاف منهم من وظائفهم بعد توقيعهم عريضة تدعو إلى السلام مع الأكراد في أوائل 2016.
وفي وقت لاحق من ذلك العام (2016)، أصدر مرسوماً يمنحه الحقّ في تعيين رؤساء الجامعات.
ونجت الجامعة من أسوأ عمليات التطهير، لكن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس أدركوا أن المعركة تلوح في الأفق. وأُجبروا على قبول مُرشح الحل الوسط لمنصب رئيس الجامعة قبل أربعة أعوام، وحُوكم العديد من الطلاب الذين احتجوا على التدخل التركي في سوريا.

تعيين وتظاهرات رافضة
في 1 يناير-كانون الثاني الماضي، عين أردوغان بولو رئيساً للجامعة. وفي غضون أيام، تظاهر مئات الطلاب للاحتجاج، واشتبك بعضهم مع الشرطة، التي أغلقت المدخل الرئيسي للحرم الجامعي، وتزايدت المشاحنات مع ضباط يرتدون ملابس مدنية داخل الحرم الجامعي. واعتقلت السلطات ما لا يقلّ عن 30 طالباً في مداهمات لمنازلهم بعد الاحتجاجات الأولى. وقدم العديد من الطلاب شكاوى بعد تعرّضهم للتفتيش عُراة.
ورداً على ذلك، تحوّل الطلاب إلى أشكال أخرى من الاحتجاج، وإنشاء معارض فنية، ورسم الكاريكاتير، وتأليف وتشغيل الأغاني في جميع أنحاء الحرم الجامعي.
وتصاعدت التوترات بشكل حاد، بعد أن شجب أعضاء الحكومة الأعمال الفنية لأفراد من “مجتمع الميم». واحتجزت الشرطة أربعة طلاب وصادرت أعلامهم. وطالب المتظاهرون النقابات العمالية والأحزاب السياسية بالانضمام إلى احتجاجات حاشدة أمس الاثنين، وسط حضور كبير للشرطة التي أغلقت المدخل الرئيسي للحرم الجامعي، واعتقلت عشرات الطلاب أثناء محاولتهم اقتحام الحرم الجامعي.
ولكن الطلاب أكدوا أنهم سيُواصلون احتجاجاتهم حتى سحب تعيين بولو أو استقالته.

تغيير مبادئ
وأكد المتظاهرون أنهم لا يعترضون على بولو بصفته الشخصية، ولكن على طريقة تعيينه في المنصب. وقارن المتظاهرون تعيينه بقضايا أكثر من 100 رئيس بلدية منتخب، أقيلوا من مناصبهم واستبدالهم بأشخاص عينتهم الحكومة في السنوات الماضية.
وأبدى الأساتذة والطلاب قلقهم من عواقب تعيينه على مستقبل الجامعة وحرمها الجامعي ذي الفكر الحر الشهير. وأعرب الطلاب عن خشيتهم من إغلاق النوادي والأنشطة، وبالتالي تغيير مبادئ الكلية التي أعلنها رسمياً مجلس إدارة الجامعة في 2012، والتي تتعلق بالحريّات الأكاديمية والاستقلالية الأكاديمية والعلمية، فضلاً عن القيم الديموقراطية للجامعة.

استيلاء عدائي vs
تصحيح التمييز
ووصف خليل إبراهيم ينيغون، الذي أُقيل من منصبه في إحدى الجامعات التركية لتوقيعه على عريضة السلام في 2016، التعيين بـ “استيلاء عدائي” على إحدى الجامعات الأخيرة التي تحتفظ بشكل من أشكال الاستقلالية الأكاديمية، مُضيفاً أن هذا “هجوم متوقّع منذ فترة طويلة ضد الأوساط الأكاديمية بينما كان أردوغان يستولي على مسارات الحياة الاجتماعية واحداً تلو الآخر».
في المقابل، ينظر أنصار أردوغان إلى هذه الخطوة على أنها “تصحيح عقود من التمييز ضد المحافظين الذين حُرموا لفترة طويلة من التعليم العام والوظائف الحكومية».
وقارنت الصحافية الموالية للحكومة هلال كابلان، المتخرجة في جامعة بوغازيتشي ، نضال المُحافظين المتدينين بنضال “مالكولم إكس” والأمريكيين السود، مُعتبرة أن الجامعة “تنتمي للأمة، وليس للنخبة فقط».

دعاية حكومية
واستنكر العديد من خريجي بوغازيتشي هذا الوصف، معتبرين أنه “دعاية حكومية” فالجامعة مؤسسة عامة ومفتوحة للطلاب الحاصلين على أعلى الدرجات في امتحانات القبول على مستوى البلاد.
وقالت زينب بيرق، طالبة العلوم السياسية في سنتها الأخيرة، إنها انضمّت إلى الاحتجاجات لأن تعيين رئيس الجامعة كان غير “ديموقراطي”، مُضيفة “أنا مُتدينة. أنا مسلمة. أعتقد أنه يمكننا جميعاً التعايش».