بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا
التوتر غير المسبوق بين إسرائيل وروسيا... إلى أين؟
تشهد العلاقات بين إسرائيل وروسيا توتراً لا سابق له دفع بها إلى مستويات دنيا، وذلك بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وقرار موسكو إغلاق مكتب الوكالة اليهودية في روسيا.
فبعد ثلاثة عقود من العلاقات الودية المتزايدة، تسبّبت الحرب الروسية على أوكرانيا بأسوأ شقاق في العلاقات بين اسرائيل وروسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.ودفعت محاولة موسكو إغلاق مكتب الوكالة اليهودية، وهي منظمة تابعة للحكومة الإسرائيلية تساعد يهود الشتات على الهجرة من روسيا، الخلاف إلى ذروته.
والأسبوع الماضي، عقدت محكمة في موسكو جلسة استماع أولية بشأن طلب وقف أنشطة الوكالة التي بدأت في روسيا عام 1989، عندما فتح الزعيم السوفيتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف البلاد.
تحذير لإسرائيل
وحذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد من أن إغلاق فرع الوكالة سيشكّل “حدثًا خطيرًا” يُضر بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وقال مسؤولان في إسرائيل، تحدثا للوكالة شرط عدم الكشف عن هويتهما، إن المندوبين الإسرائيليين الذين زاروا موسكو لمناقشة القضية، “لم يحرزوا أي تقدّم في تجنّب التهديد. ومن المقرر أن تُعقد الجلسة المقبلة للمحكمة في 19 أغسطس” (آب) الحالي.
وتنقل وكالة “بلومبرغ” عن شخصين في موسكو مقربين من الحكومة الروسية، إن الضغط لإغلاق الوكالة اليهودية هو “تحذير لإسرائيل بعدم الانحياز إلى الولايات المتحدة وحلفائها ضد روسيا بشأن الحرب في أوكرانيا».
تحوّل ملحوظ
ويمثّل الخلاف بين تل أبيب والكرملين تحولاً ملحوظاً بعدما أقام بوتين علاقات مع الزعماء الإسرائيليين لسنوات، كجزء من دفع روسي لنفوذ أوسع في الشرق الأوسط. وعام 2020، تمّ تكريمه في القدس في احتفال بمناسبة الذكرى الـ 75 لتحرير معسكر الموت “أوشفيتز” في ألمانيا النازية على يد الجيش الأحمر السوفيتي.
وقالت إلينا سوبونينا، محللة شؤون الشرق الأوسط في موسكو للوكالة: “بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، انفتحت الأمور أكثر فأكثر، لكن العلاقات بين إسرائيل وروسيا لم تتراجع إلى هذا الحد».
تصاعد معاداة السامية في روسيا
وتثير المواجهة الحالية القلق في أوساط الجالية اليهودية في روسيا، التي تشعر بتداعيات المشاعر القومية المتزايدة في أعقاب الحرب على أوكرانيا. وسجّلت الوكالة اليهودية زيادة في طلبات الهجرة من روسيا بمجرد بدء الحرب. وغادر حوالي 17 ألف شخص إلى إسرائيل حتى الآن هذا العام، وهناك آلاف ينتظرون المغادرة.
ولطالما كان بوتين يتودّد إلى قادة الجالية اليهودية في روسيا، إلا أن البعض يغادر الآن وسط التوترات بشأن الحرب.
وحذّر ينشاس غولدشميت، الحاخام الأكبر السابق لموسكو الذي غادر روسيا احتجاجاً على حرب أوكرانيا، من إمكانية تصاعد معاداة السامية في روسيا.
ويأتي توتر العلاقات مع اقتراب روسيا أكثر من إيران، العدو اللدود لإسرائيل، في الوقت الذي يكافح الكرملين تأثير العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها الولايات المتحدة ودول غربية أخرى على الحرب في أوكرانيا.
بداية الأزمة
وظهرت علامات الأزمة في مايو (أيار)، عندما أثار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ضجة بتصريحه أن لأدولف هتلر أصولاً يهودية، ما دفع بوتين إلى الاعتذار لإسرائيل.
وتفاقمت التوترات بعد أن أصبح يائير لابيد رئيساً للوزراء بالوكالة، الشهر الماضي. وفي مؤتمر صحفي في 14 يوليو (تموز) مع الرئيس الأميركي جو بايدن، أدان لبيد “الغزو الروسي غير المبرر لأوكرانيا”، بعد يومين من إرسال إسرائيل دفعة ثانية من المساعدات العسكرية غير الفتاكة، بما في ذلك الخوذات والسترات الواقية إلى كييف.
وبينما يقول المسؤولون الروس إن مصير الوكالة اليهودية قضية قانونية، انتقدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الخطاب الإسرائيلي “غير البنّاء” و”غير الموضوعي” بشأن أوكرانيا في مقابلة الأسبوع الماضي.
وقال مسؤولون إسرائيليون وروس إن ما يزيد من حنق روسيا هو الخلاف الذي لم يتمّ حلّه بشأن ممتلكات الكنيسة الأرثوذكسية في القدس.
وأوضح تشاك فريليتش، النائب السابق لمستشار الأمن القومي في إسرائيل، أن الوكالة اليهودية واجهت صعوبات مع السلطات الروسية منذ عامين، لكن يبدو أن روسيا استهدفتها الآن “لخلق أزمة من أجل معاقبة إسرائيل” بشأن أوكرانيا.
انتقام اسرائيلي
بدورها، قالت سوبونينا إن روسيا قلقة من أن الولايات المتحدة قد تقنع إسرائيل بتقديم مساعدة عسكرية لأوكرانيا، مشيرة إلى أن الكرملين مستاء من الهجمات الإسرائيلية في سوريا التي تستهدف إمدادات الأسلحة الإيرانية إلى “حزب الله” اللبناني.والأسبوع الماضي، أكدت إسرائيل تقريراً، صدر قبل شهرين، بأن صواريخ روسية مضادة للطائرات في سوريا استهدفت طائرات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي.وذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم”، الأسبوع الماضي، أن الحكومة الإسرائيلية تدرس سلسلة من “الإجراءات السياسية” الصارمة ضد روسيا إذا تم إغلاق الوكالة اليهودية.
ومع ذلك، من المرجّح أن يتمّ تقدير هذا الانتقام بعناية لأنه “من وجهة نظر إسرائيل، لا يمكننا السماح لهذا بأن يخرج عن السيطرة”، وفقاً لفريليتش.