الجدل يرافق عودة البرازيل إلى الواجهة الدبلوماسية في عهد لولا
كثّف الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا نشاطه الدبلوماسي منذ تولّى السلطة، معيداً للبرازيل دورها كلاعب رئيسي في الساحة الدولية إلا أنّه أثار الجدل في بعض مواقفه بما فيها تلك المرتبطة بأوكرانيا وفنزويلا.
ولم تمرّ ستة أشهر بعد على بدء ولايته، إلا أن الرئيس اليساري التقى حتى اللحظة بقادة أجانب يتجاوز عددهم أولئك الذين التقاهم سلفه اليميني المتشدد جايير بولسونارو خلال أعوامه الأربعة في السلطة (33 زعيماً في ستة أشهر مقارنة مع 32 خلال السنوات الأربع بحسب صحيفة “أو غلوبو” التي أحصتهم).
ومنذ تولّى السلطة في كانون الثاني-يناير، كرّر لولا (77 عاما) مرارا بأن “البرازيل عادت” إلى الساحة الدولية، متعهّدا الابتعاد تماما عن خط بولسونارو الذي بدا معزولاً دولياً في كثير من الأحيان، باستثناء علاقاته الوثيقة مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي يعتبره بمثابة مثله الأعلى في السياسة.
وتوجّه عدد من قادة العالم إلى برازيليا للقاء لولا الذي جال العالم بدوره من الأميركيتين وصولا إلى آسيا وأوروبا، فضمن الحصول على دعم مالي كبير لأبرز مبادراته مثل “صندوق الأمازون” الهادف لحماية أكبر غابة مطيرة في العالم.
وقال خبير العلاقات الدولية أوليفر ستونكل مؤخرا في موقع “برازيليان ريبورت” إنّه “بكل بساطة، تم التعامل مع لولا بحسن نية عالمياً لكونه ليس جايير بولسونارو».
لكنّ العامل السابق الذي يتمتع بالكاريزما أثار خلافات دبلوماسية عديدة بسبب تصريحاته المثيرة للجدل والصريحة إلى حد كبير.
وقام لولا بمحاولة عالية المستوى لإطلاق محادثات بوساطة دولية من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا، لكن كثيرين في الغرب رأوا بأن تحرّكاته وديّة بشكل كبير حيال روسيا.
ورفض الانضمام إلى البلدان الغربية في تزويد أوكرانيا بأسلحة أو فرض عقوبات على حكومة الرئيس فلاديمير بوتين ردّاً على الغزو. وخلال زيارة إلى الصين في نيسان/أبريل، اتّهم لولا الولايات المتحدة بـ”التشجيع” على الحرب.
وردّ البيت الأبيض بالقول إن لولا “يكرر الدعاية الروسية والصينية».
وفي أيار/مايو، لم يجر لقاء كان مقررا بين لولا والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش قمة مجموعة السبع في اليابان، بسبب “تضارب جدولي أعمالهما”، بحسب الرواية الرسمية. وعلّق زيلينسكي بنبرة سخرية حينذاك قائلاً إنه يتصوّر بأنّ لولا “خاب أمله”. وردّ لولا بالإشارة إلى أنه يشعر بـ”الانزعاج».
ويندرج موقف لولا في إطار النهج “التقليدي المعادي لأميركا” الذي يتبناه حزبه اليساري “حزب العمال”، بحسب الدبلوماسي البرازيلي السابق باولو روبرتو دي ألميدا.
لكنه أفاد فرانس برس بأن ذلك يظهر العلاقة الوطيدة بين لولا والدولتين “المستبدتين الكبريين” -- الصين وروسيا -- علما بأنهما شريكتا البرازيل في مجموعة “بريكس” للبلدان ذات الاقتصادات الناشئة.
ويواجه لولا محاولة صعبة لإيجاد توازن في الساحة الدولية التي تعاني استقطابا متزايدا بين الولايات المتحدة والصين.
وتحتاج البرازيل إلى كلا القوتين إذ إنّ الصين أكبر شريك تجاري لها، بينما تعد الولايات المتحدة حليفا طبيعيا في قضايا رئيسية مثل البيئة وتعزيز الديموقراطية.
واستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره البرازيلي بحفاوة في البيت الأبيض في شباط/فبراير، لكنّ لولا لم يخرج بأيّ اتفاقات أو إعلانات تذكر.
في المقابل، تمخّضت زيارة لولا إلى الصين عن سلسلة اتفاقيات للتعاون الاقتصادي. وقال الخبير المتخصص في العلاقات الدولية لدى “مؤسسة جيتوليو فارغاس” بيدرو برايتس إن “أكبر خطر ومصدر قلق بالنسبة للبرازيل هو اضطرارها للاختيار” بين بكين وواشنطن. ويسعى لولا أيضاً إلى تعزيز العلاقات الإقليمية في أميركا الجنوبية.
لكنّ قمّة مهمّة الشهر الماضي، كانت الأولى في القارة منذ نحو عقد، أدّت إلى عكس ذلك تماماً إذ أشعل لولا خلافاً بسبب تصريحات مثيرة للجدل تطرق فيها إلى فنزويلا.
ورحّب لولا بحرارة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، المنبوذ من بعض الجهات بسبب استبداد حكومته وانتهاكاتها الحقوقية المفترضة، وصوّره على أنه ضحية “رواية” معادية.
وأثارت تصريحاته انتقادات ليس من رئيس الأوروغواي اليميني الوسطي لويس لاكاي بو فحسب، بل كذلك من رئيس تشيلي اليساري غابريال بوريك.
وقال ألميدا إن “تصريحات لولا المؤسفة نسفت أي دليل على نجاح القمة».
محليا، يواجه لولا ضغوطا لتكريس المزيد من الوقت للشؤون الداخلية، في وقت يواجه فيه معارضة شرسة بينما يهيمن خصومه المحافظون على الكونغرس.