رئيس الدولة يتلقى اتصالاً هاتفياً من الرئيس الإيراني تبادلا خلاله التهاني بمناسبة عيد الفطر المبارك
الاضطرابات الجيوسياسية الحالية سريعة ومربكة
الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة: أوهام المقارنة
-- بالنسبة لإدارة ترامب، ليست التجارة علاجًا للحرب، ولكنها شكل من أشكالها
-- العلاقات الصينية الأمريكية أقل استقرارًا من العلاقات بين الخصمين الشريكين في القرن العشرين
-- كانت المنافسة العالمية بين الكتلة السوفياتية والكتلة الغربية قاسية ولكنها غير مباشرة ومحدودة عسكريا
-- تحاول إدارة ترامب إعادة تنشيط الانقسام الإيديولوجي المفقود بين العالم الحر والكتلة الشيوعية
-- تتصاعد التوترات العسكرية في آسيا حيث يصطدم التوسع الصيني بحلفاء الولايات المتحدة
-- الجغرافيا السياسية اليوم ليست موازين قوى الأمس، ومخاطر الغد تختلف اختلافا كبيرا عن مخاطر الحرب الباردة
في مواجهة الطفرة الجيوسياسية الحالية، نجد في المراجع التاريخية ما يطمئن. تعطي الحرب الباردة الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة ضد الصين وجهاً مألوفاً للتنافس العالمي والمتعدد الأوجه بين القوتين في القرن الحادي والعشرين.
ومع ذلك، فإن المنافسة الصينية الأمريكية الحالية غير مستقرة بنسبة أكبر مما كانت عليه أيام الاتحاد السوفياتي. وبدلاً من تأجيج منطق خادع للكتل، يجب على أوروبا أن تؤكد مصالحها الخاصة تجاه الصين. إن الجغرافيا السياسية اليوم ليست موازين قوى الأمس، ومخاطر الغد تختلف اختلافا كبيرا عن مخاطر الحرب الباردة. وكما كان الحال أيام الاتحاد السوفياتي، فإن المنافسة على الهيمنة العالمية محتدمة في جميع المجالات وفي جميع القارات. بعد حرب دونالد ترامب الجمركية ضد الصادرات الصينية في 2018، تحوّل الصراع الصحي حول وباء كوفيد-19 إلى مواجهة دبلوماسية: أغلقت السلطات الأمريكية في الآونة الاخيرة القنصلية الصينية في هيوستن، تكساس، مما أدى إلى عملية انتقام، تمثلت في إغلاق الممثلية الأمريكية في تشنغدو، سيتشوان. أما الصدام بين القيم الصينية والقيم الغربية، فهو جزء من الخطاب العادي للقادة الصينيين والأمريكيين. تتصاعد التوترات العسكرية في آسيا حيث يصطدم التوسع الصيني بحلفاء الولايات المتحدة: اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايوان والهند. وفي أوراسيا والمحيط الهندي، تستفيد “طرق الحرير” الجديدة لشي جين بينغ من الانسحاب الأمريكي. وفي إفريقيا، يتراجع الغرب أمام بكين.
إن الاضطرابات الجيوسياسية الحالية سريعة للغاية ومربكة الى درجة أن شبكة القراءة المثبتة (المواجهة بين الكتلة السوفياتية والكتلة الغربية) تبعث على الاطمئنان. من عام 1947 الى عام 1991، كانت الحرب، بين القوتين العظميين الأمريكية والسوفياتية، مستحيلة والسلام غير محتمل، باستخدام تعبير آرون الشهير. وبعبارة أخرى، كانت تلك المنافسة العالمية قاسية ولكنها غير مباشرة ومحدودة عسكريا. واقتصرت الاشتباكات على معارك في المحيط (كوريا، فيتنام، أنجولا، إلخ). وبعد أن أصبحا سادة العلاقات الدولية، كان لقوتي الحرب الباردة مصلحة موضوعية في استمرار هذا الاحتكار الثنائي العدائي.
الطريق الخاص لأوروبا
اليوم، العلاقات الصينية الأمريكية أكثر تكافلية وأقل استقرارًا من العلاقات بين الخصمين الشريكين في القرن العشرين. فمن زاوية النظر الامريكية، تعتبر التبعية الاقتصادية المتبادلة مع الصين عدوانًا وليست سببًا للتهدئة. وبالنسبة لإدارة ترامب، ليست التجارة علاجًا للحرب، ولكنها شكل من أشكالها.
في الخطابات الأمريكية، أصبح خطر الحزب الشيوعي الصيني موضوعًا للحملة الانتخابية، وفي نفس الوقت، موضوعًا مركزيًا للحوار الاستراتيجي للأمريكيين مع حلفائهم في آسيا وأوروبا. وتحاول إدارة ترامب إعادة تنشيط الانقسام الإيديولوجي الغائب بين العالم الحر والكتلة الشيوعية.
من جانبها، فإن جمهورية الصين الشعبية أقل ميلًا لتقاسم الهيمنة على العالم من اتحاد بريجنيف السوفياتي. فهي تشعر أنها أقوى من حليفتها السوفياتية السابقة لأنها حصلت فعلا على تكافؤ اقتصادي لم يتمكن الاتحاد السوفياتي من تحقيقه. فالولايات المتحدة تواجه اليوم قوة استراتيجية وعسكرية واقتصادية وتكنولوجية في آن واحد، ولم تعد مجرد قوة نووية ضعيفة. ومن العوامل الأكثر حدة، ان الصين لا ترى نفسها كقوة عظمى صاعدة وانما كقوة محرومة بشكل غير عادل من تفوقها من قبل الاعتداءات الاستعمارية الغربية. إنها تبني نهضتها على أساس ضغينة جيوسياسية قديمة. وبينما استغل الاتحاد السوفياتي نظام الأمم المتحدة، فإن الصين اليوم تقوضه ببطء. وتسعى الصين إلى الانتصار، وليس الإبقاء على الوضع القائم التطوري للحرب الباردة.
في هذه “الحرب الباردة الجديدة”، دعت الولايات المتحدة بانتظام أوروبا إلى الانحياز إلى جانبها، لصالح المصالح الأمريكية بالطبع. لكن، يجب على الاتحاد أن يتخلى عن أوهامه: إن هيمنة جديدة مشتركة وسلمية على العالم من قبل الصين والولايات المتحدة في شكل مجموعة ثنائية تحل محل مجموعة السبع أو مجموعة العشرين، ستكون مضرّة. فميزان القوى بين الولايات المتحدة والصين أكثر هشاشة، وبالتالي أقل استقرارا مما كان عليه مع الاتحاد السوفياتي.
والاصطفاف غير المشروط إلى جانب الولايات المتحدة، في انعكاس تاريخي لتماسك كتل الحرب الباردة، سيغذي التوترات أكثر من ان يحدّ منها. ففي مواجهة الصين، لأوروبا مطالبها الخاصة في مجالات الحماية ضد الاستثمار، وحماية البيئة، وأمن التزوّد، وقانون المنافسة، والحفاظ على الملكية الفكرية. وعليها تبديد فكرة الحرب الباردة المستقطبة إلى كتلتين من أجل الدفاع بشكل أفضل عن مصالحها الخاصة بمقاومة بكين ورفض الانحياز غير المشروط لواشنطن.
إنها ليست “حربا باردة جديدة” تولد، بل لعبة تتسابق فيها العديد من القوى المتنافسة ضد بعضها البعض، ويجب ألا يكون الاتحاد الاوروبي الخاسر الأكبر.
* استاذ محاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة موسكو.
-- العلاقات الصينية الأمريكية أقل استقرارًا من العلاقات بين الخصمين الشريكين في القرن العشرين
-- كانت المنافسة العالمية بين الكتلة السوفياتية والكتلة الغربية قاسية ولكنها غير مباشرة ومحدودة عسكريا
-- تحاول إدارة ترامب إعادة تنشيط الانقسام الإيديولوجي المفقود بين العالم الحر والكتلة الشيوعية
-- تتصاعد التوترات العسكرية في آسيا حيث يصطدم التوسع الصيني بحلفاء الولايات المتحدة
-- الجغرافيا السياسية اليوم ليست موازين قوى الأمس، ومخاطر الغد تختلف اختلافا كبيرا عن مخاطر الحرب الباردة
في مواجهة الطفرة الجيوسياسية الحالية، نجد في المراجع التاريخية ما يطمئن. تعطي الحرب الباردة الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة ضد الصين وجهاً مألوفاً للتنافس العالمي والمتعدد الأوجه بين القوتين في القرن الحادي والعشرين.
ومع ذلك، فإن المنافسة الصينية الأمريكية الحالية غير مستقرة بنسبة أكبر مما كانت عليه أيام الاتحاد السوفياتي. وبدلاً من تأجيج منطق خادع للكتل، يجب على أوروبا أن تؤكد مصالحها الخاصة تجاه الصين. إن الجغرافيا السياسية اليوم ليست موازين قوى الأمس، ومخاطر الغد تختلف اختلافا كبيرا عن مخاطر الحرب الباردة. وكما كان الحال أيام الاتحاد السوفياتي، فإن المنافسة على الهيمنة العالمية محتدمة في جميع المجالات وفي جميع القارات. بعد حرب دونالد ترامب الجمركية ضد الصادرات الصينية في 2018، تحوّل الصراع الصحي حول وباء كوفيد-19 إلى مواجهة دبلوماسية: أغلقت السلطات الأمريكية في الآونة الاخيرة القنصلية الصينية في هيوستن، تكساس، مما أدى إلى عملية انتقام، تمثلت في إغلاق الممثلية الأمريكية في تشنغدو، سيتشوان. أما الصدام بين القيم الصينية والقيم الغربية، فهو جزء من الخطاب العادي للقادة الصينيين والأمريكيين. تتصاعد التوترات العسكرية في آسيا حيث يصطدم التوسع الصيني بحلفاء الولايات المتحدة: اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايوان والهند. وفي أوراسيا والمحيط الهندي، تستفيد “طرق الحرير” الجديدة لشي جين بينغ من الانسحاب الأمريكي. وفي إفريقيا، يتراجع الغرب أمام بكين.
إن الاضطرابات الجيوسياسية الحالية سريعة للغاية ومربكة الى درجة أن شبكة القراءة المثبتة (المواجهة بين الكتلة السوفياتية والكتلة الغربية) تبعث على الاطمئنان. من عام 1947 الى عام 1991، كانت الحرب، بين القوتين العظميين الأمريكية والسوفياتية، مستحيلة والسلام غير محتمل، باستخدام تعبير آرون الشهير. وبعبارة أخرى، كانت تلك المنافسة العالمية قاسية ولكنها غير مباشرة ومحدودة عسكريا. واقتصرت الاشتباكات على معارك في المحيط (كوريا، فيتنام، أنجولا، إلخ). وبعد أن أصبحا سادة العلاقات الدولية، كان لقوتي الحرب الباردة مصلحة موضوعية في استمرار هذا الاحتكار الثنائي العدائي.
الطريق الخاص لأوروبا
اليوم، العلاقات الصينية الأمريكية أكثر تكافلية وأقل استقرارًا من العلاقات بين الخصمين الشريكين في القرن العشرين. فمن زاوية النظر الامريكية، تعتبر التبعية الاقتصادية المتبادلة مع الصين عدوانًا وليست سببًا للتهدئة. وبالنسبة لإدارة ترامب، ليست التجارة علاجًا للحرب، ولكنها شكل من أشكالها.
في الخطابات الأمريكية، أصبح خطر الحزب الشيوعي الصيني موضوعًا للحملة الانتخابية، وفي نفس الوقت، موضوعًا مركزيًا للحوار الاستراتيجي للأمريكيين مع حلفائهم في آسيا وأوروبا. وتحاول إدارة ترامب إعادة تنشيط الانقسام الإيديولوجي الغائب بين العالم الحر والكتلة الشيوعية.
من جانبها، فإن جمهورية الصين الشعبية أقل ميلًا لتقاسم الهيمنة على العالم من اتحاد بريجنيف السوفياتي. فهي تشعر أنها أقوى من حليفتها السوفياتية السابقة لأنها حصلت فعلا على تكافؤ اقتصادي لم يتمكن الاتحاد السوفياتي من تحقيقه. فالولايات المتحدة تواجه اليوم قوة استراتيجية وعسكرية واقتصادية وتكنولوجية في آن واحد، ولم تعد مجرد قوة نووية ضعيفة. ومن العوامل الأكثر حدة، ان الصين لا ترى نفسها كقوة عظمى صاعدة وانما كقوة محرومة بشكل غير عادل من تفوقها من قبل الاعتداءات الاستعمارية الغربية. إنها تبني نهضتها على أساس ضغينة جيوسياسية قديمة. وبينما استغل الاتحاد السوفياتي نظام الأمم المتحدة، فإن الصين اليوم تقوضه ببطء. وتسعى الصين إلى الانتصار، وليس الإبقاء على الوضع القائم التطوري للحرب الباردة.
في هذه “الحرب الباردة الجديدة”، دعت الولايات المتحدة بانتظام أوروبا إلى الانحياز إلى جانبها، لصالح المصالح الأمريكية بالطبع. لكن، يجب على الاتحاد أن يتخلى عن أوهامه: إن هيمنة جديدة مشتركة وسلمية على العالم من قبل الصين والولايات المتحدة في شكل مجموعة ثنائية تحل محل مجموعة السبع أو مجموعة العشرين، ستكون مضرّة. فميزان القوى بين الولايات المتحدة والصين أكثر هشاشة، وبالتالي أقل استقرارا مما كان عليه مع الاتحاد السوفياتي.
والاصطفاف غير المشروط إلى جانب الولايات المتحدة، في انعكاس تاريخي لتماسك كتل الحرب الباردة، سيغذي التوترات أكثر من ان يحدّ منها. ففي مواجهة الصين، لأوروبا مطالبها الخاصة في مجالات الحماية ضد الاستثمار، وحماية البيئة، وأمن التزوّد، وقانون المنافسة، والحفاظ على الملكية الفكرية. وعليها تبديد فكرة الحرب الباردة المستقطبة إلى كتلتين من أجل الدفاع بشكل أفضل عن مصالحها الخاصة بمقاومة بكين ورفض الانحياز غير المشروط لواشنطن.
إنها ليست “حربا باردة جديدة” تولد، بل لعبة تتسابق فيها العديد من القوى المتنافسة ضد بعضها البعض، ويجب ألا يكون الاتحاد الاوروبي الخاسر الأكبر.
* استاذ محاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، وأستاذ سابق للعلوم السياسية في جامعة موسكو.