الصين عملاق خارج السيطرة «2»

الخبراء واجهوا فخاخا: رواية الصين بشأن كوفيد -19...؟

الخبراء واجهوا فخاخا: رواية الصين بشأن كوفيد -19...؟

-- تخشى الحكومة الصينية أن تحمّلها بعض الدول مسؤولية الوباء وتطالب بتعويضات
-- أجبرت السلطات الصينية المحققين على العمل بالوثائق الوحيدة التي قدمتها لهم
-- لا يزال الاقتصاد الصيني يتمتع بالكثير من نقاط القوة والأوراق الرابحة
-- الخبراء في لجنة منظمة الصحة العالمية تم اختيارهم... من قبل بكين!
-- كان من الصعب وضع فرضيات غير تلك التي تطرحهـا الســلطات الصينيـة


تطلّب الأمر عامًا على الأقل حتى يُسمح لفريق من منظمة الصحة العالمية بزيارة الصين. وقد أتاح التأخير متسعًا من الوقت لحكومة شي جين بينغ لإزالة الآثار الأكثر وضوحًا على تقاعسها، ولإعداد الشهود لتلاوة الدور الذي كتب لهم.
والأسوأ من ذلك، أن الخبراء في لجنة منظمة الصحة العالمية تم اختيارهم... من قبل بكين!

اعتاد الحزب الشيوعي الصيني على العروض والاستعراضات الكبرى. في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، قدمت الحكومة الصينية للأجانب أو الصحفيين أو المثقفين أو الزوار العاديين نسخة مثالية عن الصين.
وتم اختيار الصينيين المسموح لهم بالتحدث إلى الأجانب بعناية، وكان عليهم حفظ الإجابات التي سيقدمونها.

مسرح كبير
يبدو أن شي جين بينغ، المعجب جدًا بماو تسي تونغ، قد استعاد ممارسات هذا الاخير المسرحية.
ومُنع سكان مدينة ووهان من التحدث في الأماكن العامة.
وكان الفنان “آي وي وي”، وهو فنان مناهض للنظام يعيش الآن في أوروبا، قد جمع 300 ساعة من اللقطات الوثائقية التي أرسلها إليه سكان البلدة.
نرى أطباء محطمين محبطين، وسكان مقفلين في منازلهم، وشهادات مفجعة. كل أنواع الأشخاص الذين لم ترغب السلطات الصينية في ان يقابلهم وفد منظمة الصحة العالمية.
كما أجبرت السلطات الصينية المحققين على العمل بالوثائق الوحيدة التي قدموها لهم.
ومن الصعب في ظل مثل هذه الظروف وضع فرضيات غير تلك التي تطرحها السلطات الصينية.

حادث في مختبر؟
هاجمت مجموعة من الخبراء المستقلين، على وجه الخصوص، رفض محققي منظمة الصحة العالمية النظر في فرضية حادث في المختبر.
ووفقًا لهؤلاء الخبراء المستقلين، ظهر فيروس كورونا مشابه جدًا لفيروس كوفيد-19 في الصين عام 2012، وأخذ علماء الفيروسات الصينيون عينات منه.
وتكمن مسؤولية الصين بشكل أساسي في البطء الذي رفعت به الحكومة الصينية حالة التأهب الدولي.
ومن المحتمل جدًا أن يكون الأطباء في ووهان على علم بوجود فيروس كورونا جديد شديد العدوى في الصين قبل عيد الميلاد.
ويكاد يكون من المؤكد أن الحكومة الصينية كانت تعلم منذ بداية تفشي المرض في ووهان أن كوفيد-19 كان معديًا من الإنسان إلى الإنسان.

أكاذيب وسرية
من الواضح أن الحكومة الصينية أخفت العدد الحقيقي للموتى في ووهان، وربما في عدة أجزاء من الصين.
فلماذا هذه الأكاذيب وهذه السرية وهذا التلاعب؟ لأن شي جين بينغ ينمّي الصورة القائلة بأن إدارته كفؤة ومعصومة عن الخطأ.
ولأن الحكومة الصينية تخشى أن بعض الدول تحمّل الصين مسؤولية الوباء وتطالب بالتعويضات.

الفيروس لم يضعف اقتصادها
إذا سلّمنا بالأرقام الرسمية، فإن الاقتصاد الصيني يتمتع بصحة جيدة منذ اقتراب نهاية جائحة كوفيد-19 على أراضيها.
ومن المفترض أن يشهد نموًا يزيد عن 7 بالمائة عام 2021. إلا أن السلطات الصينية أصبحت أكثر غموضاً وأكثر تكتما للحصول على الحقائق بشكل صحيح.
للوهلة الأولى، من المنطقي توقع نمو جيد للاقتصاد الصيني عام 2021، لأن الوباء انتهي هناك في وقت أبكر من أي مكان آخر.
ويتوقع صندوق النقد الدولي نموًا بأكثر من 8 بالمائة في الصين عام 2021.
لكن الصينيين يعتمدون قليلاً على شبكة الأمان الاجتماعي الحكومية لمساعدتهم في أوقات الشدة. إنهم يفضلون ادخار أموالهم، وقد زادت معدلات الادخار بشكل كبير عام 2020.

أين ستذهب المدخرات؟
هل سيتم استخدام هذه المدخرات للنمو الاقتصادي؟ يمثل الإنفاق الأسري 55 بالمائة من الاقتصاد الصيني، وتريد الحكومة زيادة هذه النسبة. فهل سيزيد الصينيون من استهلاكهم؟ غير متأكد.
بمعنى، إذا كان التضخم الرسمي هو 3 بالمائة، فإن أسعار المنتجات الاستهلاكية المنزلية قد ارتفعت إلى ما هو أبعد من هذا الرقم الرسمي. وبالمثل، يستمر ارتفاع أسعار المساكن. وهذا ما يقلق الصينيين ويشجعهم على الادخار أكثر.
من جهة اخرى، فإن اعادة نقل سلاسل التزويد الى بلدانها الاصلية يمكن أن يضر بالاقتصاد الصيني.
 فبعد الدروس المستفادة من نقص الإمدادات الطبية أثناء جائحة كوفيد-19، تريد الاقتصادات الكبرى إعادة إنتاج المنتجات الاستراتيجية إلى الوطن.

استهلك امريكي
إلى هذا، ينضاف أمر تنفيذي يعزز أحكام قانون شراء البضائع الأمريكية الذي وضعه جو بايدن.
ويبدو أن الإجراءات الحمائية الأمريكية الجديدة تهدف إلى مواجهة استيراد البضائع الصينية أكثر من المنتجات التي يصنعها حلفاء الولايات المتحدة.
وحتى الآن، قرر عدد قليل من الشركات الأمريكية والأجنبية مغادرة الصين، لكن يتوقّع زيادة أعدادهم.
ورغم هذه المخاطر، فإن الاقتصاد الصيني بعيد كل البعد عن أن يكون على وشك الانهيار، فهو يملك احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية.
وشركاء الصين، الذين من المتوقع أيضًا أن يواجهوا انتعاشًا اقتصاديًا في أعقاب الوباء، سيعملون بدورهم على تغذية الاقتصاد الصيني.
بشكل عام، لا يزال الاقتصاد الصيني يتمتع بالكثير من نقاط القوة والأوراق الرابحة.
* أستاذ العلوم السياسية متخصص في الصين وآسيا -جامعة مونريال كندا