الصين تواصل توسعها الاستراتيجي.. شراكات متعددة وأهداف عالمية
تناول أستاذ العلوم السياسية مردخاي خازيزا كيف أعادت الصين، في القرن الحادي والعشرين، توجيه سياستها الخارجية نحو بناء شبكة مرنة وواسعة من الشراكات العالمية. وعلى خلاف النموذج الغربي القائم على التحالفات الدفاعية الرسمية، اعتمدت بكين نهجاً قائماً على المصالح، يمنحها قدرة استراتيجية على التكيف والانخراط في بيئات جيوسياسية معقدة. ومع تزايد مكانة الصين العالمية، يؤكد خازيزا في مقاله بموقع مجلة «ناشونال إنترست» الأمريكية، أن هذه الاستراتيجية القائمة على الشراكات تلعب دوراً محورياً في صياغة علاقتها بالشرق الأوسط وفي رؤيتها الأوسع لإعادة تشكيل النظام العالمي.
شبكة الشراكات الاستراتيجية للصين
وأشار الكاتب إلى أن البنية الدبلوماسية الصينية تتسم بدرجة عالية من التعقيد والدقة، حيث تعتمد تصنيفاً غير رسمي للشراكات يتراوح بين «علاقات تعاونية ودية» و»شراكات استراتيجية شاملة»، بما يعكس تفاوت مستويات التعاون السياسي والاقتصادي والأمني.
وأبرمت الصين منذ نهاية الحرب الباردة أكثر من 20 نوعاً من الشراكات مع نحو 100 دولة، فضلاً عن العديد من المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ورابطة آسيان وجامعة الدول العربية، وهو ما يتيح لبكين تخصيص علاقاتها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، من دون أن تُقيد نفسها بتحالفات جامدة.
إطار «العصر الجديد»
وقال الكاتب إن مفهومي «مجتمع المصير المشترك» وإطار «العصر الجديد»، اللذين أطلقهما الرئيس شي جين بينغ، يمثلان حجر الزاوية في الدبلوماسية الصينية المعاصرة.
وأصبح «مجتمع المصير المشترك»، الذي وقعت الصين اتفاقيات بشأنه مع ما لا يقل عن 22 دولة، أداة رئيسة لتعزيز بيئة دولية متسقة مع النموذج الصيني للحكم والتنمية.
أما «العصر الجديد»، الذي أُدرج في دستور الحزب الشيوعي الصيني عام 2017، فيعكس قناعة بكين بتحول ميزان القوى العالمي لصالحها. وأوضح الكاتب أن هذين المفهومين لا يقتصران على الخطاب السياسي، بل يشكلان إطاراً عملياً لإعادة تموضع الصين في النظام الدولي، عبر دفع الدول الأخرى إلى الاعتراف بريادتها أو التماهي مع رؤيتها.
وغالباً ما تتبنى الدول المنخرطة في «العصر الجديد» مواقف متحفظة تجاه الأطر الغربية التقليدية، مما يعزز جهود الصين لتوسيع دائرة حلفائها الاستراتيجيين.
الحضور الصيني المتنامي في أفريقيا والشرق الأوسط
وأشار الكاتب إلى أن «قمة منتدى التعاون الصيني-الأفريقي» لعام 2024 مثّلت تحولاً محورياً في علاقات الصين مع أفريقيا، حيث رفعت بكين مستوى شراكاتها مع جميع الدول الأفريقية إلى صيغة «مستقبل مشترك للعصر الجديد»، في خطوة تعكس طموحها لتعزيز نفوذها كأبرز فاعل خارجي في القارة على حساب التراجع الغربي.
ورأى الكاتب أن هذا التوسع الصيني يحمل آثاراً عميقة على موازين القوى الدولية ويدفع الدول الأفريقية إلى إعادة صياغة شراكاتها بما يخدم مصالحها التنموية ويعزز مكانتها التفاوضية.
وفي الشرق الأوسط، تعتمد الصين، حسب الكاتب، مقاربة مختلفة تقوم على الانخراط الثنائي بدلاً من الأطر المتعددة الأطراف كما في أفريقيا، مع تركيز خاص على التعاون الاقتصادي وأمن الطاقة والاستثمار في البنى التحتية، بعيداً عن مبادرات دبلوماسية متعددة الأطراف. ورغم تعاظم الحضور الصيني، فإن تعقيدات المنطقة وهيمنة الولايات المتحدة الأمنية لا تزال تقيد الطموحات الصينية. ومع ذلك، توسع بكين شراكاتها تدريجياً، بما في ذلك مع إسرائيل الحليف التقليدي لواشنطن، عبر «شراكة شاملة مبتكرة» تركز على التعاون التكنولوجي والاقتصادي.
تأطير العلاقات
الصينية-العربية
ولفت الكاتب النظر إلى أن الصين كثفت جهودها لتعزيز علاقاتها مع العالم العربي عبر منصات دبلوماسية «كمنتدى التعاون الصيني-العربي»، حيث شهد عام 2022 انعقاد قمتين مفصلتين مع الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي أسفرتا عن «إعلان الرياض»، الذي أرسى رؤية «مجتمع صيني-عربي بمستقبل مشترك في العصر الجديد»، واستمر هذا الزخم في عام 2024 مع تبني «إعلان بكين» وخطة تنفيذية جديدة، إضافة إلى إعلان الرئيس شي عن قمة ثانية مرتقبة في 2026، مما يعكس التزام بكين العميق بتوسيع نفوذها الاستراتيجي في المنطقة العربية.
التحديات أمام
الاستراتيجية الصينية
على الرغم من الطموحات الكبيرة، يحذر الدكتور خازيزا من العقبات التي قد تعرقل المسار الصيني، مثل التوترات الإقليمية وتعقيدات السياسات الداخلية للشركاء واستمرار التأثير الغربي. ومع توسع دور الصين في مناطق الصراع، قد تجد نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في مبدأ عدم التدخل الذي تبنته طويلاً.
ورأى الكاتب أن استدامة النموذج الدبلوماسي الصيني ومرونته ستكونان حاسمتين في تحديد مدى قدرته على إعادة تشكيل العلاقات الدولية مستقبلاً.
وخلص الكاتب إلى أن الاستراتيجية الصينية المتنامية في الشرق الأوسط تمثل انعكاساً لطموحات أوسع لإعادة صياغة النظام العالمي. فمن خلال شبكة مرنة وهرمية من الشراكات، استطاعت الصين أن ترسخ نفوذها في مناطق حيوية، مع السعي إلى إرساء معايير بديلة للعلاقات الدولية التقليدية.
ومع ذلك، يبقى نجاح هذه المقاربة مرهوناً، وفق الكاتب، بقدرة الصين على التكيف مع التحديات الإقليمية والدولية المستجدة.