لا أرضية مشتركة تجمعهما

الفرنسي ماكرون والبريطاني جونسون، كُرْه ودي...!

الفرنسي ماكرون والبريطاني جونسون، كُرْه ودي...!

   عندما يأتي بوريس جونسون للقاء إيمانويل ماكرون في قمة دولية، وتحت أعين المصورين، فإنه يأخذ وضعية راعي البقر الذي يخرج مسدسه، أو يندفع نحوه دافعا فكه السفلي، وكأنه يريد أن يكسر له وجهه.
لقد جعل رئيس الوزراء البريطاني من أسلوب التهريج الدائم تكتيكًا يهدف إلى تحويل الانتباه وتنسيب خطورة كل شيء.
وقت الصور، يتظاهر الرئيس الفرنسي بأنه يجد ذلك مضحكا، وفي الواقع، يكره الرجلان بعضهما البعض بشكل ودي وبحرارة، ولا يجدان أي أرضية مشتركة.
   تباين في الطباع مثل تشابه بلادهما، وهذا يفسر جزئيا ذاك. فرنسا، المملكة المتحدة: إمبراطوريتان سابقتان تشعران بالحنين إلى هيمنتهما المفقودة، قوتان عسكريتان ونوويتان، مقعدان في مجلس الأمن، دبلوماسيتان كبيرتان، جيران يمكن مقارنتهما من حيث الوزن الديمغرافي ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، دولتان لا تخلوان من الغطرسة والشعور بالاستثناء.
   ماكرون وجونسون: الأول جاد وجليل، والثاني عبثي ولا عهد له ولا ميثاق. والكل يشكل كوكتيلا قابلا للاشتعال.
حتى الآن، لم تمر أزمات الأزواج بين القادة الفرنسيين والبريطانيين دون احترام متبادل.
كان فرانسوا ميتران يحترم مارجريت تاتشر، مثل جاك شيراك لتوني بلير، والعكس صحيح، رغم الخلافات الأساسية حول الميزانية الأوروبية أو الحرب في العراق، اما العلاقة بين جونسون وماكرون، فهي علاقة ازدراء متبادل.
   لم نشهد في التاريخ الحديث مثل هذا التراكم في الخلافات بين هؤلاء الاخوة-الأعداء القدامى، فرنسا وبريطانيا: صراع على تراخيص الصيد، وحول المسؤولية عن المهاجرين الذين يعبرون المانش، وحول تحالف” اوكوس” الذي ابرم على حساب فرنسا بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ويتعلق بعقد التزود بغواصات، كانت نهايته سيئة.
البريكسيت، “ألفا وأوميغا سياسة جونسون»
   لن تكون أي من هذه القضايا غير قابلة للحل إذا لم يكن هناك فيل في الغرفة: البريكسيت... هذه الكلمة البذيئة، التي يُحاول الالتفاف عليها، هي السبب الخفي للحرب الدبلوماسية الجديدة بين بريطانيا وفرنسا، لأن الزعيمين جعلا منها، بطريقة معكوسة، قلب استراتيجيتهما.
    استولى بوريس جونسون على السلطة بفضل البريكسيت، بعد أن تجاوز القضية، وأقسم أن ترك الاتحاد الأوروبي هو المفتاح لاستعادة القوة والعظمة. لذلك يجب أن يُثبت بأي ثمن أنّ البريكسيت، وهو ألفا وأوميغا سياسته، قد نجح.
 وتم انتخاب إيمانويل ماكرون في العام الذي أعقب الاستفتاء البريطاني، مستفيدًا من الصدمة التي أحدثها، مستنكرًا النزعة القومية التي أدت إليه، ومظهرا الطموح الأوروبي لفرنسا. لذلك عليه أن يثبت بأي ثمن أن البريكسيت، وهو النقيض المطلق لسياسته، قد فشل.
   لكل من الرجلين مصلحة في تأكيد عنادهما ضد منافسه من وراء المانش. ماكرون، لمواجهة الهجمات المشككة في الاتحاد الأوروبي لخصومه اليمينيين الرئيسيين قبل الانتخابات الرئاسية -إريك زمور في المقدمة. وجونسون، لإحداث تحويل وجهة، امام عودة ظهور فيروس كوفيد وقضايا فساد تنخر حزب المحافظين، ولكن خصوصا، جعل الناس ينسون ان حزمة الاخفاقات -نقص البنزين أو الغذاء أو العمالة -والتوترات التي عادت إلى الظهور في إيرلندا الشمالية -تعود للبريكسيت الذي باعه كحل معجزة لجميع المشاكل.

«أساليب بلطجية»
   يتمتع بوريس جونسون بميزة كبيرة على خصومه: لا تثقله الأخلاق، وإن احترام وعدا اعطي، ومعاهدة موقعة، حتى لو كانت دولية، هو أقل ما يثير قلقه. ان يكون هو من تفاوض بشأنها ووقّعها وصادق عليها، ووصفها بنفسه بأنها انتصار، فإن اتفاقية التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لا تغير شيئًا: فهو يريد سحب ما يضايقه فيها -البروتوكول الأيرلندي، وهو جزء مهم من المبنى.
   التكتيك: 1) فتح كل الجبهات، وبخصوص الصيد، عزل فرنسا التي تجد صعوبة في حشد الأوروبيين. 2) عض الاتحاد الأوروبي في كعب أخيل، من خلال فرض عدم احترامه للقانون على هذه المؤسسة الصارمة والخرقاء والسمجة، هي التي تقوم بالكامل وبسذاجة على احترام القانون. 3) الإيحاء بأن المعركة مع فرنسا ليست سوى قضية سمك، في حين أنها هجوم على القانون بشكل عام. على المدى القصير، أساليب البلطجة فعالة... والمشكلة هي أن ذلك سيُعرف في النهاية، حتى في بقية العالم.
*حائزة على جائزة ألبرت لوندر، وفرانسواز جيرو، ومؤلفة للعديد من الكتب منها السيرة الذاتية لميركل “لقد كانت ميركل”، و” أنجيلا ميركل، الأوفني السياسي “، ودراسة في شكل سيرة ذاتية عن أوروبا ترسم فيها تاريخ القارة العجوز من سقوط جدار برلين إلى الانكفاء القومي اليوم.