نافذة مشرعة

الكتاب والرؤساء...!

الكتاب والرؤساء...!

من الأكثر ثقافة؟ جورج بومبيدو، بالتأكيد، وهذا سيفاجئ الذين يرونه ذاك الرجل المستدير والعقلاني، وأصيل مونبوديف في قلب كانتال، بكل روح الدعابة والبساطة.   نجل معلم، “خريج دار المعلمين قادر على الكتابة”، مجاز في الآداب، مؤلف مختارات من الشعر الفرنسي، أثر كلاسيكي للغاية في المظهر، ولكن نعثر داخله على اكتشافات، لشعراء منسيين أو في أعمال العظام، وسوناتات مهملة، وابيات غير متجانسة، عاش بومبيدو في الكتب. وردا على سؤال حول انتحار استاذة، غابرييل روسير، متهمة بعلاقة حبّ مع واحد من طلابها، أجاب بمقولة للشاعر بول ايلوار، نطقها بشكل طبيعي للغاية.

كانت لإيتيان دي مونتيتي فكرة جيدة تمثلت في جمع عدد كبير من المؤلفين مهمتهم رسم بورتريه لرؤساء الجمهورية الخامسة من خلال زاوية كاشفة ... مكتبتهم. وهكذا يظهر في وضح النهار، من خلال البحث في الرفوف، الوجه الأقل شهرة للذين حكموا فرنسا.
المؤلفون قريبون من نموذجهم، ولم يتجنبوا التعاطف واللطف المبدئي، أو الإعجاب الإجباري. لكننا نكتشف الكثير من الاشياء، خاصةً تلك الصلة الجسدية بالكتابة، التي يقال إنها علامة على الطبقة السياسية الفرنسية (مع شيء من الانحياز، عندما نستحضر تشرشل، كاتب ناجح منذ شبابه، لينين، فار المكتبات المثقف، وكيندي مؤلف الأكثر مبيعا، أو إلى الثقافة الكاملة لرؤساء الوزراء البريطانيين، منهم بوريس جونسون).

   إرث من الذوق الأدبي، كان من اختصاص الغظماء القدامى، ثيرز، غيزو، هيريو، جوريس أو بلوم؟ خطأ: الأصغر منهم، ساركوزي أو هولاند أو ماكرون، يستخلصون من الكتب أسباب حركتهم. ساركوزي الدقيق والمنهجي والأقل حصولا على شهادات علمية، يملأ باستمرار، كقارئ نهم، فجواته، التي تقلصت كثيرًا اليوم، بالعمل الشرس والجاد، متقاسما مع محيطه اكتشافاته المستمرة، مصمما، كما هو الحال دائمًا، على إقناع المقربين منه بالانتساب الى وجهات نظره، في الأدب كما في السياسة.
   هولاند، الذي يُعتقد في بعض الأحيان، أنه يتغذى حصريًا بالمعاهدات الاقتصادية أو السياسية، يغرق بانتظام في كتب التاريخ الأكثر تخصصا، حيث يسافر عبر العصور بشغف وحتى جنون، وبالتالي لا يُهزم حول اسلافه القدامى الذين يغذّون رؤيته السياسية.

   ماكرون، مولع بالفلسفة والمسرح والشعر، ويقرأ بنفس القدر، ويشرح بشكل أوضح كيف أن معاشرة المؤلفين هي المساعد الحاسم لممارسة السلطة، التي تغذي الأفكار والخطاب، وتتحدث للقراء-الناخبين، وأيضًا للذين يلومون أنفسهم في صمت، على افتقارهم لذلك.

   الجنرال، الذي نشا، إذا جاز التعبير، في إحدى المكتبات، مؤلف هو نفسه، و”أحد أعظم الكتاب اللاتين في اللغة الفرنسية”، على حد تعبير لاكوتير، معجب بالكتاب بلا حدود، بل بعظماء التاريخ الأدبي، هو الذي أصبح، وقد بلغ من العمر 50 عامًا، معلما تاريخيًا، يتحاور بصمت مع شخصياته البديلة في الأدب. من القيصر أو سالوست أو شيشرون، يتذوق طعم المراحل الطويلة ذات الإيقاع الثلاثي والصيغ المبهرة التي يستخدمها هو نفسه ببراعة وقسوة. عن بيتان: “الشيخوخة هي الغرق”، وعن ألبرت ليبرون، رئيس من الجمهورية الثالثة لا طعم له: “ليكون رئيس دولة، كان يفتقر إلى شيئين: أن يكون قائدًا، وأن تكون هناك دولة.»

   جيسكار، خرّيج البوليتكنيك، يعطي بعد عام 1981، كلاسيكا في مجال الذكريات السياسية، “السلطة والحياة”، واضح ورائع، مليء بالصور الحية والحكايات الظريفة.
  انه يحاول كتابة الرواية رغم الاستهزاء والسخرية، ويؤلف أوكروني نابليونية جيدة، ويدافع في برنامج ابوستروف عن موباسان، الذي يصنّف أحيانًا في الصف الثاني من الكلاسيكيين، لكنه يجلّ لغته المرنة والدقيقة، وكلها شفافية بارعة.    كما يستمد منه أيضًا، معنى الصيغ المختصرة التي فعلت الكثير من أجل صعوده، من “نعم، لكن ...” للديغولي المنشق إلى المدمرة “سيد ميتران، إنك لا تمتلك احتكار القلب!”، التي فتحت له دون شك أبواب قصر الإليزيه.

   ميتران، على وجه التحديد، مطبوع بأسلوب متملق قليلا، ولكنه خطيب رهيب في السخرية والمشاعر، وظل طوال حياته يتأسّف على أنه لم يكن كاتبا.  يتنقل باستمرار بين المكتبات، ويجمع طبعات نادرة، ويعشق كتّاب اليمين، لكنه يعرف جوريس أو كليمنصو عن ظهر قلب. سيطر على حزبه بسبب ثقافته، وعلى الحياة السياسية من خلال صلابته الستندالية.”شخصية روائية”، قال مورياك، الذي دخل معه في حرب كلامية دون عقد، الى درجة أنه وصفه “بالكاتب الإقليمي».  لا يمكن لأي شخص الخروج أو السفر أو النوم بدون كتاب، وأحيانًا العديد من الكتب، التي غالبًا ما تكون في نسختين، نسخة فخمة للمكتبة، ونسخة جيب اخرى للاستخدام اليومي، تلوى زوايا صفحاتها أو تعجن، أو يعلق فوقها، ويسطّر ما طاب وشاء.

   يقرأ الجنرال ديغول ثلاث مرات في الأسبوع، ويختار وفقًا لتقنية مجربة، يقرأ أولاً جدول المحتويات، وبداية الفصول، والخاتمة، قبل أن يقرر ويغوص في قراءة دينية تقريبًا. ساركوزي، يبتلع كميات هائلة كهاو مستعجل يساعده فرط التذكّر لديه، والقدرة على الحفاظ على اللب دون أن ينسى أي شيء. بومبيدو، يرتكز على خلفيته الكلاسيكية الواسعة لاكتشاف أكثر الكتّاب حداثة، وهو هاو خبير لجميع الاختراعات اللغوية، التي يقيّمها كناقد أدبيّ دقيق وصارم.

   يبقى أكثرهم غموضا، جاك شيراك، الذي يدعي أنه يحب الروايات البوليسية السهلة فقط، من OSS 117 إلى SAS، ولكنه يتعهد حديقة غرائبية سرية لا تظهر إلا بشكل برقي. “البعض يقرأ بلاي بوي مخفيا في تقرير ثقيل، تقول فرانسواز جيرو، مع شيراك، العكس”. ان المدمن على الممارسة، أصبح على مر السنين، أحد أفضل المتخصصين الفرنسيين في الأدب الشرقي، واضعا هذه الرواية الصينية في مرتبة دون كيشوت أو الحرب والسلام، متفلسفا في أوقات فراغه عن غطرسة المركزية الذاتية للثقافة الغربية، والتي يأخذ مسافة منها عن طريق الارتواء بمصادر الحكمة الآسيوية أو “الفنون البدائية”، شغفه الحقيقي

   اننا نكذب إذا احتفظنا بازدرائنا للسياسيين، الذين نعتبرهم محدودين ورديئين، يتغذون من طموح أناني ومناورات هابطة المستوى... وهذه الرحلة في مكتبات الرؤساء، توضح، إذا لزم الأمر، لا يوجد شيء أخطأ من هذا.
 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot
https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/sv388/ https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/ladangtoto/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/scatter-hitam/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/blog/sv388/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/uploads/depo-5k/ https://smpn9prob.sch.id/content/luckybet89/