اللبنانيون يسترجعون ذكرى الحرب الأهلية وسط «ضبابية المصير»

اللبنانيون يسترجعون ذكرى الحرب الأهلية وسط «ضبابية المصير»


يستحضر اللبنانيون ذكرى الحرب الأهلية التي دارت رحاها في مثل هذا اليوم من العام 1975، وسط تطورات محلية وإقليمية غيرت المشهد، ما يلقي ضبابية حول مستقبل البلاد.
فالمشهد السياسي الراهن يواجه تغيرات متسارعة بعد الضربة الصاعقة التي تلقاها «حزب الله» من إسرائيل في الحرب الأخيرة، والانهيار المتسارع لنفوذ إيران لا سيما بعد سقوط النظام السوري.
وأكثر ما يزيد من غموض مستقبل البلاد، بقاء ترسبات كانت سببا في اندلاع شرارة الحرب الأهلية، تتمثل بالطائفية والولاءات الخارجية.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والباحث السياسي عامر ملاعب أن ما حصل عام 1975 لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة نظام سياسي مأزوم منذ نشأته في القرن التاسع عشر، بدءًا من تجربة «المتصرفية» وصولًا إلى الجمهورية الأولى، التي لم تستطع خلق هوية وطنية جامعة أو آليات حقيقية لإدارة التنوع اللبناني.
ويضيف لـ»إرم نيوز»: «ما شهدناه في 1975 هو انفجار تراكمات، مشدداً على أن ما لم تُعالج جذور النظام الطائفي، فإن الحرب ستظل تتربص بالجميع، ولو في صمت».
 ومن ثم، فإن التوتر الطائفي الذي تراكم منذ الاستقلال، والخلل البنيوي في النظام السياسي، أُضيف إليهما عامل جديد وخطير، هو الوجود الفلسطيني المسلح، الذي أصبح، في نظر جزء من اللبنانيين، دولة داخل الدولة، وفي نظر جزء آخر سنداً للقضية العربية.
الكاتب والباحث السياسي علي شندب علّق على هذه المرحلة، معتبراً أن القضية الفلسطينية كانت جوهراً في الانقسام اللبناني.
وأوضح في حديثه لـ»إرم نيوز» أن الاشتباك الداخلي سرعان ما استقطب تدخلات خارجية، من سوريا إلى إسرائيل، فإيران، ما حول لبنان إلى ساحة حرب بالوكالة، مضيفاً أن «الأحزاب التي خاضت الحرب لا تزال فاعلة، والخطاب الطائفي لم يتغير، مما يدل على أن أسباب الحرب لم تُحسم».
 ومنذ اللحظة الأولى، لم تكن الحرب شأناً داخلياً بحتاً، فقد تدخل الخارج، كل بحسب مصالحه، ليساند طرفاً ويقوّض طرفاً آخر، سوريا دخلت بحسابات إستراتيجية، أولاً بدعوى حماية المسيحيين، ثم للعب دور ضابط الإيقاع، أما إسرائيل فقد رأت في الفوضى فرصة لتصفية منظمة التحرير الفلسطينية، فاجتاحت الجنوب وبيروت في صيف 1982، أما إيران، فقد استثمرت في الغياب الفلسطيني لتدعم ولادة «حزب الله».
 الكاتب والمحلل السياسي غسان ريفي قال إن «الحرب انتهت رسمياً، لكنها استمرت معنوياً، والأخطر أنها لم تغب عن الحياة السياسية اليومية».
 وأضاف لـ «إرم نيوز»: «اللبنانيون يرددون شعار (تنذكر وما تنعاد)، لكنهم لم يتبنوه سلوكاً، لقد عشنا 15 سنة من الاقتتال، تلاها 35 سنة من الأمن الهش، والتوازنات الطائفية، وكلها تُثبت أننا لم نغادر لحظة الحرب فعلاً»، والسنوات الطويلة من الحرب كانت سجلاً للخراب، مجازر، تهجير، حصارات، اجتياحات. بيروت دُمّرت، المخيمات ذُبحت، الجيش انقسم، المؤسسات انهارت، والمواطن اللبناني أصبح رهينة هويته الطائفية.
أما زينب، التي تنتمي لجيل لم يعايش الحرب مباشرة، تروي أن ذاكرتها عن الحرب مبنية على روايات أهلها، حين كانت بيروت مقسمة بين شرقية وغربية، ويكفيها أنها لم تعش لحظات الرعب والتدمير.
 وقالت لـ «إرم نيوز» «تنذكر وما تنعاد»، هذه العبارة التي تحولت إلى لسان حال كل اللبنانيين، باتت تحمل بين طياتها وجعاً مشتركاً وإنكاراً خجولاً للخوف المتكرر.
 وحين وُقّع اتفاق الطائف العام 1989، بدا كأنه طوق نجاة، لكنه لم يلغِ الطائفية بل نظّمها بشكل «أكثر حداثة». فالاتفاق أنهى الحرب المسلحة، لكنه لم يُنهِ الحرب الكامنة، التي ظلت تنبض في خطاب السياسيين.
الكاتب سركيس أبو زيد أكد أن الأسباب التي أشعلت الحرب لم تُعالج، بل ما زالت قائمة بقوة، سواء في التفاوت الاجتماعي، أو تدخلات الخارج.  وأضاف لـ «إرم نيوز»: «لبنان لا يزال في حالة حرب بأشكال مختلفة، والأخطر أن التحالف بين الداخل والخارج مستمر»، داعياً إلى وعي جماعي يتجاوز الأسباب المؤسِسة للحرب، وإلى حوار عميق يتناول جوهر النظام لا شكله فقط.  وأشار إلى أنه اليوم، وبعد مرور نصف قرن على اندلاع الحرب، ما زال لبنان يحمل آثارها، فالميليشيات تحولت إلى أحزاب حاكمة، والولاءات الطائفية أعمق، والسلاح خارج الدولة واقع مفروض، والانقسام العمودي لا يزال راسخاً. وفي هذه الذكرى، تتوزع الرؤى بين من يدعو إلى التأمل، ومن يحذّر من تكرار المأساة، ومن يستذكرها بوصفها خيالاً مؤلماً، لكن السؤال الذي يبقى مطروحاً: هل خرج لبنان فعلاً من زمن الحرب؟ أم أنه لا يزال يدور في دائرة هدنة متوترة، بانتظار شرارة جديدة؟