المدنيون في سيناء تحت رحمة مفخخات داعش

المدنيون في سيناء تحت رحمة مفخخات داعش


بعد أن فروا خوفا على حياتهم عندما احتل تنظيم داعش الإرهابي قراهم في شمال سيناء، قرّر بعض السكان العودة، لكنهم يواجهون منذ حوالي شهرين خطرا من نوع آخر يتمثل في المتفجرات التي تركها الإرهابيون في المنازل خلفهم.
ويقول شاب من قرية أقطية فضل عدم ذكر اسمه لوكالة فرانس برس “فقدت شقيقة زوجتي وطفلتها البالغة من العمر تسعة أشهر بسبب انفجار قنبلة كانت مزروعة داخل المنزل».
وقتل قرابة 15 شخصا بعبوات متفجرة منذ منتصف تشرين الأول-أكتوبر في القرى المجاورة لبئر العبد، وهي بلدة تقع على شاطئ المتوسط في شبه جزيرة سيناء بشمال شرق مصر، بحسب مصادر أمنية مصرية.

وتثير هذه العبوات قلق قرابة ألف من سكان تلك القرى الذين عادوا إلى منازلهم بعد أن تركوها لمدة ثلاثة أشهر كان الجيش المصري يواصل خلالها معركته في المنطقة ضد تنظيم داعش .

وتخوض قوات الجيش والشرطة المصرية منذ بضع سنوات مواجهات عنيفة ضد تنظيم داعش الذي ينشط من خلال مجموعات وعناصر محلية.
وكان الإرهابيون صعّدوا عملياتهم في المنطقة بعد الإطاحة عام 2013 بالرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي.
وفي شباط-فبراير 2018، أطلقت قوات الجيش والشرطة عملية واسعة النطاق ضد عناصر التنظيم على المستوى الوطني، لكنها تركزت في شبه جزيرة سيناء. ولكن التنظيم واصل هجماته على قوات الأمن والمدنيين وخطوط أنابيب الغاز الاستراتيجية.

ويقول شاب آخر من أقطية عبر الهاتف لفرانس برس “فوجئنا لدى عودتنا الى منازلنا أنهم أقاموا فيها واستخدموها كمخابئ هربا من قوات الجيش وزرعوا فيها قنابل”. ويتابع “لقد سرقوا حتى مواشينا”. ويمكن الوصول الى بلدة بئر العبد من الجنوب عبر الصحراء.

وشهدت البلدة أكثر الاعتداءات دموية في تاريخ مصر الحديث عندما قتل أكثر من 300 شخص كانوا يؤدون صلاة الجمعة في مسجد في هجوم بالقنابل والأسلحة الآلية. وحمل المهاجمون أعلاما شبيهة بتلك التي يرفعها تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن هذا الأخير لم يعلن مسؤوليته عن الاعتداء ولا أي جهة أخرى.
وبحسب تقديرات لوزارة الخارجية الأميركية، قام تنظيم داعش بـ137 هجوما بعبوات ناسفة العام الماضي في مصر، إضافة إلى “هجمات شبه أسبوعية على مواقع حكومية محصنة».

ويقول مراقبون إن لجوء تنظيم داعش إلى زرع قنابل في المنازل تكتيك يعكس التحول إلى استراتيجية جديدة استخدمها الإرهابيون في دول أخرى.
وتقول رئيسة مركز “كريتيكا” للأبحاث في واشنطن نادية الدايل المتخصصة في شؤون تنظيم داعش “إن زرع القنابل في شمال سيناء هو تكرار لعمليات تنظيم داعش في العراق وسوريا».

وتضيف أن أعضاء التنظيم كرسوا “الكثير من الوقت والموارد لتفخيخ الأبواب وأثاث المنازل والأجهزة المنزلية وحتى لعب الأطفال».
وتعتقد أن “تكتيك استهداف المدنيين سيستمر على الأرجح بل سوف تستخدمه تنظيمات أخرى إرهابية».
في مدينة بيجي شمال بغداد قرب الموصل التي كانت تعتبر قلعة تنظيم داعش قبل هزيمته في العراق، كان الإرهابيون يقومون بتجهيز المتفجرات لاستخدامها في الأدوات والأجهزة المنزلية البسيطة، مثل الثلاجات وألعاب الأطفال وحتى نسخ المصاحف، وفق شهود ومسؤولين.

وقال مدنيون في شمال العراق لفرانس برس العام الماضي إنهم يخشون العودة إلى منازلهم بسبب القنابل المزروعة في أماكن غير متوقعة.
في سوريا، وفي معركتهم في معقلهم الأخير في بلدة الباغوز، وضع الإرهابيون مفخخات تحت السجاد والثلاجات، وكان بعض المتفجرات على شكل صخور. في الرقة، المعقل السابق للتنظيم الإرهابي في شمال سوريا، كانت الأنقاض بمثابة شرك لزرع العبوات الناسفة لإبطاء مسيرة المقاتلين الأكراد الذين طردوا الإرهابيين من المنطقة.

وقتل نحو ألف شخص يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش الإرهابي وعشرات من قوات الأمن والجيش في شمال ووسط سيناء منذ بدء العملية العسكرية في 2018، وفقا لأرقام رسمية.
ولا توجد حصيلة موثقة من جهة مستقلة للعمليات في شمال سيناء، وهي منطقة يصعب وصول الصحافيين اليها.
وقال سكان لفرانس برس أن الخطر الرئيسي يبقى تنظيم داعش وهجماته.

ويقول أحد السكان طالبا هو الآخر عدم الكشف عن هويته، إن مكتب محافظ شمال سيناء فتح المدارس لإيواء المدنيين بعد أن أغار تنظيم داعش على خمس قرى في محيط بئر العبد.
وجاء هذا الهجوم بعد عملية لمكافحة الإرهاب في تموز/يوليو.
وتعتبر الدايل أنه، بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا، وفرت له سيناء أرضا خصبة للتوسع.
وتقول “حتى مع محدودية موارده، أثبت تنظيم داعش الإرهابي أنه تهديد مستمر في سيناء”. وتؤكد أنهم “لن يذهبوا بعيدا على المدى القريب».