لتوثيق تراث الآباء والأجداد

الموسوعة الإماراتية للحرف والمهن والصناعات التقليدية

 الموسوعة الإماراتية للحرف والمهن والصناعات التقليدية


أشاد معالي الشيخ عبد الملك بن كايد القاسمي المستشار الخاص لصاحب السمو حاكم رأس الخيمة بجهود المؤسسات البحثية والتوثيقية وشباب الوطن في توثيق تراث الآباء والأجداد وتوجه الباحثين الإماراتيين في توثيق مكونات الحياة الإماراتية وحرف الإنسان الإماراتي منذ القدم.

جاء ذلك خلال تلقي معاليه في مجلسه بسيح الزهراء برأس الخيمة صباح أمس الإصدار الوطني الجديد " الموسوعة الإماراتية للحرف والمهن والصناعات التقليدية "  من مؤلفه الباحث الإماراتي حسن علي عبدالرحمن أل غردقة وهو من إصدارات معهد الشارقة للتراث إضافة نوعية للمكتبة الإماراتية والعربية لما ينطوي عليه من قيمة علمية وتراثية مهمة بالنظر إلى توثيقه لجوانب من التراث الإماراتي المتعلق بالحرف والمهن والصناعات التقليدية ، وجاء الإصدار في خمسة أجزاء مستقلة في أكثر من 1360 صفحة من القطع المتوسط خصص الجزء الأخير الخامس منه للحرف النسائية.

وقد تصدر الإصدار المقولة التاريخية للمؤسس الباني الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه : " لقد ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي الذي يحق لنا أن نفخر به ونحافظ عليه ونطوره ليبقى ذخرا لهذا الوطن وللأجيال القادمة "

وأعرب الباحث حسن آل غردقة أن يبـارك الله في كل الجهـود المباركـة التـي يبذلها صاحب السمو الشيخ خليفـة بـن زايـد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات، في حفظ التراث المحلي وإحيائـه ونشـره وتوثيقـه ,أنه ولـولا جهـود قيادتنا الرشيدة، وبذلهـم السخي، وحرصهـم علـى إحياء الموروث المحلـي بـكل الصـور، وفي مختلف المناسبات، لضـاع كثيـر مـن الموروثات الشعبية، ولكن الله قيـض لنـا مـن قادتنـا مـن نفـخـر بهـم، ونتمنـى أن يبقيهـم الله ذخـراً لنـا علـى مـدى الأيـام، ويبـارك في جهودهـم المثمـرة.

وقال الباحث الإماراتي حسن آل غردقة : إن الموسوعة تشمل توثيق 100 حرفة وصناعة تقليدية اعتمدت على مصادر شفاهية وعلى البحث الميداني ومطابقة الروايات من أكثر من مصدر، مشيرا إلى أن التنوع البيئي في الإمارات انعكس على تنوع الحرف وفسر انقراض معظمها بتوقف توريث الحرف داخل العائلات كما كان يحدث في السابق إضافة إلى انتفاء الحاجة لبعضها وأضاف آل غردقة : الموروث الشعبي والإرث الثقـافي إحـدى أهـم الركائـز الثقافيـة لـكل مجتمع، وصـورة معبـرة عـن الغنـى والتنوع الثقافي والاجتماعـي لهـذا البلـد .

وأنه تسعى كل دول العالـم ومنظمة اليونسكو للحفاظ علـى هـذا التراث العالمي، مـن التـراث الثقـافة المـادي وغيـر المـادي، وإحـدى صـور التـراث الثقافي غيـر المـادي الحـرف والصناعات التقليدية. لاحظنا في دراستنا الحـرف والصناعات التقليدية في الإمارات، أن المجتمع المحلـي تميز بالغنى والتنوع والتفـرد في كثيـر مـن الـحـرف والصناعات التقليدية المحليـة.

وأضاف آل غردقة : هـذا نـاتـج عـن التنـوع البيئـي، وتوافـر كـثـيـر مـن المـواد الخـام البيئيـة التـي سـاعدت علـى قـيـام هـذه الحـرف والصناعات التقليديـة المختلفة ، وانه يجـب أن نلفت الانتباه إلـى قـدرة الإنسان في هذه الأرض الطيبـة المعطـاء عـلـى التكيـف والإبـداع في صناعـة كل حاجاتـه، وتوفيـر مستلزماته المعيشية، ممـا مكنـه مـن التكيـف والإعمـار، فقـام بزراعـة أرضـه وتعميـر بلـده مـع قلة الإمكانات المتاحة.

واستدرك المؤلف : إن التطور الحضـاري و موجات التغريـب الثقافية والعمالة الوافـدة  أصبحت تهـدد هـذه الموروثات الثقافيـة، بعـد الموجات التـي جلبتهـا العمالة الجديدة والثقافة الوافـدة ، كمـا آلمه كذلـك أن يرى ذهـاب أهـل الحـرفـة والصنعة التقليدية، الذيـن لـم تـدون حرفهـم، ولا يوجـد لهـم وريـث يحافـظ علـى هـذه الحـرف، بعـد أن غيـب المـوت أصحابها، وانقطـع ذكرهـم بعدهـا؛ لذلك يرى وجوب الإسراع واتخاذ إجـراءات عاجلة وحازمـة لإنقـاذ مـا يمكـن إنقـاذه مـن موروثاتنـا الشعبية وصناعاتنـا المحليـة قبـل فـوات الأوان، وحتى لا يكـون مصيرهـا الضياع والنسيان والبكاء والرثاء علـى مـا تبقـى لـهـا مـن أثـر وجـب أن تتضافـر كل الجهـود المحليـة الحكومية والخاصـة؛ لدعـم كل الجهود الراميـة لحفـظ هـذا الإرث الثقافي الغني والثـري والغالـي علـى النفوس، وحتى لا يبقى أسير المتاحف والمنتديات والأمسيات والأمنيات.

ويأمل الباحث حسن آل غردقة أن يـرى مـا يسـر قريباً، ويبشـر بصحـوة ثقافيـة لتعـود إلى موروثاتنـا الثقافيـة مكانتهـا التـي تسـتحقها، لتبقـى نبعـاً فياضـاً يـروي الحاضر والمستقبل، ويبقـى مـورداً يستقي منـه أبناؤنا وأجيال المستقبل في بناء حاضرهـم، ورفعة وبناء مستقبل وطنهم، حفظه الله من كل سـوء وشـر، وجعلـه دائمـاً منـارة بين الأمم.

وقال آل غردقة : تشكل الحـرف والمهـن والصناعات التقليدية أحد أشكال التراث الحي الملموس والمحسوس، الذي يعكس صـورة التنوع الثقافي والتاريخي الذي كان سائدا في المجتمعات، ويرسـم لنـا صـورة عـن طبيعة الحياة اليوميـة وحاجاتهـا، وكيف استطاع الإنسان في هـذه الأرض أن يصنـع ويبـدع بيـده كل أدواتـه التـي تساعده علـى كسـب رزقـه، وتنميـة مصـادر دخلـه، وسـاعد تنـوع البيئات الطبيعيـة في الإمارات واختلافهـا، علـى ظهـور كثيـر مـن الحـرف والصناعات التقليدية المحليـة، التـي دلـت علـى غنـى البيئة المحلية، وعلى قدرة الإنسان في هذه الأرض الطيبة المعطاء على الإبداع والتميز، والقيام بأعمال ومنتجات وصناعات مختلفة، ساعدته علـى كسـب قـوتـه وبنـاء بيتـه وزراعـة أرضـه وتعميـر بلـده.

وكشف الباحث أنه للحفـاظ علـى هـذه الموروثات الثقافية، تبـذل كثيـر مـن الـدول والشعوب، وكذلك المؤسسات الدوليـة، وعلى رأسها منظمة اليونسكو، أقصـى الجهـود الممكنة لحفظ التراث العالمي وصـونـه مـن الضياع والاندثار في مواجهة الموجة التكنولوجيـة الشرسة، التي أحدثت شرخاً كبيراً في النظـرة إلـى الماضي، والموروثات الثقافية والحضارية للأمم والشعوب، حيث جاءت اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي في سنة 1972م، لحماية المورثات الثقافية والاجتماعية والحرف والصناعات لكل الشعوب في كل بلدان العالم.

وقال آل غردقة : لاتزال الدراسات والبحـوث فيمـا يتعلـق بالتـراث الحـرف وحفظـه ونقلـه، تتسـم بالقلـة والنـدرة، وتعانـي كثيـراً مـن التحديات، سـواء مـن جهـة الباحثين والمهتمين بحفـظ الـتـراث المـادي وغيـر المـادي والشـفهي، وبسبب قلـة المهتمين بهذا الجانب، ولاندثار كثيـر مـن المهـن والحـرف القديمة، وعـدم توريثهـا لمـن يضـمـن بقاءهـا واستمراريتها، ويشـكـل مـوت أصحـاب الحـرف التقليدية موتاً لهذه الحـرف أيضاً، واندثارها للأسف؛ لذلـك جـاء هـذا الكتاب في محاولـة تقـديم دراسـة جديدة تقـوم بسـد جـزء مـن هـذا الفـراغ الحاصـل في حفـظ الـحـرف والمهـن والصناعـات المحلية الإماراتية، وتقـديم مقاربـة جـادة مـن أجـل توثيـق الحـرف والمهـن والصناعات التقليدية الإماراتية، مـن خـلال الجمع بين البحث الميداني، والنـزول والبحـث عـن أصـحـاب المهن الذين لايزالـون علـى قـيـد الحيـاة، وإجـراء المقابلات الشخصية لمـن أمـكـن الوصـول إليهـم، والبحـث عـن المهـن المفقـودة في المصادر المكتوبة والمطبوعة والسمعية والمرئية العربية والأجنبيـة، إن تعـذر العثور عليهـا في أرض الواقع. وقمـت بالتجـول في أرجاء الإمارات بحثاً عـن أصـحـاب الحـرف، وعـن الـرواة الذيـن يمكـن الاستفادة منهـم فـي شـرح هـذه الحـرف التـي اندثر كثيـر منهـا للأسف. ويجابه الباحث كثيراً من الصعاب، فأحياناً لا يلقى القبـول مـن صاحب الرواية، أو يواجه بالرفض، مما يصعب جمع المادة البحثية. وفي بعض الأحيان لا تسعفنا المصادر المكتوبة والمسموعة في جمع المعلومات الكافية عن بعض المهن والصناعات القديمة، وهذا يعني ضياع بعض المهـن مـع كل الأسـف.

ومـع هـذا وجد الباحث كثيـراً مـن التعاون والتشـجيـع مـن بعـض الباحثين وأصحـاب الاختصـاص في ميدان التراث والحـرف التقليدية، وخص بالذكـر الباحث الأستاذ إبراهيـم اللاغش، والأستاذ الباحث جمعـة بـن ثالث وتقدم بالشكر لبنـي شميلي في إمارة رأس الخيمة، الذيـن لـم يبخلوا عليه في تقديم كثيـر مـن المعلومات، وسهلوا لـه إجـراء كثيـر مـن المقابلات المهمـة عـن الحـرف والصناعـات التقليدية مع كبـار السـن مـن منطقـة شـمل في إمارة رأس الخيمة، وشـكر كل الآباء والـرواة الذيـن لم يقصـروا في توضيـح كل مـا أمـكـن عـن الحـرف والصناعات القديمة، وشكر لهـم تعاونهـم في حفظ التراث الإماراتي، وجزاهـم الله كل خيـر.

وتمنـى الباحث أن يكـون هـذا البحـث قـدّم ولـو جـزءاً يسيراً يفيـد الباحثين في مجـال الحـرف والصناعات التقليدية في الإمارات، وأوضـح بعـض الجوانب التـي لـم يكـتـب عنها سابقاً في مجال الحـرف التقليدية. ولكـن الموضـوع لا يـزال ناقصـاً، ولـم يعـط القـدر الـذي يستحقه مـن البحـث والاهتمـام والتوثيـق .