على خشبة المسرح في أورلاندو

النجم دونالد ترامب، «كمان وكمان»...!

النجم دونالد ترامب، «كمان وكمان»...!

-- لم يقل ترامب أنه سيترشح مرة أخرى عام 2024، لكنه ألمح إلى ذلك بين السطور
-- شدد على أن الجمهوريين بالاسم سيدمرون الحزب
-- وهو على الخشبة، لم يكن الملياردير رئيسًا سابقًا خضع لمحاولتي عزل وفشل في إعادة انتخابه
-- سيكون اختبار تأثير ترامب الحقيقي داخل الجمهوري في انتخابات منتصف المدة لعام 2022
-- يرى ترامب، أنّ أمن الولايات المتحدة مهدد من الخارج، من قبل المهاجرين، وليس من الداخل


   لقد كان خطابًا مليئًا بالأكاذيب والمرارة ونبرة انتقامية ألقاه ترامب في ختام مؤتمر العمل السياسي المحافظ 2021 في أورلاندو أمام جمهور مكتسب لقضيته. تاركا الشك يحوم حول ترشّحه عام 2024، أظهر بشكل خاص رغبته في السيطرة على الحزب الجمهوري، وإذا لزم الأمر باستخدام التهديد.
   في كل عام، يعقد مؤتمر العمل السياسي المحافظ اجتماعه الكبير: شخصيات مشهورة من اليمين الأمريكي المتشدد تتتالى لتذكّر بمبادئها، وقيمها، وأولوياتها، ولتسمية “ملوكها” أيضًا.

  انتهت دورة 2021، التي عُقدت في أورلاندو بولاية فلوريدا، في 28 فبراير. منظمّة على أساس الحضور الشخصي، وفي ضوء الصور، لم يهتم الجمهور كثيرًا بالتباعد الجسدي ونادرًا ما كان يرتدي الكمّامة...
   كان اخر خطاب منتظراً بفارغ الصبر حيث كان دونالد ترامب، بصفته ضيفا نجما، هو الذي سيلقيه، وقد وصل متأخرًا جدًا. وفي أول ظهور علني له منذ مغادرته البيت الأبيض، تحدث لأكثر من ساعة ونصف، ممارسا حقيقة لعبة عبادة الشخصية.
    في أورلاندو، لم يكن رئيسًا سابقًا خضع لمحاكمتي عزل، وخسر مرتين التصويت الشعبي، وفشل في إعادة انتخابه، هو من يقف على المسرح، أمام جمهور ترامبي بأغلبية ساحقة... لقد كان ترامب الحملات والاجتماعات منذ عام 2015: انتقامي، صارخا في بعض الأحيان، مهددا، مشيرا إلى أعدائه، وخصوصا كذب كثيرًا.

   بعد هجوم لاذع طويل منتقدا تصرفات جو بايدن، الذي، إذا أخذنا ترامب حرفيًا، حقق قدرًا كبيرًا من الأشياء (كلها سيئة) في اقل من شهر على توليه منصبه، تباهى الرئيس المهزوم بإنجازه ولاية استثنائية، ثم تحدث عن المستقبل، كل ذلك في غمز وهمز وتلميح، كما لا يجيده سواه.
   تخللت الأكاذيب كامل الخطاب: بالنسبة له، تم تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020، الديمقراطيون مارسوا الغشّ، وسرقوا منه الفوز. لم يقل دونالد ترامب أنه سيترشّح مرة أخرى عام 2024، لكنه ألمح إلى ذلك بين السطور، بما في ذلك “القدرة على الفوز للمرة الثالثة».

صوّر بايدن كرئيس متساهل
    انتقامًا، عاتب ترامب (الذي كان مهووسًا بتدمير إرث أوباما في البيت الأبيض) الرئيس الجديد لرغبته في تحطيم كل ما فعله. وهكذا، انتقد بايدن بسبب تساهله المزعوم بشأن الهجرة -رغم أن هذا الأخير لم يوقّع، في هذه المرحلة، إلا على عدد قليل من المراسيم، الا ان أحدها رمزي: نهاية التمويل لبناء الجدار على طول الحدود المكسيكية.

    بالنسبة لترامب، الذي باستطاعته كتابة سيناريو الموسم المقبل من أوزارك، فإن الكارتلات والمخدرات، “الوحوش المفترسة الخطرة”، تجتاح الولايات المتحدة. المهاجرون، غير المتعلمين والخطرين (“البلدان الأخرى لا ترسل لنا ألمع ما عندها”)، “سيصلون بالملايين”. ومستخدما الإشارة التقليدية لليمين المتطرف للأمراض التي يحملها الأجانب، أضاف ترامب، أن المهاجرين لا يولون سوى القليل من الاهتمام للأمن الصحي، كما يتضح من مثال “الفيروس الصيني” (فيروس كورونا)، بحسب قوله. ومع ازدهار العنصرية المعادية لآسيا في الولايات المتحدة بسبب كوفيد، فإن هذه العبارة لا يمكن إلا أن تصب الزيت على النار.

   ويرى ترامب، أنّ أمن الولايات المتحدة مهدد من الخارج، من قبل المهاجرين، وليس من الداخل على الإطلاق. لذلك لم يتحدث عن الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير، ولم يتحدث أبدًا عن الإرهاب المحلي اليميني المتطرف، في حين أنه موضع اهتمام شديد من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكن، بسماعه، فإن الصوابية السياسية و”ثقافة الإلغاء”، واليسار الراديكالي “الشرير”، تشكل جميعها مخاطر داخلية حقيقية (ماذا يعني ذلك عمليًا؟ لم يقل شيئًا عن ذلك). ومع ذلك، فإن الرئيس السابق هو نفسه متخصص في “ثقافة الإلغاء” لأنه طرد كل الذين لم يخلصوا تمامًا له، بما في ذلك، وخاصة، عندما سعى إلى الالتفاف على المؤسسات ومغازلة القانون (نفكر بشكل خاص في حملة 2016 والمساءلة الأولى).

   وتجدر الإشارة إلى مقطع لذيذ من الخطاب، مكرس للرياضيات. لم يُعرف عنه حتى الان اهتمامه بالدفاع عن حقوق المرأة، ومع ذلك فقد اعتبر ان هذه الأخيرة تتعرض للتهديد في المجال الرياضي بسبب المتحولين جنسياً (ولدوا رجالا) الذين سيحرّفون النتائج.
   هذه الجملة، التي تنتقد سياسات بايدن لصالح حقوق المثليين (محاربة التمييز التي عززها ترامب، ويصوت حاليًا على قانون المساواة في الكونجرس، القوة الناعمة الدولية للدفاع عن الأقليات الجنسية)، كان القصد منها فقط الإيذاء (وجعل الجمهور يضحك)، وهي جملة تشهد مجددا على جهله التام بهذه المواضيع، فهذا هو الهوس الترامبي بالهوية مرة أخرى. وقال لاحقًا: “ندافع عن القيم اليهودية المسيحية ونرفض “ثقافة الإلغاء” (مجددا)...

التباهي بسجله الحافل
   إذا صدّقنا الرئيس المهزوم، فإن اكتشاف اللقاح وتوزيعه في مثل هذا الوقت القصير فان الفضل يعود اليه. لذلك، قال إن إدارة ترامب أنقذت أجزاء كبيرة من العالم من كوفيد، وليس فقط الولايات المتحدة، مع الأسف “وسائل الإعلام لا تقول ذلك، لأنها تكذب”. وكان قد أوقف حروبا أيضًا، وجعل الصين تدفع، ودافع عن وظائف استخراج الوقود الأحفوري والتعدين (وظائف ذكور).

   وبفضل ترامب أيضًا، تمّت إعادة انتخاب العشرات من النواب المحليين وأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء الكونجرس في نوفمبر الماضي. ربما كان زعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل مسرورًا لسماع أنه مدين لترامب بإعادة انتخابه لولاية سابعة.
     وعلينا أيضًا أن نفهم هذا المقطع على أنه تهديد مستتر ضد الذين واللاتي، منهم ليز تشيني، التي وُصفت بأنها “عدوانية” وأثار ترامب ضدها صيحات استهجان، الذين لم يدعموه. في الواقع، قال، “الجمهوريون بالاسم فقط، سيدمرون الحزب، لكنه حزب متحد” (وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة). ذكر ترامب خصومه فردا فردا، وسرد أسماء سبعة عشر جمهوريًا في الكونجرس صوتوا للمساءلة الثانية: “تخلصوا منهم!”، صرخ للجموع.

    أراد دونالد ترامب إظهار قبضته على الحزب الجمهوري. وتكمن قوّته في خزّانه الذي يبلغ 74 مليون صوت، والخوف الذي يثيره في صفوف الحزب، والحركة التي خلقها من حوله. لقد قدم تعريفه الخاص للترامبية: “صفقات فائقة، وجسم انتخابي قوي، وضرائب منخفضة، وغياب أعمال الشغب في الشوارع (كذا)، واحترام القانون والنظام العام (كذا)، وحماية التعديل الثاني، وجيش قوي” (الذي يعتبر أنه “أعيد بناؤه بالكامل”). صحيح أن الترامبية حركة داخل الولايات المتحدة وخارجها.

   إن وعوده بالانتصارات القادمة، واستعادة الكونجرس عام 2022 والبيت الأبيض عام 2024، تظل حتى اللحظة على مستوى الخطاب. وأوضح ترامب أنه لتحقيق ذلك يجب مراجعة شروط التصويت، داعيا إلى إصلاحات مثل إنهاء التصويت عن طريق البريد أو الالتزام بحمل بطاقة هوية (اجراء يعاقب الفئات الأفقر والأقليات العرقية)، منضمّا إلى العديد من الولايات الفيدرالية المحافظة التي تمرر حاليًا قوانين لتقليص الوصول إلى التصويت.
   التبرير المقدم هو “التزوير”. ومع ذلك، فإن هذه المحاولات تتنزّل في تاريخ الحزب الجمهوري الطويل، كما يتجلى في الرغبة السائدة في جورجيا والساعية الى حظر “التصويت يوم الأحد”، في استهداف بشكل خاص للسود الذين يذهبون تقليديًا إلى صناديق الاقتراع بعد حضور المراسم الدينية. ومع ذلك، فإن هذا التصويت “شخصي”، وبالتالي لا علاقة له بالتزوير المزعوم للتصويت عبر البريد. لكن بالنسبة لترامب، إن الحزب الكبير القديم، هو “حزب الانتخابات الموثوقة”، والديمقراطيون هم من “استخدموا” الفيروس الصيني “لتغيير جميع القواعد الانتخابية”... كذبة كبرى، مرة أخرى.

   وإذا كانت هناك معارك قانونية ستأتي، فقد تم السماح ببعض هذه القوانين المحلية الجديدة من خلال حكم المحكمة العليا لعام 2013 الذي أضعف قانون حقوق التصويت لعام 1965 (الذي أزال التمييز العنصري في الوصول إلى التصويت في بعض الولايات الجنوبية). وبدل تكييف عرضه مع الناخبين الجدد، يسعى الحزب الجمهوري لمنعهم من التصويت. هل قلتم ثقافة الإلغاء؟ ... ان نظريات المؤامرة تؤدي إلى العنف (6 يناير) ، كما أنها تُستخدم كمبرر للحد من الديمقراطية.

ترامب، مستقبل
 الحزب الجمهوري؟
   على خشبة المسرح في أورلاندو، تجاهل ترامب إمكانية إنشاء حزب جديد، حيث أصر على أن الحزب الجمهوري موحّد. وتمت إعادة تنشيط السردية الشعبوية لـ “نحن” (“كل الناس في البلد”، “الشعب” ربما خيالي) مقابل “هم” (استبلشمنت واشنطن وخاصة “بعض أعضائه”، و”وسائل إعلام تروج الاخبار الزائفة”). “سنفوز: في النهاية، نفوز دائمًا... يجب أن نعيش انتصارا”، هتف ترامب في مؤتمر العمل السياسي المحافظ 2021 الذي لم يكن ممثلا للحزب الجمهوري. سيكون اختبار تأثير الملياردير الحقيقي داخله في انتخابات منتصف المدة لعام 2022، وحتى ذلك الحين، على الأقل، سيكون ترامب للجمهوريين، “مصدر إزعاج».

مديرة أبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، ومديرة مرصد النوع الاجتماعي والجغرافيا السياسية في ذات المعهد. من مؤلفاتها، “الجغرافيا السياسية للولايات المتحدة”، عن دار النشر إيروليس، 2018، “ترامب... انتقام الرجل الأبيض”، منشورات تكستويل، 2018، “الوجه الجديد لليمين الأمريكي”، منشورات FYP، 2015، «نهاية المحافظين الجدد؟ “، منشورات اليبسيس، 2009.