رئيس الدولة والرئيس المصري يبحثان العلاقات الأخوية والتطورات الإقليمية
اليسار في أمريكا اللاتينية.. لماذا يتجنب الانحياز في أزمة فنزويلا؟
عندما أُعلن عن فوز نيكولاس مادورو في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية الأسبوع الماضي، اندلعت احتجاجات فورية واتهامات بالتزوير، إذ كان مادورو متأخراً بشكل كبير في الكثير من استطلاعات الرأي، ولم يوفر المجلس الانتخابي الوطني إمكانية الوصول إلى تفاصيل التصويت كما هو مطلوب قانونياً.
وكتبت جوردانا تيمرمان في صحيفة «غارديان» البريطانية، أنه على رغم سخونة الكثير من الخطابات الصادرة عن مادورو وأنصار مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس، فإن الحكومات ذات الميول اليسارية في المنطقة لم تنحَز إلى أي من الجانبين، على رغم العلاقات الطويلة الأمد مع إدارة مادورو.
وهذا تحول ملحوظ ضمن بقايا «المد الوردي» للحكومات اليسارية التي هيمنت على دول أمريكا اللاتينية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد يوفر طريقاً لتجاوز الأزمة، ويحقق تحولاً ديمقراطياً في فنزويلا.
وقادت حكومات البرازيل وكولومبيا والمكسيك الكثير من الدول الأخرى، في مطالبة السلطات الانتخابية بالإفراج عن نتائج التصويت، لكنها امتنعت عن اتهام مادورو بارتكاب مخالفات، ولم تستخدم مصطلح «الاحتيال» ولم تدِن قمع النظام الفنزويلي أو الانتهاكات غير المقبولة لحقوق الإنسان بعد الانتخابات، ويبدو أنهم يأملون في إعادة الحكومة الفنزويلية وأحزاب المعارضة إلى طاولة المفاوضات.
استراتيجية لولا
ولعل هذا هو المثال الأكثر بروزاً لدور الوساطة، الذي يسعى إليه الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على الساحة العالمية، ودليلاً على ما تبدو عليه دبلوماسية «عدم الانحياز النشطة» عند الممارسة العملية.
وإذا نجحت استراتيجية لولا ــ التي تتبناها الكتلة الأكبر ــ فسوف يكون ذلك تأكيداً مدوياً لاستراتيجيته الدبلوماسية المعروفة بـ»الطريق الثالث» التي أسيء فهمها كثيراً، والتي تسعى إلى تعزيز المخاوف الاقتصادية للدول النامية من دون الانحياز إلى جانب، في صراع القوى العظمى في الحرب الباردة العالمية الحالية. كما أنها ستكون بوصلة أخلاقية، في منطقة حيث الديمقراطية مهددة بالتراجع على أيدي القادة المنتخبين.
ومن الممكن أن تخدم هذه الاستراتيجية كحصن انتخابي مهم، ضد صعود الحركات اليمينية المتطرفة، التي تهدد الديمقراطية في أمريكا اللاتينية.
ويمثل هذا النهج غير العدائي المدروس في التعامل مع أزمة فنزويلا، بديلاً للنهج الذي ساد في الماضي، حيث كانت دول أمريكا اللاتينية تندد بأي جانب لا يناسبها أيديولوجياً، بينما تفرض الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية بشكل صريح.
وفيما دعمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بقوة جهود التفاوض في فنزويلا، اعترفت واشنطن من جانب واحد بمرشح المعارضة غونزاليس فائزاً في انتخابات الخميس.
دعم غير مشروط
وكثيراً ما وفر الدعم غير المشروط من الدول الغربية غطاء للحكومات للقيام بتحركات استبدادية. وعلاوة على ذلك، في عالم متعدد الأقطاب حيث يمكن لفنزويلا أن تعتمد على دعم روسيا والصين - وكلتاهما هنأتا مادورو فعلاً على إعادة انتخابه - مما يخاطر بجر المنطقة إلى صراعات دولية أكبر.
وحافظ اليساريون في المنطقة تقليدياً على موقف مرن حيال كوبا، وامتنعوا لسنوات عن إدانة التراجع الديمقراطي في فنزويلا بشكل كامل.
ويعكس هذا التسامح تقليداً ثنائياً متأثراً بالحرب الباردة في المنطقة والذي حاول دائماً، بشكل خاطئ، التمييز بين استبداديي اليسار واليمين، مما سمح بطريقة أو بأخرى، بتبرير الانتهاكات المرتكبة باسم الأيديولوجية في مواجهة المعركة الأكبر بين الجانبين.
ويتعين علينا أن نفهم هذا الموقف على خلفية التدخل الأمريكي المثير للسخرية في أمريكا اللاتينية، التي دعمت لفترة طويلة الديكتاتوريات العسكرية العنيفة. وكانت المواقف الأكثر أهمية، هي تلك التي اتخذها هذا الأسبوع كل من لولا، والرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، والرئيس المكسيكي المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور والرئيسة المكسيكية المنتخبة كلوديا شينباوم، والرئيس التشيلياني غابرييل بوريك، والرئيسة التشيليانية السابقة ميشيل باشليه، والرئيسة الأرجنتينية السابقة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر. وهذه المواقف هي علامة واضحة على تحول عميق في اليسار في أمريكا اللاتينية، بعيداً عن الالتزامات الأيديولوجية. وتؤشر تصريحات الزعماء اليساريين إلى بيان رسمي لليسار الجديد في أمريكا اللاتينية، مع الأخذ في الاعتبار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية كحجر زاوية، في سياق الاستمرارية التاريخية.
وفي الواقع، استشهد بيترو وكيرشنر بإرث الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، عبر حضهما مادورو على نشر التفاصيل الانتخابية كاملة. كما أنهما لفتا إلى الأثر المدمر للعقوبات الأمريكية على الديمقراطية في فنزويلا.
والعقوبات الأمريكية على كوبا التي مضى عليها عقود، مكروهة من قبل اليسار في المنطقة، وفي هذه الإشارة تصديق على موقفهما التاريخي المناهض للإمبريالية.