وصف الباحث مارك غاليوتي قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنهاء عطلة العمل في روسيا بسبب كورونا والبدء في تخفيف إجراءات العزل العام بأنه انسحاب من الأزمة وتنازل سياسي انتقائي، إذ يحرص بوتين على الابتعاد عن المسؤولية الرهيبة للتعامل مع الوباء والإجراءات الصعبة لمكافحته، رغم الاحتفاظ بجميع مزايا السلطة.
وأعلن بوتين في خطاب تلفزيوني انتهاء “فترة عدم العمل الوطنية”، وهو التعبير الذي يستخدمه للإغلاق الذي يتوقع فيه أن يدفع أصحاب العمل رواتب عمالهم، بداية من يوم أول أول أمس الثلاثاء في جميع أنحاء البلاد ولجميع قطاعات الاقتصاد.
 
انتهاء الإغلاق
ويأتي قرار بوتين في اليوم ذاته التي سجلت فيه روسيا زيادة قياسية في الإصابتن الجديدة بفيروس كورونا، ما يجعلها ثاني أسرع معدل إصابة في العالم بعد الولايات المتحدة، بينما يجرى 170 ألف اختبار يومياً مشكوك في مدى دقتها. وقال بوتين ببساطة إن الإغلاق المفروض من قبل الحكومة الفيدرالية قد انتهى، ولكن لايزال لدى المحافظين الإقليميين الحق في فرضه على أراضيهم. كذلك، واعترف بأن المعركة مع الوباء لم تنته ولا تزال في المراحل المبكرة نظراً لغياب أي دليل على أن الوضع تحت السيطرة، بيد أن القيود المرتبطة بالوباء كان لها تأثير قوي على الاقتصاد وألحقت الضرر بملايين الروس، لذ لك فإن مصلحة الجميع عودة الاقتصاد إلى طبيعته بسرعة.

تداعيات اقتصادية وخسائر
ورغم التداعيات الاقتصادية والخسائر الناجمة عن الإغلاق، ومنطق بوتين الصحيح في منح المحافظين مسؤولية تحديد أفضل نهج لمكافحة الفيروس في أراضيهم، خاصة في ظل تباين الحالة الاقتصادية والاجتماعية والصحية العامة في هذا البلد الشاسع، إلا أن الباحث ينتقد قرار بوتين إلقاء المسؤولية على المحافظين الذين يفتقرون إلى الأموال أو السلطات أو التوجيه المتخصص.
وعلى سبيل المثال، وزعت الحكومة الفيدرالية بعض الأموال على المناطق، وهو ما كان بوتين حريصاً على تأكيده، ولكنها في الوقت نفسه فرضت تعليمات صارمة حول استخدام تلك الأموال.
ولذلك لا يتوافر لدى قادة المناطق والمدن رأسمال احتياطي لتمويل أي استراتيجية مميزة لمكافحة وباء كورونا باستثناء قادة موسكو وسان بطرسبرج وتتارستان.
وحتى مع امتلاك الحكومة الفيدرالية لاحتياطيات تصل قيمتها إلى 600 مليار دولار، فإنها لا ترغب في إنفاق هذه الأموال لمعالجة هذه الأزمة، وليس بإمكان الحكام المحليين التحكم فيها.
وعلاوة على ذلك، حتى لو توفرت لهم السلطات والموارد، فمن الصعب أن يضعوا استراتيجية جادة مصممة خصيصاً لظروف محلية محددة، ذلك أن الأمر يتطلب نوعاً من التوجيه العلمي المتخصص الذي يرتكز إلى حد كبير على المستوى الفيدرالي.

الابتعاد عن المسؤولية
ويرى الباحث أن بوتين يعمد إلى الابتعاد عن مسؤولية التعامل مع الوباء والإجراءات الصعبة لمكافحته، فرغم أنه أنشأ نظاماً سياسياً شديد المركزية، إلا أنه قرر ألا يكون القائد العام لهذه الحرب، وبدل ذلك اختار إجبار الزعماء المحليين على اتخاذ القرارات الصعبة، وباتوا مطالبين بإنقاذ الأرواح والاقتصاد، بينما يتخذ بوتين موقع المتفرج الذي يوجه إليهم الانتقادات.
وعلى الأرجح سيبذل المحافظون قصارى جهدهم، ولكن من الواضح أنه لا إجماع على نهج موحد. فقد أوضح عمدة موسكو سيرغي سوبيانين أن فترة الإغلاق ستمدد حتى 31 مايو (أيار) الجاري، مع فرض متطلبات جديدة لارتداء الأشخاص أقنعة وقفازات في المتاجر أو في وسائل النقل العام.
وعلى العكس من ذلك، وحتى قبل خطاب بوتين، كان غليب نيكيتين حاكم منطقة نيجني نوفغورود يتحدث عن تخفيف تدريجي لإجراءات الإغلاق، رغم أن منطقته تسجل أعلى زيادة في الحالات بعد مدينة موسكو ومنطقة سان بطرسبرغ.

لامركزية السلطة
ويلفت الباحث إلى أن علينا الانتظار لمعرفة النهج الذي سيكون أقدر على إنقاذ الأرواح والحفاظ على الاقتصاد. بيد أن النهج الذي يتبعه بوتين سيقود إلى تقسيم روسيا ليس جسدياً ولكن سياسياً، فهو يحتفظ بسلطة حقيقية ولكنه يعهد إلى أتباعه بمسؤولية التعامل مع عبء الوباء.
ويختتم الباحث قائلاً: “من المفارقة أن يتطلب الأمر جائحة لإعادة لامركزية السلطة في الاتحاد الروسي إلى أجندة بوتين، ولكن لأن القوى والأصول والميزانيات الرئيسية لاتزال ثابتة في أيدي بوتين، فإن تنازله عن المسؤولية سيقود إلى تقويض الاستجابة للوباء».