رئيس الدولة يؤكد دعم الإمارات لاستقرار لبنان ووحدته وسيادته وسلامة أراضيه
بين الجفاف والتعديات الاستعمارية.. مواطنو الأغوار يحرمون من مياه العوجا
بين عشية وضحاها، وجد سكان التجمعات الرعوية والزراعية في منطقة العوجا في الأغوار أنفسهم في وضع هو الأصعب منذ سنوات؛ بعد جفاف نبعهم الأهم، والذي يشكّل شريان الحياة الرئيسي في المنطقة.جفاف النبع هذا العام ، الذي جاء مبكرا جدا قبل الوصول إلى ذروة فصل الصيف، يحمل في طياته أسبابا خطيرة، ومنها: ضعف الموسم المطري، وقلة الأمطار المغذية للمخزون الجوفي، إضافة إلى الأسباب المتعلقة بتعديات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين على مصادر المياه. المواطن فرحان غوانمة الذي يقيم منذ سنوات طويلة في تجمع شلال العوجا ويعتاش من تربية الثروة الحيوانية، يقول لـ»وفا»، إن هذا العام من أقسى الأعوام التي مرت على التجمعات الرعوية في المنطقة وأصعبها، والتي تعتمد بشكل كبير على مياه نبع العوجا الذي يشكّل عصب حياة أساسي.
ويرى غوانمة أن عدة ظروف تضافرت هذا العام على سكان التجمعات الرعوية في المنطقة، فجاء ضعف موسم الأمطار الذي أدى إلى جفاف النبع ليشكل عاملا إضافيا في معاناتهم، مؤكدا أن سكان التجمعات البدوية يعانون إلى جانب ذلك منذ سنوات من ممارسات سلطات الاحتلال والمستعمرين الرامية إلى تهجيرهم من المنطقة.ومن أبرز ما تعانيه هذه التجمعات: سياسة التعطيش التي ينتهجها الاحتلال بالتعاون مع المستعمرين، الذين لم يدخروا جهدا على مدار سنوات في ملاحقة سكان التجمعات والرعاة وحرمانهم من المراعي، إضافة إلى انتهاج أساليب عديدة لحرمانهم من مصادر المياه ومن أهمها بالنسبة إليهم مياه العوجا، وهي الشريان المغذي لصمود المواطنين في المنطقة.
ويضيف غوانمة: “هذا العام وقعنا بين نارين: قلة الأمطار من جهة، وتعديات الاحتلال من جهة أخرى، معتبرا كغيره من مواطني المنطقة ، أن جفاف النبع لم ينتج فقط عن الأسباب المناخية، وإنما بسبب المخططات الاستعمارية في المنطقة، التي بدأت منذ سنوات طويلة مع حفر سلطات الاحتلال آبار مياه جوفية عميقة تضخ كميات هائلة من المياه لصالح المستعمرات وتستنزف الخزان الجوفي”.إلى جانب استنزاف سلطات الاحتلال للمخزون الجوفي، يكمل المستعمرون هذا الدور بحرمان المزارعين من فرص الوصول إلى المياه السطحية المتبقية ، عبر تنفيذ اعتداءات يومية عليهم خلال توجههم إلى مصادر المياه، إضافة إلى ملاحقة صهاريج نقل المياه وتقطيع الخطوط البلاستيكية الناقلة التي يستخدمها المواطنون في سحب المياه، وربط هذه الخطوط بمضخاتهم، وفقا لغوانمة.
وفي هذا السياق، تشير بيانات جهاز الإحصاء المركزي وسلطة المياه الفلسطينية إلى معدلات استهلاك المواطن الفلسطيني المتدنية للمياه ؛ إذ تعد أقل من المعدل الموصى به عالميا، فخلال عام 2022، بلغ معدل استهلاك الفرد الفلسطيني اليومي 85.7 لتر من المياه، وعند الأخذ بالاعتبار نسبة التلوث العالية للمياه في قطاع غزة، واحتساب كميات المياه الصالحة للاستخدام الآدمي من الكميات المتاحة، فإن حصة الفرد من المياه العذبة ستنخفض إلى 20.5 لتر فقط في اليوم. كما توضح البيانات ذاتها تفاوتا كبيرا بين معدل استهلاك الفرد الفلسطيني والإسرائيلي؛ إذ يلاحظ أن معدل استهلاك الفرد الإسرائي يزيد بثلاثة أضعاف على الفرد الفلسطيني؛ إذ بلغت حصة الفرد الإسرائيلي نحو 300 لتر في اليوم، ويتضاعف هذا المعدل للمستعمرين الإسرائيليين إلى أكثر من 7 أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني.وأوضح أشرف بركات ، مدير مديرية زراعة محافظة أريحا والأغوار، لـ»وفا» ، أن نبع العوجا يعاني تراجعا مستمرا في منسوب المياه منذ سبع سنوات، بفعل ضخ المستعمرات الجائر للمياه في المنطقة؛ فبات يهدد بشكل مباشر الوجود البدوي والتجمعات الفلسطينية في المنطقة.ويشير إلى أن تعديات الاحتلال على المياه في المنطقة تشمل وجود مضخات مياه تعمل على سحب المياه لصالح المستعمرات، إضافة إلى الآبار الارتوازية العميقة التي تم حفرها لتغذية المستعمرات.
ويبين أن ضعف الموسم المطري هذا العام ساهم في تعميق الأزمة، إذ كانت الهطولات متفرقة وتوقفت مبكرا، وهذا تسبب في تراجع النبع إلى أدنى مستوياته خلال سبع سنوات، وكان من المعتاد في المواسم شحيحة الأمطار أن يصل النبع إلى هذه المرحلة من الجفاف في شهر يوليو أي في ذروة الصيف وليس في أبريل ومايو كما حدث هذا العام.ويعتبر بركات أن هذا الجفاف ليس جفافا لأسباب طبيعية فقط، بل هو نتيجة أيضا لعوامل مرتبطة بالاحتلال أهمها الضخ الجائر للمياه.وتشير المعطيات المتوفرة لدى مديرية الزراعة في أريحا، إلى أن نبع العوجا ذو أهمية كبيرة للعديد من التجمعات السكانية الرعوية التي يقوم وجودها أساسا عليه، حيث تعيش تجمعات مثل: الشلال، والنجادة الفوقا، والنجادة التحتا، والكعابة، والسويدات، والجراهيد، والصعايدة، والعطيات، والرومانين في محيط النبع، وتضم هذه التجمعات قرابة الـ140 عائلة، كما يستفيد من النبع حوالي 13 ألف رأس من الماشية، وفي الشق النباتي يعتمد على نبع العوجا قرابة 8 آلاف دونم زراعي، ما بين أراضٍ مزروعة بالخضراوات أو أشجار النخيل والموز.
فيما يوضح خبير المياه صايل وشاحي، أن لنبع العوجا خصوصية كبيرة؛ فهو من الينابيع التاريخية الأثرية في فلسطين، وهو مستخدم تاريخيا وتقوم في محيطه التجمعات السكانية والحياة الرعوية والزراعية.ويضيف أن نبع العوجا يصنف جيولوجيًا من الينابيع الكارستية الناتجة عن التكهفات داخل الصخور، وعمليات التدفق في هذه الينابيع تكون مرتفعة وسريعة مع بدايات مواسم الأمطار، وتتراجع كذلك بشكل سريع تأثرا بذلك، أي أن المياه في نبع العوجا يزداد تدفقها سنويا مع بدايات فصل الشتاء، ثم يتراجع تدريجيا مع تقدم الوقت خلال فصل الصيف.ويشير بركات إلى أن نبع العوجا يضخ ما معدله 1200-1500 متر مكعب- ساعة، وأحيانا يصل معدل الضخ إلى 2000 متر مكعب- ساعة في المواسم الجيدة تبعا لمعدل الأمطار، وفي بعض السنوات تصل إلى الجفاف أو تبقى المياه محصورة فقط في رأس النبع، دون الوصول إلى المجرى، مؤكدا أن كميات الضخ تبعا للجفاف الحاصل حاليا تتراوح بين 200-300 متر مكعب- ساعة، وقد تصل إلى الجفاف الكامل لاحقا.
كما يشير وشاحي إلى أن التراجع الكبير في مياه النبع هذا العام مرتبط بشكل مباشر بتراجع معدل الأمطار؛ حيث لم تصل كمية الأمطار الهاطلة في بعض المناطق إلى 50% من معدل الموسم المطري؛ وهو ما أثر في رأس النبع والتدفق الرئيسي للمياه فيه.
وعن دور تعديات المستعمرين في حرمان سكان التجمعات الفلسطينية التي تعتاش من النبع وتعتمد عليه، يؤكد وشاحي أن هذه التعديات خاصة في الآونة الأخيرة لها تأثير كبير في المياه الجارية من النبع عبر الأودية، وتحول دون وصولها إلى المواطنين، حيث يعمل المستعمرون على تحويل مسار المياه لخدمتهم وإبعادها عن المجرى الرئيس الذي يصل إلى التجمعات السكانية والزراعية.
كل ذلك يضع المواطنين وخاصة المزارعين ومربي الثروة الحيوانية في وضع معيشي صعب؛ فالجفاف إضافة إلى كثرة التعديات رفعا كلفة البقاء والحصول على المياه.وفي السياق ذاته، يشير الباحث وليد أبو محسن في قضايا المياه والاستيطان، إلى أن نبع العوجا وينابيع المياه في الأغوار الفلسطينية تقع ضمن الحوض المائي الشرقي الذي يقع في معظمه ضمن أراضي الضفة الغربية. وضمن اتفاقية أوسلو، فإن حصة الفلسطينيين من المياه تبلغ 118 مليون متر مكعب سنويا، نصفها يتم الحصول عليه من الحوض الشرقي وحده.ويضيف أنه رغم نص الاتفاقيات على حصص الفلسطينيين من المياه، فإنهم لا يحصلون على هذه الحصص كاملة، وتتراجع فرص حصولهم على المياه عاما بعد عام؛ حيث يحرمون من مصادر المياه وتراجع الكميات المتاحة لهم؛ إما بسبب تعديات المستعمرين على مصادر المياه المتمثلة في الاستيلاء على الينابيع أو سرقة مسار المياه المتدفقة أو تحويلها، أو بسبب سياسات سلطات الاحتلال، مشيرا إلى أن في منطقة الحوض الشرقي 42 بئرا إسرائيلية تضخ حوالي 50 مليون متر مكعب من المياه سنويا، وهذه الآبار تؤدي إلى استنزاف الخزان الجوفي في المنطقة، وتؤثر في فرص حصول الفلسطينيين على كميات المياه اللازمة لاحتياجاتهم.
وتساهم آبار الاحتلال المحفورة على أعماق كبيرة في استنزاف الخزان الجوفي في مناطق الأغوار، وهو ما أدى على مدار سنوات الاحتلال للمنطقة إلى جفاف نسبة كبيرة من الآبار الفلسطينية، وجفاف منسوب المياه في الينابيع التي يعتمد عليها المواطنون أو تقليله؛ وبالتالي حرمانهم من الحصول على حصصهم المنصوص عليها كاملة في الاتفاقيات؛ إذ لا يغطي ما تبقى من مصادر مياه احتياجهم لها، سواء للأغراض اليومية والشخصية أو للاحتياجات الزراعية والرعوية التي تشكّل عصب الحياة في مناطق الأغوار، كما يوضح أبو محسن.وعن جفاف نبع العوجا هذا العام، تطرق أبو محسن إلى العامل المناخي؛ حيث أدى ضعف الموسم المطري إلى عدم حصول الخزان الجوفي على التغذية الكافية من المياه.
كما تطرق إلى الدور الكبير لممارسات الاحتلال في المنطقة في ذلك، ومنها كميات الضخ الكبيرة من الآبار الإسرائيلية، مؤكدا أن جفاف النبع حدث في وقت مبكر من العام وقبل الوصول إلى ذروة فصل الصيف، وهذا ما يقود إلى الحديث عن الدور الأساسي لتعديات الاحتلال وممارساته بهذا الصدد.ويشير أبو محسن إلى أن تعديات الاحتلال على مصادر المياه في منطقة الأغوار ومناطق الحوض الشرقي تنقسم إلى قسمين: تعديات سلطات الاحتلال المتمثلة في العدد الكبير من الآبار الإسرائيلية العميقة التي تؤدي إلى استنزاف المخزون الجوفي، وتحويل الاستفادة الكبرى منه إلى المستعمرات، واعتداءات المستعمرين المتمثلة في الاستيلاء على مصادر المياه الظاهرة على السطح، وحرمان المواطنين من الوصول إليها؛ وذلك عبر وضع مصايد المياه وتحويل مجراها الطبيعي كما يحدث في منطقة نبع العوجا، وتضاف إلى ذلك عمليات الردم والتدمير والاستيلاء والتسييج التي يقومون بها.وأوضحت دراسة سابقة للباحث تيسير جبارة عن سيطرة الاحتلال على مصادر المياه في فلسطين، أن سلطات الاحتلال استولت على أراضٍ فلسطينية كثيرة، حيث سيطرت على أهم مصادر المياه فيها؛ بحجة المحافظة على المناطق الطبيعية، وكانت الغاية الحقيقية استغلال مصادر المياه في ري الأراضي التي استولى عليها المستعمرون من الفلسطينيين وأقيمت عليها مستعمرات، حتى أصبح حوالي 90% من ينابيع الضفة الغربية خاضعاً لسيطرة الاحتلال الذي يسخرها وفقاً لاحتياجاته».
وتابعت الدراسة: “اهتمت سلطات الاحتلال بالسيطرة على المياه الجوفية؛ وذلك بعدم منح أي ترخيص لحفر آبار ارتوازية جديدة أو تعميق الآبار الارتوازية التي حُفرت قبل عام 1967م ، كما حددت كميات المياه التي يُسمح باستخراجها من هذه الآبار؛ وذلك بتركيب عداد على كل بئر للمراقبة.. كما منعت سلطة الاحتلال أكثر البلديات والسلطات المحلية من حفر ما يلزمها من آبار لغايات الشرب، بينما سمحت للمستعمرين باستغلال المياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وذلك لري مزروعاتهم”.
كما تناولت الدراسة منطقة العوجا التي كانت تزخر بمصادر المياه؛ باعتبارها مثالا على أزمة المياه في الضفة الغربية، إذ أشارت إلى : “ نرى أن منطقة العوجا قرب أريحا عانت منذ عام 1985م؛ حيث كان المزارعون يعتمدون في ري مزروعاتهم على ينابيع العوجا التي كانت تزودهم بـ17 مليون متر مكعب سنوياً، إضافة إلى عدد من الآبار الارتوازية، ولكن لجوء المستعمرات المجاورة إلى حفر آبار عميقة في المنطقة أدى إلى جفاف ينابيع العوجا من ناحية، ونضوب مياه الآبار الارتوازية العربية من ناحية أخرى، حتى أصبحت غير صالحة للاستعمال؛ بسبب ملوحتها”. وتضيف الدراسة، أما المستعمرات المحيطة بأريحا فقد سُمح لها بحفر آبار أكثر عمقاً وبالكمية التي يحتاجها المستوطنون. ونتيجة لعدم توافر مصادر لري المزروعات الفلسطينية، فقد اضطر مزارعو العوجا إلى إتلاف 90% مما