تركيا تنجرف نحو نظام رئاسي تسلطي

تحركات أردوغان في غرب أفريقيا تُثير قلق أوروبا

تحركات أردوغان في غرب أفريقيا تُثير قلق أوروبا

كتب ماجد نعمة، الصحافي السوري المقيم في باريس، في موقع “أحوال” التركي، عن إرسال تركيا  متطرفين ومرتزقة إلى ليبيا، معتبراً أن آخر دليل على ذلك جاء على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 29 يناير” كانون الثاني” الماضي، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.

وقال ماكرون: “أود التعبير عن مخاوفي من السلوك التركي الذي يتناقض تماماً مع ما التزم به الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مؤتمر برلين. شهدنا في الأيام القليلة الماضية وصول سفن حربية تركية بمرتزقة سوريين إلى الأراضي الليبية. هذا انتهاك واضح وخطير لما اتُفق عليه في برلين. إنه خرق لتعهدات».

وأكد ماكرون وجود سفن تركية عند السواحل الليبية، واتهم أنقره بـ” انتهاك سيادة ليبيا، وتعريض أمن أوروبا، وغرب أفريقيا للخطر».وحسب كاتب المقال، هناك شكوك في مغادرة بعض المسلحين والمرتزقة معاقل متطرفين في طرابلس ومصراته، إلى غرب أفريقيا، منطقة النفوذ الفرنسي التي تعج بتنظيمات إرهابية، ومنظمات تهريب عابرة للقارات، والجريمة المنظمة، في حين أفادت تقارير بتوجه بعض المقاتلين السوريين إلى أوروبا الغربية.

وعبر ماكرون مراراً في عدة مناسبات، عن توجسه من مخططات أنقرة، وتطرق للموضوع في مؤتمر برلين حول ليبيا. مواجهة ملتوية .. وحسب كاتب المقال، يشغل بال حكومات غربية سؤال عن المدى الذي سيصل إليه أردوغان في هذه المواجهة الملتوية في غرب أفريقيا، بعد انخراطه في الشرق الأوسط وليبيا.

ويتساءل أوروبيون: “هل هو شكل من العقاب لأوروبا عموماً وفرنسا خاصةً، بعد إغلاق الاتحاد الأوروبي الأبواب في وجه تركيا؟». ووفقاً للكاتب، اتضح منذ ما لا يقل عن عشرة أعوام، أن فرنسا لن تقبل انضمام تركيا، ونظامها الإسلامي، إلى “تجمع مسيحي، حتى لو استوفت جميع الشروط المطلوبة». وبالفعل كان الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الأكثر صراحة حول هذا الأمر، وقال في 2 ديسمبر( كانون الثاني) 2015، عبر راديو أوروبا 1، إن “جعل تركيا تعتقد أنه يمكنها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي خطأ جسيم. أنا مصمم على موقفي. تقع تركيا في آسيا الصغرى، وليس في أوروبا».

وللتذكير بالقضية، بعد توقف مفاجئ في 2010، تجددت في 2013، المفاوضات على انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وفي 1963، أصبحت تركيا، العضو في الناتو، عضواً مشاركاً في السوق الأوروبية المشتركة. وفي 1999 أثناء قمة هلسنكي،  حصل ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي على الموافقة، لتبدأ في 2005 المفاوضات على ذلك. لكن تركيا تطرق أبواب الاتحاد منذ ما يزيد عن 50 عاماً، دون جدوى.

انعدام ثقة .. هناك أسباب عدة لقلة ثقة الأوروبيين في أنقرة، منها انجراف تركيا المثير للقلق، خاصةً بعد الانقلاب الفاشل في 2016، نحو نظام رئاسي متسلط. ثم جاء قمع تركيا للحريات الصحافية والعامة، ودعمها لشبكات إسلامية، وتهاونها مع تنظيمات إرهابية في سوريا، وليبيا، وسياسة الابتزاز بتدفق اللاجئين إلى أوروبا، واحتلال قسم من قبرص منذ 1974.

وتوج هذا السلوك التركي بتوقيع اتفاقية عسكرية مع حكومة السراج في ليبيا، مرفقة بمذكرة تفاهم حول إعادة رسم حدود بحرية في المتوسط، ما يعد انتهاكاً سافراً للقانون البحري الدولي، ولميثاق الأمم المتحدة.

وفي رأي الكاتب، تُظهر رحلة أردوغان الأخيرة إلى غرب أفريقيا، السنغال، وغامبيا أن أفريقيا، خاصة إلى دول ناطقة بالفرنسية وذات أغلبية مسلمة، تمثل عنده مكاناً لمواجهة قوى استعمارية أوروبية قديمة.

وحسب كاتب المقال، لو كان ذلك مجرد تسابق لافتتاح أسواق جديدة أمام الاقتصاد التركي الذي يمر بفترات صعبة، لما كان زحف أنقرة نحو غرب أفريقيا ليثير كل هذا القلق، خاصةً أن لتركيا حضور اقتصادي في أفريقيا منذ قرابة 20 عاماَ.
لكن، وكما ظهر في مناطق أخرى من القارة السمراء، مثل القرن الأفريقي، يتأكد اليوم أن الزحف التركي يأتي تطبيقاً لاستراتيجية متعددة الأوجه بما فيها إقامة القواعد العسكرية، وإنشاء شبكات استخباراتية، وتعزيز المصالح الاقتصادية التركية.

ويرى الكاتب أن كل ذلك يأتي وفق صبغة إسلامية، ووفق ألوان الإخوان المسلمين الإرهابي، والتحالف مع قطر. كما أن المشروع التركي أكبر من مجرد الطموح لفتح أسواق.وتزعم تركيا أنها تقدم للأفارقة صفقة أكثر إنصافاً مما تقدمه دول غربية، ولكن عدداً منهم غير مقتنع بتلك المزاعم.

وتعتبر تدخلات تركيا القديمة والحديثة،في القارة، تطبيقاً لأجندة توسعية عدوانية دون رادع. ولم يُعد دور تركيا الأخير في ليبيا الطمأنينة لأفارقة متوجسين من مخططات أنقرة بعد تخليها المفاجئ عن الزعيم الليبي معمر القذافي في 2011.  أما الأوروبيين المتنبهين أيضاً لمحاولات تركيا ترسيخ الإسلام في أوروبا، فإنهم لم يضعوا بعد استراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع لعبة أنقرة الخطرة في إشعال الحرائق في أكثر من مكان، والتي قد يكون الاتحاد الأوروبي نفسه مكاناً محتملاً لها أيضاً.