تحولات الصورة في العمل الفني في ندوة الثقافة والعلوم
نظمت ندوة الثقافة والعلوم جلسة نقاشية افتراضية في فلسفة الفن التشكيلي بعنوان “تحولات الصورة في العمل الفني” شارك فيها د عمر عبد العزيز مدير إدارة الدراسات والنشر بدائرة الثقافة بالشارقة، رئيس تحرير مجلة الرافد، ورئيس مجلس إدارة النادي الثقافي العربي. ود. أمل نصر أستاذة بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، وبحضور د. نجاة مكي والفنانين جاسم ربيع وعبدالرحمن العرجان وخليل عبدالواحد وتاج السر حسن ومحمد يوسف ديوب وماجدة نصر الدين ونخبة من الفنانين والمهتمين.
أدار الجلسة الروائي ناصر عراق مؤكداً أن الحركة التشكيلية العربية شهدت تحولات ضخمة في الأعوام الأخيرة، إذ لم تعد اللوحة أو التمثال فقط هما اللذان يميزان قوام هذه الحركة منذ عرف العرب الدراسة الأكاديمية للفنون مع تأسيس كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1908.
لقد انضم إلى اللوحة والتمثال ما يسمى بالأعمال المركبة أو الفن المفاهيمي، فضلا عن اقتحام الفنان الحديث مجالات أخرى من خلال إنتاج أعمال فنية استخدم فيها لقطات مصورة وإضاءات خاصة وقاعات فارغة وخامات متعددة ليشكل من كل ذلك أو بعضه رؤى بصرية مبتكرة قادرة على استثارة خيال المشاهد بالقدر الذي يفجر فيه أسئلة أخرى حول الفن وطبيعته ودوره ومستقبله.
لم يقتصر الأمر على إفساح المجال لجموح الخيال فحسب في عالم الفن التشكيلي، إذ لعبت التكنولوجيا الحديثة أيضًا دورًا مؤثرًا في تعزيز الاهتمام بهذا العالم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) والصحافة الإلكترونية والمدونات، الأمر الذي أسهم في نشر الثقافة التشكيلية من جهة، لكن ربما أثر بالسلب على الاهتمام (الواقعي) بارتياد المتاحف والمعارض في عالمنا العربي من جهة أخرى.
وأكد د. عمر عبدالعزيز أن الفن التشكيلي يشهد تحولات سريعة ومتلاحقة ممن أن توثر في استقرار مفهوم لوحة الحامل والتمثال، فتغيرت المفردات وأدوات التعبير دون الإقلال من البعد الأكاديمي والذوقي لدى المتلقي، ولكن الفن في ظل هذه التحولات لا يفقد متكآته وعناصره الأساسية.
وأشار إلى أنه في تاريخ الفن لا زالت الضوابط والمعايير هي نفسها التي تحلل الفن التشكيلي، وسؤال الفن هو سؤال الفكر والوجود، والفنان التشكيلي مثقل بالتعامل مع أدوات فنية وتعبيرية متعددة ومؤثرات ضوئية وموسيقية، ولكن في إطار منظومة فنية وحالة من السردية البصرية، تتضح فيها موسيقى الصمت، والسياق العام للتفاعلية الفنان لازال موجوداً، ولنتساءل إلى أي مدى يمكن أن نعقد تصالح بين التقليدي والتحولات المتسارعة وهذا يقودنا إلى تفسير عزوف الناس عن ارتياد المعارض الفنية والمتاحف رغم أن كثيرًا من حكومات الدول العربية تبدي اهتمامًا كبيرًا بإنشاء المتاحف الجديدة على أحدث طراز، علاوة على تطوير القديم منها، فقديماً كان الزمن رومنطيقياً يفرض نوع من الأناقة، والمزمن الحالي فيه نوع من التطير والتسارع والحيرة الفلسفية والوجودية والتحولات العاصفة التي يتصادم فيها المدى التاريخي مع الإنساني لذا على الإنسان أن يعقد مصالحة ويقع الفنان التشكيلي ضمن هذه المعادلة الاشتباكية.
ونوه إلى أن الاشتباك مع الذات يفرض كثير من حالات الاستقطاب المفاهيمي الذي قد يكون متعصباً أو متهتكاً لذلك نعيش في حيرة تنعكس على كل جوانب الإبداع الإنساني.
وعن ردم الفجوة بين رجل الشارع والفن التشكيلي أو فنون النخبة أكد د. عمر أن الفنون بشكل عام ليست فنون نخبة، ولكن دائما هناك فجوة ما بين ما هو خاص وما هو عام، فليس مهما أن يعرف النص البصري بجوانبه الجاذبة ولكن الوقت كفيل أن يظهر الفن وجوانبه الإبداعية وهذا ما حدث مع كثير من الفنانين، لذلك المسافة بين التلقي وبين التفاعلية الجمالية والإبداع مهمة وضرورية في كل حقول الإبداع لأنها تعبر عن حالة من التخطي لدى المبدع.
وأكد أن الفن العربي الإسلامي تناغم مع البعد التجريبي من خلال الرسم والزخرفة، وهناك بعد تطبيقي من خلال الممارسة والملابس والنصوص الشعرية والحياة بشكل عام، لذلك كان هناك وسماً فكرياً في مختلف أنماط الحياة العربية، في المقابل كانت أوروبا “تشخصن الحياة الربوبية” من خلال التماهي مع مختلف الفنون البيزنطية والمسيحية والأوروبية حتى وصلوا إلى لوحة الحامل.
وذكرت د. أمل نصر أن الحركة التشكيلية العربية ليست في تراجع، إلا أنه رغم زيادة عدد خريجي الكليات التشكيلية إلا أن نسبة كبيرة منهم غير موهوبين نتيجة لمعايير دخول الكلية التي لا تتبع الموهبة قدر اتباعها ارتفاع نسبة دخول الكلية.
وأشارت إلى أن الحركة التشكيلية تعاني مأزق الحرية التي تمنح المبدع قدر أعلى من الإبداع، وأن هناك بعض الفنانين من الجيل الجديد لديهم استسهال في استخدام الوسائط الجديدة، وهو ما أسهم فيه التشجيع المفرط لفكرة الجرأة المفتعلة،
واستخدام الوسائط الحديثة غير الناضج وإن قدم الكثير من العناصر المبدعة إلا أنه أسقط القيمة الفنية لدى بعض الفنانين الشباب الذين لا يملكون قدر عالي من الوعي بالتجربة.
وأكدت د. أمل نصر أن الفن المعاصر يعاني من حالة من القلق وعدم الاستقرار في كثير من تجاربه، إلا أنه مع الوقت ومزيد من التجارب ستفرز التجربة الأنضج والأبدع، ولكنه في الوقت نفسه سيجعل الفنان ينغمس في الحياة بشكل أكبر ولا ينعزل في مرسمه، وسيكون مشاركاً في الأزمات المعاصرة وسيكون إبداعه أداة للتعبير عن الواقع، فالتجريبية يجب أن تكون مسؤولة وهي جزء من الإبداع.
وعن ضرورة الفن أكدت أن الفنون بشكل عام كانت مندمجة في كل مفردات الحياة سواء المعابد أو الممارسات اليومية وكان الجمال جزء من السلوك اليومي، وكان انتقال الفن من حال الممارسة اليومية إلى الخصوصية عبر اللوحة والحامل وعمل المعارض أبعد المواطن العادي عن التذوق والممارسة اليومية للجمال، ومع نهضة مصر وإدخال واستقطاب الفنانين الأجانب في مصر وافتتاح كلية الفنون الجميلة التي كانت تتبنى المناهج الأوروبية،
ساهم في مزيد من عزلة الفنون الأصيلة في المجتمع المصري.
وكانت العولمة هي الطامة الكبرى في نزع السياق التاريخي والأصل وتجاهل الجغرافيا والهالة السحرية للعمل الفني في عالمنا العربي، فأصبح هناك ذوق عالمي أفرغ الفنون من موطنها ومجتمعها.
وأجمع الحضور على ضرورة تدخل الدول والإنفاق بسخاء على مجال النقد التشكيلي وتخصيص جوائز وإنشاء أقسام للنقد الفني، وليس التشكيلي فقط، فالنقد في الجانب الأدبي يحضر بوضوح إلا أنه يفتقد في الجوانب الفنية سواء سينما أو موسيقى أو مسرح هناك مآزق في النقد الفني في عالمنا العربي.