تصاعد التحذيرات الغربية.. هل تختبر روسيا صلابة «الناتو»؟
بدأت ملامح مواجهة جديدة تلوح في الأفق بين روسيا وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، بعد تحذيرات أطلقتها الاستخبارات الألمانية خلال الأيام الماضية من احتمال لجوء موسكو إلى اختبار جاهزية الحلف لتفعيل المادة الخامسة من ميثاقه. وتفرض هذه المادة على كافة الدول الأعضاء في الحلف الدفاع المشترك في حال تعرضت إحداها لهجوم.
وجاءت هذه التحذيرات على لسان نائب رئيس هيئة الاستخبارات الاتحادية الألمانية، أوليه ديل، خلال مشاركته في منتدى دلفي الاقتصادي الذي تستضيفه العاصمة اليونانية أثينا في الفترة بين 9 و12 أبريل-نيسان الجاري، حيث أكد أن روسيا قد تختار دولة حدودية لاختبار مدى صلابة الناتو واستعداده للرد.
وقال ديل في كلمته، إن روسيا ستحاول اختبار صلابة المادة الخامسة من ميثاق الناتو، ونحن لن نرى دبابات روسية في برلين، لكنهم قد يقومون بذلك في إستونيا.
وأشار ديل إلى أن التحركات الروسية لا تعكس بالضرورة نوايا توسعية مباشرة على غرار السيناريوهات التقليدية، بل تعكس طموح موسكو لإعادة صياغة النظام الأمني في القارة الأوروبية.
وفي المقابل، رفضت موسكو مرارًا الاتهامات الغربية بشأن وجود نوايا عدوانية لديها تجاه دول الناتو، عبر تصريحات أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقابلة مع الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون.
وأكد بوتين أن بلاده لا تعتزم مهاجمة أي من الدول الأعضاء في الناتو، واصفًا مثل هذه المزاعم بأنها جزء من الدعاية الغربية لخلق مناخ من التوتر والذعر في أوروبا.
وتأتي التحذيرات الألمانية وسط مخاوف متزايدة في الأوساط الغربية من أن تلجأ موسكو إلى استراتيجية «الحرب الهجينة» عبر الهجمات السيبرانية أو زعزعة الاستقرار الداخلي في بعض دول الناتو، لاختبار تماسك الحلف دون الحاجة إلى تدخل عسكري تقليدي.
تصعيد خطير
مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ديميتري بريجع، حذر من أن التصريحات الأخيرة التي أصدرتها الاستخبارات الألمانية ليست مجرد تحليلات استخباراتية عابرة، بل تمثل إشارات واضحة على تصعيد خطير في معادلة التوازنات الجيوسياسية بين موسكو والغرب.
وأوضح بريجع، في تصريحات لـ»إرم نيوز»، أن من غير الواقعي تصور أن روسيا تسعى للدخول في حرب شاملة مع الناتو، خاصة أنها تدرك تمامًا حجم القوة العسكرية والنووية التي يمتلكها الحلف.
وشدد على أن موسكو، باعتبارها قوة عظمى ذات إرث استراتيجي وتاريخي في شرق أوروبا، لن تظل صامتة أمام استمرار التوسع الأطلسي واستفزازات الدول الحدودية، خصوصًا تلك التي تستخدم ورقة الأقليات الروسية كأداة للضغط السياسي.
وأضاف بريجع أن التحركات الغربية، سواء من خلال عسكرة دول البلطيق أم عبر بث رسائل استفزازية متكررة عبر وسائل الإعلام، تخلق بيئة متوترة ومشحونة بالعداء، ما يجعل احتمال اندلاع شرارة مواجهة مفتوحة أمرًا واردًا في أي لحظة، خاصة في ظل غياب تفاهمات أمنية شاملة تضع حدًا للتمدد العسكري الغربي وتراعي المصالح الاستراتيجية لروسيا. وحذر بريجع من أن استمرار تجاهل هذه التحذيرات والإصرار على سياسة التصعيد قد يفتح الباب أمام مواجهة تبدأ بهجوم محدود، لكن نهايتها قد تكون كارثة إقليمية أو حتى عالمية.
وأكد أن الفرصة لا تزال قائمة أمام العواصم الأوروبية وواشنطن لصياغة اتفاق جديد يعيد ترتيب قواعد الاشتباك ويضع حدًا لتصاعد التوترات قبل أن يفوت الأوان.
خطر روسيا
ومن جانبه، اعتبر المحلل السياسي الخبير في الشؤون الأوروبية، كارزان حميد، أن الدول الغربية، وتحديدًا الداعمة والممولة للحرب في أوكرانيا، باتت تعتمد بشكل متكرر على إصدار تقارير تحمل طابعًا استخباراتيًا، تزعم امتلاك معلومات مؤكدة عن نوايا وتحركات روسيا المستقبلية، خاصة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022.
وقال حميد في تصريحات لـ»إرم نيوز» إن تلك المعلومات، التي يتم تداولها بكثافة داخل الأوساط السياسية والإعلامية، ساهمت في زرع الفوضى وزيادة حالة عدم اليقين في الأوساط الدبلوماسية على الصعيدين الأوروبي والدولي. وأشار الخبير في الشؤون الأوروبية إلى أن الهدف الحقيقي وراء تضخيم هذه المعلومات هو دفع الولايات المتحدة للإبقاء على وجودها العسكري في أوروبا، لا سيما في شرق القارة.
وأكد أن واشنطن تسعى بالتوازي إلى إعادة توزيع قواتها من خلال سحب نحو 10 آلاف جندي من الأراضي الأوروبية، استعدادًا لمواجهة التهديدات الصينية في مناطق أخرى.
وأوضح الخبير السياسي أن الحديث المتكرر عن «إحياء الاتحاد السوفيتي» ما هو إلا محاولة لشيطنة روسيا وتبرير استنزاف ميزانيات دفاعية ضخمة. وذكر أن موسكو تدرك تمامًا خطورة الدخول في مغامرات توسعية كتلك، خاصة بعدما عانت سابقًا من أزمة اقتصادية خانقة أدت لانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه.