تصعيد روسي في سومي.. ما سيناريوهات المعارك شمال شرق أوكرانيا؟

تصعيد روسي في سومي.. ما سيناريوهات المعارك شمال شرق أوكرانيا؟


تبدو الساعات الأخيرة في الحرب الأوكرانية حاسمة مع تقدم الجيش الروسي في عدة جبهات استراتيجية شرقي البلاد، في ظل تصريحات متصاعدة من المسؤولين العسكريين والسياسيين في كلا البلدين. 
وتسعى روسيا إلى توسيع سيطرتها على الأراضي الحدودية، وتؤكد تحقيق تقدم كبير نحو  سومي وخاركيف، ما يفتح الباب أمام فرض «واقع ميداني» قد يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة.
وفي الساعات الأخيرة، أشار المسؤولون العسكريون الروس إلى أن القوات المسلحة الروسية حققت تقدمًا كبيرًا في مناطق استراتيجية شرقي أوكرانيا، خصوصًا في محيط مدينة سومي.
وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن روسيا ماضية في أهدافها العسكرية، وإن العمليات في سومي وخاركيف جزء من خطة موسكو لتأمين المناطق الحدودية وتحقيق الاستقرار الأمني في المناطق التي كانت تشهد تهديدات متزايدة. 
ووفقا لوسائل إعلام أوكرانية، أشار المسؤولون الأوكرانيون إلى خطورة التصعيد العسكري الروسي، مؤكدين أن العمليات العسكرية الروسية تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني الأوكراني.  ومع التحركات العسكرية الروسية قد تكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مجريات الحرب، خاصة بعد تزايد المؤشرات على أن موسكو قد تسعى إلى فرض واقع عسكري يعزز من موقفها التفاوضي، بينما تبذل أوكرانيا جهودًا مضاعفة لصد الهجوم الروسي والحفاظ على أراضيها.

تصعيد في سومي
وعن السيناريوهات المتوقعة، يرى الخبراء أن التحركات العسكرية الروسية في شمال شرقي أوكرانيا تشير إلى تصعيد ملحوظ، مع استعداد روسيا لبدء عملية تطويق واسعة النطاق تستهدف السيطرة الكاملة على مدينة سومي، خاصة أن القوات الروسية أصبحت على بعد 25 كيلومترًا من مشارف المدينة، ما قد يفتح المجال لاستخدام الطائرات المسيّرة لعزلها ميدانيًا.
 وقال د.آصف ملحم، مدير مركز «JSM» للأبحاث والدراسات، إن التحركات العسكرية الروسية في شمال شرقي أوكرانيا تشير إلى تصعيد ملحوظ، مع مؤشرات على استعداد روسيا لبدء عملية تطويق واسعة النطاق تستهدف السيطرة الكاملة على مدينة سومي. وأوضح ملحم في تصريحات خاصة لـ»إرم نيوز» أن روسيا تخطط للاستفادة من التقدم الميداني في منطقة كورسك الروسية، التي تسيطر أوكرانيا على جزء صغير منها، كبداية لشن هجوم أوسع على سومي.
وبين أن المعارك المستمرة في قريتي «أوليشنيا وجورنال» تشير إلى محاولة موسكو تمهيد الطريق نحو المدينة.
وأوضح أن القوات الروسية أصبحت على بعد نحو 25 كيلومترًا فقط من مشارف سومي، ما يجعل المدينة في مرمى الطائرات المسيّرة الروسية التي يمكن أن تُستخدم لعزلها ميدانيًا، خاصة إذا تقدمت القوات الروسية 10 كيلومترات أخرى.
وبين أن كثافة الضربات الروسية على المواقع الأوكرانية المؤقتة تشير إلى أن الهجوم قد يدخل مرحلة أكثر ضراوة خلال الأيام القادمة.

تقدم روسي في محاور متعددة
أما في المحور الممتد من نوفوبافليفكا حتى بوغدانوفكا، فأشار مدير مركز «JSM» للأبحاث والدراسات إلى أن القوات الروسية حققت تقدمًا ملحوظًا، من ذلك السيطرة على بلدة كوتلياروفكا واحتلال المعقل الرئيس للقوات الأوكرانية في ترويتسكوي، وهو مبنى مدرسة تحصن فيه الجنود الأوكرانيون.
وتابع أنه «بفضل هذا التقدم، أصبحت المخيمات الأوكرانية المتبقية مكشوفة أمام القوات الروسية، ولا يفصلها عن قرية أوريخوفوي سوى 300 متر، وهي آخر نقطة قبل الوصول إلى الحدود الإدارية لمقاطعة دنيبروبيتروفسك، وهذا التقدم يتزامن مع عمليات هجومية أخرى في محيط مدينة بوغدانوفكا».
 وفي محور ميرنوغراد-توريتسكوي، أشار ملحم إلى أن الوحدات الروسية تمكنت من مفاجأة الدفاعات الأوكرانية في قرية كالينوفو، حيث لم تكن كييف تتوقع هجومًا في هذه المنطقة بسبب تركيزها العسكري على الأجنحة، ودخلت القوات الروسية القرية بسرعة، في وقت كانت القوات الأوكرانية تحاول إعادة ترتيب دفاعاتها على المرتفعات الشمالية. 
وحذر ملحم من أن السيطرة الروسية على هذه المرتفعات تعني سقوط كالينوفو بالكامل، ما سيعزز قدرة روسيا على تعميق اختراقها في هذا القطاع الاستراتيجي. وأضاف أن هذه التغيرات قد تؤثر كثيرًا في موازين المعركة في الشرق، في وقت تسعى فيه روسيا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب قبل أي احتمال لعودة المفاوضات أو ضغوط دولية لوقف التصعيد.
 
فرض واقع استراتيجي 
من جهته، قال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن التطورات الميدانية الأخيرة تكشف أن الجيش الروسي دخل مرحلة جديدة من العمليات العسكرية شرقي أوكرانيا، تستهدف بشكل رئيس تطهير المناطق الحدودية المتاخمة للأراضي الروسية وفرض واقع استراتيجي على الحدود مع أوكرانيا.
وأضاف البني في تصريحات خاصة لـ»إرم نيوز» أن العمليات العسكرية الروسية الجارية تهدف في المقام الأول إلى إنشاء منطقة عازلة داخل العمق الأوكراني، خاصة في مقاطعتي سومي وخاركيف، لتأمين الحماية للمناطق الروسية الحدودية مثل كورسك وبلغورود من القصف المتكرر والهجمات البرية التي تتعرض لها.
وأشار إلى أن «التقدم الروسي السريع في سومي، وتطويق القوات الأوكرانية المتبقية في بعض المناطق القريبة من كورسك، يأتي ضمن استراتيجية موسكو لتأمين حدودها، وهذه الاستراتيجية تشير بوضوح إلى رغبة روسيا في إبعاد التهديد الأوكراني عن حدودها المباشرة، وهو ما قد يمهد الطريق لفرض ترتيبات أمنية دائمة في هذه المناطق في أي تسوية مستقبلية».
تحول في العقيدة الروسية
وتابع البني أن «هذه العمليات العسكرية تمثل تحولًا واضحًا في العقيدة القتالية الروسية من الحرب الدفاعية الجزئية إلى الهجوم الوقائي الاستباقي، وأن روسيا لم تكتفِ بصد الهجمات الأوكرانية فقط، بل تسعى الآن إلى طرد القوات الأوكرانية من محيط حدودها، وفرض عمق دفاعي داخل الأراضي الأوكرانية».
وأكد الخبير في الشؤون الروسية أنه «إذا نجحت موسكو في فرض سيطرتها على سومي وخاركيف بشكل كامل أو جزئي، فإن ذلك سيكون نقطة تحول استراتيجية في الحرب، ما يضع كييف أمام تحديات عسكرية وسياسية داخلية، وسيعزز ذلك من موقف روسيا التفاوضي أمام الغرب، خاصة إذا جرى الحديث عن وقف إطلاق النار أو أي مساعٍ لحل سياسي». 
وأضاف أن «هذا قد يؤدي أيضًا إلى تغيير قواعد الاشتباك الحدودية، ما يفرض نموذجًا جديدًا قد يتضمن فرض «حدود أمنية» روسية كما حدث في مناطق أخرى».
واختتم البني حديثــه قائـــــــلاً إن «التحرك الروســـــــي الحالي يتجاوز كونه مجرد هجوم عسكري ميداني، بل يعكس رؤيــــــــة اســــتراتيجية تهدف إلى تغيير هندســــــة الأمن الحدودي بين روســــــــيا وأوكرانيا، ومع استمرار الضغط العسكري على الجبهات، يبدو أن موسكو تسعى إلى حسم المعركة ميدانيًا قبل أن تواجه ضغوطًا دولية نحو الحل السياسي».