في خمس سنوات، وباسم «العرق الأبيض»

تضاعف هجمات اليمين المتطرف ثلاث مرات في الغرب...!

تضاعف هجمات اليمين المتطرف ثلاث مرات في الغرب...!

-- يبدو أن «الاستبدال العظيم» يلهم معظم خطط وهجمات اليمين المتطرف التي نفّذت مؤخرًا في الغرب
-- من المفارقات، نظرية عنصرية موروثة مباشرة عن النازيين تجعل من الممكن تقديم النازيين الجدد كضحايا
-- القومية الخام، لم تختف وتظل عاملاً قوياً للتعبئة، خاصة في أوروبا الشرقية والبلقان
-- «الذئاب المنفردة» ليست هي القاعدة للإرهاب اليميني المتطرف
-- زيادة بنسبة 320 بالمئة في هجمات هذه الحركة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأوقيانوسيا
-- خلال عشرية، كان 76 بالمئة من قتلى الهجمات في الولايات المتحدة ضحايا إرهاب اليمين المتطرف


   إن التحذير الذي أطلقته المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة في أوائل أبريل في غاية الوضوح: “إن الدول الأعضاء قلقة بشأن التهديد المتزايد والعابر للحدود لإرهاب أقصى اليمين».
   وتجدر الإشارة، الى أن قائمة الهجمات القاتلة التي يشنها المتطرفون اليمينيون قد نمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وحسب مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2019 التابع لمعهد الاقتصاد والسلام، فقد تضاعف عدد الأعمال الإرهابية اليمينية المتطرفة في الغرب ثلاث مرات في غضون خمس سنوات.

تهديد عالمي
     22 يوليو 2016، مستلهما من أندرس بهرنغ بريفيك، مرتكب هجمات أوسلو وأوتويا، ومدفوعًا بكراهية “الأتراك والعرب”، فتح ديفيد علي سنبولي النار في مركز تسوق في ميونيخ (ألمانيا) وقتل تسعة.
    9 يناير 2017، أطلق ألكسندر بيسوننيت، المعجب بدونالد ترامب ومارين لوبان، النار على ستة مصلين في المسجد الكبير في كيبيك (كندا).

27 أكتوبر 2018 في بيتسبرغ (الولايات المتحدة)، قتل روبرت باورز أحد عشر يهوديًا في كنيس شجرة الحياة، معتبرا أنهم مسؤولون عن “إبادة جماعية” ضد العرق الأبيض.   بعد خمسة أشهر، صوّر برنتون تارانت، وهو من أشد المتحمسين لنظرية “الاستبدال العظيم”، اغتال واحدا وخمسين مسلماً في مسجدين في كرايستشيرش (نيوزيلندا).
   2 يونيو 2019، لأنه ساند استقبال اللاجئين، تم اغتيال النائب والتر لوبكي في منزله في فولفهاجن (ألمانيا) من قبل نازي جديد معروف، ستيفان إرنست.  3 أغسطس 2019، أعدم باتريك وود كروسيوس اثنين وعشرين من أعضاء طائفة اللاتينوس في إل باسو (الولايات المتحدة) ببندقية هجومية. ويشجب بيانه، المنشور على الانترنت، “الغزو اللاتيني لتكساس” بما يتطابق مع نظرية “الاستبدال العظيم».
  قبل ذلك بأربعة أيام، في جيلروي (الولايات المتحدة)، كان سانتينو ويليام ليجان يطلق النار على حشد في مهرجان، مما تسبب في وفاة ثلاثة أشخاص، من بينهم طفلان. وفي حسابه على انستغرام، أشار إلى مانفستو له شعبية في اوساط تفوق الرجل الابيض.

    لقد ارتكبت العديد من جرائم قتل الأبرياء باسم العنصرية وكره الأجانب -ناهيك عن الهجمات الفاشلة. وفي معظم الحالات، تكون الأيديولوجية هي التي حددت الهدف من هذه الهجمات، وحددت المستهدفين من أجل إيصال رسالة سياسية. إن العمل العنيف يخدم قضية.
   «رغم أن الإرهاب اليميني المتطرف ليس ظاهرة جديدة، إلا أن تواتره وقدرته على الفتك قد ازدادا في الآونة الأخيرة”، تؤكد لجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة. ويصر خبراؤها على الطبيعة العالمية للتهديد، وعلى دور الإنترنت، وهي أداة تُستخدم داخل الحركة اليمينية المتطرفة لتمجيد أفعالها، وتضخيم صداها، وكذلك رسالتها، وتجنيد المزيد من الأتباع.

مجموعات منظمة
   في ألمانيا، دق توماس هالدينوانغ، رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور -المخابرات الداخلية الألمانية -ناقوس الخطر في 12 مارس خلال مؤتمر صحفي، وأعلن أن إرهاب اليمين المتطرف يمثل “الخطر الرئيسي على الديمقراطية” ما وراء نهر الراين، قبل الخطر الإرهابي.
  وحذر قائلا، “نعلم اليوم أن الديمقراطيات يمكن أن تفشل عندما يدمرها أعداؤها من الداخل، وهذا هو التحذير الذي يوجهه الينا تاريخنا”. وتقدر السلطات الفيدرالية أنه من المرجح أن ينتقل حوالي 13 ألف يميني متطرف الى ارتكاب أعمال عنف في البلاد.
   في فرنسا، لئن كان التهديد أقل وضوحا، فإنه مع ذلك موجود. عام 2018، تم سجن حوالي 30 شخصًا بسبب أعمال مرتبطة بالإرهاب اليميني المتطرف، وفقًا لأرقام من إدارة السجون.

   عام 2017، خطط الناشط اليميني المتطرف لوغان نيسين، لتنفيذ هجمات ضد الجالية المسلمة والسكان اللاجئين، وكذلك اغتيال كريستوف كاستانر وجان لوك ميلينشون.
  في سن 21 عامًا فقط، مرّ هذا الشاب من خلال حركة العمل الفرنسي، والشباب القومي، والجبهة الوطنية. وتم إحباط “حملته” في عملية واسعة قامت بها مديرية الأمن الداخلي ضده وجماعته، التي تسمى تنظيم الجيش السري، تكريما للإرهابيين الفرنسيين السابقين المؤيدين للجزائر الفرنسية.
  في الآونة الأخيرة، تم تفكيك منظمة سرية مناهضة للإسلام تسمى “حركة فعل القوات العملياتية” من قبل أجهزة المخابرات لأنه يشتبه في رغبتها في شن هجمات ضد المسلمين. ويحاكم اثنان من أعضائها، منهم دبلوماسي فرنسي، بتهمة “تكوين وفاق إجرامي إرهابي».

  وقدّر بيير دي بوسكيه دي فلوريان، منسق المخابرات الوطنية ومكافحة الإرهاب، في بداية مارس، أن “الإرهاب اليميني المتطرف “يجب” مراقبته عن كثب».
  ومع ذلك، لا ينبغي اعتبار الحركة الإرهابية اليمينية المتطرفة كتلة واحدة متجانسة. إن المرور إلى الفعل العنيف في خدمة هدف سياسي، هو أداة يتوخاها نظام واسع، وجمهور متعدد الأوجه، ومتنوع ومتحرك. نشطاء من الهامش الراديكالي يلتقون بأشخاص أقل تطرفًا، أو على أي حال نتخيل انهم أقل ميلا لحمل السلاح.

   كما أن “الذئاب المنفردة” ليست هي القاعدة للإرهاب اليميني المتطرف. ففي أوروبا الشرقية، والولايات المتحدة، وبدرجة أقل في قلب الاتحاد الأوروبي، تمثل مجموعات، سواء كانت مشكلة أم لا، كبيرة في بعض الأحيان، تهديدًا أيضًا.    ومن الكتائب الأصيلة، مثل فوج أزوف في أوكرانيا، إلى الميليشيات المنظمة، مثل جيش العصابات المخيف في المجر، مروراً بالمنظمات السرية، الفاعلون متعددون، وبعضهم يطور امتيازات في زوايا الغرب الأربعة على غرار المنظمة الإرهابية الأمريكية أتوموافين، التي تنشط الآن في العديد من البلدان الأوروبية.

«الاستبدال العظيم»
   متباينة ايديولوجيا -رغم التمثيل الجيد جدا للنازية الجديدة -إلا أن الحركة الإرهابية اليمينية المتطرفة توحدها عنصريتها. قمر قديم يسود اعتقاد أنه لم يعد من الموضة، ولكنه يعرف شبابًا ثانيًا بفضل نظرية مؤامرة “الاستبدال العظيم”، التي تُبلور المخاوف وتحيي الأوهام.
  هذه الفكرة موروثة عن المعادين للسامية القوميين قبل الحرب (إدوارد درومونت على رأسهم) واستعادها النازيون الجدد بعد الحرب (رينيه بينيه في فرنسا). في ذلك الوقت، تم اتهام يهودي “دون جنسية”، بتهديد الأمم والرغبة في تدمير الشعوب.
   تم استعادة هذه النظرية في وقت لاحق من قبل النازيين، والتي لم يتم تسميتها بعد “الاستبدال العظيم”، وتم تحديثها في السنوات الألفين من قبل الكاتب اليميني المتطرف رينو كامو.

  فهو الذي استخرج الجوهر المعادي للسامية منها ليحل محله كراهية الإسلام، مع الاحتفاظ بالبعد التآمري: ما يسمى بالشعوب “من العرق” الغربي ستكون مهددة بالاختفاء لأنهم على وشك “استبدالهم” بالمهاجرين وخاصة أحفادهم، في إطار خطة دبّرتها عمدا “النخب” العالمية. نقطة أخيرة تسمح للمعادين للسامية بان يجدوا أنفسهم فيها أيضًا...
  بالتأكيد، أن “الاستبدال العظيم” هو خيال قائم على استقراءات ديموغرافية غير غريبة ، وتخمينات علمية زائفة، ولكنه خطاب فعال يطبع المخيال. لأنه يقوم على وجه الخصوص على الكليشيهات البالية، ولكن العنيدة، لما يسمّى بالحياة الجنسية الجامحة للأجنبي المدمجة في “الوحشية».

  هذه النظرية هي في الواقع مجرد صورة رمزية للفكر العنصري، أداة تكيّف القومية مع العولمة بجعل العرق (مخفيًا وراء مصطلح “الحضارة”) الإطار المرجعي الجديد، مع الاحتفاظ بالتعارض بين “نحن” و “هم”. ولكنها تشكل أيضًا رسالة راديكالية عميقة تبرّر أسوأ التجاوزات: إذا تعرّض أحد للهجوم، الا يحق له الدفاع عن نفسه؟
   هذا الانقلاب في القيم، هو من كلاسيكيات الخطاب الإرهابي: يصبح القاتل “مقاوما”، وضحيته “المحتل”. وهنا قمة المفارقة، نظرية عنصرية موروثة مباشرة من النازيين، يقتبسها مؤلف يقول إنه يكره النازية، تسمح بجعل النازيين الجدد ضحايا.
   يبدو أن “الاستبدال العظيم” يلهم معظم عمليات وخطط هجمات اليمين المتطرف التي نفذت مؤخرًا في الغرب. ولكن إذا بدا أن المعركة العنصرية قد أصبحت محرك الإرهاب العابر للأوطان، ويساعد على نشوء تيار، فان القومية الخام، لم تختف وتظل عاملاً قوياً للتعبئة، خاصة في أوروبا الشرقية والبلقان.

مناخ كاره للأجانب
  ولئن يظل التهديد الإرهابي مسيطرا على نطاق واسع، رغم أنه في الواقع يتناقص باستمرار، فإن الجهات الأمنية تشعر بالقلق من صعود التطرف اليميني.
    في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2019 المذكور أعلاه، يطرح معهد الاقتصاد والسلام بأن “أحد أكثر الاتجاهات المثيرة للقلق هو صعود الإرهاب اليميني المتطرف”، وعلى وجه الخصوص، زيادة بنسبة 320 بالمئة في الهجمات المنسوبة إلى هذه الحركة على مدى السنوات الخمس الماضية في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأوقيانوسيا.

   النغمة نفسها على جانب الاتحاد الأوروبي، حيث يبرز يوروبول في تقرير 2019 ضعف مستوى المرور إلى العمل الإرهابي من أقصى اليمين (هجوم واحد فقط في الاتحاد الأوروبي عام 2018) ولكن في الوقت نفسه  تزايد التهديد، مع اعتقالات في ارتفاع للعام الثالث على التوالي.
  وخصوصا، تشعر الوكالة الأوروبية بالقلق إزاء المناخ العام الحالي “المبني على كراهية الأجانب والمشاعر المعادية للسامية والإسلام ومناهضة الهجرة”، ويحتمل “أن يخفض عتبة الأعمال العنيفة لأفراد متطرفين ضد الأقليات «.

  هذا، من بين أمور أخرى، مثال الهجوم الإسلاموفوبي الذي ارتكب ضد مسجد بايون في أكتوبر 2019. لقد خلص التحقيق بالتأكيد إلى ضعف جزئي في تمييز منفذ العملية، كلود سينكي، وهو متطرف معروف، لكنه لم يقر السبب الإرهابي. ومع ذلك، فقد تم الإشادة علنا بعمله على الشبكات الاجتماعية من قبل مستخدمي الإنترنت المناهضين للإسلام، أو يدعون بوضوح أنهم فاشيون.
  ما وراء الأطلسي، الوضع أكثر مدعاة للقلق. وفقا لرابطة مكافحة التشهير، خلال العقد 2010-2019، 76 بالمائة من القتلى في الولايات المتحدة خلال الهجمات من ضحايا إرهابيي اليمين المتطرف، أي 330 من 435 ضحية.

وكانت سنوات
دموية بشكل خاص.
  في الأصل، الإرهاب الأمريكي اليميني المتطرف له خصائص تاريخية: الحنين إلى العبودية، والميز العنصري، والكونفدرالية، وكراهية وبارانويا تجاه الحكومة الفيدرالية، وتقاليد الميليشيات، والأصولية البروتستانتية ...
   انهم آلاف الضحايا -معظمهم من السود -لهجمات قنابل كو كلوكس كلان، أو جيش الرب ضد عيادات الإجهاض، أو 168 قتيلاً في تفجير أوكلاهوما سيتي عام 1995، الذي ارتكبه متطرف يميني من حركة الميليشيات، يعارض السلطات الفيدرالية.
  ومع ذلك، يبدو أن الأجندة السياسية للمتطرفين اليمنيين العنيفين في الولايات المتحدة، تتلاقى الآن أكثر مع أجندة الحركة الإرهابية اليمينية المتطرفة العابرة للقوميات. إن الهجمات التي تتم باسم مكافحة “الاستبدال العظيم” أو الأفكار المشابهة، تتكاثر هناك. وقد استشهد العديد من مرتكبي الهجمات الأخيرة بالنظرية التي استعادها رينو كامو.

بوتقة أوكرانية
   في أوكرانيا، في حرب منذ عام 2014، يقاتل نشطاء اليمين المتطرف أو قاتلوا إلى جانب القوات الموالية الأوكرانية، ولكن أيضًا بين الانفصاليين الموالين لروسيا.
  وبالإضافة إلى الصراع الإقليمي ذي الجوهر القومي، تحارب هذه التشكيلات أيضًا ضد “العولمة” أو “الإمبريالية” وصورهما الرمزية، التي تُعتبر أدوات لتنميط الشعوب. وعند العنصريين، يُنظر إلى الصراع الأوكراني على أنه معركة طليعية لحرب أكثر عالمية.

  وأياً كان المعسكر الذي انضموا إليه، فإن المتطوعين الأوروبيين والأمريكيين الذين التحقوا بأوكرانيا يُستقبلون بأذرع مفتوحة من قبل الجماعات المتطرفة الموالية أو الانفصالية. ويوطد هؤلاء المقاتلون الأجانب أيديولوجيتهم هناك، ويكتسبون مهارات عسكرية قوية، ويقيمون صلات مع أعضاء المنظمات اليمينية المتطرفة الأخرى.
  في يوليو 2019، خلال عملية مكافحة الإرهاب التي استهدفت نشطاء إيطاليين من اليمين المتطرف، من قدامى المحاربين في الصراع الأوكراني على الجانب الانفصالي، عثرت الشرطة على أشياء دعائية نازية وفاشية، ولكن خصوصا، على مخزون مذهل من الأسلحة، منها بنادق هجومية حديثة، وحتى صاروخ جو-جو، معطّل لحسن الحظ.

   كما أعلنت الحركة الإمبراطورية الروسية الموالية لروسيا، المشاركة في النزاع، في أبريل 2019 عن أجندة “الحملة الصليبية” ضد “الجحافل المحمدية” البعيدة عن مجال النفوذ الروسي، على سبيل المثال في ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى. وعلى المنوال نفسه ، قام الأسترالي برينتون تارانت، مرتكب هجوم كرايستشيرش، بارتكاب عمله الإرهابي في نيوزيلندا. ومراجعه الإيديولوجية هي في الأساس شخصيات وأحداث تاريخية أوروبية، كان قد اعتنى بإبرازها أيضًا من خلال نقوش على أسلحته.