عند المرور بأوقات عصيبة، يمكن أن يكون طلب الدعم من الأصدقاء أو أفراد العائلة خطوة أولى طبيعية، ومع ذلك، في بعض الأحيان قد تتطلب المساعدة التي نحتاجها أكثر من مجرد أذن مستمعة أو عناق متعاطف؛ قد تستدعي الحاجة هنا إلى التحدث مع معالج أو طبيب نفسي. جلساتك مع المعالج النفسي مختلفة ومُمّيزة بأنها خاصة وسريّة، وتتمحور حولك أنتِ فقط، بخلاف المحادثة مع صديق، يمكنكِ مشاركة أعمق أفكارك مع المعالج النفسي دون خوف من الحكم عليكِ أو الرفض، يوفر علماء النفس مساحة آمنة وغير قضائية لاستكشاف مشاعرك وتجاربك والعمل على حلّها.

وبما أن شهر مايو هو شهر التوعية حول الصحة النفسية، حيث بدأت منظمة الصحة العالمية، منذ عام 1949، الاهتمام بهذه المسألة، واختارت شهر مايو من كل عام للتوعية بأهمية الصحة النفسية، ضرورة أن يتمتع الناس بصحة أفضل للقيام بمهامهم على أكمل وجه في تعاملاتهم اليومية، فالصحة النفسية مرتبطة بالصحة الجسدية والعكس صحيح، فقد كان لـ"سيّدتي" لقاء مع اختصاصية علم النفس دانيا دبيبو التي شرحت الفرق بين التحدث إلى اختصاصي علم نفس وصديق مقرّب.

مساحة آمنة
تقدم الصداقات بعضاً من أفضل أجزاء مغامرة الحياة، ومع ذلك، في بعض الأحيان لا يستطيع حتى أفضل الأصدقاء أن يساعدك كما يساعدك الطبيب أو المعالج النفسي في حل مشكلة ما. وفي هذا الإطار تقول الاختصاصية دبيبو بأنّ " أحد الاختلافات الأساسية بين التحدث إلى صديق والمتابعة مع معالج نفسي هو مستوى الخبرة والتدريب الذي يمتلكه الطبيب النفسي. علماء النفس هم محترفون معتمدون، خضعوا لتدريبات مكثفة، تحت إشراف طويل، لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية. وهم محصنون بالمعرفة والمهارات اللازمة لتشخيص وعلاج وإدارة الحالات النفسية".
وتضيف "عند زيارة المعالج النفسي، لا داعي للقلق بأن يُحكم عليكِ سلباً وأن يُؤخذ عنك فكرة خاطئة، إضافةً إلى أن المعالج النفسي هو شخص موضوعي يرى الأشياء في حياتك دون أن تكون له مصلحة خاصة كالصديق، وتكون الجلسة معه عبارة عن التحدث عنكِ وعن مشاكلكِ، دون الخوف أن يُنقل الكلام إلى شخص آخر، والمعالج النفسي قادرٌ أيضاً أن يسمع ما تقولينه بكل انتباه ومعرفة الأمور الحسّاسة من خلال قراءة لغة جسدكِ. ولا يقدّم المعالج النفسي النصيحة كما يفعل الصديق بل يطرح العديد من الأسئلة لتوضيح الفكرة والمساعدة على اتخاذ القرارات، وقد يقدّم تمرينات لتعزيز المهارات والتغلب على بعض الأعراض النفسية".

العلاجات القائمة على الأدلة
وبرأي الاختصاصية دبيبو "يستخدم علماء النفس أيضاً العلاجات القائمة على الأدلة العلمية لمساعدة المرضى والأشخاص الذين يعانون من مشاكل معينة. يتم تدريبهم على تحديد الأسباب الجذرية لمشاكل الصحة النفسية واستخدام مختلف التقنيات المثبتة علمياً، للمساعدة على تحسين الصحة النفسية، وحتى الوقاية المستقبلية. من خلال جلسات العلاج، يمكنكِ تعلم مهارات جديدة للتكيّف وتخفيف الأعراض، إضافةً إلى استراتيجيات إدارة التوتر. كما توفّر الجلسات فرصاً لتعلم طرق جديدة للتصالح مع النفس وتحسين العلاقات والتخلص من العلاقات السامّة. وخلافاً لما يعتقده البعض، هناك العديد من التوجهات النفسية التي تقدّم نتائج سريعة قد تستغرق أشهراً محدّدة وليس سنوات كما في السابق".

الوقت هو ملككِ وحدكِ
ومن بين الأسباب التي تدفع بالشخص إلى استشارة اختصاصي في علم النفس والبوح بالمشاعر وعرض المشاكل هي "الوقت المخصّص والاهتمام الذي يوفره الأخير. عند التحدث مع صديق، قد تكون المحادثات اتصالاً متبادلاً أو ثنائية الاتجاه. لكن عند زيارة إختصاصي، فإن الوقت ملك لكِ وحدكِ. علماء النفس ملتزمون بمساعدتكِ والتركيز فقط على احتياجاتكِ خلال الجلسة، ولا ينتقل الحديث عن المعالج ومشاكله كما يحصل عند التكلّم مع صديق، كما أنّ الجلسة مع المعالج لا تكون مجرّد التحدث عن المشاكل والعواطف، بل تهدف إلى إيجاد الحلول وكشف الأنماط وتخطّي الصعوبات".

وتلخّص دبيبو المقارنة بين التحدث إلى اختصاصي علم نفس وصديق وفق التالي:
التحدث إلى المعالج النفسي
يمكنك أن تكوني صادقة دون الشعور بخوف الحكم السلبي المسبق.
لديك اهتمام المعالج الكامل.
المعالج لن يقدم النصيحة.
السريّة التامّة مضمونة.
مؤهل لمعالجة المشاكل النفسية الكبرى.
موضوعي.
تؤمن المعالجة النفسية مساحة آمنة
التحدث إلى صديق
لن تكوني قادرة على البوح بصدق تام خوفاً من تغيير الصديق نظرته تجاهكِ.
لن تجدي الاهتمام نفسه أو الاستماع بعمق إلى ما تقولين. السريّة ليست مضمونة.
الأصدقاء غير مؤهلين لمعالجة مشاكل الصحة العقلية.
غالبًا ما يكون للأصدقاء وجهة نظر متحيزة.
الصديق سريع بتقديم النصيحة التي يراها مناسبة.
زيارة المعالج النفسي ليست عاراً
وترى الاختصاصية دبيبو أنّه "في حال شعرتِ أن حياتك اليومية بدأت تتأثر وهناك خلل وضيق يومي، فالصديق لن يقدّم لكِ الوقت أو الحلول خصوصاً، إذا كنتِ تعانين من القلق والاكتئاب، أو أية مشاكل نفسية أخرى، فأنت بحاجة إلى متابعة منظّمة لتحسين الأمور".
وتشدّد على فكرة على أن "زيارة المعالج النفسي ليست عاراً وهناك اعتقادات خطأ تجاه الحكم على كل من يتوجّه إلى اختصاصي نفسي بأنه مجنون أو ضعيف. كل منّا يمرّ بمراحل حياتية صعبة قد تضعف فيها قدرتنا على التحمّل وقد نجعل تخطّيها أسهل وأسرع في حال لجأنا إلى المعالج النفسي".
وتتابع: "هناك اعتقاد آخر خاطئ وهو أن جلسة واحدة تكفي لحلّ مشاكل الفرد الحياتية كلّها وكأنّ المعالج يملك عصاً سحرية"، معتبرةً أنّ "النفس البشرية معقّدة وبالطبع تحتاج لفهم عميق كي تصبح أقوى، وذلك يحتّم تعدّد الجلسات".

أهمية العلاج النفسي
تؤكد دبيبو على أهمية العلاج النفسي المرحلي لتتعرفي أكثر إلى نفسك وتكسبين ذكاءً عاطفياً ومرونة نفسية أعلى، وتصبحين قادرة على تجنّب المشاكل المستقبلية قبل أن تتراكم وتتحول إلى اضطراب". رغم ذلك، تشدّد دبيبو على ضرورة "ألا يتكّل المستفيد على المعالج النفسي والاعتياد عليه لمدى الحياة. كذلك لا يجب أن يمارس ضغوطاً نفسية على صديق بأن يسمعه ويقدم النصح الدائم له، وإلا خسر أصدقاءه".