تقسيم أوكرانيا.. لماذا لن يجلب السلام؟

تقسيم أوكرانيا.. لماذا لن يجلب السلام؟


طرح المبعوث الأمريكي الخاص إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ، مقترحاً لإحياء مفاوضات السلام المتعثرة، يقوم على تقسيم أوكرانيا «تقريباً كما قُسِّمت برلين بعد الحرب العالمية الثانية».
وأوضح كيلوغ لاحقاً أن خطته لا تهدف إلى إنشاء دول منفصلة، بل تقسيم البلاد إلى ثلاث «مناطق مسؤولية»، لكن بحسب جينيفر كافانا، مديرة التحليل العسكري في مركز أولويات الدفاع، فإن الخطة غير قابلة للتنفيذ من وجهة نظر كييف وموسكو على حد سواء.
ورغم عدم وضوح ما إذا كان الاقتراح يحظى بدعم واسع داخل الحكومة الأمريكية، ترى كافانا، في مقال نشره موقع «أنهيرد» البريطاني، أن هذا الطرح لا يقدّم دفعة للمفاوضات، بل يرجَّح أن يعقّدها ويزيد من تباعد طرفي النزاع، في ظل ازدياد القناعة بأن أي تسوية قد تكون في غير مصلحة الطرفين.

خطة كيلوغ.. رسم حدود لن تُقبل
وفقاً لما شرحه كيلوغ لصحيفة ذا تايمز البريطانية، تنص خطته على وقف لإطلاق النار، يعقبه تقسيم أوكرانيا إلى ثلاث مناطق: شرقية خاضعة لسيطرة موسكو وتشمل الأراضي التي تحتلها حالياً، ومنطقة وسطى تحتفظ أوكرانيا بالسيطرة الأمنية عليها وتمتد حتى نهر دنيبرو، وغربية بعد النهر، تؤمَّن بشكل مشترك من قبل أوكرانيا وقوات أوروبية تضم جنوداً بريطانيين وفرنسيين.
خطوط كييف الحمراء
ورغم أن كييف قد ترحب بإدراج قوة أوروبية، فإنها ستعتبر بنوداً أخرى في الخطة غير مقبولة. فتقسيم أوكرانيا إلى مناطق مسؤولية رسمية يعني إقراراً ضمنياً بالسيادة الروسية على الأراضي الأوكرانية المحتلة، وهو ما يتجاوز الخط الأحمر الأبرز بالنسبة لكييف، حتى لو سبق لزيلينسكي أن أبدى مرونة حيال السيطرة الروسية المؤقتة.
أما البند المتعلق بتمركز القوات الأوروبية غرب نهر دنيبرو فقط، فستراه كييف مرفوضاً بالكامل، إذ يرغب زيلينسكي في وجود تلك القوات قرب خطوط المواجهة، لتعزيز الردع، أو أن تشكّل شبكة تأمين تضمن دعماً فورياً في حال شنّت موسكو هجوماً جديداً.
أما ترك القوات الأوكرانية وحيدة على خط التماس فسيُقابل بخيبة أمل عميقة في كييف.

تهديد مباشر لموسكو
وكما أن كييف سترفض الخطة، فإن موسكو قد ترفضها بشدة أكبر، فوجود قوات بريطانية وفرنسية داخل أوكرانيا، ولا سيما قرب المناطق التي تحتلها روسيا، سيُنظر إليه على أنه تهديد مباشر. وعلى الرغم من تأكيد كيلوغ أن هذا الوجود «غير استفزازي»، إلا أن موسكو، التي تخوض حرباً منذ ثلاث سنوات لتجنّب هذا السيناريو، ترى في ذلك استفزازاً مباشراً.
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بوضوح أن موسكو لن تقبل بوجود جنود من دول الناتو داخل أوكرانيا «تحت أي ظرف».
ومع تحسّن وضع روسيا على الأرض، فإن الرئيس فلاديمير بوتين لا يملك دافعاً حقيقياً لإعادة النظر في اقتراحات من هذا النوع.

فكرة تستحق الرفض
حتى لو استطاع دونالد ترامب، إقناع الطرفين بالموافقة على خطة كيلوغ، فإن الفكرة تستحق الرفض، بحسب كافانا، فالتاريخ يُظهر أن تقسيم الدول لم يؤسس يوماً لسلام دائم، بل كثيراً ما أفضى إلى صراعات متجددة، وتوترات سياسية واقتصادية تنشأ على خطوط التقسيم المصطنعة. وفي الحالة الأوكرانية، فإن التقسيم، حتى بصيغته المخفَّفة كمناطق مسؤولية، لن يعالج الأسباب الجوهرية للنزاع، ولن يبدد المخاوف الأمنية لدى الطرفين، ولن يضع حداً للنزاعات الإقليمية. قد يفرض وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، لكنه مرشّح للانهيار لاحقاً، مع احتمال أكبر لانجرار أوروبا مباشرة إلى ساحة الحرب. وحتى الآن، لم تصدر إدارة ترامب موقفاً رسمياً من خطة كيلوغ، ما يترك مصيرها معلقاً، لكنها، كما ترى كافانا، لا تستحق أصلاً أن تُدرس بجدية من قبل المسؤولين الأمريكيين الذين يقودون المفاوضات، فالغضب من استمرار الحرب يتصاعد، لكن تقسيم أوكرانيا، بأي شكل، لن يكون طريقاً إلى السلام.