للنزاع في شرق البحر المتوسط تداعيات أيضاً

تنافس بين تركيا واليونان وفرنسا على «الكعكة السورية»

تنافس بين تركيا واليونان وفرنسا على «الكعكة السورية»


لفتت الكاتبة التركية سينم جنكيز إلى أن الخلافات السياسية العميقة في شرق المتوسط حول الغاز الطبيعي والتوترات المستمرة بين المعسكرات المتصارعة في ليبيا، أحيت منافسات قديمة في المنطقة لها تأثير كبير على الوضع في سوريا.
وأشارت جنكيز، في مقال بصحيفة “ذا آراب نيوز”، إلى محادثات أجرتها فرنسا هذا الأسبوع مع الأحزاب الكردية في شمال شرق سوريا، معتبرة أنها خطوة تزيد من تعقيد الأمور الناجمة عن تصاعد التوترات بين تركيا وفرنسا حول ليبيا وسوريا. وكانت هذه المحادثات جزءاً من محاولة لتوحيد الأكراد السوريين استعداداً لتسوية  محتملة في البلد الذي مزقته الحرب.

وساطة فرنسا
لتوحيد الأكراد
ونسب موقع “روداو”، مقره كردستان العراق”، إلى مصادر محلية أن الوفد الفرنسي التقى بممثلين عن الأحزاب التي تشكل التحالف الوطني الكردستاني، ثم أعضاء في حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية.
ولا تُعد تلك المحادثات الاجتماعات الأولى بين المجموعات الكردية السورية والوفود الفرنسية؛ حيث استضافت باريس وفوداً سورية كردية العام الماضي، ولكن انقسام الآراء بين الأكراد حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد يعني أن جهود الوساطة السابقة فشلت في تعزيز الوحدة الكردية.
ويرى المراقبون أن المحادثات الأخيرة، التي عُقدت سراً ولم يصدر بيان عنها، تنطوي على إشارة لنجاح محتمل. وإذا نجحت فرنسا فعلاً في توحيد الأكراد، فإنها لن تسعى فقط إلى استغلال هذا الإنجاز الذي حققته في التأثير سياسياً على سوريا ما بعد الحرب فحسب، ولكنها أيضاً سوف تستخدمه في مواجهة تركيا على خلفية تدخلها المتزايد في ليبيا.

 بين تركيا وفرنسا
وتعزو الكاتبة توتر العلاقات بين تركيا وفرنسا بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، تحديداً إلى السياسات المتباينة في المنطقة، خاصة أن باريس من أشد المنتقدين داخل الاتحاد الأوروبي لدور تركيا في سوريا. وعلى سبيل المثال، انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الهجوم العسكري الذي شنته أنقرة في شمال سوريا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ورداً على هذا الانتقاد، اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أوغلو الرئيس الفرنسي برعاية الإرهاب. وعام 2018، حضت الميليشيات الكردية السورية فرنسا على الاضطلاع بدور فاعل بشكل أكبر في الصراع، وذلك مع وصول القوات العسكرية الفرنسية في وقت لاحق إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد.
وإلى ذلك، ثمة خلاف بين أنقرة وباريس حول الصراع في ليبيا، إذ يدعم كل منهما أطرافاً مختلفة، وخلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي تبادل الطرفان اللوم على عدم الاستقرار في تلك البلاد.
 
 بين تركيا واليونان
ومثلما أن للتنافس بين تركيا وفرنسا في ليبيا تداعيات في سوريا، فإن للنزاع بين تركيا واليونان في شرق البحر الأبيض المتوسط تداعيات أيضاً.
ففي محاولة غربية أخرى لكسب موطئ قدم في سوريا ما بعد الحرب، أعلن وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، يوم الثلاثاء الماضي، عن تعيين تاسيا أثاناسيو مبعوثة خاصة للشأن السوري، علماً أنها شغلت منصب سفيرة اليونان في دمشق منذ العام 2009 وحتى 2012 عندما تم تعليق عمل البعثة الدبلوماسية اليونانية مع اندلاع الحرب الأهلية السورية.
وقالت وزارة الخارجية اليونانية إن المبعوثة الخاصة ستكون مسؤولة عن استجابة اليونان الإنسانية في سوريا وتنسيق مشاركة بلادها في عملية إعادة الإعمار.
ويرى المراقبون أن تعيين المبعوثة الخاصة كان تحركاً استراتيجياً للغاية يعكس رغبة أثينا في تطبيع العلاقات قبل المحادثات حول سوريا ما بعد الحرب. ولدى سوريا واليونان علاقات متوترة مع تركيا بسبب اختلافات في الرأي حول عدد من القضايا.
وتاريخياً، كانت العلاقة جيدة بين اليونان وسوريا، وعام 1993 وقعتا على اتفاقية دفاع كرد فعل على التهديد التركي عندما كانت أنقرة على شفا حرب مع جيرانها.

توازن القوى في شرق المتوسط
ويورد المقال أن القرار اليوناني الأخير بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا يأتي في خضم علاقات متوترة بشكل متزايدة بين أثينا وأنقرة بسبب تصرفاتهما في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتصاعد التوترات في ليبيا والمنطقة. وبحسب تقارير وسائل الإعلام في اليونان، فإنه من المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة توازن القوى في شرق البحر المتوسط لصالح أثينا. ولا يقتصر التواصل الدبلوماسي لليونان على سوريا، إذ انضمت القوات اليونانية إلى القوات الفرنسية والأمريكية خلال مناورة عسكرية مشتركة في شهر فبراير (شباط) الماضي، كما عززت فرنسا وجودها العسكري في شرق البحر المتوسط بنشر حاملة الطائرات “شارل ديغول”، في إشارة إلى دعم اليونان في نزاعها مع تركيا.
 
 خلف الكواليس
وتضيف الكاتبة: “في الوقت الذي تحاول الدول الأوروبية حجز حصتها في الكعكة السورية لما بعد الحرب، يشير بعض التقارير إلى أن شركاء أستانة في عملية السلام (روسيا وتركيا وإيران) يتقربون من توافق في الآراء بشأن إبعاد الأسد عن السلطة واتفاق وقف إطلاق النار، وذلك في مقابل تشكيل حكومة انتقالية تضم ممثلين عن المعارضة ونظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية. ولكن تم تكذيب هذه التقارير وكذلك الادعاءات بأن مجلس الشؤون الدولية الروسية (مؤسسة قريبة من القيادة الروسية) قد نشر هذا البيان بشأن مصير الأسد».
وتختم الكاتبة قائلة: “من الواضح أن الصراعات في المنطقة باتت متشابكة للغاية لدرجة أن التوترات في شرق البحر المتوسط لها تداعيات في سوريا، والعكس صحيح.
 ومع احتدام التوتر، تتحرك الدبلوماسية خلف الكواليس، حيث تحاول الدول المتنافسة كسب أي نفوذ يمكنها من مواجهة بعضها».