جدل حول قيادة القوات الحاملة للسلاح:

تونس: ما حقيقة قيام الرئيس بانقلاب ناعم؟

تونس: ما حقيقة قيام الرئيس بانقلاب ناعم؟

•  رئيس الحكومة: لا موجب للقراءات الفردانية والشاذة
• رابح الخرايفي: سعيّد يُلوّح بإيقاف نواب وسياسيين
• هيكل المكّي: لا وجود لمخاوف من الانقلابات إلاّ في مخيّلة المُنقلبين
• أحمد نجيب الشابي: قيس سعيد يقود انقلابا ناعما على السلطة
• المغزاوي: تصريحات سعيّد قطعت الطريق على تعيينات أمنية كبرى


أثار خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد في عيد قوات الامن الداخلي الاحد، والذي أكّد من خلاله أنّه "القائد الأعلى للقوات المسلحة"، جدلا وانقساما في المشهد السياسي بين مقرّ برؤية الرئيس ورافض لها.
وقال اول المعنيين بهذا التأويل، رئيس الحكومة هشام مشيشي، إنّ تصريحات الرئيس قيس سعيد بخصوص صلاحياته لدى إشرافه على موكب الاحتفال بالذكرى الخامسة والستين لعيد قوات الأمن الداخلي في قصر قرطاج، إنّها ''خارج السياق''، مضيفا أنّه ''لا موجب للقراءات الفردانية والشاذة للنص الدستوري.

وشدد المشيشي على أنّ هذه التصريحات تذكّرنا أيضا بالأولوية القصوى لتركيز المحكمة الدستورية والتي تمثّل الهيكل الوحيد للبت في مثل هذه المسائل، حسب تصريحه.
وأكّد في نفس السياق إلى أن هناك حاجة لخطاب يمنح التونسيين الثقة ويجمّعَهم في هذا الظرف الصعب خاصة في ظلّ الأزمتين الصحية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، وفق تقديره.

انقلاب
على جبهة الرافضين والخائفين، راى المدير التنفيذي لحزب أمل تونس رضا بلحاج، أن ما ورد في خطاب قيس سعيد "خطير وخرق إضافي للدستور بعد موضوع آداء اليمين".
في حين اعتبر السياسي المخضرم أحمد نجيب الشابي في تدوينة نشرها على فيسبوك، أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد يقود انقلابا ناعما على الهواء مباشرة، تمثلت حلقاته الأولى في تعطيل تشكيل الحكومة ثم في الاعتراض على قيام المحكمة الدستورية وأخيرا في إعلان رئيس الجمهورية توليه رئاسة قوات الأمن الداخلي بمناسبة الذكرى 65 لتأسيسها.
وقال أحمد نجيب الشابي، أن قيس سعيد يستغل الثغرات القانونية من أجل الانقلاب على السلطة تدريجيا، واصفا سلوكهُ بأنّه تأويل فردي لأحكام الدستور يستغلها لصالحه.

مشددا على أنّ الأخطاء الجسيمة لرئاسة الدولة أصبحت موجبة للمساءلة وحتى العزل، وفسّر السياسي أنّ رئيس الدولة يستغل الثغرات لمحاولة الزحف على الحكم وبسط النفوذ.
"الانقلاب ليس بالضرورة عملا عسكريا، وانما يعرفه فقهاء القانون الدستوري بأنه "عمل تسلطي غير شرعي من شأنه النيل من قواعد تنظيم الهيئات القائمة أو من سير اعمالها أو صلاحياتها ". وعلّق الشابي مؤكدا أنّ رئيس الدولة أعلن صراحة توليه رئاسة قوات الامن الداخلي بوصفها قوة مسلحة، بناء على تأويل انفرادي لأحكام الدستور.
ورّجح الشابي أن الصراع بين الرئاسات الثلاث سينتهي الى المصادمة والعنف وانهيار الدولة دون تدخل عاجل للحوار، أو الاستفتاء تمهيدا لانتخابات مبكرة.

وشدد القيادي في حزب الامل على ان الصراع المحتدم بين "الرئاسات الثلاث" الذي شل عمل الدولة ويهدد بتلاشيها يؤكد مرة اخرى ضرورة التخلي عن النظام السياسي الهجين الذي ارساه دستور سنة 2014 وقُد على مقاس حركة النهضة، والتوجه نحو نظام رئاسي جديد يضمن وحدة السلطة التنفيذية ويخلص الحكومة من قبضة الاحزاب، غير ان هذا التغيير لا يمكن ان يتم الا بالطرق السلمية وفي كنف احترام التشريعات والهيئات القائمة، والا انتهى الى المصادمة والعنف ... وانهيار الدولة.

قطع الطريق
في المقابل، قال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي في تعليقه على تصريحات الرئيس، إن سعيد قدم قراءته للدستور وتأويل فصول حول من يقود القوات المسلحة العسكرية والمدنية.
واعتبر المغزاوي في تصريح أمس الإثنين، أن القضية الأساسية تتمثل في ما أثارته هذه التصريحات من ردود أفعال واتهامات لرئيس الدولة بالانقلاب وهو أسلوب دأبت عليه النهضة مع المختلفين عنها.

وشدد آمين عام حركة الشعب، على أن الرئيس لم يشهر في وجوههم سلاحا بل دستورا، معتبرا أن خوفهم من هذه التصريحات نابع من كونها قطعت الطريق على تحويرات كبرى في المؤسسة الأمنية ومنهم أمني مقيم في فرنسا يدعى لزهر لونغو تحوم حوله شبهات كبيرة من الفساد، على حد قوله.
وبيّن المغزاوي أن الدفع نحو تعيين لونغو على رأس الاستعلامات أمر مخيف، والهدف منه السيطرة على الاستعلامات التونسية، إلا أن تصريح سعيد قطع الطريق وأربكهم حسب تعبيره.

وبين المغزاوي أن تصريحات قيس سعيد نقاش دستوري لا يمكن على إثرها اتهامه بالانقلاب.
وفي ذات السياق، اعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية هيكل المكّي أمس الإثنين، أنّ "الحديث عن الانقلاب والمخاوف من الانقلابات مسألة واهية موجودة فقط في مخيلة المنقلبين"، مؤكّدا أنّ "كلّ بندقية يحملها عسكري أو ديواني أو أمني هي تحت إمرة رئيس الجمهورية".
وقال المكّي في تصريح اذاعي، "رئيس الجمهورية هو رئيس كل من يحمل سلاحا سواءً كان عسكريا أو ديوانيا أو شرطيا…ذلك ما يضبطه الدستور وما ذهب إليه قيس سعيد في خطابه، في تفسيره في ظل غياب المحكمة الدستورية".

وأضاف "قيس سعيّد لم يأت على ظهر دبابة بل أتى عبر الدستور والأغلبية في انتخابات شفافة وتحت دستور ينص على أن كل بندقية يحملها عسكري أو ديواني أو أمني أو غيره هي تحت إمرة رئيس الجمهورية مهما كان".
وكان خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد، الاحد، خلال اشرافه على موكب الاحتفال بالذكرى 65 لعيد قوات الأمن الداخلي بحضور كلّ من رئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، قد أثار جدلا إثر تشديده على أنّه "القائد الاعلى للقوات المسلحة العسكرية وللقوات المسلحة المدنية ولكلّ الأسلاك التي وردت في القانون المتعلق بالقوات المسلحة المدنية".

اعتقالات في الافق
وفي قراءة للموقف، نشر أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي تدوينة على صفحته بالفايسبوك، الأحد، أكّد من خلالها أنّ قيس سعيد "مقبل على اتخاذ قرارات مؤلمة وأيام صعبة، قد تبدأ بجملة من الاعتقالات في صفوف نواب، وهذا ظاهر من خلال قوله انه لا يمكن التمسك بالحصانة".
وأضاف أنّه لوّح بـ "اعتقالات في صفوف سياسيين عندما قال إنه لن تنفعهم المصاهرة والمقصود هنا رفيق عبد السلام صهر راشد الغنوشي صاحب قضية الهبة الصينية، أو الاستقواء بالخارج او بالمال او بالجاه السياسي".
وقال الخرايفي ان الرئيس، " اختار عيد الأمن الذي تتواجد فيه كل التشكيلات الامنية، وحضور، رئيس الحكومة، ورئيس مجلس نواب الشعب وخطب بنبرة حادة وغاضبة في ذات الوقت.

أضف إلى ذلك تركيزه على احتكار الدولة للضغط المسلح، فهي إشارة منه إلى وجود مليشيات مسلحة، وموقعه الرئاسي يخول له معرفة هذا استنادا إلى ما يجمعه فرع المعلومات".
وأضاف أستاذ القانون الدستوري، "الخطاب في شكل درس معمق في تفسير وسرد الاسانيد الدستورية والقانونية لصلاحياته، وهذا الدرس يقوم مقام الإعلام لكافة الجهات بما في ذلك الشعب الذي تابع الخطاب واشهده على ذلك. وعلى ما يمكن أن يقدم عليه في المستقبل.

المهم من هذا الخطاب هو أنه بلغ لجميع التشكيلات الامنية ان القرارات والتعليمات تصدر من عنده هو وحده، ويعني بذلك ويدعوهم الى عدم الاستماع لرئيس الحكومة. وختم الخرايفي تحليله قائلا، "فتح رئيس الجمهورية بهذا الخطاب مجالا اخر  للصراع والخوف ، الذي قد يشتت تركيز الدولة على قضايا الوباء الذي يفتك بالأرواح يوميا، والمالية العمومية، وحسن الأداء المرافق ".