فيروس كورونا فيلم رعب أحدث الذعر في كل مكان
ثلاثة أشهر أغرقت العالم في سيناريو كارثي
-- خطط لحكومات العالم بآلاف مليارات الدولارات لمساعدة شعوبها
-- بلغ عدد المصابين حوالى 1,3 مليون شخص
ثلاثة أشهر انقضت منذ ورود أولى الشكوك حول ظهور فيروس جديد من سلالة فيروسات كورونا في الصين، ثلاثة أشهر كانت كافية لإغراق العالم بأسره في وضع كارثي أشبه بسيناريو فيلم رعب، فأحلّت الذعر في كل مكان وحصدت أكثر من سبعين ألف وفاة، فيما بات أربعة مليارات شخص قيد الحجر المنزلي.
ومع ظهور فيروس كورونا المستجدّ، يخوض العالم “حربا” من نوع جديد تقوم بها الطواقم الطبية على خطوط الجبهة،
حرب جعلت العالم يستذكر أحلك لحظات تاريخه، من الملكة إليزابيث الثانية التي استشهدت في خطاب نادر إلى البريطانيين بالقصف النازي على المملكة المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية، إلى السلطات الأميركية التي حذرت من “بيرل هاربور” أو 11 أيلول/سبتمبر جديد.
وانتشر الفيروس الذي وصفته منظمة الصحة العالمية بـ”عدو البشرية” بسرعة إلى أن بلغ عدد المصابين حوالى 1,3 مليون شخص، وهو رقم لا يعكس بالتأكيد عدد الإصابات الفعلية لعدم إجراء فحوص منهجية لكشف الإصابات.
وكانت لجائحة كوفيد-19 تبعات هائلة لا سيما على الاقتصاد حملت الحكومات على إقرار خطط بآلاف مليارات الدولارات لمساعدة شعوبها على مواجهة الركود الكبير المنتظر.
ظهر الالتهاب الرئوي الغامض في أواخر 2019 في ووهان بوسط الصين، ويعتقد أنه بدأ لدى الخفاشات..
ويرجـــح باحثون صينيون أن يكون انتقل إلى الإنسان من خلال البنغول، وهو حيوان حرشفي آكل للنمل من الثدييات.
وأفادت السلطات الصينية عن إصابة 59 شخصا بالمرض خلال كانون الأول/ديسمبر، بينهم العديد من العاملين في سوق بالجملة تباع فيه حيوانات حية بهدف استهلاكها.
في 8 كانون الثاني/يناير 2020، اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن هذه الحالات قد تكون ناجمة عن فيروس جديد من سلالة فيروسات كورونا. وفي 11 من الشهر ذاته، أفادت الصين رسميا عن أول وفاة.
وأعاد هذا المرض الجديد الذي يمكن أن تتأتّى عنه اضطرابات تنفّسية خطيرة، إلى الأذهان ذكرى وباء سارس أو متلازمة التهاب الجهاز التنفسي الحاد الذي نجم عن فيروس كورونا أيضا وضرب بشدة الصين القارية وهونغ كونغ في 2002-2003 متسببا بحوالى 800 وفاة في نحو ثلاثين بلدا.
ومع تسجيل أولى الوفيات في الصين وبدء انتشار المرض خارجها، تم التعريف عن المرض الجديد على أنه يشبه الإنفلونزا ويشكل خطرا بشكل أساسي على الأشخاص المسنين أو الذين يعانون من وضع صحي هشّ.
وقلل البعض من خطورته في بادئ الأمر، مثل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو الذي تحدث عن “إنفلونزا طفيفة”، قبل أن يبدل موقفه ويعتبر المرض “أكبر تحد يواجهه جيلنا».
وأعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ “الوباء شيطانا، لن نسمح للشيطان بأن يبقى مختبئا».
سعيا منها لوقف انتشار الوباء، عمدت السلطات الصينية إلى وسائل جذرية، ففرضت حجرا لم يكن الغرب يتصور أن يعمد إليه يوما، استهدف مدينة ووهان في بادئ الأمر، ثم اتسع في 25 كانون الثاني/يناير ليشمل كامل محافظة هوباي، عازلا سكانها الـ56 مليونا تماما عن العالم.
وباتت شوارع المحافظة مقفرة وأقيمت حواجز على الطرق لمنع الناس من الخروج من منازلهم، وتم تشييد مستشفيات ضخمة فيها خلال أيام قليلة.
في نهاية كانون الثاني/يناير، أعلنت منظمة الصحة العالمية وضعا دوليا طارئا دون أن تدعو إلى الحد من السفر.
غير أن شركات الطيران الدولية خفضت رحلاتها إلى الصين القارية، كما علقت شركات أجنبية كثيرة عملها في البلد.
وكانت تلك بداية انهيار قطاع السياحة العالمية الذي يوظف أكثر من 300 مليون شخص ويمثل 10% من إجمالي الناتج القومي العالمي.
وتحولت عطلة العديد من السياح في العالم إلى كابوس حقيقي، لا سيما بالنسبة لآلاف الركاب الذين علقوا على متن سفن رحلات ظهر الفيروس بين ركابها، ومنها خصوصا سفينة قبالة سواحل طوكيو سجلت أكثر من 700 إصابة.
في مطلع نيسان/أبريل، كان الاتحاد الأوروبي أعاد 350 ألف سائح أوروبي إلى بلدانهم، فيما بقي حوالى 250 ألف شخص عالقين في دول أخرى.
في الصين، كان للفيروس وقع الصدمة على المجتمع. وعند وفاة الطبيب لي وينليانغ في ووهان، عمّت شبكات التواصل الاجتماعي موجة غضب نادرة تجاه السلطات، إذ كان طبيب العيون البالغ عمره 34 عاما نبه مع سبعة أشخاص آخرين منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر من الفيروس الجديد، غير أن السلطات اتهمتهم جميعا ببث شائعات.
وإن كان الفيروس لا يزال محاطا بالكثير من الأسئلة التي لم تلق أجوبة، فإن المرض المتأتي عنه بات له اسم هو كوفيد-19.
في منتصف شباط/فبراير، أعلن عن أول وفاة خارج آسيا، وتحديدا في فرنسا. وبدأ الاقتصاد العالمي يهتزّ، فأُعلن إلغاء عدد متزايد من اللقاءات الدولية والمسابقات الرياضية. في 24 آذار/مارس، قررت اللجنة الأولمبية الدولية تأجيل الألعاب الأولمبية المقررة في طوكيو خلال الصيف إلى 2021، ما شكل سابقة في زمن السلم.
وفي أواخر شباط/فبراير، تسارعت وتيرة الإصابات في إيطاليا وكوريا الجنوبية وإيران. أما في الصين، فاعتبرت السلطات أن الوباء بلغ ذروته على أرضها.
في 6 آذار/مارس، تخطت حصيلة الإصابات في العالم عتبة المئة ألف.
وكانت إيطاليا التي ضربها الوباء بشدة بالغة، أول بلد بعد الصين يفرض تدابير حجر صارمة على مواطنيه، ما حوّل مدنا مثل فينيسيا وروما وفيرنزي تغصّ عادة بالسياح، إلى مدن أشباح.
وروى أطباء إيطاليون أنهم مضطرون أمام تدفق أعداد المرضى إلى المستشفيات، إلى اختيار المصابين الذين سيعالجونهم “بموجب العمر والوضع الصحي، كما في حالات الحرب”، ما أثار صدمة عميقة في إيطاليا.
في 11 آذار/مارس، وصفت منظمة الصحة العالمية كوفيد-19 بأنه “جائحة”، مطلقة تعبئة عالمية لمكافحته.
وبدأت الولايات المتحدة تغلق حدودها أمام المسافرين الأجانب القادمين من أوروبا.
وشهدت الأسواق العالمية انهيارات تاريخية، وأعلنت الحكومات والمصارف المركزية تدابير ضخمة لدعم الاقتصاد.
وعمت العالم مشاهد مستهلكين مذعورين يهرعون إلى محال السوبرماركت ويتسابقون على البضائع، ووصل الأمر أحيانا إلى حد الاشتباك بالأيدي حول علبة معكرونة أو رزمة من ورق المراحيض.
مع إعلان منظمة الصحة العالمية أوروبا “البؤرة” الجديدة للوباء، فرضت إسبانيا وفرنسا وأخيرا المملكة المتحدة بدورها الحجر المنزلي خلال آذار/مارس.
وتداخلت صور مستشفيات استُنفدت طاقاتها يتكدّس المرضى في أروقتها، مع مشاهد سريالية لمدن كبرى في العالم باتت مقفرة وصامتة. ومع حلول شهر نيسان/أبريل، كان أربعة مليارات نسمة يمثلون أكثر من نصف البشرية مدعوين أو ملزمين بالبقاء في منازلهم.
وتتالت قرارات حظر التجول وإعلان حال الطوارئ، ما أثار مخاوف بشأن احترام دولة القانون.
وبقي أكثر من ثلث الأسطول العالمي من الطائرات مسمّرا على مدارج المطارات، وتعمّم إغلاق المدارس والجامعات فيما بات العمل من المنازل هو السائد.
وانتشر وسم #أبقى في منزلي بسائر اللغات على الشبكات الاجتماعية، فيما لجأ إليها العاملون الطبيون للإعراب عن إحباطهم. وروت إيليز الممرضة في مستشفى فرنسي على فيسبوك “أبكي عندما أستيقظ. أبكي وأنا أتناول الغداء. أبكي وأنا أستعد هنا في قاعة تبديل الملابس في المستشفى، أجفف دموعي. أٌلهم الآخرين الناس في الأسرّة يبكون أيضا، ويتحتّم عليّ أنا أن أجفف دموعهم».
وعمّ العالم تقليد جديد، إذ أخذ الناس المحتجزون في منازلهم يطلون في المساء من نوافذهم وشرفاتهم ليصفقوا للطواقم الطبية تعبيرا عن امتنانهم لهم.
في مدريد، تم تحويل ميدان للتزلج على الجليد إلى مشرحة ضخمة لجثث ضحايا كوفيد-19، وفي نيويورك أقيم مستشفى ميداني في منتزه سنترال بارك.
غير أن السلطات واجهات صعوبات في فرض القيود على التنقلات في الأحياء الأكثر فقرا واكتظاظا من العالم. ولجأت قوات الأمن في بعض الدول الإفريقية إلى استخدام الأسواط وإطلاق النار لتفريق التجمعات.
ويهدد الوباء بالتسبب بكارثة لملايين اللاجئين لا سيما في مخيم الهول في سوريا حيث يتكدس 68 ألف شخص من نازحين وأفراد عائلات مقاتلي تنظيم داعش في أقل من كيلومترين مربعين.
تواجه معظم الدول نقصا حادا في الكمامات الطبية وغيرها من معدات الحماية، ما يشكل خطرا بالمقام الأول على الطواقم الطبية. وإزاء هذه الأزمة العالمية، تجري منافسة شرسة بين الدول للاستحصال على هذه اللوازم الثمينة، تصل إلى حد سرقة شحنات وتحويل وجهتها.
إلى ذلك، تسود مخاوف في العديد من الدول حيال استنفاد طاقات المستشفيات على استقبال مرضى في أقسام الإنعاش، فضلا عن نقص الأدوية والطواقم الطبية.
وفيما حصرت معظم الدول فحوص كشف الإصابة بالفيروس بالمرضى في حال الخطر، عمدت كوريا الجنوبية وألمانيا وسنغافورة إلى إجراء فحوص على نطاق واسع، ما مكنها من تفادي فرض تدابير حجر منزلي صارمة.
وترافقت هذه الاستراتيجية في كوريـــــا الجنوبيــــة مع اعتماد نظام تكنولوجي لتقفي أثر مواطنيها يصعب اعتماده في الدول الأكثر تمسكا بحماية الحياة الخاصة.
وفي هذه الأثناء، يدور سباق محموم في أوروبا والولايات المتحدة بين كبرى مجموعات الأدوية للتوصل إلى لقاح وعلاج للوباء.
وتختبر دول عدة دواء مشتقا من الكلوروكين، وهي مادة مستخدمة لمعالجة الملاريا، غير أن لها آثارا جانبية كثيرة. ويثير استخدام هذا الدواء سجالا نظرا إلى قلة الدراسات التي جرت حوله وفق المعايير العلمية المرعيّة.
إذا كانت الغالبية العظمى من المصابين بوباء كوفيد-19 لا تظهر عليهم سوى أعراض طفيفة، إلا أن المرض يمكن أن يتسبب بإصابات رئوية خطيرة، بما في ذلك لدى مرضى شباب.
وبعدما كان الجميع يعتقد أن الأطفال بمأمن من أعراض المرض الحرجة، أثارت حالات وفاة نادرة طالت قاصرين وطفلا عمره خمس سنوات ورضيعين تأثرا بالغا في أوروبا والولايات المتحدة.
وكان وقع الوباء شديدا على دور العجزة حيث تتعاقب الوفيات.
وأودى الوباء بشخصيات شهيرة في العالم مثل عازف الجاز الأميركي مانو ديبانغو. ومن المصابين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي واصل إدارة شؤون البلد في الحجر الصحي في داونينغ ستريت، قبل أن ينقل إلى المستشفى حيث هو حاليا في العناية الفائقة، وكذلك الممثل الأميركي توم هانكس الذي تعافى الآن.
وصفت الأمم المتحدة الوباء العالمي بأنه أسوأ أزمة تواجهها البشرية منذ 1945، يقترن فيها “مرض خطير” بشبح “ركود غير مسبوق في الماضي القريب».
وفي وقت بدأت محافظة هوباي وعاصمتها ووهان تخرجان من العزلة، أحصت إيطاليا أكثر من 15 ألف وفاة حتى مطلع نيسان/أبريل، ما يجعل منها البلد الأكثر تأثرا جراء الوباء.
وتعدّ الولايات المتحدة حيث أعلن دونالد ترامب أنه “في حرب ضد الفيروس الصيني”، أكثر من ربع الإصابات في العالم وسط استعدادات لمواجهة الأسوأ. وبات الاقتصاد الأميركي على شفير الهاوية في وقت خسر أكثر من 700 ألف أميركي وظائفهم في آذار/مارس. وحذر مسؤول كبير في أجهزة الصحة الأميركية بأن “الأسبوع المقبل سيكون أشبه بلحظة بيرل هاربور، بلحظة 11 أيلول/سبتمبر (...) في جميع أنحاء البلد».
ويتساءل العالم حاليا حول مرحلة ما بعد الحجر المنزلي، فهل ثمة خطر بحصول موجة إصابات جديدة بعد رفع القيود المفروضة؟ وهل أن الحكام والمسؤولين تأخروا في التحرك؟ وهل أن الصين خفضت فعلا حصيلتها التي تزيد عن 3300 وفاة كما تتهمها الولايات المتحدة؟ وما الأثر الذي سيتركه الوباء على الديموقراطيات والنهج التعددي؟
-- بلغ عدد المصابين حوالى 1,3 مليون شخص
ثلاثة أشهر انقضت منذ ورود أولى الشكوك حول ظهور فيروس جديد من سلالة فيروسات كورونا في الصين، ثلاثة أشهر كانت كافية لإغراق العالم بأسره في وضع كارثي أشبه بسيناريو فيلم رعب، فأحلّت الذعر في كل مكان وحصدت أكثر من سبعين ألف وفاة، فيما بات أربعة مليارات شخص قيد الحجر المنزلي.
ومع ظهور فيروس كورونا المستجدّ، يخوض العالم “حربا” من نوع جديد تقوم بها الطواقم الطبية على خطوط الجبهة،
حرب جعلت العالم يستذكر أحلك لحظات تاريخه، من الملكة إليزابيث الثانية التي استشهدت في خطاب نادر إلى البريطانيين بالقصف النازي على المملكة المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية، إلى السلطات الأميركية التي حذرت من “بيرل هاربور” أو 11 أيلول/سبتمبر جديد.
وانتشر الفيروس الذي وصفته منظمة الصحة العالمية بـ”عدو البشرية” بسرعة إلى أن بلغ عدد المصابين حوالى 1,3 مليون شخص، وهو رقم لا يعكس بالتأكيد عدد الإصابات الفعلية لعدم إجراء فحوص منهجية لكشف الإصابات.
وكانت لجائحة كوفيد-19 تبعات هائلة لا سيما على الاقتصاد حملت الحكومات على إقرار خطط بآلاف مليارات الدولارات لمساعدة شعوبها على مواجهة الركود الكبير المنتظر.
ظهر الالتهاب الرئوي الغامض في أواخر 2019 في ووهان بوسط الصين، ويعتقد أنه بدأ لدى الخفاشات..
ويرجـــح باحثون صينيون أن يكون انتقل إلى الإنسان من خلال البنغول، وهو حيوان حرشفي آكل للنمل من الثدييات.
وأفادت السلطات الصينية عن إصابة 59 شخصا بالمرض خلال كانون الأول/ديسمبر، بينهم العديد من العاملين في سوق بالجملة تباع فيه حيوانات حية بهدف استهلاكها.
في 8 كانون الثاني/يناير 2020، اعتبرت منظمة الصحة العالمية أن هذه الحالات قد تكون ناجمة عن فيروس جديد من سلالة فيروسات كورونا. وفي 11 من الشهر ذاته، أفادت الصين رسميا عن أول وفاة.
وأعاد هذا المرض الجديد الذي يمكن أن تتأتّى عنه اضطرابات تنفّسية خطيرة، إلى الأذهان ذكرى وباء سارس أو متلازمة التهاب الجهاز التنفسي الحاد الذي نجم عن فيروس كورونا أيضا وضرب بشدة الصين القارية وهونغ كونغ في 2002-2003 متسببا بحوالى 800 وفاة في نحو ثلاثين بلدا.
ومع تسجيل أولى الوفيات في الصين وبدء انتشار المرض خارجها، تم التعريف عن المرض الجديد على أنه يشبه الإنفلونزا ويشكل خطرا بشكل أساسي على الأشخاص المسنين أو الذين يعانون من وضع صحي هشّ.
وقلل البعض من خطورته في بادئ الأمر، مثل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو الذي تحدث عن “إنفلونزا طفيفة”، قبل أن يبدل موقفه ويعتبر المرض “أكبر تحد يواجهه جيلنا».
وأعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ “الوباء شيطانا، لن نسمح للشيطان بأن يبقى مختبئا».
سعيا منها لوقف انتشار الوباء، عمدت السلطات الصينية إلى وسائل جذرية، ففرضت حجرا لم يكن الغرب يتصور أن يعمد إليه يوما، استهدف مدينة ووهان في بادئ الأمر، ثم اتسع في 25 كانون الثاني/يناير ليشمل كامل محافظة هوباي، عازلا سكانها الـ56 مليونا تماما عن العالم.
وباتت شوارع المحافظة مقفرة وأقيمت حواجز على الطرق لمنع الناس من الخروج من منازلهم، وتم تشييد مستشفيات ضخمة فيها خلال أيام قليلة.
في نهاية كانون الثاني/يناير، أعلنت منظمة الصحة العالمية وضعا دوليا طارئا دون أن تدعو إلى الحد من السفر.
غير أن شركات الطيران الدولية خفضت رحلاتها إلى الصين القارية، كما علقت شركات أجنبية كثيرة عملها في البلد.
وكانت تلك بداية انهيار قطاع السياحة العالمية الذي يوظف أكثر من 300 مليون شخص ويمثل 10% من إجمالي الناتج القومي العالمي.
وتحولت عطلة العديد من السياح في العالم إلى كابوس حقيقي، لا سيما بالنسبة لآلاف الركاب الذين علقوا على متن سفن رحلات ظهر الفيروس بين ركابها، ومنها خصوصا سفينة قبالة سواحل طوكيو سجلت أكثر من 700 إصابة.
في مطلع نيسان/أبريل، كان الاتحاد الأوروبي أعاد 350 ألف سائح أوروبي إلى بلدانهم، فيما بقي حوالى 250 ألف شخص عالقين في دول أخرى.
في الصين، كان للفيروس وقع الصدمة على المجتمع. وعند وفاة الطبيب لي وينليانغ في ووهان، عمّت شبكات التواصل الاجتماعي موجة غضب نادرة تجاه السلطات، إذ كان طبيب العيون البالغ عمره 34 عاما نبه مع سبعة أشخاص آخرين منذ نهاية كانون الأول/ديسمبر من الفيروس الجديد، غير أن السلطات اتهمتهم جميعا ببث شائعات.
وإن كان الفيروس لا يزال محاطا بالكثير من الأسئلة التي لم تلق أجوبة، فإن المرض المتأتي عنه بات له اسم هو كوفيد-19.
في منتصف شباط/فبراير، أعلن عن أول وفاة خارج آسيا، وتحديدا في فرنسا. وبدأ الاقتصاد العالمي يهتزّ، فأُعلن إلغاء عدد متزايد من اللقاءات الدولية والمسابقات الرياضية. في 24 آذار/مارس، قررت اللجنة الأولمبية الدولية تأجيل الألعاب الأولمبية المقررة في طوكيو خلال الصيف إلى 2021، ما شكل سابقة في زمن السلم.
وفي أواخر شباط/فبراير، تسارعت وتيرة الإصابات في إيطاليا وكوريا الجنوبية وإيران. أما في الصين، فاعتبرت السلطات أن الوباء بلغ ذروته على أرضها.
في 6 آذار/مارس، تخطت حصيلة الإصابات في العالم عتبة المئة ألف.
وكانت إيطاليا التي ضربها الوباء بشدة بالغة، أول بلد بعد الصين يفرض تدابير حجر صارمة على مواطنيه، ما حوّل مدنا مثل فينيسيا وروما وفيرنزي تغصّ عادة بالسياح، إلى مدن أشباح.
وروى أطباء إيطاليون أنهم مضطرون أمام تدفق أعداد المرضى إلى المستشفيات، إلى اختيار المصابين الذين سيعالجونهم “بموجب العمر والوضع الصحي، كما في حالات الحرب”، ما أثار صدمة عميقة في إيطاليا.
في 11 آذار/مارس، وصفت منظمة الصحة العالمية كوفيد-19 بأنه “جائحة”، مطلقة تعبئة عالمية لمكافحته.
وبدأت الولايات المتحدة تغلق حدودها أمام المسافرين الأجانب القادمين من أوروبا.
وشهدت الأسواق العالمية انهيارات تاريخية، وأعلنت الحكومات والمصارف المركزية تدابير ضخمة لدعم الاقتصاد.
وعمت العالم مشاهد مستهلكين مذعورين يهرعون إلى محال السوبرماركت ويتسابقون على البضائع، ووصل الأمر أحيانا إلى حد الاشتباك بالأيدي حول علبة معكرونة أو رزمة من ورق المراحيض.
مع إعلان منظمة الصحة العالمية أوروبا “البؤرة” الجديدة للوباء، فرضت إسبانيا وفرنسا وأخيرا المملكة المتحدة بدورها الحجر المنزلي خلال آذار/مارس.
وتداخلت صور مستشفيات استُنفدت طاقاتها يتكدّس المرضى في أروقتها، مع مشاهد سريالية لمدن كبرى في العالم باتت مقفرة وصامتة. ومع حلول شهر نيسان/أبريل، كان أربعة مليارات نسمة يمثلون أكثر من نصف البشرية مدعوين أو ملزمين بالبقاء في منازلهم.
وتتالت قرارات حظر التجول وإعلان حال الطوارئ، ما أثار مخاوف بشأن احترام دولة القانون.
وبقي أكثر من ثلث الأسطول العالمي من الطائرات مسمّرا على مدارج المطارات، وتعمّم إغلاق المدارس والجامعات فيما بات العمل من المنازل هو السائد.
وانتشر وسم #أبقى في منزلي بسائر اللغات على الشبكات الاجتماعية، فيما لجأ إليها العاملون الطبيون للإعراب عن إحباطهم. وروت إيليز الممرضة في مستشفى فرنسي على فيسبوك “أبكي عندما أستيقظ. أبكي وأنا أتناول الغداء. أبكي وأنا أستعد هنا في قاعة تبديل الملابس في المستشفى، أجفف دموعي. أٌلهم الآخرين الناس في الأسرّة يبكون أيضا، ويتحتّم عليّ أنا أن أجفف دموعهم».
وعمّ العالم تقليد جديد، إذ أخذ الناس المحتجزون في منازلهم يطلون في المساء من نوافذهم وشرفاتهم ليصفقوا للطواقم الطبية تعبيرا عن امتنانهم لهم.
في مدريد، تم تحويل ميدان للتزلج على الجليد إلى مشرحة ضخمة لجثث ضحايا كوفيد-19، وفي نيويورك أقيم مستشفى ميداني في منتزه سنترال بارك.
غير أن السلطات واجهات صعوبات في فرض القيود على التنقلات في الأحياء الأكثر فقرا واكتظاظا من العالم. ولجأت قوات الأمن في بعض الدول الإفريقية إلى استخدام الأسواط وإطلاق النار لتفريق التجمعات.
ويهدد الوباء بالتسبب بكارثة لملايين اللاجئين لا سيما في مخيم الهول في سوريا حيث يتكدس 68 ألف شخص من نازحين وأفراد عائلات مقاتلي تنظيم داعش في أقل من كيلومترين مربعين.
تواجه معظم الدول نقصا حادا في الكمامات الطبية وغيرها من معدات الحماية، ما يشكل خطرا بالمقام الأول على الطواقم الطبية. وإزاء هذه الأزمة العالمية، تجري منافسة شرسة بين الدول للاستحصال على هذه اللوازم الثمينة، تصل إلى حد سرقة شحنات وتحويل وجهتها.
إلى ذلك، تسود مخاوف في العديد من الدول حيال استنفاد طاقات المستشفيات على استقبال مرضى في أقسام الإنعاش، فضلا عن نقص الأدوية والطواقم الطبية.
وفيما حصرت معظم الدول فحوص كشف الإصابة بالفيروس بالمرضى في حال الخطر، عمدت كوريا الجنوبية وألمانيا وسنغافورة إلى إجراء فحوص على نطاق واسع، ما مكنها من تفادي فرض تدابير حجر منزلي صارمة.
وترافقت هذه الاستراتيجية في كوريـــــا الجنوبيــــة مع اعتماد نظام تكنولوجي لتقفي أثر مواطنيها يصعب اعتماده في الدول الأكثر تمسكا بحماية الحياة الخاصة.
وفي هذه الأثناء، يدور سباق محموم في أوروبا والولايات المتحدة بين كبرى مجموعات الأدوية للتوصل إلى لقاح وعلاج للوباء.
وتختبر دول عدة دواء مشتقا من الكلوروكين، وهي مادة مستخدمة لمعالجة الملاريا، غير أن لها آثارا جانبية كثيرة. ويثير استخدام هذا الدواء سجالا نظرا إلى قلة الدراسات التي جرت حوله وفق المعايير العلمية المرعيّة.
إذا كانت الغالبية العظمى من المصابين بوباء كوفيد-19 لا تظهر عليهم سوى أعراض طفيفة، إلا أن المرض يمكن أن يتسبب بإصابات رئوية خطيرة، بما في ذلك لدى مرضى شباب.
وبعدما كان الجميع يعتقد أن الأطفال بمأمن من أعراض المرض الحرجة، أثارت حالات وفاة نادرة طالت قاصرين وطفلا عمره خمس سنوات ورضيعين تأثرا بالغا في أوروبا والولايات المتحدة.
وكان وقع الوباء شديدا على دور العجزة حيث تتعاقب الوفيات.
وأودى الوباء بشخصيات شهيرة في العالم مثل عازف الجاز الأميركي مانو ديبانغو. ومن المصابين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي واصل إدارة شؤون البلد في الحجر الصحي في داونينغ ستريت، قبل أن ينقل إلى المستشفى حيث هو حاليا في العناية الفائقة، وكذلك الممثل الأميركي توم هانكس الذي تعافى الآن.
وصفت الأمم المتحدة الوباء العالمي بأنه أسوأ أزمة تواجهها البشرية منذ 1945، يقترن فيها “مرض خطير” بشبح “ركود غير مسبوق في الماضي القريب».
وفي وقت بدأت محافظة هوباي وعاصمتها ووهان تخرجان من العزلة، أحصت إيطاليا أكثر من 15 ألف وفاة حتى مطلع نيسان/أبريل، ما يجعل منها البلد الأكثر تأثرا جراء الوباء.
وتعدّ الولايات المتحدة حيث أعلن دونالد ترامب أنه “في حرب ضد الفيروس الصيني”، أكثر من ربع الإصابات في العالم وسط استعدادات لمواجهة الأسوأ. وبات الاقتصاد الأميركي على شفير الهاوية في وقت خسر أكثر من 700 ألف أميركي وظائفهم في آذار/مارس. وحذر مسؤول كبير في أجهزة الصحة الأميركية بأن “الأسبوع المقبل سيكون أشبه بلحظة بيرل هاربور، بلحظة 11 أيلول/سبتمبر (...) في جميع أنحاء البلد».
ويتساءل العالم حاليا حول مرحلة ما بعد الحجر المنزلي، فهل ثمة خطر بحصول موجة إصابات جديدة بعد رفع القيود المفروضة؟ وهل أن الحكام والمسؤولين تأخروا في التحرك؟ وهل أن الصين خفضت فعلا حصيلتها التي تزيد عن 3300 وفاة كما تتهمها الولايات المتحدة؟ وما الأثر الذي سيتركه الوباء على الديموقراطيات والنهج التعددي؟