رئيس الدولة ورئيس وزراء باكستان يبحثان علاقات التعاون بين البلدين والتطورات الإقليمية
توصف بجزيرة الاستقرار
جرح افريقي جديد: هكذا تعمّق الشرخ في السنغال...!
-- لم تشهد السنغال أبدًا أحداثًا عنيفة بهذا الحجـم، وما حدث هـو حقًــا غيـر مسـبوق
-- هل سيترشح ماكي سال لولاية ثالثة؟ هذا هو رهان الأشهر المقبلة في البلاد
-- اكتشف العالم كله مشاهد أعمال شغب تاريخية تقطع مع صورة السنغال التقليدية
-- يرى مراقبو الحياة السياسية السنغالية أن قضية سونكو هي القشة التي قصمت ظهر البعير
شباب يرمي المقذوفات على الشرطة، والذين يردون بدورهم بالذخيرة الحية، هجمات على المحاكم، العلامات التجارية الفرنسية الكبرى مثل توتال أو أوشان أو إيفيدج، المعتبرة من أنصار الرئيس ماكي سال، تُضرم فيها النيران ... في الأسبوع الأول من مارس، اكتشف العالم كله مشاهد تقطع مع صورة السنغال، التي كثيرا ما توصف بـ “جزيرة الاستقرار” في إفريقيا. كما استهدف المتظاهرون مكاتب صحيفة لو سولاي اليومية، وراديو ار اف ام، اللذان يعتبران قريبين من السلطة. قطع المجلس الوطني للرقابة السمعية والبصرية إشارة قناة ولف تي في، وسين تي في، وهما قناتان متهمتان ببث أعمال الشغب دون انقطاع. والأسوأ من ذلك: بطء الإنترنت، والوصول إلى الشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة مثل واتساب مقيّد. لم تقتصر أعمال الشغب على داكار، بل طالت الشرارة عدة مدن رئيسية أخرى في البلاد.
ورغم أن الهدوء يبدو وكأنه عاد في الأيام الأخيرة، فان هناك عشرات القتلى، منهم متظاهرين شباب. وقد “فوجئ أكثر من شخص بما حدث. بالطبع، كانت هناك مظاهرات شعبية عام 2012 ضد الرئيس السابق عبد الله واد، الذي اراد الترشح لولاية ثالثة، لكن في السنغال، لم نشهد أبدًا أحداثًا عنيفة بهذا الحجم..
ما حدث هو حقًا غير مسبوق”، يحلل باباكار ندياي، مراقب الحياة السياسية السنغالية منذ عدة سنوات، والباحث في واثي، وهي مؤسسة فكرية مقرها داكار.
تراجع الديمقراطية
الرجل الذي حدثت بسببه هذه الأحداث غير المسبوقة، هو عثمان سونكو، وهو مناهض للنظام معروف، وزعيم حزب الوطنيين السنغالي للعمل والأخلاق والأخوة (باستيف)، ويعتبر اليوم الخصم الأول للرئيس ماكي سال.
تخرّج هذا السنغالي من المدرسة القومية للإدارة، ومفتش مالي سابق، وكان عضوا في الجمعية الوطنية منذ عام 2017، كما جاء في المركز الثالث في انتخابات 2019 الرئاسية.
في فبراير، اتُهم بالاغتصاب والتهديد بالقتل من قبل موظفة في صالون للتدليك. تم استدعاؤه في 3 مارس إلى محكمة داكار للاستماع إليه، وتم اعتقال عثمان سونكو أخيرًا بتهمة الإخلال بالنظام العام وهو في طريقه إلى المحكمة برفقة جيش من أنصاره. وكان شرح السلطات: رفضه السير على الطريق الذي أمر به... مؤامرة اعدتها السلطة لإسقاط خصم سياسي، بحسب عثمان سونكو.
أشعل الاعتقال الفتيل وأثار غضب جزء من الشباب السنغالي الذي يرى في عثمان سونكو مدافعًا عن الديمقراطية والخصم الوحيد القادر على تحدي ماكي سال، المتهم بمناشدة الشيطان القديم للقارة الأفريقية: الدكتاتورية.
وبينما كان بعض الشباب في تدافع مع الشرطة في الشارع، ورغم بطء الإنترنت، تم خوض جزء من المعركة على الشبكات الاجتماعية لجذب انتباه المجتمع الدولي من خلال هاشتاغ “الحرية للسنغال».
استخدم على نطاق واسع للتنديد باعتقال عثمان سونكو وقمع الشرطة، وأصبح، يوم الجمعة 5 مارس، أحد أشهر الهاشتاغات على تويتر السنغال، ولكن أيضًا في فرنسا، حيث شارك المغتربون في المعركة. ووراء إنشاء هذا الهاشتاغ، الذي تم تداوله منذئذ أكثر من مليوني مرة على الشبكة الاجتماعية، هناك بابي ديمبا، شاب من سكان داكاروا.
«كان إنشاء الهاشتاغ تلقائيًا للغاية، أطلقته لأنه لم يعد الناس يشعرون بالحرية، تم حظر التظاهرات، هناك اعتقالات تعسفية... إنه هاشتاغ من قبل الشعب ومن أجل الشعب”، يشرح الناشط الشاب.
بابي ديمبا هو أيضًا وراء “السنغال في حداد”؛ في أكتوبر 2020، لقي 500 مهاجر سنغالي شاب حتفهم في البحر خلال أسبوع، في محاولتهم للوصول إلى أوروبا. دراما صدمت البلاد، وأثارت الغضب ضد السلطات التي قللت من الخسائر المميتة لحادثة الغرق.
«الديمقراطية السنغالية في تراجع”، ينتفض بابي ديمبا مستنكرًا الاعتقالات على هامش التظاهرات. هناك ما لا يقل عن 400 متظاهر وناشط في السجن، نطالب بالإفراج عنهم. بالنسبة لي، هم رهائن، لأنهم لم يفعلوا شيئًا، وتم القبض عليهم بشكل تعسفي، لقد تظاهروا فقط».
ويرى مراقبو الحياة السياسية السنغالية، أن “قضية سونكو هي القشة التي قصمت ظهر البعير”. ووفقًا لمحمدو فاضل ديوب، الباحث في مركز أبحاث واثي، فقد كان هناك تهديد منذ مدة للديمقراطية في البلاد: “خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2019، قمنا بتحليل برامج المرشحين، وفي برنامج ماكي سال، كان هناك غياب مقترحات بشأن الحوكمة، فقد كان يشعر أنه عزز الديمقراطية، ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة لم تكن كافية، والأحداث الأخيرة تظهر ذلك».
ويثري زميله بابكر ندياي في نفس الاتجاه، “لدينا انطباع بتقلص الفضاء العام، حيث أصبح من الصعب الحصول على أذونات للتظاهر، ولكن يتم التعلّل بجائحة كوفيد-19. ما هو غير طبيعي في جميع الديمقراطيات أصبح أمرا طبيعيا في السنغال «.
«مسار ديمقراطي»
والدليل الواضح على هذا التدهور السياسي، حسب الباحثين، هو تتالي القضايا السياسية -القضائية منذ وصول ماكي سال إلى السلطة عام 2012. “كانت هناك قضية كريم واد ابن الرئيس السابق الذي حكم عليه بالسجن ست سنوات في مارس 2015 بتهمة “الإثراء غير المشروع” في سياق ملاحقة المكاسب غير المشروعة، قبل أن يصدر الرئيس عفواً عنه عام 2016 “. وهكذا اتُهم العديد من الوزراء بالفساد الا ان المحاكم لم تلاحقهم.
«ثم هناك خليفة سال، عمدة داكار السابق، الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات عام 2017 بتهمة “سرقة المال العام”، قبل أن يصدر الرئيس عفواً عنه، يضيف باباكار ندياي. في هذا الملف، كان الأمر كذلك، حيث تم أيضًا الاشتباه في فساد رؤساء بلديات مدن أخرى، ولكن لم يتم تقديمهم إلى العدالة، لأنهم كانوا مقربين من الحزب الحاكم.
والآن هناك قضية عثمان سونكو. كيف نفسر أنه ليس بتهمة الاغتصاب، وانما “الإخلال بالنظام العام”، تم إلقاء القبض عليه في الأخير، متناسين تمامًا القضية الأولى التي تم استدعاؤه من أجلها؟ كل هذه الملفات القضائية التي تستهدف المعارضين، تظهر أنه عندما تزعج، يمكن أن تواجه العدالة.
عثمان ندياي، فرنسي سنغالي، رئيس تحرير قناة تي في 5 موند، يرسم نفس الصورة للعدالة السنغالية في عهد ماكي سال: “القضاء تابع للسلطة التنفيذية، إنها استمرارية للودية إشارة إلى الرئيس السابق عبد الله واد، ملاحظة المحرر . ويجب ألا ننسى أن ماكي سال كان وزير داخلية واد. ما تنافس عليه الناس في عام 2012 هو الاستمرارية، ولم تكن هناك قطيعة. كل شيء ساء، وفوّت ماكي سال فرصة لإصلاح نظام العدالة... القضاء ليس مستقلا... وعندما يواجه الناس مشكلة، فإنهم لا يثقون في القضاء لحلها».
ومع ذلك، يرفض عثمان ندياي مصطلح “الديكتاتورية”، الذي يستخدمه العديد من المعارضين لوصف سلطة الرئيس الحالي. أسمع المعارضين يقولون إن السنغال ديكتاتورية... هذه مبالغة. ان الوضع أكثر تعقيدًا بكثير، السنغال أيضًا لا يمكن مقارنتها ببعض البلدان الاستبدادية للغاية التي نعرفها في إفريقيا. إنها دولة بها أمراض مثل العديد من الدول الديمقراطية. علاوة على ذلك، لم أتحدث أبدًا عن السنغال كدولة ديمقراطية، بالنسبة لي، إنها في طريق الديمقراطية».
نخبة معزولة عن الشعب
المشكلة الرئيسية الأخرى التي تعيق اليوم سير الديمقراطية في السنغال، والتي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وفقًا للعديد من المحللين السياسيين، هي ظاهرة التفاوت الاجتماعي. “السنغال لم تكن بهذا الثراء من قبل. ومع ذلك، فإن السكان لا يستفيدون منه”، يلاحظ عثمان ندياي. ويتذكر الصحفي: “عندما تذهب إلى مناطق معينة في داكار، يكون لديك انطباع بأنك في نيويورك أو باريس، ومع ذلك فالناس جائعون... هناك فجوة كبيرة بين النخب والشعب».
بالنسبة للعديد من السينغاليين، فإن مدينة ديامنيديو الجديدة هي رمز هذا التفاوت. تم بناؤها بالقرب من داكار من قبل السلطات، ومن المفترض أن تخفف اختناق العاصمة وتعزز اقتصاد البلاد، ولكن بالقرب من هذه المدينة البراقة، لا تصل الكهرباء الى بعض القرى.
هذه الفجوة بين النخبة والشعب يمكن أن تفسّر جزئياً نهب محلات السوبر ماركت أثناء المظاهرات، حسب باباكار ندياي: “الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى هذه الأماكن استغلوا الوضع، كثير من الشباب الذين يعيشون من وظائف هامشية في الليل لم يعد لديهم ما يفعلوه منذ تطبيق حظر التجول في الساعة 9 مساءً».
في 8 مارس، في محاولة لتهدئة غضب الشباب، كسر الرئيس ماكي سال صمته. ودعا إلى تجنب “منطق المواجهة الذي يؤدي إلى الأسوأ”، وأعلن عن خفض حظر التجوال المعمول به في منطقتين من بينها داكار.
إعلان لم يلق قبولًا جيدًا من قبل العديد من الشباب، الذين كانوا ينتظرون بشكل خاص إعلانًا عن حلول هيكلية وليس ظرفية.
2024 موضوع حساس
هل سيترشح ماكي سال لولاية ثالثة؟ هذا هو الرهان للأشهر المقبلة في البلاد. حتى الآن، أبقى رئيس الدولة السنغالية الغموض حول هذا الموضوع الحساس. سُئل عدة مرات من قبل الصحفيين، ورفض في كل مرة تقديم إجابة دقيقة.
مما يوحي بأنه يمكن أن يتقدم مرة أخرى، رغم وعده بأن يكتفي بولايتين، كما يذكّر العديد من المراقبين السياسيين السنغاليين.
موقف يذكرنا بموقف رؤساء دول أفارقة آخرين، مثل رؤساء كوت ديفوار وغينيا، الذين ترشحوا لولاية ثالثة، ومع ذلك اعتبره المعارضون غير دستوري.
ولتجنب هذا السيناريو في السنغال، طلبت المعارضة من ماكي سال أن يعلن علنًا أنه لن يكون مرشحًا عام 2024. “لن يمنحه السنغاليون ما رفضوه لعبدولاي واد عام 2012. وإذا أصر وترشح ستكون أزمة عميقة، مع مظاهرات أكبر بكثير مما رأيناه مؤخرًا”، “يحذر المحلل السياسي باباكار ندياي.
من جهته، حث عثمان سونكو أنصاره على مواصلة “الثورة التي انطلقت فعلا”، “لا شيء، ولا أحد يستطيع إيقافها، علينا المحافظة على هذه التعبئة، وعلى أن تكون أهم بكثير، ولكن يجب، خصوصا، أن تكون سلمية”، هتف المعارض خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد إطلاق سراحه تحت رقابة قضائية.
متهم في قضية الاغتصاب، ظل عثمان سونكو، ينفي الوقائع، ويتهم السلطات بتدبير مؤامرة لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024. وهي أطروحة يصدقها جزء كبير من مؤيديه. ورفض ماكي سال هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، ودعا القضاء إلى مواصلة عمله “بشكل مستقل».
-- هل سيترشح ماكي سال لولاية ثالثة؟ هذا هو رهان الأشهر المقبلة في البلاد
-- اكتشف العالم كله مشاهد أعمال شغب تاريخية تقطع مع صورة السنغال التقليدية
-- يرى مراقبو الحياة السياسية السنغالية أن قضية سونكو هي القشة التي قصمت ظهر البعير
شباب يرمي المقذوفات على الشرطة، والذين يردون بدورهم بالذخيرة الحية، هجمات على المحاكم، العلامات التجارية الفرنسية الكبرى مثل توتال أو أوشان أو إيفيدج، المعتبرة من أنصار الرئيس ماكي سال، تُضرم فيها النيران ... في الأسبوع الأول من مارس، اكتشف العالم كله مشاهد تقطع مع صورة السنغال، التي كثيرا ما توصف بـ “جزيرة الاستقرار” في إفريقيا. كما استهدف المتظاهرون مكاتب صحيفة لو سولاي اليومية، وراديو ار اف ام، اللذان يعتبران قريبين من السلطة. قطع المجلس الوطني للرقابة السمعية والبصرية إشارة قناة ولف تي في، وسين تي في، وهما قناتان متهمتان ببث أعمال الشغب دون انقطاع. والأسوأ من ذلك: بطء الإنترنت، والوصول إلى الشبكات الاجتماعية وتطبيقات المراسلة مثل واتساب مقيّد. لم تقتصر أعمال الشغب على داكار، بل طالت الشرارة عدة مدن رئيسية أخرى في البلاد.
ورغم أن الهدوء يبدو وكأنه عاد في الأيام الأخيرة، فان هناك عشرات القتلى، منهم متظاهرين شباب. وقد “فوجئ أكثر من شخص بما حدث. بالطبع، كانت هناك مظاهرات شعبية عام 2012 ضد الرئيس السابق عبد الله واد، الذي اراد الترشح لولاية ثالثة، لكن في السنغال، لم نشهد أبدًا أحداثًا عنيفة بهذا الحجم..
ما حدث هو حقًا غير مسبوق”، يحلل باباكار ندياي، مراقب الحياة السياسية السنغالية منذ عدة سنوات، والباحث في واثي، وهي مؤسسة فكرية مقرها داكار.
تراجع الديمقراطية
الرجل الذي حدثت بسببه هذه الأحداث غير المسبوقة، هو عثمان سونكو، وهو مناهض للنظام معروف، وزعيم حزب الوطنيين السنغالي للعمل والأخلاق والأخوة (باستيف)، ويعتبر اليوم الخصم الأول للرئيس ماكي سال.
تخرّج هذا السنغالي من المدرسة القومية للإدارة، ومفتش مالي سابق، وكان عضوا في الجمعية الوطنية منذ عام 2017، كما جاء في المركز الثالث في انتخابات 2019 الرئاسية.
في فبراير، اتُهم بالاغتصاب والتهديد بالقتل من قبل موظفة في صالون للتدليك. تم استدعاؤه في 3 مارس إلى محكمة داكار للاستماع إليه، وتم اعتقال عثمان سونكو أخيرًا بتهمة الإخلال بالنظام العام وهو في طريقه إلى المحكمة برفقة جيش من أنصاره. وكان شرح السلطات: رفضه السير على الطريق الذي أمر به... مؤامرة اعدتها السلطة لإسقاط خصم سياسي، بحسب عثمان سونكو.
أشعل الاعتقال الفتيل وأثار غضب جزء من الشباب السنغالي الذي يرى في عثمان سونكو مدافعًا عن الديمقراطية والخصم الوحيد القادر على تحدي ماكي سال، المتهم بمناشدة الشيطان القديم للقارة الأفريقية: الدكتاتورية.
وبينما كان بعض الشباب في تدافع مع الشرطة في الشارع، ورغم بطء الإنترنت، تم خوض جزء من المعركة على الشبكات الاجتماعية لجذب انتباه المجتمع الدولي من خلال هاشتاغ “الحرية للسنغال».
استخدم على نطاق واسع للتنديد باعتقال عثمان سونكو وقمع الشرطة، وأصبح، يوم الجمعة 5 مارس، أحد أشهر الهاشتاغات على تويتر السنغال، ولكن أيضًا في فرنسا، حيث شارك المغتربون في المعركة. ووراء إنشاء هذا الهاشتاغ، الذي تم تداوله منذئذ أكثر من مليوني مرة على الشبكة الاجتماعية، هناك بابي ديمبا، شاب من سكان داكاروا.
«كان إنشاء الهاشتاغ تلقائيًا للغاية، أطلقته لأنه لم يعد الناس يشعرون بالحرية، تم حظر التظاهرات، هناك اعتقالات تعسفية... إنه هاشتاغ من قبل الشعب ومن أجل الشعب”، يشرح الناشط الشاب.
بابي ديمبا هو أيضًا وراء “السنغال في حداد”؛ في أكتوبر 2020، لقي 500 مهاجر سنغالي شاب حتفهم في البحر خلال أسبوع، في محاولتهم للوصول إلى أوروبا. دراما صدمت البلاد، وأثارت الغضب ضد السلطات التي قللت من الخسائر المميتة لحادثة الغرق.
«الديمقراطية السنغالية في تراجع”، ينتفض بابي ديمبا مستنكرًا الاعتقالات على هامش التظاهرات. هناك ما لا يقل عن 400 متظاهر وناشط في السجن، نطالب بالإفراج عنهم. بالنسبة لي، هم رهائن، لأنهم لم يفعلوا شيئًا، وتم القبض عليهم بشكل تعسفي، لقد تظاهروا فقط».
ويرى مراقبو الحياة السياسية السنغالية، أن “قضية سونكو هي القشة التي قصمت ظهر البعير”. ووفقًا لمحمدو فاضل ديوب، الباحث في مركز أبحاث واثي، فقد كان هناك تهديد منذ مدة للديمقراطية في البلاد: “خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2019، قمنا بتحليل برامج المرشحين، وفي برنامج ماكي سال، كان هناك غياب مقترحات بشأن الحوكمة، فقد كان يشعر أنه عزز الديمقراطية، ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة لم تكن كافية، والأحداث الأخيرة تظهر ذلك».
ويثري زميله بابكر ندياي في نفس الاتجاه، “لدينا انطباع بتقلص الفضاء العام، حيث أصبح من الصعب الحصول على أذونات للتظاهر، ولكن يتم التعلّل بجائحة كوفيد-19. ما هو غير طبيعي في جميع الديمقراطيات أصبح أمرا طبيعيا في السنغال «.
«مسار ديمقراطي»
والدليل الواضح على هذا التدهور السياسي، حسب الباحثين، هو تتالي القضايا السياسية -القضائية منذ وصول ماكي سال إلى السلطة عام 2012. “كانت هناك قضية كريم واد ابن الرئيس السابق الذي حكم عليه بالسجن ست سنوات في مارس 2015 بتهمة “الإثراء غير المشروع” في سياق ملاحقة المكاسب غير المشروعة، قبل أن يصدر الرئيس عفواً عنه عام 2016 “. وهكذا اتُهم العديد من الوزراء بالفساد الا ان المحاكم لم تلاحقهم.
«ثم هناك خليفة سال، عمدة داكار السابق، الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات عام 2017 بتهمة “سرقة المال العام”، قبل أن يصدر الرئيس عفواً عنه، يضيف باباكار ندياي. في هذا الملف، كان الأمر كذلك، حيث تم أيضًا الاشتباه في فساد رؤساء بلديات مدن أخرى، ولكن لم يتم تقديمهم إلى العدالة، لأنهم كانوا مقربين من الحزب الحاكم.
والآن هناك قضية عثمان سونكو. كيف نفسر أنه ليس بتهمة الاغتصاب، وانما “الإخلال بالنظام العام”، تم إلقاء القبض عليه في الأخير، متناسين تمامًا القضية الأولى التي تم استدعاؤه من أجلها؟ كل هذه الملفات القضائية التي تستهدف المعارضين، تظهر أنه عندما تزعج، يمكن أن تواجه العدالة.
عثمان ندياي، فرنسي سنغالي، رئيس تحرير قناة تي في 5 موند، يرسم نفس الصورة للعدالة السنغالية في عهد ماكي سال: “القضاء تابع للسلطة التنفيذية، إنها استمرارية للودية إشارة إلى الرئيس السابق عبد الله واد، ملاحظة المحرر . ويجب ألا ننسى أن ماكي سال كان وزير داخلية واد. ما تنافس عليه الناس في عام 2012 هو الاستمرارية، ولم تكن هناك قطيعة. كل شيء ساء، وفوّت ماكي سال فرصة لإصلاح نظام العدالة... القضاء ليس مستقلا... وعندما يواجه الناس مشكلة، فإنهم لا يثقون في القضاء لحلها».
ومع ذلك، يرفض عثمان ندياي مصطلح “الديكتاتورية”، الذي يستخدمه العديد من المعارضين لوصف سلطة الرئيس الحالي. أسمع المعارضين يقولون إن السنغال ديكتاتورية... هذه مبالغة. ان الوضع أكثر تعقيدًا بكثير، السنغال أيضًا لا يمكن مقارنتها ببعض البلدان الاستبدادية للغاية التي نعرفها في إفريقيا. إنها دولة بها أمراض مثل العديد من الدول الديمقراطية. علاوة على ذلك، لم أتحدث أبدًا عن السنغال كدولة ديمقراطية، بالنسبة لي، إنها في طريق الديمقراطية».
نخبة معزولة عن الشعب
المشكلة الرئيسية الأخرى التي تعيق اليوم سير الديمقراطية في السنغال، والتي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وفقًا للعديد من المحللين السياسيين، هي ظاهرة التفاوت الاجتماعي. “السنغال لم تكن بهذا الثراء من قبل. ومع ذلك، فإن السكان لا يستفيدون منه”، يلاحظ عثمان ندياي. ويتذكر الصحفي: “عندما تذهب إلى مناطق معينة في داكار، يكون لديك انطباع بأنك في نيويورك أو باريس، ومع ذلك فالناس جائعون... هناك فجوة كبيرة بين النخب والشعب».
بالنسبة للعديد من السينغاليين، فإن مدينة ديامنيديو الجديدة هي رمز هذا التفاوت. تم بناؤها بالقرب من داكار من قبل السلطات، ومن المفترض أن تخفف اختناق العاصمة وتعزز اقتصاد البلاد، ولكن بالقرب من هذه المدينة البراقة، لا تصل الكهرباء الى بعض القرى.
هذه الفجوة بين النخبة والشعب يمكن أن تفسّر جزئياً نهب محلات السوبر ماركت أثناء المظاهرات، حسب باباكار ندياي: “الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى هذه الأماكن استغلوا الوضع، كثير من الشباب الذين يعيشون من وظائف هامشية في الليل لم يعد لديهم ما يفعلوه منذ تطبيق حظر التجول في الساعة 9 مساءً».
في 8 مارس، في محاولة لتهدئة غضب الشباب، كسر الرئيس ماكي سال صمته. ودعا إلى تجنب “منطق المواجهة الذي يؤدي إلى الأسوأ”، وأعلن عن خفض حظر التجوال المعمول به في منطقتين من بينها داكار.
إعلان لم يلق قبولًا جيدًا من قبل العديد من الشباب، الذين كانوا ينتظرون بشكل خاص إعلانًا عن حلول هيكلية وليس ظرفية.
2024 موضوع حساس
هل سيترشح ماكي سال لولاية ثالثة؟ هذا هو الرهان للأشهر المقبلة في البلاد. حتى الآن، أبقى رئيس الدولة السنغالية الغموض حول هذا الموضوع الحساس. سُئل عدة مرات من قبل الصحفيين، ورفض في كل مرة تقديم إجابة دقيقة.
مما يوحي بأنه يمكن أن يتقدم مرة أخرى، رغم وعده بأن يكتفي بولايتين، كما يذكّر العديد من المراقبين السياسيين السنغاليين.
موقف يذكرنا بموقف رؤساء دول أفارقة آخرين، مثل رؤساء كوت ديفوار وغينيا، الذين ترشحوا لولاية ثالثة، ومع ذلك اعتبره المعارضون غير دستوري.
ولتجنب هذا السيناريو في السنغال، طلبت المعارضة من ماكي سال أن يعلن علنًا أنه لن يكون مرشحًا عام 2024. “لن يمنحه السنغاليون ما رفضوه لعبدولاي واد عام 2012. وإذا أصر وترشح ستكون أزمة عميقة، مع مظاهرات أكبر بكثير مما رأيناه مؤخرًا”، “يحذر المحلل السياسي باباكار ندياي.
من جهته، حث عثمان سونكو أنصاره على مواصلة “الثورة التي انطلقت فعلا”، “لا شيء، ولا أحد يستطيع إيقافها، علينا المحافظة على هذه التعبئة، وعلى أن تكون أهم بكثير، ولكن يجب، خصوصا، أن تكون سلمية”، هتف المعارض خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد إطلاق سراحه تحت رقابة قضائية.
متهم في قضية الاغتصاب، ظل عثمان سونكو، ينفي الوقائع، ويتهم السلطات بتدبير مؤامرة لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024. وهي أطروحة يصدقها جزء كبير من مؤيديه. ورفض ماكي سال هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، ودعا القضاء إلى مواصلة عمله “بشكل مستقل».