كولونيل أمريكي سابق: أساسيات القتال لا تتأثر بالعواطف

خبير عسكري: لا تراهنوا على الأسلحة الغربية لقلب المعركة في أوكرانيا

خبير عسكري: لا تراهنوا على الأسلحة الغربية لقلب المعركة في أوكرانيا


رأى اللفتنانت-كولونيل السابق في الجيش الأمريكي دانيال ديفيس أن أساسيات القتال لا تتأثر بالعواطف يوم الاثنين الماضي قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين إن هدف واشنطن هو دعم أوكرانيا من أجل "إضعاف" روسيا.
وتحدث القائد السابق للناتو الجنرال المتقاعد ويسلي كلارك إلى شبكة سي أن أن قائلاً إن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك الهدف هو إرسال 500 دبابة وبضعة آلاف من أنابيب المدفعية وقاذفات الصواريخ. لكن ديفيس كتب في موقع "1945" أن الصعوبات والتحديات التي تكمن في واقع القتال تجعل من سيناريو كسب أوكرانيا المعركة عبر دعمها بهذه الأسلحة غير مرجح إلى حد بعيد.
ففي أفضل سيناريو لأوكرانيا، سيستغرق الأمر قرابة عام كي تتمكن من إنتاج قدرة قتالية مدرعة وقوية بما يكفي لطرد الجيش الروسي من الأراضي الأوكرانية. وحتى مع هذه الأسلحة، قد لا تتمكن أوكرانيا من النجاح.

الوضع الميداني
في صورة سريعة عن الوضع الميداني، أشار ديفيس إلى أن القتال الأكبر يدور في دونباس حيث يدافع نحو 50 ألف جندي أوكراني ضد هجوم يقوده أكثر من 70 ألف جندي روسي. يحاول جيش بوتين الحفاظ على مركز جبهة بطول 450 كيلومتراً عبر قسم من قواته، ويحاول اختراق الجزء الشمالي من الدفاعات الأوكرانية مع قوات مدرعة أعادت تموضعها قادمة من كييف. ويدفع الجيش الروسي أيضاً بقوات من الجنوب أعادت الانتشار من ماريوبول.
تبذل روسيا جهدين لدعم هذا القتال عبر خوض هجمات محدودة ضد خاركيف في الشمال وفي منطق خيرسون جنوبي البلاد. تبدو النية من هذين التحركين تجميد جزء بارز من القوات الأوكرانية لمنعها من مهاجمة أجنحة القوات الروسية التي تهاجم على جبهة دونباس. في هذه الأثناء، تدافع وحدات أخرى من القوات الأوكرانية عن الساحل قرب أوديسا وعن كييف لحمايتها من أي توغلات مستقبلية آتية من القرم أو بيلاروسيا.
بالرغم من أن الحكومة الأوكرانية فرضت حظراً صارماً على خسائرها القتالية، يرجح ديفيس أن تكون قد تكبدت ما يوازي الخسائر الروسية، أي قرابة 40 ألف قتيل وجريح. ويرجح أيضاً أن تكون جميع القوات الأوكرانية منخرطة في المعارك على امتداد البلاد.

المطلوب من أوكرانيا
من أجل توليد ما يكفي من القوة الضاربة المدرعة والمتحركة لدحر القوات الروسية عن مواقعها الحالية، سيتعين على كييف اتخاذ عدد من الخطوات الجوهرية. على رأس القائمة، توفير عدد كاف من المركبات والتجهيزات مثل الدبابات، والقطع المدفعية، وقاذفات الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي، والذخيرة، وناقلات الوقود وغيرها من المعدات المرتبطة. كي تكون فعالة، يجب أن يكون الجيش الأوكراني قريباً من القدرة على تشغيلها بشكل بيني كما ينبغي أن تكون متمتعة بمتطلبات صيانة مشابهة وبسهولة كافية للتشغيل كي تتطلب الحد الأدنى من الفترة التدريبية.
في وقت قد يكون لإضافة بضعة مدافع هاوتزر الأمريكية ودبابات ألمانية وأنظمة دفاع جوي بريطانية وقع إيجابي، فإن محاولة دمج هذه المنصات في نظام مصمم لإمداد وإسناد قوة من الحقبة السوفياتية من شأنها أن تواجه تحديات، حدها الأدنى تأسيس ميكانيكيين منفصلين ومدربين على الصيانة والإصلاح وتوفير أنواع منفصلة من الذخيرة. لا يوجد نظام لوجستي قادر على استيعاب هذا التفاوت بشكل مناسب.

بدءاً من الصفر
الأهم وفقاً للكاتب، بمجرد أن يتم تأمين التجهيزات التي يمكن تشغيلها بشكل بيني وصيانتها من قبل القوات الأوكرانية، ستحتاج أوكرانيا إلى إنشاء مجموعة جديدة من الجنود المدربين بدءاً من الصفر تقريباً. لكن الجيش الأوكراني بأكمله منخرط في قتال شرس على امتداد البلاد. لا تملك كييف القوة البشرية اللازمة لسحب تلك القوات المدربة بعيداً من الجبهة وإرسالها إلى أماكن أخرى لتلقي التدريب. سيتعين تشكيل قوات جديدة من خارج الميدان بينما تحاول القوات الموجودة الصمود أمام الهجمات الروسية. وهذه مهمة شاقة أكثر مما تبدو.

تحديات استخدام أسلحة غربية جديدة
ستحتاج أوكرانيا إلى ما يكفي من الألوية الآلية الفعالة. كل لواء آلي سيشمل مزيجاً من الدبابات والمشاة والمدفعية والدفاع الجوي إضافة إلى وحدات الصيانة والإمدادات اللوجستية. هكذا تبدأ عملية إنتاج نظام مؤلف من وحدات قتالية قادرة على خوض الحروب بفاعلية.
إن دبابات تي-64 وتي-72 السوفياتية التي استخدمتها أوكرانيا لعقود تدار من طاقم مؤلف من ثلاثة أفراد: السائق والمدفعي وقائد الدبابة. على كل فرد أن يتعلم مهامه وكيفية تأديتها بشكل جيد. حين يكتسب كل فرد مهارة إنجاز مهمته الخاصة، سيكون عليهم تعلم القتال كمجموعة وهو أمر أساسي لأداء الدبابة. الخطوة التالية هي بناء فصيلة وهي الوحدة التكتيكية التي تواجه العدو. هي مؤلفة عادة من ثلاث إلى أربع دبابات بقيادة ملازم يعمل كقائد فصيلة. بعدها، على الفصيلة أن تتعلم كيف تقاتل كجزء من سرية دبابات. عادة ما يقود السرية نقيب. ينضم إليه كبار ضباط صف مجندين ورقباء آخرون للتنسيق بين الفصائل والتأكد من أن كل فصيلة تؤدي مهمتها. بعدها، على سرية الدبابات أن تعرف كيف تقاتل ضمن الكتيبة التي يقودها عادة لفتنانت-كولونيل والذي يجب عليه وعلى فريقه معرفة التنسيق بين السرايا وفهم دورهم في المهمة الأوسع. وينطبق الأمر نفسه على مستوى أعلى حين يكون على الكتائب القتال ضمن لواء. إن تدريب وحدة على مستوى لواء في أوقات السلم يستهلك الكثير من الوقت.
هذا ما حصل قبل عاصفة الصحراء
حين غزا صدام حسين الكويت في أغسطس (آب) 1990، أمر الرئيس الأسبق جورج بوش الأب فوج الفرسان المدرع الثاني الذي كان ديفيس يشرف عليه بالانتشار في الشرق الأوسط. أمضى الفوج ستة أشهر وهو يتدرب على إطلاق النيران مستخدماً التجهيزات والطاقم الذي سيخوض الحرب قبل بدء عاصفة الصحراء. تم ذلك بعيداً من الاحتكاك مع العدو، وعبر استخدام المعدات التي تدرب الأمريكيون عليها طوال سنوات والتي خضعت للصيانة الكاملة. وقاد التدريبات ضباط ورقباء ذوو عقود من الخبرة المشتركة. حتى في ذلك الحين، لاحظ ديفيس وجود وحدات أمريكية لم تقدم أداء جيداً.

حسابات باردة
كي تبني جيشها، سيتعين على أوكرانيا تدريب قوات جديدة غير منخرطة في القتال. سيكون صعباً لكن ممكناً تدريب مجندين جدد على مهام من مستوى طواقم تشغيل الدبابات والمدفعية ومعدات قتالية أخرى في إطار زمني متسارع. لكن اختصار الوقت والتدريب لا يأتي من دون أكلاف متزايدة. على سبيل المثال، إن قائداً لسرية دبابات أمريكية يجب أن يتمتع بخمس إلى ست سنوات خبرة على مستوى الفصيلة قبل استلام منصبه القيادي الجديد.
بينما على قائد كتيبة أن يتمتع بما لا يقل عن 16 سنة من الخبرة، و 22 سنة خبرة لقائد لواء المدرعات. الجيش الأوكراني لم يكن موجوداً تقريباً منذ ثمانية أعوام. علاوة على ذلك، وخلال تلك الفترة، جرت الغالبية الساحقة من التدريبات والعمليات في حرب خنادق ثابتة على غرار الحرب العالمية الأولى. قلة من الضباط أو الرجال تملك خبرة قيادة وحدات الدبابات أو المشاة في عمليات متنقلة. يمكن تعليم الضباط أموراً كثيرة لكن لا يمكن نقل الخبرة إليهم. يجب اكتسابها على مدى سنوات.

مهمة بالغة الصعوبة
يدعو ديفيس قراءه إلى تأمل تداعيات المهمة الضخمة التي تواجه كييف اليوم. يجب أن تكتشف حكومة زيلينسكي كيفية تدريب ألوية آلية بينما ينخرط كل جنودها تقريباً في الدفاع عن البلاد. يعني هذا أن على كييف، كخيار أول، تقليص كل جانب من جوانب التدريب وببساطة محاولة تسريع الدفع بالدبابات والمدفعية وأنظمة الدفاع الجوي إلى الجبهات على أمل أن يمكّن العتاد المضاف من تشكيل قوة هجومية مضادة لطرد القوات الروسية من مواقعها. كخيار ثانٍ، سيتعين عليها حماية الجبهات من الهجمات الروسية لتشكيل فرقة مدرعة جديدة من الصفر، في دولة ثالثة أو في منطقة آمنة نسبياً غربي البلاد، حيث سيتعين على القوات إجراء تدريباتها طوال أشهر، وسيعد ذلك تدريباً سريعاً حتى. بعدها، ستتمكن أوكرانيا من دفعها إلى القتال بكامل قوتها.

إغراءٌ مفهوم لكن غير فعال
بشكل بديهي، لا يمكن البدء بأي من هذين السيناريوهين قبل أن تحصل أوكرانيا على مجموعة شاملة من المعدات القتالية الغربية وتجهيزها ضمن معايير عملانية مع كميات كبيرة من الوقود والذخيرة. سيستغرق فقط تجميع هذه المعدات واستدامتها ثلاثة إلى أربعة أشهر. بعد ذلك فقط، يمكن أن تبدأ أشهر التدريب الفردي والجماعي. سيكون هنالك إغراء للتعامل مع الوضع كفريق إطفاء: حين يشتعل المنزل، يجمع المرء كل ما هو متاح ويرميه على النار على أمل إطفائها. سوف يريد كثر دفع كل دبابة ومدفع وقاذفة صواريخ إلى الجبهة بأسرع ما يمكن، الآن. هذا إغراء مفهوم، لكن ليس لهذا المسار فرص كبيرة للنجاح.
الحرب لا تسير هكذا. لا يتعلق الأمر بامتلاك عدد من الدبابات وقاذفات الصواريخ بل بامتلاك قوات مدربة ومنضبطة تعلم ما الذي تفعله وتعمل كفريق ذي هدف واحد. يشبه الأمر فريقاً رياضياً. من الممكن تأسيس مجموعة من النجوم المتميزين، لكن إذا لم يتدربوا معاً كفريق، فسيتمكن خصم أقل موهبة من إطاحتهم إذا نجح في العمل معاً بشكل أفضل.
يفهم ديفيس تماماً السعي المحموم لزيلينسكي كي يحصل على أسلحة ثقيلة. لكن أسس القتال لا تتأثر بالعواطف أو بأحقية القضية أو بحجم الرغبة بتحقيق نتيجة معينة. إن إرسال أسلحة ثقيلة إلى الخطوط الأمامية فور وصولها لن يضيف سوى قدرة هامشية إلى الوحدات القتالية على الجبهات.

"لا أحسدهم"
الأهم من ذلك، أنه سيتعين انتظار أسابيع أو أشهر عدة قبل وصول كميات معتبرة من الأسلحة الثقيلة إلى الوحدات القتالية الأوكرانية. إن اختيار تدريب وحدات قتالية من الصفر سيعطي أوكرانيا فرصة أفضل لإنتاج قوة قتالية ذات إمكانات كافية لتحقيق احتمال دحر القوات الروسية، لكن ذلك سيستغرق بين تسعة إلى اثني عشر شهراً، ومن غير الواضح ما إذا كانت القوات الأوكرانية التي تتعرض للقصف الآن قادرة على الصمود طوال هذه الفترة.
الخلاصة البشعة وفقاً الكاتب هي أنه بشكل شبه مؤكد سيفوز بمعركة دونباس أو سيخسرها من يقاتل "اليوم" على الخطوط الأمامية ويستخدم التجهيزات التي بحوزته. ويضيف أن ما من حلول "جيدة" للأزمة حيث يتيعن على قادة أوكرانيا الاختيار بين مجموعة من الخيارات غير المستساغة بحثاً عما هو أقل بغضاً. ويعترف ديفيس في النهاية بأنه لا يحسدهم على هذه المهمة.