احتمال اندلاعها خلال 5 سنوات بنسبة تُقارب 19 %
دراسة عسكرية: خطر الحرب الأهلية يلوح في فرنسا وبريطانيا
حذّرت دراسة عسكرية حديثة، من احتمالية اندلاع حروب أهلية في أوروبا الغربية، مع تركيز خاص على فرنسا والمملكة المتحدة. وقد اعتمدت الدراسة على بحث علمي دقيق للباحث البريطاني ديفيد بيتز، الأستاذ في كلية كينغز لندن، الذي يرى أنّ المُجتمعات الغربية لم تعد مُحصّنة ضدّ الصراعات الداخلية كما كان يُعتقد سابقاً.
الدراسة المنشورة في مجلة «الاستراتيجية العسكرية» الدولية المُستقلّة، عدد شهر أغسطس -آب الحالي، أجرت تحليلاً لها الكاتبة «ماري دي مونتاليمبير دي سيرس» في صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، التي قالت إنّها لا تُمثّل مُجرّد مقال عاطفي، بل مقالة بحثية مُحكّمة علمياً، تدعمها حجج وإحصاءات دقيقة تعكس تحليلاً مُعمّقاً للتوترات الداخلية التي قد تُهدد استقرار المُجتمعات الغربية. خاصة وأنّ كلية كينغز لندن، تُعتبر إحدى أشهر الجامعات العالمية في تخصص «دراسات الحرب».
الغرب ليس مُحصّناً
وبحسب الدراسة فإنّ الحرب قائمة بالفعل في أوروبا. وبينما تُلقي التهديدات الخارجية بثقلها المُتزايد على القارة العجوز، عقد الجنرال تييري بوركارد آخر مؤتمر صحفي له مؤخراً كرئيس أركان للجيش الفرنسي حول التهديدات الروسية والإيرانية والصينية باعتبارها برأيه أكثر جدّية من أيّ وقتٍ مضى.
يرى بيتز أنّ التهديد الخارجي ليس وحده ما يجب القلق منه، بل الخطر الأكبر قد يأتي من الداخل، فلطالما اعتقد العالم الغربي أنّه مُحصّن ضدّ الحروب الأهلية بفضل حداثة الديمقراطيات وازدهارها. إلا أنّه يعتقد أنّ هذا اليقين أصبح من الماضي. فالمُجتمعات الغربية، بحسبه، أصبحت «ممزقة» بفعل سياسات الهوية التي تُعطي الجماعات المحددة بأصولها العرقية أو الدينية أو الثقافية الأولوية لمصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة، مما يخلق بيئة خصبة للنزاعات الداخلية.
تراجع التماسك
الاجتماعي والسياسي
يُشير الباحث البريطاني إلى أنّ المُجتمع الغربي قبل جيل واحد كان مُتماسكاً إلى حدّ كبير، مُتوحّداً حول شعور بالهوية والتراث المُشترك. أما اليوم، فالدول الغربية تُظهر نفسها كـ «كيانات سياسية مُفككة، ومناطق مُتشابكة بين هويّات مُتنافسة»، تعيش غالباً في مُجتمعات مُنفصلة. ويستشهد بيتز بمفهوم «حرب الثقافات» وبعالم الاجتماع جيمس دافيسون هانتر، الذي يرى أنّ الصراع بين مجموعتين تسعى كل منهما لإنشاء عالم مُتنافر قد يُحلّ بالقوة وحدها.
يُضيف بيتز أنّ فقدان الثقة في النخب السياسية يزيد من الانقسامات الاجتماعية. فالشعور بالتهميش والإحباط من ضعف الاستجابة السياسية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية يُعمّق شعور الغضب لدى الجمهور، بينما تستمر الأزمة الاقتصادية الغربية في مُفاقمة الانقسامات، بما في ذلك انكماش الطبقة الوسطى وارتفاع البطالة وتركيز الثروة في أيدي قلّة. وهو يُؤكّد في دراسته أنّ الانقسام الديموغرافي يُعزز الاستقطاب السياسي، حيث يتركّز المُهاجرون في المُدن الكبرى، ما يخلق فجوة مُتنامية مع المناطق الريفية الأقل تنوّعاً، وتبرز هذه التباينات في الانتخابات الأوروبية، إذ أظهرت النتائج دعماً مُتفاوتاً للأحزاب بين المناطق الحضرية والريفية، مع تصاعد احتمالات الصراعات على أسس عرقية وجغرافية.
المدن البرّية
والسيناريو المُحتمل
يُحذّر بيتز من ما أسماه «المدن البرّية»، وهي مُدن كبيرة يُفتقد فيها القانون وتتلاشى فعالية السيطرة الحكومية، وتظهر فيها مظاهر الفساد، وتتدهور البنية التحتية، وتضعف السلطات المحلية، مما يجعل هذه المناطق أرضاً خصبة للفوضى والصراع الداخلي، وهو ما قد يسبق اندلاع حرب أهلية.
ويصف الباحث البريطاني السيناريو الذي قد يؤدي إلى حرب أهلية: انهيار النظام، تصاعد العنف الطائفي، فقدان الشرعية السياسية، وشلل الاقتصاد المحلي، مع إمكانية أن يتسبب المتمردون في تدمير البنية التحتية لإشعال فوضى حضرية لا يُمكن السيطرة عليها، ما يُسرّع زعزعة الاستقرار الوطني.
وتُشير الدراسة إلى العواقب المُترتّبة على حرب أهلية مُحتملة: تدمير التراث الثقافي، نزوح جماعي للسكان، تمزيق النسيج الاجتماعي، وخسائر بشرية هائلة.
احتمالات اندلاع الحرب
ويُقدّر بيتز احتمال اندلاع حرب أهلية في دولة أوروبية واحدة خلال 5 سنوات بنسبة تُقارب 19%. وإذا أخذنا في الاعتبار احتمالية مواجهة 10 دول أوروبية على الأقل لهذا التهديد، فإنّ احتمالات نشوب صراع عنيف في إحداها خلال السنوات الخمس المقبلة ترتفع إلى 87%. وإذا شمل التحليل 15 دولة، فإنّ هذا الاحتمال يتجاوز 95%. لذا تُحذّر الدراسة، قبل كلّ شيء، من أنّ هذه الاضطرابات قابلة للانتشار، مُقدّرة احتمالية بدء صراع في دولة غربية ثم انتشاره إلى دول أخرى خلال خمس سنوات بنحو 60%.
ويرى الباحث البريطاني أنّ فرنسا والمملكة المتحدة هما الأكثر عُرضة لهذا الخطر، حيث تمّ بالفعل تسجيل «حوادث تمهيدية» مثل الهجمات الإرهابية والعُنف الطائفي وأعمال الشغب.
وهو يُشير إلى تصريحات سابقة لسياسيين فرنسيين مرموقين، مثل جيرار كولومب والرئيس السابق فرانسوا هولاند، التي عبّرت عن مخاوف من الانقسام الاجتماعي وتدهور التماسك الوطني، وهي الأحداث التي تتوافق مع التحليل الذي يُقدّمه بيتز بدقة.
وتُحذّر الدراسة في الختام من أنّ الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية في الدول الغربية تضعها أمام احتمال مُتزايد للصراعات الداخلية، مُؤكّدة أنّ اليقظة والسياسات الذكية هي السبيل الوحيد لتفادي السيناريوهات المأساوية التي يصفها الباحث بدقة.