يجب أن يفصل الغرب السياسة عن القضايا البيئية والإنسانية

سلاح قوي في يد أمريكا للضغط على طالبان

سلاح قوي في يد أمريكا للضغط على طالبان


بعد ثلاث سنوات من سيطرة طالبان على أفغانستان، لا ترغب العديد من الدول الغربية في الاعتراف رسمياً بالجماعة المتشددة حكومة شرعية حتى تمتنع عن الممارسات المحظورة مثل قمع النساء أو الاعتقالات خارج نطاق القضاء وقتل المعارضين السياسيين المشتبه بهم، لكن طالبان لا تلتفت لذلك، ولا تزال تتبع أساليب الحكم الخاصة بها وغير مهتمة بمكافآت الاعتراف الدولي.

ورغم قدرة طالبان على الحفاظ على العلاقات الإقليمية مع جيرانها مثل الصين وإيران وباكستان وروسيا والعديد من جمهوريات آسيا الوسطى بوصفها مركزاً لوجستياً حاسماً للصادرات الإقليمية بما في ذلك النفط، فإن أفغانستان تواجه أزمة مياه متصاعدة تهدد حياة الملايين، وما يرتبط بها من انعدام الأمن الغذائي والجوع وقضايا الصحة العقلية وانتشار الأمراض المعدية، مما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية أوسع نطاقاً في نهاية المطاف، حسب ما أفادت تانيا جودسوزيان، صحافية كندية مقيمة في إسطنبول مختصة بشؤون أفغانستان والشرق الأوسط، وزكريا باراكزاي، القنصل العام السابق لأفغانستان في إسطنبول، وزميل غير مقيم في مؤسسة أنديانا الأمريكية.
وقال الكاتبان في مقال مشترك بموقع «رِسبونسيبل ستيتكرافت» الأمريكي: تشكل أزمة المياه هذه تهديداً مباشراً لحكم طالبان، مما قد يمنح الغرب فرصة لكسب النفوذ وتبديد مخاوفه بشكل أكثر فاعلية من السياسات السابقة القائمة على المساعدات.

أزمة المناخ وتأثيرها
وأضاف الكاتبان «في حين تركز المؤسسات الغربية على سياسات طالبان القمعية، تولي وسائل الإعلام السائدة اهتماماً ضئيلاً نسبياً للضغوط المرتبطة بالمناخ على سكان أفغانستان الذين يزيد عددهم على 43 مليون نسمة. تواجه البلاد ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة وأحوالاً جوية متطرفة، مثل ذوبان الأنهار الجليدية والفيضانات المفاجئة والجفاف والزلازل، مما يؤدي إلى تدمير مصادر المياه والمرافق الحيوية».
وأشار الكاتبان إلى أنه في الوقت الحالي، يفتقر ما يقرب من 4 من كل 5 أفغان إلى الوصول إلى المياه النظيفة، مع حصول 27% فقط من سكان الريف على مرافق الصرف الصحي. وتحتل أفغانستان المرتبة الرابعة بين البلدان الأكثر عرضة لأزمة تغير المناخ والثامنة على مؤشر الدول الأكثر ضعفاً والأقل استعداداً للتكيف مع تغير المناخ.
وأوضح الكاتبان أن هذه التحديات تضغط على حكام أفغانستان الحاليين. ورغم أن حركة طالبان ليست هيئة موحدة، مع وجود تقارير عن انقسامات داخل قيادتها، فإن بعض العناصر داخل الجماعة قد تكون مدركة، إن لم تكن خائفة، من العواقب القريبة الأجل المترتبة على عدم قدرتها على إدارة أزمة العوامل المناخية الجغرافية المعقدة التي تؤثر على مقدرات البلاد.
وتجري حالياً جهود لإدارة المياه الجوفية في أفغانستان، حيث من المقرر تنفيذ ما لا يقل عن 300 مشروع هذا العام، وفقاً لوزارة الطاقة والمياه. وبدأت أعمال إعادة التأهيل في ستة مشاريع مائية رئيسة، بما في ذلك سد بشتون، وسد كمال خان، وسد توري بخش آباد، وسد شاه وعروس. ومن المقرر أيضاً بدء البناء في 11 سداً آخر لتخزين المياه وإطلاقها في الينابيع والقنوات للري. ومع ذلك، فإن هذه المشاريع غير كافية لتلبية احتياجات الشعب الأفغاني، الذي يتركز معظمه في المناطق الريفية ويعيش نمط حياة زراعياً على مستوى الكفاف. ورغم الموارد المائية الوفيرة في أفغانستان من جبالها العالية وظروفها الجبلية القريبة، فإن توزيع هذه الموارد يواجه أزمات بسبب أنظمة التوصيل القديمة. وتستخدم أفغانستان حالياً 30% فقط من موارد المياه المتاحة، مع إهدار 70% بسبب نقص البنية الأساسية ومرافق التخزين وأنظمة التوزيع غير الفعّالة.

النزاعات الإقليمية 
على المياه
ورغم عدم قدرتها على توفير المياه لشعبها، فإن أفغانستان تعد مصدراً رئيسياً للمياه لإيران وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان. ومع مواجهة هذه البلدان لنمو سكاني وصناعي كبير إلى جانب انكماش الأنهار، أصبحت المياه مصدر قلق حيوي يهدد اقتصاداتهم واستقرارهم السياسي والاجتماعي.
ولفت الكاتبان النظر إلى أن النزاعات على المياه تسببت بالفعل في توترات كبيرة بين أفغانستان وجيرانها. ففي مايو -أيار 2023، اشتبكت القوات الأفغانية والإيرانية بعد أن اتهم الرئيس الإيراني طالبان بتقييد الوصول إلى المياه من نهر هلمند. وبناء طالبان لقناة بطول 285 كيلومتراً قبالة نهر أمو داريا، هي قناة قوش تيبا، يمكن أن يحول 12 إلى 15% من المياه التي تتدفق حالياً إلى تركمانستان وأوزبكستان. وحروب المياه ليست جديدة وقد تظهر قريباً في آسيا الوسطى.

عرْض غربي محتمل
وقال الكاتبان: تشكل إمدادات المياه المنزلية الكافية والري الموثوق به والطاقة أموراً أساسية لأفغانستان التي تعتمد قدرتها الاقتصادية على الزراعة. وسوف تحتاج طالبان إلى فهم أن قدرتها على الحفاظ على السلطة يعتمد على قدرتها على الحكم بشكل فعال والحفاظ على علاقات جيدة مع جيرانها، مع كون المياه عنصراً أساسياً في هذه العلاقة. والفشل في القيام بذلك قد يؤدي إلى عزلة إقليمية وحتى انتفاضة من قبل السكان الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه. وأوضح الكاتبان أن هذا الوضع يوفر للدول الغربية فرصة لاستغلال نفوذها على طالبان، مما قد يقلل من معاناة الأفغان ويعزز نفوذها في منطقة يعتقد الكثيرون أنها خسرت فيها الأرض لصالح الصين وروسيا. ويمكن للغرب نشر تكنولوجيات إدارة الموارد المائية المتقدمة داخل أفغانستان والانخراط في الدبلوماسية الإقليمية مع جيرانه لتعزيز الأهداف المتوقفة منذ فترة طويلة. ولتجنب التهميش في واقع آسيا الوسطى الجديد، يؤكد الكاتبان ضرورة أن يفصل الغرب السياسة عن القضايا البيئية والإنسانية، مضيفين أن طالبان بحاجة إلى التفاوض على اتفاق يقضي بقبولها المساعدات التي تريدها بشدة مقابل بعض التنازلات بشأن قضايا حقوق الإنسان، مؤكدين ضرورة تقديم هذه التنازلات بهدوء ودون ضجة للسماح لطالبان بإنقاذ ماء الوجه.