بالرغم من أنه جزءٌ من تقليدٍ حمائي أمريكي طويل الأمد:

سياسة ترامب تُجسد كل المخاوف بشأن الحمائية المُفرطة دون رؤية استراتيجية

دونالد ترامب هو جزء من تقليد حمائي أمريكي طويل الأمد. ويعتقد المؤرخ أن ألكسندر هاملتون ، أب الحمائية في الولايات المتحدة، وزير الخزانة من عام 1789 إلى عام 1795، كان أيضًا حذرًا من تجاوزاتها، على عكس دونالد ترامب الذي ينغمس فيها دون قيود.

السياق
هل ستؤدي الرسوم الجمركية التي أعلن عنها دونالد ترامب في بداية ولايته الثانية إلى حرب تجارية عالمية؟  لقد أدى تعليق بعض هذه المحادثات في التاسع من أبريل-نيسان إلى ثلاثة أشهر من المفاوضات المحمومة. وفي الولايات المتحدة، تعكس هذه التدابير السياسات الحمائية القديمة التي تم التخلي عنها في عام 1934 وهي تذكرنا بقانون هاولي-سموت لعام 1930، الذي أدى إلى تفاقم أزمة الكساد الأعظم. لكن اليوم أصبحت التجارة أكثر مركزية، وأكثر تشابكاً، وهو ما يجعل العواقب المحتملة أكثر خطورة. وتتساءل أوروبا: هل ينبغي لها الرد أم قيادة تحالف للدفاع عن نظام متعدد الأطراف مفتوح؟

 

تحت قيادة دونالد ترامب وجو بايدن أيضا، أصبحت الولايات المتحدة، التي كانت تُعتبر في السابق معقلًا للرأسمالية الليبرالية، دولة حمائية بشكل علني. ويشير البعض إلى أن هذا التطور هو جزء من تقليد قديم للغاية، يعود إلى البداية. ألم يكن أحد الآباء المؤسسين، ألكسندر هاملتون «1757-1804»، أول من دعا إلى الحماية الاقتصادية في أميركا؟ صحيح، على الرغم من أن نهج هاملتون تجاه التجارة الدولية كان مختلفا تماما عن نهج الرئيس الحالي. كان يؤمن بحماية الصناعات الناشئة في أمريكا، لكنه لم يكن يؤمن بالمصالح القوية. كانت الولايات المتحدة، وهي أمة شابة ولدت من حرب ضد المملكة المتحدة، تعتمد على القوى الأوروبية العظمى، وكان اقتصادها ضعيفا. في عام 1790، طلب الرئيس جورج واشنطن من الكونجرس «تعزيز التصنيع» حتى تصبح البلاد مكتفية ذاتيا، «وخاصة في الإمدادات العسكرية». لقد عانت أمريكا من نقص في السلع الأساسية خلال الحرب الثورية، وظل الرئيس ووزير الخزانة ألكسندر هاملتون يعانيان من صدمة قانون الحظر البريطاني لعام 1775، وهو حصار تجاري حرم البلاد من السلع الأساسية. لقد أصبح هاملتون يعتقد أن الحديث عن التجارة الحرة ما هو إلا ستار دخاني لتمكين الهيمنة البريطانية على الأسواق. في ديسمبر 1791، قدم هاملتون تقريره بشأن الصناعات إلى الكونجرس. وقد استجابت هذه الخطة لحجج آدم سميث، الذي أكد أن التجارة الحرة تخلق الثروة في جميع الحالات. واقترح هاملتون «من خلال الدعم الاستثنائي من الحكومة، تسريع نمو الصناعات التحويلية». ودعا إلى استخدام الدعم والرسوم الجمركية «للحفاظ على التوازن التجاري». وزعم أن مصانع القطن كانت مسؤولة عن «التقدم الهائل» الذي حققته بريطانيا، وأن تحقيق ذلك يتطلب استراتيجية صناعية، على غرار «كولبير العظيم». وكان الطريق إلى الأمام هو فرض تعريفات جمركية معتدلة، تتراوح بين 7% و10%، وتوزيع الدعم على صناعات معينة مثل الصلب. بالنسبة لهاملتون، كان من الواضح أن التعريفات الجمركية والدعم تقع ضمن اختصاص الكونجرس، الذي كان من المفترض أن ينشئ «مكتبًا «...» لتعزيز الفنون والزراعة والصناعات والتجارة». وأعرب عن أمله في أن يمول هذا المكتب وصول «الفنانين والمصنعين» المهاجرين من أجل «تشجيع السعي إلى الاكتشافات والاختراعات والتحسينات المفيدة وتقديمها». ولكن ما هو أقل شهرة هو أنه حذر أيضا من الحمائية المفرطة، والتي قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وكبح الطلب. وأوصى بالمضي قدماً بحذر فقط، «في ضوء الخبرة».وأضاف أن الحماية والدعم لا ينبغي أن يمتد إلى ما بعد المرحلة الأولية من عملية التصنيع، لأن التدابير التي طال أمدها، وفقا له، قد تؤدي إلى نتائج عكسية، وتخلق عدم الكفاءة والفساد والحروب التجارية

منطق لا يقبل الجدل
أما الآباء المؤسسون الآخرون، فرغم شكوك بعضهم، مثل الرئيس جيمس ماديسون الذي تولى السلطة من عام 1809 إلى عام  1817، فقد انتهى بهم الأمر إلى الالتفاف حول أفكاره ودعم قانون التعريفات الجمركية لعام 1790. حتى توماس جيفرسون «1801-1809»، المدافع المتحمّس عن آدم سميث، كان مقتنعًا بضرورة دعم الصناعات الناشئة، باسم «الاستقلال». ولقد عززت الحروب المتتالية التي خاضتها أميركا هذه القناعة. واصل وزير الخارجية هنري كلاي تطبيق السياسة الاقتصادية التي انتهجها هاملتون من خلال «النظام الأميركي»، الذي كان يهدف، من خلال الجمع بين الحماية والاستثمار العسكري والصناعي، إلى التنافس مع سياسات التجارة الحرة البريطانية، التي كانت تُعتبر تهديداً وطنياً. خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أشاد الحمائيون بالرجل العظيم: «لقد برر التقدم الصناعي الملحوظ الذي أحرزته الولايات المتحدة الحقائق التي أعلنها ألكسندر هاملتون بعبقرية وقوة»، كما كتب الخبير الاقتصادي الأمريكي إي. بيشين سميث في عام 1853 وأضاف الخبير الاقتصادي جورج غونتون بعد ثلاثين عامًا: «لا يزال منطق هاملتون راسخًا: إن ازدهار أي أمة يعتمد على تنمية صناعاتها الخاصة». لقد أصبحت أميركا قوة صناعية، لكن هاملتون ظل يُستدعى للدفاع عن نسخ أكثر قوة من الحماية التجارية. ومن غير الواضح أن رؤيته ـ المصممة للاقتصاد الأميركي الذي كان لا يزال هشاً في عام 1790 ــ يمكن أن تستخدم لتبرير سياسة الحماية التجارية التي كانت سارية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ولكن هذا لم يمنع الرؤساء ماكينلي» 1897-1901 وهاردينج «1921-1923» وكوليدج1923-1929» من استخدامه للترويج لقوانين تزيد الرسوم الجمركية. 
مع اندلاع الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين، سعى الرئيس هوفر «1929-1933» إلى حماية الصناعة الأميركية من خلال قانون سموت-هاولي للتعريفات الجمركية، الذي رفع التعريفات الجمركية إلى نحو 20%، مما أدى إلى تفاقم الأزمة. وأخيراً بدأت الولايات المتحدة في تحرير التجارة في عام 1934، ولكن سياسات الحرب التي انتهجها الرئيس فرانكلين روزفلت «1933-1945»، والتي تلتها استراتيجيات الحرب الباردة، وضعت الاستراتيجية الصناعية في قلب السياسة الأميركية. دونالد ترامب هو جزء من تقليد حمائي أمريكي طويل الأمد. ولكن هناك فروق ملحوظة بين الدعم الهاميلتوني للصناعات الناشئة والحروب التجارية على غرار ترامب. لا يبدي الرئيس الحالي أي اهتمام بدعم الصناعات الخضراء والتكنولوجية الناشئة. في الواقع، ويبدو أن سياسته تجسد كل المخاوف التي أعرب عنها هاملتون بشأن مخاطر الحمائية المفرطة دون رؤية استراتيجية.