يكرهه ترامب ويشعر بالغيرة منه

عالم المناعة أنتوني فوسي، طبيب أمريكا الطيب...!

عالم المناعة أنتوني فوسي، طبيب أمريكا الطيب...!

   في معارضة صامتة لدونالد ترامب، أصبح أنتوني فوسي، “السيد كوفيد -19” في البيت الأبيض، نجماً ما وراء الأطلسي. عالم المناعة الكبير هذا، رائد مكافحة الإيدز، اعترف بعلوّ كعبه جو بايدن، الذي وعد، إذا تم انتخابه، “بالاستماع إليه حقًا”.
   لقد تغيّر الأبطال كثيرا... الشخص الذي اختارته أمريكا الحائرة لنفسها في قلب أزمة فيروس كورونا كاد ان لا يلاحظ مروره أحد. مظهر متواضع، شيب يكسو شعره، نظارات رقيقة، الا ان نظرته الماكرة ووجهه المطمئن غزا البلاد.    أنتوني فوسي، هو خبير الأمراض المعدية، وأحد أعمدة فرقة العمل المعنية بفيروس كورونا في البيت الأبيض. كان هو من قام، لأسابيع متتالية، خلال الإحاطة اليومية إلى جانب دونالد ترامب، بتزويد الجمهور بمعلومات عن الوباء.    مباشر، واقعي، بيداغوجي، “دكتور فوسي هو نجم الروك في كوفيد-19 “، يقول بحماس أحد أندية المعجبين به على انستغرام وتويتر وفيسبوك، وبعضها يضم أكثر من 150 ألف عضو.
ابتكار كعك على شرفه
   استحوذت عليه ثقافة البوب. يبلغ من العمر 79 عامًا، منها ســــتة وثلاثون عامًا على رأس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، هو الطبيب الذي انضـــــم للتو إلى قائمة الشخصيات المائة الأكثر تأثيرًا في العام التي وضعتها تايم، وهو أيضًا في السباق لاختيار الرجل الأكثر جاذبية لعام 2020 من قبل مجلة بيوبل، وذلك بفضل عريضة جمعت آلاف التوقيعات.  
  دونــــات دوك، الكعــــــك الذي صنعـه مطعـــــم بيتـــــزا في روتشســــتر في مارس على شرفه، نفد على الفور.
في نيويورك، مسقط رأسه، تمتلئ الأكشاك بالحلي التي تحمل صورته. ويمتد بزنس “فوسيمانيا “ الى المواقع الافتراضية في امازون أو إيباي أو إتسي: قمصان أو أكواب أو قبعات أو شموع أو جوارب أو شوكولاتة تعرض وجهه المبتسم، أو شعار “في فوسي، نحن نثق”. “لقد أصبح تعويذة، تمامًا كما كان رواد الفضاء في وقت ما”، يرى عالم الاجتماع وأستاذ العلوم السياسية في المركز الوطني للبحث العلمي ويليام جيني، مؤلف كتاب “الحكم بعيدا عن الأنظار –نجاح أوباما كير” (مطبعة جامعة العلوم السياسية). “إنه رمز، ومبعوث من السماء”، يضيف ج. ستيفن موريسون، الذي يدير برنامج أبحاث الصحة العامة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة فكرية رئيسية في واشنطن، الناس يريدون الحقائق، وأنتوني فوسي هو من يقول الحقيقة حول ما يجب القيام به بشأن الوباء، وما نعرفه وما لا نعرفه “. في مواجهة هذا الجنون، احتفظ الشخص بتوازنه وبرباطة جأشه. “أنا لا أهتم بذلك لأنه قد يشتت انتباهي حقًا”. يعمل سبعة عشر ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، مهمته هائلة: كيف يمكن تسطيح منحنى الوباء في بلد تسبب فيه الفيروس في وفاة أكثر من 200 ألف شخص، وأصاب 6.6 مليون نسمة؟

حقائق وأرقام
    توقّع فوسي منذ فترة طويلة بداية مثل هذه الأزمة. فقبل عشرة أيام من أداء دونالد ترامب اليمين الدستورية قبل أقل من أربع سنوات بقليل، ألقى عالم المناعة كلمة بعنوان “الاستعداد لوباء عالمي للإدارة المقبلة”. في مارس، مع انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، افتتح الرئيس الجمهوري و”السيد كوفيد-19”، ثنائيًا غير متوقّع بالمرّة، نصف مضحك، ونصف مقلق، خلال مؤتمرات تلفزيونية يومية.     من ناحية، فوسي الذي لا يعترف الا بالحقائق والأدلة والبحث، مع “جانب أب هادئ يسعفه”، يرسم فيليب آرتس، مدير مكتب إنسيرم في الولايات المتحدة. ومن الناحية الأخرى، ترامب المعادي للعلم، ولا ثقافة أكاديمية له، مطلقا تصريحات كارثية، ومبالغا في التفاؤل... شخص بالغ، بجانب طفل شديد النشاط.
   وفقًا لتقديرات الرئيس -هيدروكسي كلوروكين هو علاج معجزة، وماء جفال يمكن أن يحارب الفيروس، وسينتهي الوباء في عيد الفصح، وسيكون اللقاح متاحًا في أوائل نوفمبر -يعارض فوسي بالحقائق والأرقام، يعدل ويغيّر الزاوية، ويناقض ترامب دون اعطاء الانطباع بذلك.    “إنه ذكي للغاية، يقول عالم المناعة، جان فرانسوا دلفريسي، الذي يرأس المجلس العلمي لفيروس كوفيد-19 في فرنسا، ويعرفه منذ عام 1978. انه يؤمن بالطب القائم على الحجة والأدلة، ومن الصعب هذه الايام الدفاع عن هذا دائمًا”. فوسي لا يحب الصراع ولكنه لا يخجل منه: قدرة الاختبار الأمريكية؟ “إنه الفشل، لنقر بذلك”، رد أمام مجلس النواب.    صراحته تحلو للجميع، لكن العلاقات مع ترامب معقدة ومتضاربة. الانتخابات الرئاسية تلوح في الأفق في 3 نوفمبر، و”امام العجز على كبح الوباء، تصدع فريق العمل، يحلل فيليب آرتس، أصبح الخطاب مسيّسًا لدرجة أننا لم نعد نسمع العلم”.
في بداية أبريل، توقفت إحاطات الرئيس حتى نهاية يوليو. ولم يعد يظهر فوسي، الذي يضاعف التحذيرات ضد التعجيل بفك الحجر الصحي. شائعة الإقالة تتلاحق. يكرر الرئيس أن “توني” “رجل رائع”، “رجل لطيف -لكنه يرتكب الكثير من الأخطاء”. في الواقع، تحسم مراقبة للحياة الأمريكية، ترامب “يشعر بالغيرة مثل طفل، انه يكرهه”.

استبعاده
   تنصب العيون على المنحنيات، ويدافع الطبيب الذي لا يعرف الكلل عن الحاجة إلى تدابير الصحة العامة المعززة: الكمامات، والتباعد، وإغلاق المدارس ... والرئيس، الذي لا يستطيع قانونًا إقالة فوسي، يهمشه. “ترامب محاط بمعارضين للعلم والصحة العامة يشجعونه على تشويه سمعة فوسي، والإيحاء بأنه غير كفء، ويريد تقييد وصوله إلى وسائل الإعلام”، يلخص ج. ستيفن موريسون. في منتصف شهر يوليو، وجد البطل نفسه مهددًا بالقتل ومضايقات على مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أن وزارة العدل عرضت ضمان حمايته وحماية أسرته.    غيُّب عن وسائل الإعلام الرئيسية والمؤتمرات الصحفية، لجأ فوسي إلى جميع القنوات البديلة (انستغرام وفيسبوك لايف وسنابشات ويوتيوب) لنشر رسالته وهوسه. يرد في محادثة بالفيديو على الممثلين جوليا روبرتس أو ماثيو ماكونهي، ومارك زوكربيرغ، ولاعب كرة السلة ستيفن كاري، ونجم الهيب هوب ليل واين.    في أغسطس، حسبت صحيفة نيويورك تايمز، ان اغلب ظهوره للعموم كان على هذه المنصات؛ الا ان كلماته انتشرت في وسائل الإعلام الرئيسية. وأوضح فوسي للواشنطن بوست (على إنستغرام) سبب تفضيله لهذه الاجتماعات المباشرة على الإحاطات الرسمية: “عندما يكون الرئيس هناك، يراقب الجميع كل تحركاتك... وكما تعلم، هذه ليست الطريقة الجيدة لتثقيف الجمهور”.
   كل المؤامرات التي أطلقت ضده أثمرت مع ذلك. ولئن لا يزال يُنظر إليه على أنه المصدر الأكثر موثوقية للمعلومات في البلاد، فوفقًا لمسح أجرته مؤسسة عائلة كايزر، انخفض تصنيف ثقته بنسبة 10 بالمئة في المتوسط بين أبريل وسبتمبر، وبنسبة 30 بالمئة بين الجمهوريين.
   “يواجه فوشي حملة من داخل البيت الأبيض وشبكات ترمبية، يشير موريسون، لكنه ليس الهدف الوحيد. إنه يتنزل في سياق عالمي من الهجمات على المؤسسات الصحية”. يُنظر إلى ممثلي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وإدارة الغذاء والدواء، والمعاهد الوطنية للصحة، على أنهم أعداء يبطئون التعافي الاقتصادي، وهو مفتاح إعادة انتخاب محتملة.

بايدن يتبنى وجهة
 النظر المعاكسة
   بينما يكنس دونالد ترامب الخبراء وكل تبصّر وتعقّل، يتبنى منافسه الديمقراطي، جو بايدن، وجهة نظر معاكسة. ويعلن أنه في حال انتخابه سيتصل بالدكتور فوسي “على الفور” ليطلب منه “الاستمرار في خدمة البلد بطريقة مدهشة”.
إنه يسجل اختلافه: “أفضل الخبراء الطبيين والعلميين في البلاد سيكونون مستعدين لتقديم المشورة لنا من اليوم الأول -وسأستمع إليهم حقًا”.    
 لقد عاش فوسي، وهو يسير على الحبل، مع ست إدارات في ذات المنصب، مع شعار واحد: البقاء غير سياسي تمامًا، وغير أيديولوجي. وقد ترأس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية طيلة أربع سنوات عندما ذكره المرشح الرئاسي جورج بوش، في أكتوبر 1988، على انه أحد أبطاله.  ومنذئذ، نصح الأيقونة الوطنية مستأجري البيت الأبيض بشأن الإيدز، السارس، “هاش 5 ان 1”، “هاش 1 ان 1”، ميرس، إيبولا ... وقد لخص أسلوبه في التعامل مع القادة السياسيين في أوقات الأزمات للصحفي مايكل سبكتر، الذي عرفه منذ الثمانينات ورسم صورته لنيويوركر: “ألتفت إلى كتاب الفلسفة المفضل لدي، العرّاب، وأقول، ‘إنه ليس شيئًا شخصيًا، إنه احترافي تمامًا’”.
   يتمتع أنتوني فوسي بدعم قوي في كلا الحزبين، في الكونغرس ومجلس النواب، ولكن أيضًا في الصناعة، بين مسؤولي الصحة العامة، وأعضاء مجلس الوزراء السابقين، في وسائل الإعلام، في الثقافة.
 وتحت قيادته، ارتفعت ميزانية المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية إلى المرتبة الثانية من أصل 22 معهدًا وطنيًا للصحة، ستة مليارات دولار في السنة.
وفي أكتوبر، ستمنحه الأكاديمية الوطنية الأمريكية للطب جائزة تقديراً لعمله على مدى عقود في مجال الصحة العامة، وعلى وجه الخصوص “قيادته الماهرة والقائمة على أسس علمية” في تطوير الاستجابة لوباء كوفيد-19.

هالة عالمية
   “مع ذلك، سيكون من الصعب عليه، يقول جان فرانسوا دلفريسي، أن يرى بلده، الأغنى في العالم، سيملك على الأرجح أعلى معدل وفيات”.
 إن إدارة الجائحة هي دائمًا تمرين معقد، يلاحظ عالم الأوبئة أنطوان فلاهولت: “إنه علم بشري، به خلافات وشكوك دائمة. ولكن لدى فوسي ميزة: فهو منفصل عن المجد، إنه يسعى الى الإجماع من خلال الاقتناع والالتزام بتحليلاته أولاً من الزملاء ثم من السلطة التنفيذية”.
   في الوسط العلمي، هالته عالمية. يشرف معهده على الأبحاث الأساسية والتطبيقية حول فيروس نقص المناعة البشرية - الإيدز والسل والملاريا، والفيروسات الناشئة مثل الإيبولا وزيكا.  ويذكّر الباحث ويليام جيني، الذي يرى أن فوسي “يشبه إلى حد ما اندماجًا نوويًا بين أكسل كان وديدييه راولت”، نسله: “بين 1983 و2002، كان الشخص المرجعي الأكثر استشهادا به في قاعدة بيانات بوب ميد، وحاصل على 30 شهادة دكتوراه فخرية. وقد مكنه هذا الاعتراف العلمي من الانتقال من ريغان إلى ترامب”. لا أحد يتمتع بمكانة هذا الأمريكي، الذي لديه أكثر من ألف مطبوعة في رصيده.    يمثل وباء الإيدز نقطة تحول بالنسبة لفوسي. من ناحية البحث، فهو “رجل التسبب الطبيعي للإيدز، الشخص الذي وصف كيف يخترق الفيروس جهاز المناعة ويلعب معه”، يبسّط دلفريس، الرئيس السابق للوكالة الوطنية لأبحاث الإيدز، لكنه نجح أيضًا في تعبئة الإدارة الأمريكية، التي لم تمل إلى الاهتمام “بوباء المثليين” هذا.
   عندما رأى أنتوني فوسي عام 1981 ظهور حالات قليلة من التهاب رئوي غريب بدا أنه يصيب فقط الرجال المثليين الشباب، قال لنفسه: “هذا فيروس، لم يتم تحديده بعد، يؤثر بشدة ويدمر الجهاز البشري”.
 قال لصحيفة نيويوركر: “أريد أن أكون حيث يوجد عمل”. وسيكون فريقه أول من يحدد السمة المركزية للمرض، وهي قدرة الخلايا البائية على أن تصبح مفرطة النشاط لدى المرضى.    عندما تولى رئاسة المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية عام 1984، تراكمت الوفيات.
 في سان فرانسيسكو، يصاب واحد من كل رجلين مثليين. “كانت تلك أحلك سنوات حياتي ومسيرتي المهنية”، يعترف فوسي في الفيلم الوثائقي مفارقة الوباء، الذي أنتجه مركز الأبحاث مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.  ساد الخوف والمعلومات المضللة.
   مع مسؤول الصحة العامة تشارلز إيفريت كوب، يقومان بإرسال 126 مليون نسخة من كتيّب إلى صناديق البريد في جميع أنحاء البلاد يلخص كل ما يمكن معرفته عن الفيروس. “إنها فترة تكوينية وتحويلية بالنسبة له، يعتبر ج. ستيفن موريسون، لقد تم اكتشاف جودته العلمية، وقدرته على التحدث بوضوح، والشفقة والرحمة التي تطبعه. تخيلوا أن ريغان لم ينطق كلمة الإيدز الا عام 1987! لقد فعل فوسي كل هذا ضد تيار المحافظين “.

وطنية شرسة
   أكتوبر 1988، احتج نشطاء الإيدز بصوت عالٍ تحت نوافذ إدارة الغذاء والدواء ومدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية ضد جمود الوكالة، مما حرمهم من الوصول إلى التجارب السريرية على العلاجات التجريبية. يجسد فوسي في نظرهم الحكومة الفيدرالية، ورفعت لافتات “دكتور فوسي، أنت تقتلنا”، ووصفه الكاتب المتشدد لاري كرامر، الذي شارك في إنشاء اكت-اب، بأنه “أحمق غير كفء”، قاتل، وشبهه بأدولف أيخمان. “كانوا يحاولون جذب انتباه البيروقراطية، يتابع فوسي في الفيلم الوثائقي، لم يسمعهم أحد”.
   يقرر الخبير تنحية “الجانب المسرحي، المواجهة”، ويفتح الباب أمام مجموعة من النشطاء للاستماع إليهم. “ما قالوه كان منطقيًا تمامًا، لدرجة أنني كنت سأفعل الشيء نفسه تمامًا في مكانهم. منذئذ، قمنا بصياغة علاقة ثقة وتعاون”. ثورة شخصية لهذا الرجل صاحب التقاليد الكاثوليكية. “إنها أيضًا ثورة في العلم والطب الأمريكي وعملية البحث والتطوير برمتها”، يحلل ج. ستيفن موريسون. ومنذ تلك اللحظة، أصبح إشراك ممثلي المرضى في البحث هو القاعدة.    عام 1994، في تلك المرحلة الصعبة جدًا من الوباء التي سبقت وصول العلاج الثلاثي، يتذكر جان فرانسوا ديلفريسي النجاح الذي تقاسمه مع فوسي بفرح عبر الهاتف. اظهرت النتائج الأولى لتجربة مشتركة أجرتها المعاهد الوطنية للصحة، وفرنسا للبحوث شمال وجنوب الإيدز وفيروس التهاب الكبد في فرنسا، أن مضادات الفيروسات القهقرية، زيدوفودين أو أزيدوثيميدين، تقلل بنسبة الثلثين من خطر انتقال فيروس نقص المناعة البشرية من الأم إلى الطفل. “لقد كانت نتيجة رائعة!”، يتحمس دلفريسي مرة أخرى. لم يتوقف فوسي عن الاهتمام بمرض الإيدز، فبالإضافة إلى إنشاء مركز مخصص للبحث عن لقاح، فقد كان مهندس برنامج بيبفار، وهو خطة طوارئ لإتاحة العلاج لجميع البلدان النامية.
   تنعكس هذه الرحلة في رغبة فوسي الشديدة في خدمة بلده -البلد الذي اختاره أجداده، الذين جاؤوا من نابولي وصقلية. “فيه جانب من أمريكا أولا”، يؤكد دلفريسي مازحا.
   نشأ مشجع يانكيز هذا في جنوب غرب بروكلين. وعندما كان طفلاً، عمل على توصيل الأدوية لصيدلية والده. وتعليمه في المدارس اليسوعية، الى مدرسة ريجيس الثانوية الخاصة المرموقة في الجانب الشرقي الأعلى ثم في جامعة كورنيل، شكّل شخصيته، يعتقد ج. ستيفن موريسون، الحجاج بالأدلة، والإنسانية، والشعور بالالتزام الأخلاقي، والإيمان بالعلم ... تأرجح الشاب توني لفترة بين المسار العلمي ومسار العلوم الإنسانية. “بدا لي أن تكون طبيباً هو الاندماج المثالي لهذين الطموحين”، قال لصحيفة نيويوركر.

جراحة في نهاية أغسطس
    في منتصف شهر يوليو، أحدث أنتوني فوسي مفاجأة من خلال الظهور في إحدى مجلات النجوم إن ستايل، مبتسمًا مرتديًا نظارات شمسية بجوار حمام سباحة... نجم. بعدها، قال إنه نادم على تلك الصور. لكن في هذه المقابلة الطويلة مع زوجته كريستين جرادي، يفتح الطبيب الباب لخصوصيته. لقد وقعت في حب هذه الممرضة المتخصصة، التي التقيتها بجانب سرير مريض عام 1983 وتزوجت بعد ذلك بعامين. بناتهم الثلاث قلقات على والدهم. ويكشف فوسي أن “هذا الصراع المُركب والحقيقي والمتصور بيني وبين الرئيس، يجعلهن متوترات... لقد صُدموا بالتهديدات بالقتل والمضايقات التي تعرضت لها في البداية”.
   لم يعد لديه متسع من الوقت لمداعبة سمك السلمون المرقط، ولم يعد يلتهم رطلان شهريًا، ولم يعد يركض، لكنه لا يزال يسير 5 كيلومترات في اليوم من المشي السريع مع زوجته. تنفس. تقول كريستين جرادي إنها تسهر على أن زوجها يأكل ويشرب وينام -وإلا، كما تقول، لكان يعمل فقط. ويعترف الدكتور فوسي بذلك: لن يرى نفسه يتوقف عن العمل في المستقبل القريب طالما أنه يمتلك طاقة وكفاءة كافية. لكن في نهاية شهر أغسطس، كان على بطل أمريكا أن يأخذ استراحة. فقد أجبرته عملية جراحية لإزالة ورم في الحبال الصوتية، التي كانت تسرع بشكل مفرط منذ ستة أشهر، على الخضوع لعلاج الصمت الإعلامي... مفروض من قبل العلم -الوصفة الوحيدة التي يمكن أن يقبلها.