عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته ميزة في المفاوضات.. كيف يمكن الهروب من «قرارات دونالد ترامب»؟

عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته ميزة في المفاوضات.. كيف يمكن الهروب من «قرارات دونالد ترامب»؟


كتب ماثيو ليش، زميل السياسات العامة في معهد الشؤون الاقتصادية، أن حرب دونالد ترامب التجارية الهادفة إلى إعادة التوازن في النظام العالمي لصالح أمريكا، تحدث بالضبط تأثيراً معاكساً تماماً.
وأوضح ليش في صحيفة «ذا تلغراف» البريطانية أن أسواق الأسهم العالمية خسرت تريليونات الدولارات، وبدأ المستثمرون ينسحبون من أمريكا. ووفقاً لمختبر ييل للموازنة، من المتوقع أن تكلف الرسوم الجمركية الأسر الأمريكية 3800 دولار سنوياً.

الصين تستفيد
أظهرت هذه الرسوم أن أمريكا شريك غير موثوق به، مما دفع حلفاء الولايات المتحدة السابقين للسعي إلى توثيق علاقاتهم مع الصين، وهو ما يتناقض تماماً مع موقف ترامب المتشدد تجاه الحزب الشيوعي الصيني. لقد اتفقت اليابان وكوريا الجنوبية والصين على تعزيز التعاون في سلسلة التوريد، واستئناف المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية.
من المقرر أن تستضيف فيتنام الرئيس الصيني شي جين بينغ في الأسابيع المقبلة. وأجرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين محادثات مع رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ. في الوقت نفسه، تسعى شركات مثل شركة فورتيسكيو الأسترالية المتخصصة في إنتاج خام الحديد إلى توثيق علاقاتها مع الصين. قد تكون هذه مجرد بداية. ينبغي عدم استبعاد احتمال تفاقم الأمور، إذ يلحق الانتقام المتبادل ضرراً أكبر بالاقتصاد الحقيقي، ويُنذر بركود عالمي.
اقترح الاتحاد الأوروبي فرض تعريفات جمركية مضادة بنسبة 25% على مجموعة من السلع الأمريكية، رداً على ذلك، هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية انتقامية بنسبة 200% على المشروبات الكحولية الأوروبية. كما هدد بفرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 50% رداً على فرض الصين تعريفات جمركية بنسبة 34% على السلع الأمريكية. لا يُعد أي من هذا أمراً غير مسبوق تاريخياً. فقد جُربت التعريفات الجمركية من قبل وكانت آثارها كارثية.

التاريخ خير دليل
يُعتقد على نطاق واسع أنه وعلى أقل تقدير، أطالت تعريفات سموت-هاولي الجمركية سنة 1930 أمد الكساد الكبير وعمّقته. فقد أثارت موجة من التعريفات الجمركية الانتقامية وتسببت بانهيار التجارة الدولية وقوّضت ثقة الأعمال الدولية. انخفضت الصادرات الأمريكية من 7 مليارات دولار سنة 1929 إلى 2.5 مليار دولار فقط سنة 1932، بينما انخفضت أحجام التجارة العالمية بأكثر من 60% خلال الفترة نفسها.
وذهب الخبير الاقتصادي السياسي جود وانيسكي إلى أبعد من ذلك، مجادلاً بأن انهيار سوق الأسهم في أكتوبر -تشرين الأول 1929 كان رداً مباشراً على انهيار معارضة التعريفات الجمركية في الكونغرس، أي أن المتداولين باعوا الأسهم تحسباً للمتاعب التي ستسببها التعريفات للشركات الأمريكية.
من الناحية السياسية، كان لكل هذا عواقب وخيمة. كما ساعد التباطؤ الاقتصادي العالمي في ثلاثينات القرن الماضي على تحفيز صعود النازية. لذلك، ليس من قبيل المصادفة أن يرفض قادة العالم بعد نهاية الحرب القومية الاقتصادية وقد أنشأوا اتفاقية الغات سنة 1947، وفي النهاية منظمة التجارة العالمية لتعزيز التجارة الحرة وخفض التعريفات الجمركية وإنشاء نظام قائم على القواعد لحل النزاعات.

الهرب من الجنون
أضاف ليش أن الأمور ليست بهذا السوء اليوم. مع ذلك، يبقى السؤال: كيف يمكن الهروب من هذا الجنون. كلما طال أمده، ازداد الضرر. يشعر الناس بالخوف، وتتقلص الثقة. كان أهم رصيد لترامب في ولايته الأولى هو قوة الاقتصاد الأمريكي. وهو الآن في طريقه إلى أن يسجل باعتباره فشلاً تاريخياً. لا بد من حدوث شيء ما.
لن يكون تغيير الموقف سهلاً. تشير تعليقات ترامب في الأيام الأخيرة إلى ثباته في إيمانه بأن الرسوم الجمركية هي الحل لمشاكل أمريكا. ويجب عدم التقليل من أهمية الأيديولوجيا. أيد ترامب الرسوم الجمركية لأول مرة في إعلان مدفوع على صفحة كاملة في صحيفة نيويورك تايمز سنة 1987. إنه أحد معتقداته القليلة المتناسقة.

هذا هو المخرج
لكن ربما يكون الإيمان بعقد الصفقات بنفس المقدار من الأهمية بالنسبة إلى ترامب. يجب أن يكون هذا هو المخرج. إنه ليس رجلاً سيعترف أبداً بخطئه. لذلك، من خلال توقيع صفقات تخفض الرسوم الجمركية بشكل متبادل وتزيد من وصول المصدرين الأمريكيين إلى الأسواق، يمكن لترامب أن يُعلن «النصر». صرّح كيفن هاسيت، مدير المجلس الاقتصادي الوطني لترامب، أن أكثر من 50 دولة تواصلت مع البيت الأبيض لبدء المحادثات.
لم يتوقع معظم المراقبين أن يطبق ترامب هذه الرسوم الجمركية. قد يكون عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته ميزة في المفاوضات، مما يجبر دولاً أخرى على فتح أسواقها المغلقة.
البديل، وهو السماح باستمرار هذا الوضع، ليس خياراً وارداً. لذلك، عاجلاً أم آجلاً، سيضطر ترامب إلى التراجع. وختم ليش كاتباً «فلنأمل جميعاً أن تسود العقول الباردة قبل أن يغرق العالم في أزمة اقتصادية من صنعه بشكل أعمق حتى».