الصين والولايات المتحدة:

عواقب بعيدة المدى لفشل حوار أنكوراج...!

عواقب بعيدة المدى لفشل حوار أنكوراج...!

-- تصعيد بين الخصمين يتجاوز مجرد حرب باردة ولعله بداية فترة من الأخطار غير المسبوقة
-- يخطط بايدن لعقد قمة المناخ الشهر المقبل في واشنطن وقد يحضرها الرئيس الصيني
--  وانغ يي: الولايات المتحدة لا تمثل الرأي العــام الدولـي ولا العالـم الغربـي كذلك


   عُقد أول حوار رفيع المستوى بين الصين والولايات المتحدة منذ أن تولى جو بايدن منصبه في 20 يناير في أنكوراج، ألاسكا يوم الخميس، 18 مارس. وانتهى الاجتماع بفشل ذريع، مما سلط الضوء على فجوة تزداد اتساعًا بين القوتين العظميين على هذا الكوكب. انها حلقة دراماتيكية ذات عواقب مستقبلية ما زالت صعبة التحديد، لكنها ربما لا تُحصى.

   بدأ كل شيء بمجرد انطلاق هذه المحادثات، عندما تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أولاً، واتهم الصين بـ “تهديد” “الاستقرار العالمي”ذ: “سنناقش مخاوفنا العميقة بشأن تصرفات الصين في شينجيانغ وهونغ كونغ وتايوان والهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة والإكراه الاقتصادي ضد حلفائنا”، قال رئيس الدبلوماسية الأمريكية أمام الكاميرات بينما نص البروتوكول على التكتم خلال الدقائق القليلة المفتوحة تقليديا للصحافة.
    وأضاف رئيس الدبلوماسية الأمريكية، الذي انتقد الصين أيضًا لافتقارها للشفافية في الأبحاث حول منشأ كوفيد -19، “كل هذه الإجراءات تهدد النظام القائم على القواعد التي تسمح بالحفاظ على الاستقرار العالمي».

    تبع ذلك سيل من الاتهامات العنيفة بشكل لا يصدق من يانغ جيتشي، كبير مسؤولي الدبلوماسية في الحزب الشيوعي الصيني. قال وهو يغمره الغضب: “الولايات المتحدة تستخدم القوة العسكرية والهيمنة المالية لإسكات الدول الأخرى، إنهم يسيئون استخدام ما يسمّى بمفاهيم الأمن القومي لعرقلة التجارة العادية وتحريض دول معينة على مهاجمة الصين».

   استمر مونولوج المسؤول الصيني أكثر من خمس عشرة دقيقة أمام صحافة مذهولة. ثم عمّق وزير الخارجية الصيني وانغ يي المسمار، وندد بالعقوبات الأمريكية الأخيرة التي تم تبنيها لمعاقبة الصين على استيلائها على هونغ كونغ، مشيرا إلى أن تصريحات أنتوني بلينكن تشكل خرقا للبروتوكول الذي تم تبنيه باتفاق متبادل بخصوص هذا اللقاء المباشر. ولاحظ “ليست هذه هي الطريقة التي يستقبل بها الضيوف».     وأشار يانغ جيتشي كذلك إلى أنه حول حقوق الإنسان، أظهرت الولايات المتحدة وجهاً سيئًا مع الأمريكيين السود الذين “قُتلوا”. وأجاب مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع الصين، لكنه أضاف: “سنلتزم دائمًا بمبادئنا لشعبنا ولحلفائنا».

   بالإضافة إلى ذلك، أوضح المسؤول الصيني أن على واشنطن أن تتخلى عن “عقلية الحرب الباردة” وعقلية “المواجهة” الحالية. وقال “الولايات المتحدة لا تمثل الرأي العام الدولي ولا العالم الغربي كذلك».

إلغاء العشاء
   بعد هذا التبادل السريالي الذي استمر أكثر من ساعة، اتهم الوفدان بعضهما البعض بالخروج عن البروتوكول الدبلوماسي المتفق عليه. وصرح الجانب الأمريكي للصحفيين بأن الاتفاق مع بكين يقضي بإلقاء كلمة مدتها دقيقتين. وأوضح مسؤول أمريكي للصحافة المتجمعة في فندق بمدينة أنكوراج حيث وقع هذا اللقاء: “يبدو أن الوفد الصيني وصل بنية متعمدة للتسبب في انفجار بهدف تهويل الموقف، وغالبًا ما تكون العروض الدبلوماسية المبالغ فيها مخصصة للاستخدام المحلي».
   ورغم هذه الحلقة، اتفق الوفدان في وقت لاحق على مواصلة محادثاتهما. وعقدت جلستان مساء الخميس، وثالثة صباح الجمعة، وكلها خلف أبواب مغلقة. وفي إشارة إلى التوتر الشديد بين الوفدين، لم يتم عقد مأدبة عشاء مقررة مساء الخميس.
   وصرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية للصحفيين، بأن الجلسة الأولى سمحت بإجراء مناقشات “هادفة وجادة ومباشرة” استمرت إلى ما بعد الساعتين المقررة أصلا. ونقلت رويترز عن المسؤول قوله “استفدنا من الجلسة حيث خططنا لشرح اهتماماتنا وأولوياتنا وسمعنا نفس الشيء من شركائنا الصينيين».

أبعد حرب باردة بسيطة
   وكانت السلطات الصينية قد قدمت هذا الاجتماع على أنه “حوار استراتيجي”، لكن البيت الأبيض أعلن أنه لم يكن كذلك. بالنسبة للولايات المتحدة، يتعلق الامر بمقابلة لن تليها أخرى إذا لم تؤد إلى “نتائج جوهرية».
   وفي ظل هذه الظروف، هل ان رغبة بكين في أن ترى يومًا ما قمة بين الرئيس شي جين بينغ ونظيره الأمريكي جو بايدن، لا محلّ لها من الاعراب تمامًا؟ ان فرصة للقاء بين الرئيسين قريباً قد تظهر، اذ يخطط بايدن لعقد قمة المناخ الشهر المقبل في واشنطن وربما يحضر شي، وفقًا لمصادر دبلوماسية.     لقد أظهر اجتماع أنكوراج أنّ بكين وواشنطن في الواقع لم تعودا متفقتين على أي شيء. ويبدو أن هذا يشير إلى تصعيد بين الخصمين يتجاوز مجرد حرب باردة، وربما يفتح بداية فترة من الأخطار غير المسبوقة والشكوك والمخاطر بين الصين والولايات المتحدة.
   وكما لو كان بالصدفة، يلتقي رئيس الدبلوماسية الصينية بنظيره الروسي سيركيو لافروف يوم الاثنين 22 مارس في بكين “لتبادل الآراء حول القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك”، في سياق تجدد الحرب الباردة بين الأمريكيين والروس بعد اتهام جو بايدن، فلاديمير بوتين بأنه “قاتل” وتهديده “بدفع الثمن».

-----------------------------
مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.