فايننشال تايمز: أمريكا والصين تسيران نحو فخ من صنعهما
عن التوترات المتصاعدة في العلاقات الأمريكية-الصينية، لفت الكاتب السياسي في صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إدوارد لوس إلى أنه في حال توجه قطاران نحو الاصطدام ببعضهما البعض، يقوم المشغل بوضعهما على مسارين مختلفين. أما في الجغرافيا السياسية فيتأسف لوس لبقاء الأمر متروكاً للسائقين كي يتخذا إجراء تفادي الحادث.
في حالة الولايات المتحدة والصين، يشكك كل جانب في قدرة الآخر على قيادة القطارات. ويوفر التاريخ أملاً ضئيلاً بأن تتمكن القطارات المتوجهة نحو الاصطدام من تفادي ذلك بشكل تلقائي. حين يرتبط الأمر بجو بايدن وشي جينبينغ، أكثر رئيسين بحاجة للقاء بعضهما بشكل مباشر لكنهما لم يفعلا ذلك منذ وصول بايدن إلى المنصب، تبقى إجراءات المراوغة غائبة، خصوصاً بشأن تايوان.
اقترح بايدن استئناف الدولتين شكلاً من أشكال الحوار الاستراتيجي. أي تبادل روتيني لوجهات النظر، حتى مباريات الصراخ، سيكون أفضل من تصعيد اليوم. لكن الصين غير مهتمة. على الولايات المتحدة أولاً وقف ما يسميه السفير الصيني في واشنطن “التضليل (و) الأكاذيب” حيال الشؤون الداخلية لبكين، لا سيما بشأن هونغ كونغ وشينجيانغ. من يستطيع كسر هذا المأزق؟ يتساءل لوس.
وفقاً للعالم السياسي الأمريكي غراهام أليسون ونظريته عن “فخ ثوسيديديس”، إن مهيمناً صاعداً يصطدم عادة بمهيمن آفل. الاستثناء البارز كان تسليم بريطانيا عباءة الزعامة للولايات المتحدة حيث أفلتت الدولتان من الحرب بصعوبة وفي مناسبات عدة. لكن الماضي لا يقدم أي توجيه بشأن كيفية تفادي النزاع بين عملاقين متراجعين وهو توصيف أفضل للولايات المتحدة والصين اليوم حسب تقييم الكاتب.
إن الانحدار النسبي لأمريكا مفهوم جداً لأسباب ليست أقلها الانقسامات السياسية الانشطارية. ولا يزال ينظر إلى الصين على نطاق واسع بأنها على الموعد المحدد للسيطرة على العالم بحلول سنة 2049 التي تصادف الذكرى المئوية الأولى لولادة الثورة الصينية، والتي حددها شي كهدف. لكن ماذا لو كان الإجماع الدولي على صعود الصين قد سبق أن عفا عنه الزمن؟
يرى لوس أن فرص استعادة الصين نسب النمو المرتفعة للعقدين الماضيين تنخفض بسبب ملامح الشيخوخة بشكل رئيسي. علاوة على “فخ الدخل المتوسط” المحتمل في الصين، أضاف شي سياسة صفر كوفيد التي تعرقل النمو الاقتصادي من دون تحسن وبائي بديهي. هنا تأتي تايوان.
أوضح شي أنه يريد حل وضع الجزيرة في عهده مما يعني ضمها إلى السيطرة الصينية خلال السنوات القليلة المقبلة. بما أن شي لا يريد ما يشتت التركيز عن تنصيبه رئيساً لولاية ثالثة خلال المؤتمر الحزبي في أكتوبر (تشرين الأول)، هذا يعني ترجيح أن تكون سنة 2023 سنة ذروة الخطر وفقاً للوس. ولا يستطيع بايدن أن يثق كثيراً بأن الصعوبات التي يواجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا ستردع الصين عن التحرك ضد تايوان.
في الواقع قد تؤدي متاعب بوتين العسكرية إلى تسريع جدول شي الزمني بما أن الولايات المتحدة تستخلص العبر من أوكرانيا لتأمين إمكانات دفاعية أفضل لتايوان. علاوة على ذلك، سيكون شي مطلعاً على الجدول الزمني السياسي الأمريكي.
قد يرى أن التحرك في تايوان يمكن أن يكون أقل خطورة في ولاية بايدن مما هو عليه في ولاية مايك بومبيو أو رون دي سانتيس أو توم كوتون مثلاً. فخطابات بايدن وتصرفاته غير متناسقة دوماً حسب الكاتب. مزق بايدن مراراً ما يسمى الغموض الاستراتيجي عبر إعلان أن الولايات المتحدة ستهب للدفاع عن تايوان قبل أن يقوم موظفو البيت الأبيض بـ”توضيح” ملاحظاته. لكن تصرفات بايدن في أوكرانيا تقترح تحفظاً عميقاً تجاه الصدام العسكري مع روسيا.
سينطبق الحذر نفسه على الأرجح إزاء الصين. الشيء الغائب بشكل صارخ هو أي مبادرة من قبل شي أو بايدن لتغيير السردية.
في خطابه الذي طال انتظاره عن الصين شهر مايو (أيار) الماضي، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن الصين كانت الدولة الوحيدة التي امتلكت “النية” و”القدرة” على تغيير النظام الدولي. ستضيف دول عدة أمريكا إلى هذه اللائحة. تتبع الولايات المتحدة القواعد التي أسستها فقط عندما تلبي غاياتها. في جميع الأحوال، أوضحت أمريكا جيداً تشخيصها الصيني القاتم. بالتالي، تركز الديبلوماسية الأمريكية على الاقتراب من جيران بكين عوضاً عن الدفع باتجاه الحوار. وهذا مسار خطير.
يرى لوس أنه حتى لو كان بلينكن محقاً بشأن نوايا الصين، فإن ذلك يجعل الديبلوماسية أكثر أهمية. إن كلفة سوء التقدير ستكون فتاكة والمخاطر تتصاعد. قد تكون مكالمة بايدن مع شي عبر تطبيق زوم الخميس أمراً مساعداً لكنها لن تكون بديلاً عن الحوار الصيني-الأمريكي الروتيني. ويستهشد لوس بما قاله رئيس الوزراء الأوسترالي السابق كيفن رود عن أن الولايات المتحدة والصين تشبهان “جارين يتلاحمان في ورشة عمل في الفناء الخلفي من دون أحذية ذات نعل مطاطي، والشرر يتطاير في كل مكان... تمر كابلات غير معزولة عبر أرضية خرسانية مبللة. ما الخطأ الذي يمكن أن يحدث؟»