المعركة ضد أوميكرون أولوية مطلقة
في أي حال ستخرج الصين من سياسة صفر كوفيد...؟
• في هذا الحجر الخاضع لمراقبة دقيقة، يجب على الجميع الخضوع بانتظام لاختبارات الكشف في أقرب مركز
• في المتاجر، ينام الموظفون على عين المكان بعد يوم عملهم
• لم تنجح استراتيجية صفر كوفيد هذه في مواجهة وصول متغير أوميكرون في مارس 2022
• في الصين، لا مجال للتعايش مع الفيروس، الخيار الوحيد المعتمد هو سياسة صفر كوفيد
• يثير التباطؤ الاقتصادي في الصين الناجم عن متحوّر أوميكرون مخاوف من حدوث تباطؤ عام في الاقتصاد العالمي
يؤدي إغلاق البلاد إلى استنزاف كل من السكان والاقتصاد: إلى متى وبأي ثمن يمكن أن تحتفظ به الصين؟
في مواجهة جائحة فيروس كورونا الجديد الذي يضرب بلادهم، لا يستطيع القادة الصينيون تخيل إدارة الأزمة بشكل مختلف عما فعلوه طيلة عامين. الهدف، الذي تم تلخيصه في صيغة "صفر كوفيد"، يبقى القضاء تمامًا على متغير أوميكرون هذا. فبالنسبة لبكين، من غير الممكن تقليد الدول الغربية وتنظيم حياة السكان من خلال مضاعفة الاحتياطات على أمل أن يموت الفيروس في النهاية. خمس وأربعون مدينة، والتي تمثل 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين ويبلغ مجموع سكانها ما يقرب من 350 مليون شخص، تخضع حاليًا الى درجات متفاوتة من الإغلاق. ويبدو أن التباطؤ في انتشار الفيروس، بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، جعل من الممكن إعادة اقتصاد شنتشن أو شيان إلى السكة. في المقابل، أدى الحجز الكلي المفروض منذ ما يقرب من شهر في شنغهاي إلى شل مينائها ومصانع السيارات ومراكزها المصرفية وصناعات التكنولوجيا ذات القيمة المضافة.
من جانبها، تشهد بكين ارتفاع الحالات الإيجابية لـ أوميكرون. في 27 أبريل، كشفت الاختبارات عن 113 حالة في شمال شرق العاصمة، في منطقة تشاويانغ، التي يتركز فيها عدد من المكاتب والإدارات. وقال تيان وي، رئيس لجنة بلدية الحزب الشيوعي في بكين، في 25 أبريل، إن "الوضع قاتم"، مضيفاً أن "خطر استمرار الانتقال الخفي كبير". ويشير هذا إلى أنه يمكن اتخاذ تدابير حجر صحي كبيرة في بكين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بالتأكيد، هو كيفية تنظيم الحجر الصحي في العاصمة الصينية. يجب الا يعطي انطباعًا بأن السلطات لم تكن قادرة على إدارة المخاطر المرتبطة بتطورات كوفيد-19 بشكل أفضل من الدول الغربية.
احتواء الوباء
منذ نهاية عام 2019، تراكمت لدى الصين خاصيتان فيما يتعلق بفيروس كورونا. أولاً، من المرجح أن الوباء بدأ على أراضيها، في ووهان، نهاية عام 2019، حتى لو لم تعترف بكين بذلك ومنعت أي تحقيق علمي دولي من العمل بشكل سليم حول هذا الموضوع.
ثانياً، سمحت الاحتياطات المكثفة التي نشرتها السلطات الصحية والسياسية من منع انتشار التلوث بين سكان البلاد بسرعة. منذ عام 2020، كانت هناك تنبيهات، لا شك أنها ناجمة عن المتغيرات التي جاء بها مسافرون من الخارج، سواء كانوا صينيين أم لا. لكن في كل مرة، تم كبح المرض في غضون أسابيع قليلة، على حساب حد أقصى من الحجر الصحي في المدن التي ظهر فيها.
ومع ذلك، فإن استراتيجية "صفر كوفيد" هذه لم تنجح في مواجهة وصول متحوّر أوميكرون في مارس 2022. تم تحديد أكثر من 13 ألف حالة في أبريل. علاوة على ذلك، يبدو أنه تم اكتشاف متغير لهذا المتحوّر في مقاطعة جيانغسو. ولئن ظهر أوميكرون من الناحية الإحصائية أقل فتكًا من الفيروس الأصلي، فإن موجة العدوى التي يسبّبها لا تقل إثارة للقلق.
خاصة أن اللقاح الصيني، كورونا فاك، لا يبدو أنه فعّال في التصدي لهذا المتحوّر ولم يتم تطعيمه الى جميع السكان. إن الفئات العمرية النشطة هي التي تلقته في المقام الأول. وقد يكون هذا خطأ لأن كل شيء يشير إلى أن كبار السن هم أول من يتأثر بأوميكرون. ومع ذلك، فإن 20 بالمائة فقط من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا قد تلقوا ثلاث جرعات من اللقاحات.
مدن مغلقة
في جميع المدن في الصين حيث تم اكتشاف حالات من أوميكرون، تم وضع نفس اللوائح. لا يسمح لأحد بمغادرة شقته. وفي كل مبنى، يتم تخصيص متطوع واحد لجمع وتوزيع الطعام الذي تحتاجه وتطلبه كل شقة.
في أجزاء من شنغهاي، تصل المنتجات في مركبات توصيل بدون طيار. لكن يتم إحضار معظمها عن طريق التوصيل على دراجات نارية. وتم تعزيز عدد هؤلاء الموزعين من قبل العديد من الطلاب الذين أغلقت جامعاتهم. وهم الوحيدون الذين يستطيعون التنقل في المدينة، مثل الشرطة والمسعفين وأعضاء لجان الأحياء. وهذه الأخيرة مسؤولة عن ضمان الانضباط في المباني والمعروفون ببدلاتهم البيضاء التي تغطيهم بالكامل.
ويقود سلوكهم السلطوي بشكل خاص بعض الصينيين إلى مقارنتهم بالحرس الأحمر الذي برز خلال الثورة الثقافية منذ أكثر من خمسين عامًا. وبسخرية، في إشارة إلى البدلة البيضاء، أطلقوا عليهم لقب "الحرس الأبيض".
ومع ذلك، في هذا الحجر الصحي الخاضع للمراقبة عن كثب، يجب على الجميع مغادرة أماكن إقامتهم بانتظام للخضوع لاختبارات الكشف في أقرب مركز. ويتم إرسال المرضى على الفور إلى المستشفيات المكتظة. ومن بينهم، تم إحصاء 17 حالة وفاة رسميًا منذ بداية أبريل، ونقل ما يقرب من 400 ألف شخص مصاب ولكن بدون أعراض إلى مراكز الحجر الصحي.
يقع بعضها على بعد عدة مئات من الكيلومترات من شنغهاي. وغالبًا ما تكون مستودعات شاسعة بدون مرافق حيث يتم تثبيت المرضى على أسرّة موضوعة جنبًا إلى جنب. والغرض من هذا العزل هو وقف انتشار فيروس كورونا. في الصين، لا مجال للتعايش مع الفيروس، الخيار الوحيد المعتمد هو سياسة صفر كوفيد.
خلال الأيام القليلة الماضية، وفي مواجهة حجم هذا الحجر الصحي المعمم والتأخير المتكرر في توصيل بعض المواد الغذائية، عبّر السكان بصوت عالٍ عن غضبهم من نوافذ العديد من المباني. وأيضًا، تم تخفيف بعض القيود: يُسمح لعدة ملايين من سكان شنغهاي الذين يعيشون في أحياء لم يتم الإبلاغ عن أي حالة إصابة بفيروس كورونا فيها طيلة أربعة عشر يومًا بمغادرة منازلهم، شرط ألا يبتعدوا كثيرًا. من جهة اخرى، تحاول السلطات تبرير صرامة الإجراءات المتخذة.
معركة ذات أولوية
في 25 أبريل، قدم ليانغ وانيان، عالم الأوبئة المعروف في الصين، والذي يقود فريقًا من الخبراء في إطار لجنة الصحة الوطنية، أسباب "المقاربة الديناميكية لصفر كوفيد" التي وضعتها الحكومة الصينية قبل عامين. وفي مقابلة مع وكالة أنباء شينخوا، قال إن "جوهر المقاربة الديناميكية لصفر كوفيد هو الكشف المبكر، وتدابير الرد السريع لوقف الانتشار المستمر للفيروس في التجمعات، من أجل حماية صحة الناس وحياتهم بقدر الإمكان".
ثم يشرح ليانج وانيان، أن مصطلح "ديناميكي" يعني أنه رغم استحالة ضمان عدم إصابة أي فرد بفيروس كورونا الجديد على المدى القصير، فإن "الصين قادرة على تحديد واحتواء الوباء بسرعة بمجرد اكتشافه، من أجل منع الفيروس من التسبب في مزيد من الضرر للسكان ".
فمن وجهة نظر القادة الصينيين، المعركة ضد أوميكرون هي أولوية مطلقة، الى درجة أن عواقبها الاقتصادية تحتل المرتبة الثانية مع انها يمكن أن تكون ضخمة. ان العديد من الشركات في شنغهاي متوقفة، والبعض الآخر يعمل بحركة بطيئة. لا تطرد المؤسسات موظفيها من العمل، وبدلاً من ذلك، يتم وضعهم في حالة توقف حتى يتمكنوا من العودة إلى مواقعهم بعد الوباء.
ولكن، هناك أيضًا حوالي 600 شركة سمحت لها الحكومة الصينية بمواصلة العمل. على سبيل المثال، محلات السوبر ماركت كارفور، التي يعرف عدد قليل جدًا من الصينيين، انها علامة تجارية فرنسية. ومثل متاجر كبرى أخرى في شنغهاي وأماكن أخرى، يستجيب الموظفون لطلبات السكان من خلال توصيل اللحوم والخضروات والضروريات الأساسية. وداخل المتاجر، يتم وضع الحشيّات ليلاً، فالموظفون مدعوون للنوم هناك بعد يوم عملهم.
في الشركات الأخرى، التي لا منتجات لديها لتقديمها، يلتزم الموظفون أيضًا بالعيش 24 ساعة في اليوم في مكان العمل حيث يتم إطعامهم على عين المكان، وهكذا يتفادون العدوى. هذا هو الحال في المصانع الأربعة التي يملكها مورد السيارات الفرنسي فاليو بالقرب من شنغهاي والمصرح لها بمواصلة إنتاجها، وكذلك في مصنع تسلا التابع للمجموعة الأمريكية التي يرأسها إيلون ماسك، والتي تصنع في شنغهاي ما يقرب من 2000 سيارة في اليوم.
رد فعل عنيف وصارم
ومع ذلك، يبدو أن العديد من المزودين اضطروا إلى الإغلاق. وهذا يعقّد بشكل كبير الإنتاج الصيني، وليس فقط في مجال السيارات. ففي قطاع الملابس، توجد العديد من مصانع الصباغة والنسيج في منطقة شنغهاي، وينبغي قريبًا تحميل مجموعات خريف 2022 على السفن التي ستنقلها إلى أوروبا، وأي تأخير بسبب إغلاق المقاول الفرعي قد يؤثر على التسليم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ميناء شنغهاي مزدحم بما يقرب من 500 سفينة شحن تنتظر قبالة الساحل عاجزة عن تفريغ أو تحميل بضائعها. ولا يمكن إدارة حركة النقل البحري الهائلة بسبب الحجر المفروض على عمال الرصيف والطيارين وعمال الموانئ، وهذا يعطل الكثير من سلاسل التوريد العالمية.
ويثير التباطؤ الاقتصادي في الصين الناجم عن متحوّر أوميكرون، مخاوف من حدوث تباطؤ عام في الاقتصاد العالمي. في 19 أبريل، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2022 من 4 فاصل 4 بالمائة إلى 3 فاصل 6 بالمائة، موضحًا ان هذه النسبة المئوية للانخفاض تعود الى الحرب في أوكرانيا وسياسة صفر كوفيد في الصين. كما أدى تراكم التأخير في تسليم المنتجات من الصين إلى ارتفاع الأسعار. وكل هذا لن يؤدي إلا إلى زيادة التضخم في الدول الغربية حيث كان يجب أن تصل تلك السلع في النهاية.
بالتأكيد، في 21 أبريل في بكين، أراد المتحدث باسم وزارة التجارة، قاو فنغ، طمأنة الشركات الأجنبية المرتبطة بالصين قائلا: "ستنسق الصين وتحل الصعوبات التي تواجهها الشركات الأجنبية جراء وباء كوفيد-19، وستسهر على أن تكون سلاسل التزويد مستقرة وسلسة للمستوردين والمصدرين ".
وتردّ هذه التصريحات، من بين أشياء أخرى، على مخاوف صناديق الاستثمار الدولية التي باعت منذ مارس الماضي ما يقرب من 17 مليارًا من الاستثمارات التي استثمرتها في الأسهم والسندات الصينية. وربما كان الدافع الأساسي وراء هذا الانسحاب هو موقف الصين، التي ترفض إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا وقد تواجه عقوبات إذا ساعدت عسكريًا في هذا الغزو.
لكن يفسر هروب رأس المال هذا أيضًا بالخوف من أن يؤدي الحجر المتشدد للمدن الصينية الكبرى بسبب أوميكرون إلى حدوث ركود في الصين. ومع ذلك، تظل هذه التحركات المالية نسبية بالنسبة للترابط والاعتماد المتبادل القوي القائم بين الاقتصادات الصينية والأمريكية والأوروبية.
ونتيجة لتداعيات أسلوبها في القضاء على فيروس أوميكرون، هل يمكن للحكومة الصينية أن تخفف موقفها؟ لا شك أن الرئيس شي جين بينغ، يعتبر أنه سيكون من الخطير للغاية الإعلان عن تخلي السلطات الصينية عن سياسة صفر كوفيد، أو حتى مجرد اتخاذ قرار بالتخفيف منها، اذ لن يؤدي هذا فقط إلى فقدان ماء وجه القيادة، ولكن بالإضافة إلى ذلك، سيتعين عليهم تطوير استراتيجية صحية أخرى. تقول الشائعات، مع ذلك، أن عدة اجتماعات للجنة الدائمة، أعلى هيئة في الحزب الشيوعي الصيني، قد عُقدت مؤخرًا في بكين. لم يكن الهدف هو التخلي عن خط الحزم الذي تم اعتماده قبل عامين في مواجهة فيروس كورونا، ولكن في نفس الوقت، العثور على كيفية إحياء مسيرة الاقتصاد الصيني. كل هذا في سياق، حيث الحرب في أوكرانيا تعرقل جزءً من التجارة الدولية الصينية. لكن كالعادة، لم يتم تقديم أي معلومات عن النتائج التي توصل إليها كبار القادة الصينيين خلال اجتماعات القمة هذه.
• في المتاجر، ينام الموظفون على عين المكان بعد يوم عملهم
• لم تنجح استراتيجية صفر كوفيد هذه في مواجهة وصول متغير أوميكرون في مارس 2022
• في الصين، لا مجال للتعايش مع الفيروس، الخيار الوحيد المعتمد هو سياسة صفر كوفيد
• يثير التباطؤ الاقتصادي في الصين الناجم عن متحوّر أوميكرون مخاوف من حدوث تباطؤ عام في الاقتصاد العالمي
يؤدي إغلاق البلاد إلى استنزاف كل من السكان والاقتصاد: إلى متى وبأي ثمن يمكن أن تحتفظ به الصين؟
في مواجهة جائحة فيروس كورونا الجديد الذي يضرب بلادهم، لا يستطيع القادة الصينيون تخيل إدارة الأزمة بشكل مختلف عما فعلوه طيلة عامين. الهدف، الذي تم تلخيصه في صيغة "صفر كوفيد"، يبقى القضاء تمامًا على متغير أوميكرون هذا. فبالنسبة لبكين، من غير الممكن تقليد الدول الغربية وتنظيم حياة السكان من خلال مضاعفة الاحتياطات على أمل أن يموت الفيروس في النهاية. خمس وأربعون مدينة، والتي تمثل 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين ويبلغ مجموع سكانها ما يقرب من 350 مليون شخص، تخضع حاليًا الى درجات متفاوتة من الإغلاق. ويبدو أن التباطؤ في انتشار الفيروس، بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، جعل من الممكن إعادة اقتصاد شنتشن أو شيان إلى السكة. في المقابل، أدى الحجز الكلي المفروض منذ ما يقرب من شهر في شنغهاي إلى شل مينائها ومصانع السيارات ومراكزها المصرفية وصناعات التكنولوجيا ذات القيمة المضافة.
من جانبها، تشهد بكين ارتفاع الحالات الإيجابية لـ أوميكرون. في 27 أبريل، كشفت الاختبارات عن 113 حالة في شمال شرق العاصمة، في منطقة تشاويانغ، التي يتركز فيها عدد من المكاتب والإدارات. وقال تيان وي، رئيس لجنة بلدية الحزب الشيوعي في بكين، في 25 أبريل، إن "الوضع قاتم"، مضيفاً أن "خطر استمرار الانتقال الخفي كبير". ويشير هذا إلى أنه يمكن اتخاذ تدابير حجر صحي كبيرة في بكين.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بالتأكيد، هو كيفية تنظيم الحجر الصحي في العاصمة الصينية. يجب الا يعطي انطباعًا بأن السلطات لم تكن قادرة على إدارة المخاطر المرتبطة بتطورات كوفيد-19 بشكل أفضل من الدول الغربية.
احتواء الوباء
منذ نهاية عام 2019، تراكمت لدى الصين خاصيتان فيما يتعلق بفيروس كورونا. أولاً، من المرجح أن الوباء بدأ على أراضيها، في ووهان، نهاية عام 2019، حتى لو لم تعترف بكين بذلك ومنعت أي تحقيق علمي دولي من العمل بشكل سليم حول هذا الموضوع.
ثانياً، سمحت الاحتياطات المكثفة التي نشرتها السلطات الصحية والسياسية من منع انتشار التلوث بين سكان البلاد بسرعة. منذ عام 2020، كانت هناك تنبيهات، لا شك أنها ناجمة عن المتغيرات التي جاء بها مسافرون من الخارج، سواء كانوا صينيين أم لا. لكن في كل مرة، تم كبح المرض في غضون أسابيع قليلة، على حساب حد أقصى من الحجر الصحي في المدن التي ظهر فيها.
ومع ذلك، فإن استراتيجية "صفر كوفيد" هذه لم تنجح في مواجهة وصول متحوّر أوميكرون في مارس 2022. تم تحديد أكثر من 13 ألف حالة في أبريل. علاوة على ذلك، يبدو أنه تم اكتشاف متغير لهذا المتحوّر في مقاطعة جيانغسو. ولئن ظهر أوميكرون من الناحية الإحصائية أقل فتكًا من الفيروس الأصلي، فإن موجة العدوى التي يسبّبها لا تقل إثارة للقلق.
خاصة أن اللقاح الصيني، كورونا فاك، لا يبدو أنه فعّال في التصدي لهذا المتحوّر ولم يتم تطعيمه الى جميع السكان. إن الفئات العمرية النشطة هي التي تلقته في المقام الأول. وقد يكون هذا خطأ لأن كل شيء يشير إلى أن كبار السن هم أول من يتأثر بأوميكرون. ومع ذلك، فإن 20 بالمائة فقط من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا قد تلقوا ثلاث جرعات من اللقاحات.
مدن مغلقة
في جميع المدن في الصين حيث تم اكتشاف حالات من أوميكرون، تم وضع نفس اللوائح. لا يسمح لأحد بمغادرة شقته. وفي كل مبنى، يتم تخصيص متطوع واحد لجمع وتوزيع الطعام الذي تحتاجه وتطلبه كل شقة.
في أجزاء من شنغهاي، تصل المنتجات في مركبات توصيل بدون طيار. لكن يتم إحضار معظمها عن طريق التوصيل على دراجات نارية. وتم تعزيز عدد هؤلاء الموزعين من قبل العديد من الطلاب الذين أغلقت جامعاتهم. وهم الوحيدون الذين يستطيعون التنقل في المدينة، مثل الشرطة والمسعفين وأعضاء لجان الأحياء. وهذه الأخيرة مسؤولة عن ضمان الانضباط في المباني والمعروفون ببدلاتهم البيضاء التي تغطيهم بالكامل.
ويقود سلوكهم السلطوي بشكل خاص بعض الصينيين إلى مقارنتهم بالحرس الأحمر الذي برز خلال الثورة الثقافية منذ أكثر من خمسين عامًا. وبسخرية، في إشارة إلى البدلة البيضاء، أطلقوا عليهم لقب "الحرس الأبيض".
ومع ذلك، في هذا الحجر الصحي الخاضع للمراقبة عن كثب، يجب على الجميع مغادرة أماكن إقامتهم بانتظام للخضوع لاختبارات الكشف في أقرب مركز. ويتم إرسال المرضى على الفور إلى المستشفيات المكتظة. ومن بينهم، تم إحصاء 17 حالة وفاة رسميًا منذ بداية أبريل، ونقل ما يقرب من 400 ألف شخص مصاب ولكن بدون أعراض إلى مراكز الحجر الصحي.
يقع بعضها على بعد عدة مئات من الكيلومترات من شنغهاي. وغالبًا ما تكون مستودعات شاسعة بدون مرافق حيث يتم تثبيت المرضى على أسرّة موضوعة جنبًا إلى جنب. والغرض من هذا العزل هو وقف انتشار فيروس كورونا. في الصين، لا مجال للتعايش مع الفيروس، الخيار الوحيد المعتمد هو سياسة صفر كوفيد.
خلال الأيام القليلة الماضية، وفي مواجهة حجم هذا الحجر الصحي المعمم والتأخير المتكرر في توصيل بعض المواد الغذائية، عبّر السكان بصوت عالٍ عن غضبهم من نوافذ العديد من المباني. وأيضًا، تم تخفيف بعض القيود: يُسمح لعدة ملايين من سكان شنغهاي الذين يعيشون في أحياء لم يتم الإبلاغ عن أي حالة إصابة بفيروس كورونا فيها طيلة أربعة عشر يومًا بمغادرة منازلهم، شرط ألا يبتعدوا كثيرًا. من جهة اخرى، تحاول السلطات تبرير صرامة الإجراءات المتخذة.
معركة ذات أولوية
في 25 أبريل، قدم ليانغ وانيان، عالم الأوبئة المعروف في الصين، والذي يقود فريقًا من الخبراء في إطار لجنة الصحة الوطنية، أسباب "المقاربة الديناميكية لصفر كوفيد" التي وضعتها الحكومة الصينية قبل عامين. وفي مقابلة مع وكالة أنباء شينخوا، قال إن "جوهر المقاربة الديناميكية لصفر كوفيد هو الكشف المبكر، وتدابير الرد السريع لوقف الانتشار المستمر للفيروس في التجمعات، من أجل حماية صحة الناس وحياتهم بقدر الإمكان".
ثم يشرح ليانج وانيان، أن مصطلح "ديناميكي" يعني أنه رغم استحالة ضمان عدم إصابة أي فرد بفيروس كورونا الجديد على المدى القصير، فإن "الصين قادرة على تحديد واحتواء الوباء بسرعة بمجرد اكتشافه، من أجل منع الفيروس من التسبب في مزيد من الضرر للسكان ".
فمن وجهة نظر القادة الصينيين، المعركة ضد أوميكرون هي أولوية مطلقة، الى درجة أن عواقبها الاقتصادية تحتل المرتبة الثانية مع انها يمكن أن تكون ضخمة. ان العديد من الشركات في شنغهاي متوقفة، والبعض الآخر يعمل بحركة بطيئة. لا تطرد المؤسسات موظفيها من العمل، وبدلاً من ذلك، يتم وضعهم في حالة توقف حتى يتمكنوا من العودة إلى مواقعهم بعد الوباء.
ولكن، هناك أيضًا حوالي 600 شركة سمحت لها الحكومة الصينية بمواصلة العمل. على سبيل المثال، محلات السوبر ماركت كارفور، التي يعرف عدد قليل جدًا من الصينيين، انها علامة تجارية فرنسية. ومثل متاجر كبرى أخرى في شنغهاي وأماكن أخرى، يستجيب الموظفون لطلبات السكان من خلال توصيل اللحوم والخضروات والضروريات الأساسية. وداخل المتاجر، يتم وضع الحشيّات ليلاً، فالموظفون مدعوون للنوم هناك بعد يوم عملهم.
في الشركات الأخرى، التي لا منتجات لديها لتقديمها، يلتزم الموظفون أيضًا بالعيش 24 ساعة في اليوم في مكان العمل حيث يتم إطعامهم على عين المكان، وهكذا يتفادون العدوى. هذا هو الحال في المصانع الأربعة التي يملكها مورد السيارات الفرنسي فاليو بالقرب من شنغهاي والمصرح لها بمواصلة إنتاجها، وكذلك في مصنع تسلا التابع للمجموعة الأمريكية التي يرأسها إيلون ماسك، والتي تصنع في شنغهاي ما يقرب من 2000 سيارة في اليوم.
رد فعل عنيف وصارم
ومع ذلك، يبدو أن العديد من المزودين اضطروا إلى الإغلاق. وهذا يعقّد بشكل كبير الإنتاج الصيني، وليس فقط في مجال السيارات. ففي قطاع الملابس، توجد العديد من مصانع الصباغة والنسيج في منطقة شنغهاي، وينبغي قريبًا تحميل مجموعات خريف 2022 على السفن التي ستنقلها إلى أوروبا، وأي تأخير بسبب إغلاق المقاول الفرعي قد يؤثر على التسليم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ميناء شنغهاي مزدحم بما يقرب من 500 سفينة شحن تنتظر قبالة الساحل عاجزة عن تفريغ أو تحميل بضائعها. ولا يمكن إدارة حركة النقل البحري الهائلة بسبب الحجر المفروض على عمال الرصيف والطيارين وعمال الموانئ، وهذا يعطل الكثير من سلاسل التوريد العالمية.
ويثير التباطؤ الاقتصادي في الصين الناجم عن متحوّر أوميكرون، مخاوف من حدوث تباطؤ عام في الاقتصاد العالمي. في 19 أبريل، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2022 من 4 فاصل 4 بالمائة إلى 3 فاصل 6 بالمائة، موضحًا ان هذه النسبة المئوية للانخفاض تعود الى الحرب في أوكرانيا وسياسة صفر كوفيد في الصين. كما أدى تراكم التأخير في تسليم المنتجات من الصين إلى ارتفاع الأسعار. وكل هذا لن يؤدي إلا إلى زيادة التضخم في الدول الغربية حيث كان يجب أن تصل تلك السلع في النهاية.
بالتأكيد، في 21 أبريل في بكين، أراد المتحدث باسم وزارة التجارة، قاو فنغ، طمأنة الشركات الأجنبية المرتبطة بالصين قائلا: "ستنسق الصين وتحل الصعوبات التي تواجهها الشركات الأجنبية جراء وباء كوفيد-19، وستسهر على أن تكون سلاسل التزويد مستقرة وسلسة للمستوردين والمصدرين ".
وتردّ هذه التصريحات، من بين أشياء أخرى، على مخاوف صناديق الاستثمار الدولية التي باعت منذ مارس الماضي ما يقرب من 17 مليارًا من الاستثمارات التي استثمرتها في الأسهم والسندات الصينية. وربما كان الدافع الأساسي وراء هذا الانسحاب هو موقف الصين، التي ترفض إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا وقد تواجه عقوبات إذا ساعدت عسكريًا في هذا الغزو.
لكن يفسر هروب رأس المال هذا أيضًا بالخوف من أن يؤدي الحجر المتشدد للمدن الصينية الكبرى بسبب أوميكرون إلى حدوث ركود في الصين. ومع ذلك، تظل هذه التحركات المالية نسبية بالنسبة للترابط والاعتماد المتبادل القوي القائم بين الاقتصادات الصينية والأمريكية والأوروبية.
ونتيجة لتداعيات أسلوبها في القضاء على فيروس أوميكرون، هل يمكن للحكومة الصينية أن تخفف موقفها؟ لا شك أن الرئيس شي جين بينغ، يعتبر أنه سيكون من الخطير للغاية الإعلان عن تخلي السلطات الصينية عن سياسة صفر كوفيد، أو حتى مجرد اتخاذ قرار بالتخفيف منها، اذ لن يؤدي هذا فقط إلى فقدان ماء وجه القيادة، ولكن بالإضافة إلى ذلك، سيتعين عليهم تطوير استراتيجية صحية أخرى. تقول الشائعات، مع ذلك، أن عدة اجتماعات للجنة الدائمة، أعلى هيئة في الحزب الشيوعي الصيني، قد عُقدت مؤخرًا في بكين. لم يكن الهدف هو التخلي عن خط الحزم الذي تم اعتماده قبل عامين في مواجهة فيروس كورونا، ولكن في نفس الوقت، العثور على كيفية إحياء مسيرة الاقتصاد الصيني. كل هذا في سياق، حيث الحرب في أوكرانيا تعرقل جزءً من التجارة الدولية الصينية. لكن كالعادة، لم يتم تقديم أي معلومات عن النتائج التي توصل إليها كبار القادة الصينيين خلال اجتماعات القمة هذه.