رئيس الدولة ورئيس فيجي يؤكدان أهمية العمل من أجل السلام والاستقرار العالمي
الحروب اليوغوسلافية لم يتم هضمها أبدًا:
في صربيا، المشاعر المؤيدة لروسيا عميقة...!
• ما فعله الناتو في صربيا، فعله لأننا لا نملك أسلحة نووية... مثل بوتين
• الحنين إلى يوغوسلافيا تيتو ليس حكرا على الصرب، بل يتقاسمه معظم اليوغوسلافيين السابقين
• من المفارقات: صربيا بحاجة إلى أوروبا بقدر ما تشعر أنها قريبة من روسيا
• سيكون شمال كوسوفو، حيث لا يزال الصرب يشكلون الأغلبية، دونباس صربيا
• قلب المشاعر الموالية لروسيا ينبض بين الهوليغانس الذراع المسلح للقومية
معارضة الناتو، الحروب اليوغوسلافية التي لم يتم هضمها أبدًا، والأخوّة السلافية والأرثوذكسية ... صربيا لا تتفهّم روسيا فقط، بل تجد نفسها فيها.تروي الرسوم الجدارية للمدينة القصة الكبرى على الأقل في نسختها الصربية. 1389، 1813، 1999 ... تواريخ كثيرة محفورة على الواجهات، الخسائر بشكل رئيسي. ما تحلم به صربيا على الجدران هو كابوسها: الإمبراطورية العثمانية التي احتلتها لقرون بجانب قصف بلغراد من قبل الناتو عام 1999. بالنسبة للممثلين في هذه السردية الوطنية، فإن الدور بالضرورة هو دور الشهيد.
وجوه مرسومة باللونين الأبيض والأسود تختلط دون تماسك: هوليغانس قتلوا خلال مباراة انتهت بفوضى ومواجهات، مجرمو حرب حُكم عليهم أمام محكمة لاهاي، وأبطال من العصور الوسطى شبه أسطوريين ... لم تعد الأيقونات اليوم في الكنيسة ولكن مرسومة على واجهات المباني بالكامل.
اختار الاستياء مربعًا مثاليًا تقريبًا، بألوان صربية: كوسوفو. كانت آخر دولة من يوغوسلافيا السابقة تحصل على استقلالها، عام 2008. ويبقى انفصالها الأشد ايلاما بالنسبة للكثير من الصرب. في بلغراد، تتباعد الشوارع والقرون وتختلف، لكن المعنى واحد في النهاية: صربيا لا تنسى، وبدرجة أقل لا تسامح.
ذاكرة متشابكة
لا يزال الماضي يخيم على صربيا. ولفهم ذلك حقًا، يجب الذهاب إلى مرتفعات بلغراد، إلى ضريح الرجل الذي حكم يوغوسلافيا من عام 1945 إلى عام 1980: تيتو. يحرس جوفان المبنى، رجل عجوز منحني الظهر، نظراته منهكة. أكثر من عشرين عامًا وهو يجر خطواته في نفس الممرات، حيث يستدير كل يوم حول قبر تيتو. يبدو أن جوفان أصبح هو نفسه مجرد ذكرى أخرى، وبكلماته وشخصه خاصة يروي كيف أن الحنين يسبق المرارة.
هذا الحنين إلى يوغوسلافيا تيتو ليس من اختصاص الصرب وحدهم، بل يتقاسمه معظم اليوغوسلافيين السابقين. بالنسبة لهم، يتميز تيتو بعدة طرق: فقد حرر يوغوسلافيا من الغزاة النازيين. شيوعيًا، إلا أنه نجا من نير موسكو؛ وإذا كان حكمه فرديا حتى وفاته، فقد سمح بازدهار اقتصادي وعدم الانحياز. لقد كان تيتو خصوصا السلام. بعد عشر سنوات من وفاته، غرقت يوغوسلافيا في صراع... إخوة الأمس -الصرب، البوسنيون، الكروات، الألبان ... -ذبحوا بعضهم البعض.
دعونا نفهم بإيجاز هذا الصراع المعقد. كان الصرب في يوغوسلافيا مثل الروس في الاتحاد السوفياتي: أكثر عددًا وأكثر قوة. في 25 يونيو 1991، أعلنت كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما ورفضت صربيا أن تفقد قبضتها.
منذ ما يقرب من عقد من الزمان، حتى قصف الناتو بلغراد، عانت صربيا وتسببت في معاناة شديدة. واليوم لا تتذكر صربيا سوى معاناتها وقليلًا مما سببته: تفضل الحكومة الصربية مصطلح "مذبحة" على مصطلح "إبادة جماعية" بسبب انتهاكاتها في البوسنة.
ومثل العديد من الصرب، لا يذهب يوفان إلى نهاية هذا الماضي ويتجاهل جوانبه المظلمة. إنه يفضل الحديث عن احداث اليوم –الا إذا سمحت الحرب في أوكرانيا باستحضار عن هذا الماضي الذي يرفض الحديث عنه ... إنه يدافع عن الروس ويريد أن يشرح السبب. يخرج محفظته ويفتحها بفخر: فوق بطاقته المصرفية، تتربّع صورة لبوتين، أيقونة أرثوذكسية. زميلته، الأصغر منه بكثير، تترجم وتخفف خطابه: "قصفتنا فرنسا والغرب، ووضعونا تحت الحظر". موجة مستمرة حيث من المستحيل معرفة ما إذا كان يتحدث عن صربيا عام 1999 أو روسيا اليوم. "حتى منزل تيتو، قصفه الناتو! فعلوا ذلك عن قصد! فقط روسيا ساعدتنا وحمتنا ... لقد سبق ان حررنا الروس من العثمانيين، إنهم إخواننا ". لم يعد يدمج القرون فقط بل روسيا وصربيا.
ولكن، مثل شوارع بلغراد من قبل، كل شيء ينتهي بالتقارب والتلاقي: يريد الغرب القضاء على الحضارة السلافية والأرثوذكسية التي كان بوتين سيصبح الوصي عليها. عام 2015، استخدم بوتين حق النقض ضد مشروع قرار الأمم المتحدة الذي وصف مذبحة سريبرينيتشا في البوسنة (1999) بأنها "إبادة جماعية" من قبل القوميين الصرب. والفيتو الروسي أيضًا على الاعتراف الرسمي باستقلال كوسوفو الذي لم تتنازل عنها صربيا. في خطاب جوفان، دائمًا الماضي هو الذي يدوّي. "ومع ذلك، لديكم جسر ألكسندر الثالث في باريس ..."، خلص وهو يتنهد. وسط رفات تيتو، يبدو أن يوفان قد ضل طريقه بين صربيا وروسيا إلى الأبد: كان الإسكندر الثالث قيصرًا روسيًا.
الهوليغانس، الذراع المسلح للقومية
جوفان ليس الوحيد هنا الذي يحمل هذا الرأي. في شوارع بلغراد، من الشائع رؤية صورة بوتين وحرف Z الذي أصبح رمزًا لمؤيدي روسيا في العالم. حتى أن المتظاهرين رفعوا العلم الروسي أمام البرلمان دون رد فعل من الشرطة.
خلال الانتخابات الرئاسية الصربية في 3 أبريل 2022، لم تختلف السلطة والمعارضة حول موالاة صربيا لروسيا -على عكس المجر المجاورة حيث كان النقاش حادا وكبيرًا. عند إعادة انتخابه، وعد الرئيس ألكسندر فوتشيتش بعدم معاقبة روسيا. ومع ذلك، فقد أدان فوتشيتش الغزو الروسي لأوكرانيا في 3 مارس في الأمم المتحدة.
مفارقة صربيا: إنها بحاجة إلى أوروبا بقدر ما تشعر أنها قريبة من روسيا. ووفق استطلاع أجراه معهد الشؤون الأوروبية عام 2021، قال 83 بالمائة من سكان صربيا، إن روسيا "صديقة". في نفس العام، أظهر استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنه بينما يرى 57 بالمائة من الصرب الاتحاد الأوروبي "شريكًا ضروريًا"، اعتبر 11 بالمائة منهم فقط أنه حليف.
قلب هذه المشاعر الموالية لروسيا ينبض بين الهوليغانس (المشاغبون). نجدهم في حانهم الخاص، مباشرة تحت ملعب بارتيزان. بعد منافسيهم من النجم الاحمر، يشكل مشجعو بارتيزان ثاني أكبر مجموعة من الهوليغانس في البلاد. يلقبون بغروباري -حفاري القبور، باللغة الصربية. حانهم هو أيضًا ميدان رماية. يشربون هناك كما يطلقون النار كثيرًا. لكن عندما يدخل صحفي، تتوقف الطلقات وتصمت الأفواه. "الصحافة الغربية" غير مرحب بها. أخيرًا مشاغب سابق، "س"، سينتهي بكسر هذا الصمت.
التقينا "س" في المطعم الذي افتتحه للتو وسط بلغراد. هو في الثلاثينات من عمره، يرتدي قميصا ويتحدث الإنجليزية باللهجة البريطانية. "لدي صديقة وعشت في لندن"، يقول ليثبت بشكل قاطع أنه لا تشوبه شائبة. يروي كيف، حتى قبل ولادته، كان الهوليغانس في مفترق طرق بين عالم الجريمة والسياسة. بدأت المخابرات اليوغوسلافية في توظيفهم في السبعينات للقيام بأعمالها القذرة.
خلال الحرب، شكل الهوليغانس ميليشيات شبه عسكرية ارتكبت انتهاكات متعددة –الى درجة أن العديد من قادتهم أدينوا بارتكاب جرائم حرب في لاهاي. ومنذئذ، ظل المشاغبون اليد المسلحة للقومية والقوة الخفية للحكومة.
يرافقهم التاريخ أكثر من الصرب الآخرين: في بلد فُرض فيه السلام، كانت كرة القدم هي الحرب الأخيرة التي ما زالت مصرح بها، والمباريات معارك كثيرة خُسرت تتطلب الثأر والانتقام. لكن ما أثار اشمئزاز، س، من نزعة الهوليغانس، ليست السياسة: "لقد توقفت بسبب المخدرات المتداولة، بسبب الشباب أيضا الذين لم يعودوا يحترمون أي شيء، ويحملون سكاكين فوقهم. لقد أصبح الامر خطيرا للغاية. أريد فقط أن أفتح مطعمًا مع والديّ الآن. والدي طبخ لذاك الرئيس الفرنسي الذي أحب الصرب. يقطع "س" ويسأل والده الذي بقي في المطبخ عن الاسم... "ميتران!" يصرخ الأب من امام موقده.
لننسى الشياطين، ونفضل المستقبل؟
ظل "س" قريبًا سياسيًا من رفاقه السابقين. ومثل يوفان في ضريح تيتو، فهو يربط بين الحرب في أوكرانيا وخسارة كوسوفو. "ذاك هو المكان الذي ولدت فيه صربيا، ولا يزال لدينا الكثير من الكنائس هناك، والأماكن المقدسة". الكنائس، ولكن قلة من الرجال.
تتشكل كوسوفو اليوم من 5 بالمائة من الصرب مقابل 92 بالمائة من الألبان المسلمين "الصرب ممثلون تمثيلاً منقوصًا في التعداد السكاني لأنهم يقاطعونه". وشمال كوسوفو -حيث لا يزال الصرب يشكلون الأغلبية -سيكون دونباس صربيا، وهي أرض مفقودة وسجينة دولة أجنبية يدعمها الغرب.
ما ينبثق عن تصريحات "س" هو معارضة للناتو أقل من كونه دعما لروسيا. "ما فعله الناتو في صربيا، فعله لأننا لا نملك أسلحة نووية... ليس مثل بوتين ". أصبحت أوكرانيا انتقام العالم الأرثوذكسي السلافي من الغرب، ولا يهم أن الأوكرانيين أنفسهم سلافيون وأرثوذكس: "إنهم دمى للأمريكيين"، يخلي بهدوء "س". أخيرًا، تجد صربيا في روسيا مفارقتها الوجودية: أن تكون جلادًا يعني في الواقع أن تكون ضحية. المجازر التي سمحت بها صربيا، ارتكبتها لأنها كانت متأكدة حينها من ان مجازر أخرى ارتُكبت. لقد وسّخت يديها، لفترة طويلة جدًا، بإقناع نفسها أنه لم يكن لديها خيار آخر.
لم تنغلق صربيا على ماضيها فحسب: بلغراد هي قلب حياة ليلية صاخبة منذ عدة سنوات -الى درجة أن بعض الناس يسمونها اليوم "برلين البلقان". يريد جزء كبير من الصرب الشباب أن ينسوا الشياطين، وإلاّ، على الأقل، يركزون على المستقبل. ومع ذلك "س" متشائم: "شباب الريف يأتون إلى بلغراد وشباب بلغراد يسافرون إلى الخارج".
هذا دون الأخذ بعين الاعتبار التوتر المتجدد مع كوسوفو منذ وصول الأسلحة الصينية إلى صربيا في 11 أبريل 2022. إدانات فورية من بروكسل وواشنطن حيث يرون انه ليس من حق صربيا استخدام معدات عسكرية صينية. في بلد لا يزال يطبعه قصف الناتو لبلغراد، محتوى الشحنة رمزيًا بشكل خاص: عدة بطاريات دفاعية مضادة للطائرات أرض -جو.
ومع ذلك، ربما يكون المستقبل هو الأكثر إثارة للقلق في مكان آخر. أسفل التل الذي يسيطر عليه ضريح تيتو يوجد ملعب ريد ستار، أول نادٍ في صربيا. يبيع متجر النادي، من بين أشياء أخرى، قمصان كوسوفو المتدفقة بألوان صربيا. S أو XXL ... جميع المقاسات... لكن مقاس الاطفال بشكل خاص.
• الحنين إلى يوغوسلافيا تيتو ليس حكرا على الصرب، بل يتقاسمه معظم اليوغوسلافيين السابقين
• من المفارقات: صربيا بحاجة إلى أوروبا بقدر ما تشعر أنها قريبة من روسيا
• سيكون شمال كوسوفو، حيث لا يزال الصرب يشكلون الأغلبية، دونباس صربيا
• قلب المشاعر الموالية لروسيا ينبض بين الهوليغانس الذراع المسلح للقومية
معارضة الناتو، الحروب اليوغوسلافية التي لم يتم هضمها أبدًا، والأخوّة السلافية والأرثوذكسية ... صربيا لا تتفهّم روسيا فقط، بل تجد نفسها فيها.تروي الرسوم الجدارية للمدينة القصة الكبرى على الأقل في نسختها الصربية. 1389، 1813، 1999 ... تواريخ كثيرة محفورة على الواجهات، الخسائر بشكل رئيسي. ما تحلم به صربيا على الجدران هو كابوسها: الإمبراطورية العثمانية التي احتلتها لقرون بجانب قصف بلغراد من قبل الناتو عام 1999. بالنسبة للممثلين في هذه السردية الوطنية، فإن الدور بالضرورة هو دور الشهيد.
وجوه مرسومة باللونين الأبيض والأسود تختلط دون تماسك: هوليغانس قتلوا خلال مباراة انتهت بفوضى ومواجهات، مجرمو حرب حُكم عليهم أمام محكمة لاهاي، وأبطال من العصور الوسطى شبه أسطوريين ... لم تعد الأيقونات اليوم في الكنيسة ولكن مرسومة على واجهات المباني بالكامل.
اختار الاستياء مربعًا مثاليًا تقريبًا، بألوان صربية: كوسوفو. كانت آخر دولة من يوغوسلافيا السابقة تحصل على استقلالها، عام 2008. ويبقى انفصالها الأشد ايلاما بالنسبة للكثير من الصرب. في بلغراد، تتباعد الشوارع والقرون وتختلف، لكن المعنى واحد في النهاية: صربيا لا تنسى، وبدرجة أقل لا تسامح.
ذاكرة متشابكة
لا يزال الماضي يخيم على صربيا. ولفهم ذلك حقًا، يجب الذهاب إلى مرتفعات بلغراد، إلى ضريح الرجل الذي حكم يوغوسلافيا من عام 1945 إلى عام 1980: تيتو. يحرس جوفان المبنى، رجل عجوز منحني الظهر، نظراته منهكة. أكثر من عشرين عامًا وهو يجر خطواته في نفس الممرات، حيث يستدير كل يوم حول قبر تيتو. يبدو أن جوفان أصبح هو نفسه مجرد ذكرى أخرى، وبكلماته وشخصه خاصة يروي كيف أن الحنين يسبق المرارة.
هذا الحنين إلى يوغوسلافيا تيتو ليس من اختصاص الصرب وحدهم، بل يتقاسمه معظم اليوغوسلافيين السابقين. بالنسبة لهم، يتميز تيتو بعدة طرق: فقد حرر يوغوسلافيا من الغزاة النازيين. شيوعيًا، إلا أنه نجا من نير موسكو؛ وإذا كان حكمه فرديا حتى وفاته، فقد سمح بازدهار اقتصادي وعدم الانحياز. لقد كان تيتو خصوصا السلام. بعد عشر سنوات من وفاته، غرقت يوغوسلافيا في صراع... إخوة الأمس -الصرب، البوسنيون، الكروات، الألبان ... -ذبحوا بعضهم البعض.
دعونا نفهم بإيجاز هذا الصراع المعقد. كان الصرب في يوغوسلافيا مثل الروس في الاتحاد السوفياتي: أكثر عددًا وأكثر قوة. في 25 يونيو 1991، أعلنت كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما ورفضت صربيا أن تفقد قبضتها.
منذ ما يقرب من عقد من الزمان، حتى قصف الناتو بلغراد، عانت صربيا وتسببت في معاناة شديدة. واليوم لا تتذكر صربيا سوى معاناتها وقليلًا مما سببته: تفضل الحكومة الصربية مصطلح "مذبحة" على مصطلح "إبادة جماعية" بسبب انتهاكاتها في البوسنة.
ومثل العديد من الصرب، لا يذهب يوفان إلى نهاية هذا الماضي ويتجاهل جوانبه المظلمة. إنه يفضل الحديث عن احداث اليوم –الا إذا سمحت الحرب في أوكرانيا باستحضار عن هذا الماضي الذي يرفض الحديث عنه ... إنه يدافع عن الروس ويريد أن يشرح السبب. يخرج محفظته ويفتحها بفخر: فوق بطاقته المصرفية، تتربّع صورة لبوتين، أيقونة أرثوذكسية. زميلته، الأصغر منه بكثير، تترجم وتخفف خطابه: "قصفتنا فرنسا والغرب، ووضعونا تحت الحظر". موجة مستمرة حيث من المستحيل معرفة ما إذا كان يتحدث عن صربيا عام 1999 أو روسيا اليوم. "حتى منزل تيتو، قصفه الناتو! فعلوا ذلك عن قصد! فقط روسيا ساعدتنا وحمتنا ... لقد سبق ان حررنا الروس من العثمانيين، إنهم إخواننا ". لم يعد يدمج القرون فقط بل روسيا وصربيا.
ولكن، مثل شوارع بلغراد من قبل، كل شيء ينتهي بالتقارب والتلاقي: يريد الغرب القضاء على الحضارة السلافية والأرثوذكسية التي كان بوتين سيصبح الوصي عليها. عام 2015، استخدم بوتين حق النقض ضد مشروع قرار الأمم المتحدة الذي وصف مذبحة سريبرينيتشا في البوسنة (1999) بأنها "إبادة جماعية" من قبل القوميين الصرب. والفيتو الروسي أيضًا على الاعتراف الرسمي باستقلال كوسوفو الذي لم تتنازل عنها صربيا. في خطاب جوفان، دائمًا الماضي هو الذي يدوّي. "ومع ذلك، لديكم جسر ألكسندر الثالث في باريس ..."، خلص وهو يتنهد. وسط رفات تيتو، يبدو أن يوفان قد ضل طريقه بين صربيا وروسيا إلى الأبد: كان الإسكندر الثالث قيصرًا روسيًا.
الهوليغانس، الذراع المسلح للقومية
جوفان ليس الوحيد هنا الذي يحمل هذا الرأي. في شوارع بلغراد، من الشائع رؤية صورة بوتين وحرف Z الذي أصبح رمزًا لمؤيدي روسيا في العالم. حتى أن المتظاهرين رفعوا العلم الروسي أمام البرلمان دون رد فعل من الشرطة.
خلال الانتخابات الرئاسية الصربية في 3 أبريل 2022، لم تختلف السلطة والمعارضة حول موالاة صربيا لروسيا -على عكس المجر المجاورة حيث كان النقاش حادا وكبيرًا. عند إعادة انتخابه، وعد الرئيس ألكسندر فوتشيتش بعدم معاقبة روسيا. ومع ذلك، فقد أدان فوتشيتش الغزو الروسي لأوكرانيا في 3 مارس في الأمم المتحدة.
مفارقة صربيا: إنها بحاجة إلى أوروبا بقدر ما تشعر أنها قريبة من روسيا. ووفق استطلاع أجراه معهد الشؤون الأوروبية عام 2021، قال 83 بالمائة من سكان صربيا، إن روسيا "صديقة". في نفس العام، أظهر استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنه بينما يرى 57 بالمائة من الصرب الاتحاد الأوروبي "شريكًا ضروريًا"، اعتبر 11 بالمائة منهم فقط أنه حليف.
قلب هذه المشاعر الموالية لروسيا ينبض بين الهوليغانس (المشاغبون). نجدهم في حانهم الخاص، مباشرة تحت ملعب بارتيزان. بعد منافسيهم من النجم الاحمر، يشكل مشجعو بارتيزان ثاني أكبر مجموعة من الهوليغانس في البلاد. يلقبون بغروباري -حفاري القبور، باللغة الصربية. حانهم هو أيضًا ميدان رماية. يشربون هناك كما يطلقون النار كثيرًا. لكن عندما يدخل صحفي، تتوقف الطلقات وتصمت الأفواه. "الصحافة الغربية" غير مرحب بها. أخيرًا مشاغب سابق، "س"، سينتهي بكسر هذا الصمت.
التقينا "س" في المطعم الذي افتتحه للتو وسط بلغراد. هو في الثلاثينات من عمره، يرتدي قميصا ويتحدث الإنجليزية باللهجة البريطانية. "لدي صديقة وعشت في لندن"، يقول ليثبت بشكل قاطع أنه لا تشوبه شائبة. يروي كيف، حتى قبل ولادته، كان الهوليغانس في مفترق طرق بين عالم الجريمة والسياسة. بدأت المخابرات اليوغوسلافية في توظيفهم في السبعينات للقيام بأعمالها القذرة.
خلال الحرب، شكل الهوليغانس ميليشيات شبه عسكرية ارتكبت انتهاكات متعددة –الى درجة أن العديد من قادتهم أدينوا بارتكاب جرائم حرب في لاهاي. ومنذئذ، ظل المشاغبون اليد المسلحة للقومية والقوة الخفية للحكومة.
يرافقهم التاريخ أكثر من الصرب الآخرين: في بلد فُرض فيه السلام، كانت كرة القدم هي الحرب الأخيرة التي ما زالت مصرح بها، والمباريات معارك كثيرة خُسرت تتطلب الثأر والانتقام. لكن ما أثار اشمئزاز، س، من نزعة الهوليغانس، ليست السياسة: "لقد توقفت بسبب المخدرات المتداولة، بسبب الشباب أيضا الذين لم يعودوا يحترمون أي شيء، ويحملون سكاكين فوقهم. لقد أصبح الامر خطيرا للغاية. أريد فقط أن أفتح مطعمًا مع والديّ الآن. والدي طبخ لذاك الرئيس الفرنسي الذي أحب الصرب. يقطع "س" ويسأل والده الذي بقي في المطبخ عن الاسم... "ميتران!" يصرخ الأب من امام موقده.
لننسى الشياطين، ونفضل المستقبل؟
ظل "س" قريبًا سياسيًا من رفاقه السابقين. ومثل يوفان في ضريح تيتو، فهو يربط بين الحرب في أوكرانيا وخسارة كوسوفو. "ذاك هو المكان الذي ولدت فيه صربيا، ولا يزال لدينا الكثير من الكنائس هناك، والأماكن المقدسة". الكنائس، ولكن قلة من الرجال.
تتشكل كوسوفو اليوم من 5 بالمائة من الصرب مقابل 92 بالمائة من الألبان المسلمين "الصرب ممثلون تمثيلاً منقوصًا في التعداد السكاني لأنهم يقاطعونه". وشمال كوسوفو -حيث لا يزال الصرب يشكلون الأغلبية -سيكون دونباس صربيا، وهي أرض مفقودة وسجينة دولة أجنبية يدعمها الغرب.
ما ينبثق عن تصريحات "س" هو معارضة للناتو أقل من كونه دعما لروسيا. "ما فعله الناتو في صربيا، فعله لأننا لا نملك أسلحة نووية... ليس مثل بوتين ". أصبحت أوكرانيا انتقام العالم الأرثوذكسي السلافي من الغرب، ولا يهم أن الأوكرانيين أنفسهم سلافيون وأرثوذكس: "إنهم دمى للأمريكيين"، يخلي بهدوء "س". أخيرًا، تجد صربيا في روسيا مفارقتها الوجودية: أن تكون جلادًا يعني في الواقع أن تكون ضحية. المجازر التي سمحت بها صربيا، ارتكبتها لأنها كانت متأكدة حينها من ان مجازر أخرى ارتُكبت. لقد وسّخت يديها، لفترة طويلة جدًا، بإقناع نفسها أنه لم يكن لديها خيار آخر.
لم تنغلق صربيا على ماضيها فحسب: بلغراد هي قلب حياة ليلية صاخبة منذ عدة سنوات -الى درجة أن بعض الناس يسمونها اليوم "برلين البلقان". يريد جزء كبير من الصرب الشباب أن ينسوا الشياطين، وإلاّ، على الأقل، يركزون على المستقبل. ومع ذلك "س" متشائم: "شباب الريف يأتون إلى بلغراد وشباب بلغراد يسافرون إلى الخارج".
هذا دون الأخذ بعين الاعتبار التوتر المتجدد مع كوسوفو منذ وصول الأسلحة الصينية إلى صربيا في 11 أبريل 2022. إدانات فورية من بروكسل وواشنطن حيث يرون انه ليس من حق صربيا استخدام معدات عسكرية صينية. في بلد لا يزال يطبعه قصف الناتو لبلغراد، محتوى الشحنة رمزيًا بشكل خاص: عدة بطاريات دفاعية مضادة للطائرات أرض -جو.
ومع ذلك، ربما يكون المستقبل هو الأكثر إثارة للقلق في مكان آخر. أسفل التل الذي يسيطر عليه ضريح تيتو يوجد ملعب ريد ستار، أول نادٍ في صربيا. يبيع متجر النادي، من بين أشياء أخرى، قمصان كوسوفو المتدفقة بألوان صربيا. S أو XXL ... جميع المقاسات... لكن مقاس الاطفال بشكل خاص.