خلال الأيام القليلة الماضية، كان أنصار كومو يأملون ألا يكون قد فات الأوان على حاكم نيويورك ليحل محل جو بايدن كمرشح للرئاسة. ويجري طرح أكثر السيناريوهات جنونًا، بما ان نائب الرئيس السابق قد عزل نفسه امتثالا لتدابير الحجر الصحي، في حين ان كومو موجود في كل مكان... إنه على كل المنابر.
   لقد تغير عالمنا فجأة في الأسابيع الأخيرة، وتغيّرت نسبة شعبية كومو أيضا، ليس تعبيرا عن عدم احترام لمهارات الحاكم أو عمله، إلا أن شعبيته تراجعت، وتثير قبضته القوية غضب الكثيرين. بصوت عالٍ، لا يخجل ابن الحاكم السابق ماريو كومو أبدًا من مواجهة منافسيه، أو أولئك الذين لا يدعمون مبادراته.
   فاز كومو بفترة ولاية ثالثة عام 2018، لكنه واجه في المحطتين الانتخابيتين الأخيرتين، خصمًا ديمقراطيًا قبل مواجهة الجمهوريين. ولئن لم يكن هناك شك في النتيجة النهائية، فانه تم تقليص هامش المناورة والثقة. وفي حملة 2020، أعلن دعمه لجو بايدن، وبين الرجلين ودّ كبير.
   منذ اندلاع كوفيد 19 في الولايات المتحدة، كانت ولاية نيويورك، والمدينة على وجه الخصوص، الأكثر تضرراً. ما يقارب نصف حالات الإصابة موجودة هناك، ويتم عرض صور يومية للشوارع المهجورة والمستشفيات المكتظة. ويزيد وصول سفينة مستشفى عسكرية إلى ميناء المدينة من الطابع الكئيب والسريالي للوضع. ويوجه المواطنون والعاملون الطبيون نداءات الاستغاثة ويطلبون المساعدة.
    وفي مواجهة هذه الأزمة، يبرز أندرو كومو بصراحته وتعاطفه. وإذا تم انتقاد الرئيس ترامب، فلأنه كان ينفخ الساخن والبارد، ويناقض نفسه، ويفضل الاقتصاد على الصحة العامة، في حين يرسل كومو رسالة واضحة، ويتولى شرحها بنجاح، ويعطي انطباعًا بانه يعرف وجهته، الى جانب انه بيداغوجي جيد.
   ويعتبره مراقبون الخصم الحقيقي لدونالد ترامب... ورغم حرصه على عدم انتقاد الرئيس بقسوة، يسمح كومو لنفسه بمخالفته وتصويبه. وقد شرع أنصار الرئيس في توزيع مقاطع فيديو تتضمّن معلومات زائفة، على أمل اسقاط حاكم الولاية في الفخّ.
   تتنازع وسائل الإعلام الأمريكية التعليقات أو المقابلات مع كومو، وخاصة سي إن إن. حتى أن القناة اختارت أن تعهد لشقيقه كريس كومو بإجراء عدة مقابلات مع المحافظ. التواطؤ بين الرجلين جليّ، وهناك تداول وتناوب على تقديم المعلومات الجادة والنكات بين الاخوين.
   وإذا كان العديد من مستمعي القناة الإخبارية يقدّرون الطبيعة الودية وحتى المطمئنة للحوار بينهما، ينتابني شعور بعدم الارتياح عند الاستماع إليهما. يكره الرجلان الرئيس، ويبدو أن أجزاءً من الحديث بينهما يتنزل في خانة تصفية الحسابات. ولما كان التمرين يتكرر بانتظام، فان ذلك يفتح الباب لاتهامات حزبية، وتخيّلوا فوكس نيوز تستخدم استراتيجية مماثلة ...
   اذن، شعبية كومو مرتفعة بشكل خاص هذه الأيام. وإذ يجوز الارتياح لحقيقة أن سكان نيويورك أو الأمريكان يغمرهم الاطمئنان من خلال حضوره، أجد، مع ذلك، أننا نبالغ كثيراً عندما نزعم أنه يجب اعتباره مرشحًا ديمقراطيًا. إن الوضع الحالي استثنائي، وسنتفاجأ بعديد الانقلابات في الاوضاع، لكن جو بايدن، وباستثناء وقوع حادث، هو المرشح الديمقراطي وسيظل كذلك.
   وإذا كان كومو، منذ أسبوعين، يُلهم بزعامته، فلا تنسوا أنه يجرّ مسيرة سياسية طويلة خلفه، وأنه لن يُجامل إذا أصبح المرشح الديمقراطي. ويتيح بحث بسيط على غوغل (أو أي محرك بحث آخر!) العثور على قراراته أو تصريحاته الأكثر إثارة للجدل. فبعض الملفات القديمة و”الهياكل العظمية في خزانة ملابسه”، قد تعود للواجهة لتطارده وتُعقّد وجوده وتجعل حياته أكثر صعوبة.
   ما يكشفه شعار “كومو رئيسا”، الذي يمكن سماعه أو رؤيته في الآونة الاخيرة، هو الى أي مدى يعتبر ترشيح بايدن نتيجة توافق وحل وسط، ولعلكم كنتم تدركون ذلك. لكن بايدن لا يثير الحماس، ولاصطفاف خلفه هو ثمرة اعتقاد بأنه قادر على هزم ترامب دون الحاجة الى فرض ثورة بيرني ساندرز.
   وبالنظر إلى استطلاعات الرأي منذ بداية الانتخابات التمهيدية، لاحظ الاستراتيجيون الديمقراطيون، الذين اهتزت ثقتهم بجو بايدن في بعض الأحيان، وجود نتائج ثابتة: عندما يسأل الأمريكان عن فرصه في إخراج الرئيس الحالي، فإنهم يجيبون دائما لصالح نائب الرئيس السابق.
   ان جو بايدن موجود ليبقى، وقوته أكبر من نقاط ضعفه. فهذا السياسي العجوز، يعرف اللعبة السياسية، وسارع بالإشارة إلى عمل كومو الجيد جدًا منذ البداية. قد يواصل الرجلان التعاون إذا دخل بايدن البيت الأبيض، لكن كومو لن يكون منافس العمّ جو، أو زميله في الترشح.