خلال عشرين عامًا، دخلت البلاد الحداثة الى درجة أنها دُعيت إلى طاولة مجموعة السبع. ويمكن للبلد الذي انضم إلى دائرة القوى المتوسطة بالاعتماد على اقتصاده وإدارته المثالية لـ كوفيد-19 تحقيق رغبته في الاستقلالية.    لم تعد كوريا الجنوبية تلك الدولة الآسيوية الصغيرة التي كانت قبل عشرين عامًا، فهي تخرج بنجاح من التخلف، وتسعى لإعادة الاتصال ببعض جذورها الإمبراطورية.    عام 1993، قبل أن تنجح فرنسا في توقيع عقد لبناء قطار تي جي في لكوريا، زار فرانسوا ميتران سيول. وبناءً على طلب خفي من السفارة الكورية في باريس، أخذ معه في الوفد المصاحب منسقيّن اثنين من المكتبة الوطنية الفرنسية، اللذين فهما أنه عليهما إظهار إحدى المخطوطات الملكية الكورية البالغ عددها 297، والتي نُقلت إلى باريس في ظل الإمبراطورية الثانية. ولكن بمجرد وصولهما إلى هناك، أدرك المسؤولان في المكتبة الوطنية الفرنسية أن الأمر في الواقع، يتعلق بإهداء المخطوطة -أو بشكل أكثر تحديدًا إعادة المخطوطة -إلى كوريا. حاولا معارضة ذلك، قبل أن يضطرا إلى تركها في حقيبة واحتفظا بالمفتاح في حوزتهما.
   بعد سبعة عشر عامًا، عام 2010، نما الاقتصاد الكوري بشكل كبير، وتم ترسيخ الديمقراطية في البلاد. وبناءً على طلب سيول المتجدد، قرر الرئيس نيكولا ساركوزي إعادة المخطوطات الملكية المتبقية البالغ عددها 296. هذه المرة، لم يتسبب الرد في ضجة خاصة.
 وفي السنوات الأخيرة، دخلت كوريا مرحلة جديدة: فهي تحتل المرتبة 11 بين الدول الصناعية، وتريد الاندماج قدر الإمكان في دائرة الدول المهمة، وقادها هذا إلى تعزيز علاقتها مع أوروبا، وخاصة مع فرنسا.
   ويصادف أنه يقام في باريس، منذ عدة سنوات، حوار بين معهد آسيا للأبحاث والسفارة الكورية في فرنسا. وفي أكتوبر من هذا العام، نشر المعهد تحت عنوان اسيا ترند: كوريا، مجلة، نوقشت فيها جوانب مختلفة من واقع كوريا الجنوبية. وكانت فرصة لتنظيم لقاء، في 13 أكتوبر بباريس، لأكاديميين وخبراء من كوريا الحالية. البعض في باريس، والبعض الآخر تحدث عبر الفيديو من سيول.
   يشرح جان فرانسوا دي ميجليو، رئيس مركز آسيا، النية من هذا الاجتماع: “من الضروري تقليص التوتر بين الرغبة الكورية في دخول اللعبة العالمية، والجهل النسبي الذي نحن فيه في فرنسا وفي أوروبا الغربية حول ما يحدث في تلك البلاد... فكوريا محاور طبيعي نميل إلى وضعه في الخلفية «.

القوة الناعمة
   تسجل كوريا الجنوبية حاليًا نقاطا مهمة في مجال الثقافة. تلاقي منتجاتها الفنية نجاحًا عالميًا، وهذه هي حال البوب الكوري، الكيبوب، كما كان الحال عام 2019، لفيلم بارازيت، الفائز بالسعفة الذهبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار في هوليوود. وفي الوقت الحالي، تمت مشاهدة جميع الحلقات التسع من مسلسل “سكويد غيم” في شهر واحد من قبل أكثر من 100 مليون أسرة حول العالم، وهو رقم قياسي.
   تعرض نتفليكس هذه القصة لشخصيات محرومة ومديونة تتنافس في الألعاب حيث يمكنها ربح المليارات أو الموت في صورة الخسارة. هذا القضاء على الأضعف، هو انعكاس لواقع اجتماعي في كوريا الجنوبية.
لقد أدت الحرب ضد الوباء إلى تباطؤ الكثير من الأعمال التجارية، وبالكاد يمكن للشباب العثور على وظائف صغيرة. ومن ثم هناك بعض الجنون في عالم الاتصال التلفزيوني وكذلك الألعاب عبر الإنترنت.
   هذه المواقف الكورية، تغذي جميع أنواع موضوعات البرامج السمعية والبصرية المنتجة في كوريا. وتحظى بتقدير كبير في هذا البلد المتصل بشكل كبير، ويتم تصديرها على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. وهكذا أصبحت كوريا منتجًا رائدًا للقوة الناعمة.
   أنجيليكي كاتسارو، التي تعمل حول السينما الكورية بجامعة ستوكهولم، تساهم في مجلة آسيا ترند: كوريا، وتشرح بالتفصيل كيف انه بينما يسيطر بث الأفلام الأمريكية في كوريا منذ فترة طويلة، وحققت في أعوام 1970 إلى 1990، الأعمال اليابانية شهرة عالمية، ظهر محترفون كوريون تدريجيًا “بالكثير من الحيوية والطاقة الإبداعية، يستمدون مصادرهم من الماضي عندما كان لا بد من مقاومة رقابة النظام السياسي السلطوي، وحيث كان الاقتصاد غير مستقر”. في المقابل، تدعم الحكومة الكورية اليوم وتشجع القطاع السمعي البصري.

الإدارة الناجحة للوباء
   موضوع آخر نوقش خلال مؤتمر مركز آسيا في 13 أكتوبر: كوفيد-19 والطريقة التي كان من خلالها انتشاره محدودًا في كوريا الجنوبية. يذكّر سيدريك لوغران، المدير العام لغرفة التجارة والصناعة الفرنسية في سيول، أنه في كوريا، كان ارتداء الكمامة منتشرًا على نطاق واسع منذ فترة طويلة، وأن الجميع يعرف الى أي مستشفى يتّجه في حال إعلان طوارئ صحية.
   بالنسبة لـ كوفيد، يتم إجراء تحقيق دقيق ومنهجي على أي شخص مصاب تم اكتشافه، وعلى كل الذين اتصل بهم. “ظهرت أوبئة أخرى في العقود الأخيرة في كوريا، يذكّر سيدريك لوغران، وتمكنت البلاد من الاستفادة من تجربتها والاستعداد لأزمة صحية كبرى. لم تكن كوريا مستعدة فحسب، وإنما كانت قادرة على التكيّف بسرعة مع خصوصيات وشدّة هذه الأزمة الأكبر بكثير من الأزمات السابقة”. وبمجرد ظهور الوباء، أعيد تنظيم مؤسسة، الوكالة الكورية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. وتتمتع هذه السلطة الإدارية باستقلالية كبيرة في تنظيمها وميزانيتها. وتضمّ أربعمائة وأربعون موظفا، مع مركز تحكّم مفتوح على مدار 24 ساعة في اليوم.
   مكافحة فيروس كورونا، مسألة ظهرت أيضًا في المقال الذي نشره مركز آسيا حول “النموذج الكوري للديمقراطية مقابل الاستبداد الشرقي”، يحمل توقيع كريستوف غودين، عالم الاجتماع المقيم في سيول، حيث يدرّس العلوم السياسية في جامعة كوكمين.
   يعتبر المؤلف، أن هناك في آسيا أرضية ثقافية مشتركة لجميع الأنظمة السياسية، ديمقراطية أو سلطوية. وخصوصا، سرعان ما اعتبر السكان الآسيويون أن القرارات التي اتخذتها حكوماتهم لمحاربة كوفيد-19 كانت فعّالة. في 13 أكتوبر، أوضح كريستوف غودين: “ صحيح انه يوجد في آسيا جهاز دولة وذاك الانضباط الجماعي اللذين أثبتا فعاليتهما، ولكن ما يميز الإدارة الكورية، على سبيل المثال، عن إدارة الصين، هو درجة الشفافية الديمقراطية التي تصاحبها «.
   خلال الأعياد الوطنية، حيث يسافر الكوريون كثيرًا في البلاد، يزداد معدل الإصابة فجأة في بعض الأحيان، فيتم نشر المعلومات على الفور. من ناحية أخرى، عندما يطلق المواطنون عريضة بشأن كوفيد، يرد خبراء الصحة عليها. وحسب كريستوف غودين، قد يفسر هذا أنه، على عكس ما رأيناه في الغرب، لم توجد في كوريا نظريات مؤامرة من شأنها أن تفسّر وصول كوفيد. وبالنسبة لعالم الاجتماع الفرنسي، هذا الذي يعيش في سيول، السؤال الذي يطرح هو حول التطور نحو شكل آسيوي من الديمقراطية تلعب فيه كوريا دور المحرّك. ويضيف، أن هذا لا يعني على ما يبدو إن “العالم السياسي الكوري، في الفترة الحالية، في مستوى تطورات المجتمع والتغيّرات في البلاد».

مكانة دولية
   تطور كوريا، قادها إلى احتلال مكان يتعاظم في المؤسسات الدولية. تمت دعوة البلاد ثلاث سنوات متتالية إلى قمم مجموعة السبع. بول أندريه، أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس، يحلل أهمية هذا الوجود الكوري إلى جانب القوى العظمى. في الأصل، تمت دعوة كوريا الجنوبية من قبل دونالد ترامب، وكان هدفه، خاصة، مواجهة ثقل الدول الأوروبية الأعضاء في هذا النادي الاقتصادي.
   غير ان الاقتصاد المبتكر الذي تجسده كوريا، يبرر تمامًا مشاركتها في مجموعة السبع، خاصة أن الناتج القومي الإجمالي للبلاد قريب من نظيره في إيطاليا أو كندا. الى درجة أن جو بايدن لم يشكك مطلقا في المشاركة الكورية في قمة السبع. وفي يونيو الماضي، شاركت كوريا في القمة التي استضافتها بريطانيا العظمى في خليج كاربيس، كورنوال.
   لقد اعتادت سيول لعب دور في إدارة الاقتصاد العالمي. وحسب بول أندريه، “هناك مصلحة في أن تكون كوريا في مجموعة السبع، سواء بالنسبة للدول الأعضاء في المجموعة او بالنسبة لكوريا “. ومع ذلك، فإن بول أندريه حريص على الا يقول إن كوريا ستنضم إلى قمة السبع، وأننا سننتقل إلى قمة الثماني. انه يعتقد أن “هذا سابق لأوانه، لكن فكرة وجود كوريا كشريك متميز لمجموعة القوى الاقتصادية العظمى هي فرضية يبدو أنها مطروحة على الطاولة «.
   تعتمد جاذبية كوريا الاقتصادية إلى حد كبير على حداثتها. وتقوم هذه الاخيرة على الابتكار والتكنولوجيا، وهما من المصطلحات التي تكاد تكون مرادفًا للكوريين. وتوضح سو مين هونغ، طالبة كورية فرنكوفونية، أن تسليط الضوء على الكوريين يتم من خلال هيكل الاقتصاد، المنظم حول “تشايبول”، هذه المجموعات من الشركات في مختلف المجالات التي تتقاطع بينها، والتي تحتل ثلاثة أرباع الفضاء الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، ساعد الدعم الحكومي للابتكار والتكنولوجيا، البلاد على أن تصبح قوة حقيقية في البحث والتطوير.
   هناك فرادة وأصالة في الكثير من السلوك الاقتصادي الكوري. وهذا يتضمّن تفادي استنساخ الحلول المتبعة في اليابان. من ناحية أخرى، لا يمكن للبلاد أن تتجاهل جارتها القوية، الصين، ولكن يجب ان تحرص على أن تكون أقرب ما يمكن إلى الولايات المتحدة. ومن خلال تطورها الاقتصادي والثقافي، على حد السواء، تعتقد كوريا أنها تكتسب القوة التي يمكن أن تجعلها أكثر اعتمادًا على نفسها. والجديد هو أنها بدأت في إظهار هذا الهدف بوضوح.
   من سيول، كان مهما، دون شك، ملاحظة كيف يُنظر إلى كوريا في معهد أبحاث فرنسي.