كيف غيّر ترامب وفرسانه الثلاثة الموقف من أوكرانيا؟
تناول أحمد الشرعي، ناشر «جيروزاليم ستراتيجيك تريبيون» وعضو مجالس إدارة العديد من مراكز الأبحاث المؤثرة في السياسة الخارجية، كيف يمكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاريه المقربين إعادة تشكيل الموقف الأمريكي من الحرب الروسية الأوكرانية.
وقال الشرعي في مقاله بموقع مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية، إن إنهاء الحرب ليس الهدف الوحيد؛ بل الأهم هو كيف سيشعر الأمريكيون بنتيجة هذا السلام، إذ أن هذا الشعور سيحدد إرث ترامب السياسي.
وأضاف الكاتب أن تحقيق السلام وحده لا يكفي، بل يجب أن يُنظر إلى أي اتفاق على أنه انتصار لأمريكا وليس مجرد انسحاب. وقارن في هذا السياق بين حالات سابقة، مثل انسحاب الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون من فيتنام وانسحاب الرئيس السابق جو بايدن الفوضوي من أفغانستان، حيث تسببت تلك التحركات في شعور الأمريكيين بالهزيمة والتراجع.
وعلى النقيض، يسوق الشرعي أمثلة لانسحابات مدروسة، مثل خروج رونالد ريغان من نيكاراغوا، أو انسحاب جورج بوش الأب من العراق في 1991، حيث حافظت الولايات المتحدة على نفوذها رغم إنهاء وجودها العسكري المباشر.
لذلك يرى الكاتب أن التحدي الأساسي أمام ترامب هو تجنب سيناريو شبيه بفيتنام، وأفغانستان، وإيجاد مخرج يجعله يبدو قائداً منتصراً.
الفرسان الثلاثة
وأطلق الشرعي لقب «الفرسان الثلاثة» على الشخصيات الرئيسة التي ستنفذ رؤية ترامب في السياسة الخارجية وهم ماركو روبيو، وزير الخارجية، ومايك والتز، مستشار الأمن القومي، وبيت هيغسيث، وزير الدفاع، وهو ضابط عسكري سابق، وإعلامي مقرب من ترامب.
وأوضح الشرعي أن هذا الفريق سيكون مسؤولاً عن صياغة اتفاقية سلام تحقق التوازن بين المصالح الأمريكية مع ضمان بقاء ترامب في موقع قوة سياسياً.
عداء ترامب لزيلينسكي
وأشار الكاتب إلى أن ترامب ينظر إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشك، وهو شعور تفاقم بسبب الفضائح السياسية التي تعرض لها ترامب خلال رئاسته، خاصة اتهامه بالتواطؤ مع روسيا وعزله في قضية المكالمة الهاتفية مع زيلينسكي.
هذه التجارب جعلت ترامب يرى أن زيلينسكي غير جدير بالثقة، بل ويعده أحد الأسباب الرئيسة للمشاكل التي واجهها في واشنطن.
وعلى عكس معظم صانعي القرار في واشنطن، لا يرى ترامب الحرب بين روسيا وأوكرانيا صراعاً بين الخير والشر. بل يعدها مسألة جيوسياسية يمكن حلها بالصفقات والمساومات. ولهذا السبب، أرسل روبيو إلى السعودية، لعقد لقاء مع نظيره الروسي، دون إشراك أوكرانيا، أو أي من الدول الأوروبية، ما أثار قلق كييف وحلفائها في أوروبا.
وقال الكاتب إن زيلينسكي لم يدرك بعد هذا التحول الكبير في سياسة ترامب. فالأخير ينظر إليه على أنه عقبة يجب تجاوزها، وليس شريكاً يجب استرضاؤه. ووصف ترامب زيلينسكي بـ «ديكتاتور» بسبب تأجيل الانتخابات في أوكرانيا، وألقى باللوم عليه في استمرار الحرب. وإذا أراد زيلينسكي الحفاظ على الدعم الأمريكي، فعليه التخلي عن أسلوبه العلني والتفاوض في الكواليس مع فريق ترامب، بدل مواصلة استجداء المساعدة علناً.
تحدي ترامب لأوروبا
إلى جانب موقفه من أوكرانيا، يقول الكاتب إن ترامب يسعى إلى إعادة تعريف العلاقات الأمريكية الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بحلف شمال الأطلسي، ناتو. فترامب وفريقه يعتبران القادة الأوروبيين، وعلى رأسهم المستشار الألماني أولاف شولتس، شركاء ضعفاء يعتمدون على الولايات المتحدة دون تقديم مساهمات حقيقية.
وسخر فريق ترامب من تصريح شولتس الذي قال فيه: «يجب ألا يُتخذ أي قرار حول أوكرانيا دون موافقتها»، معتبرين أنه لا يملك الحق في فرض مثل هذه الشروط نظراً لمحدودية الدعم العسكري والمالي الذي قدمته ألمانيا. وتساءل مستشارو ترامب: «كم عدد الدبابات التي أرسلتها ألمانيا؟ ومتى توقفت عن شراء الغاز من بوتين؟»
ولفت الكاتب النظر إلى أن الفجوة بين المساعدات الأمريكية والأوروبية لأوكرانيا تثير استياء فريق ترامب، إذ لم تتجاوز المساعدات الأوروبية لأوكرانيا 15 مليار دولار في أي ربع سنوي منذ 2022، بينما بلغت المساعدات الأمريكية 24 مليار دولار في الربع الأخير من 2024 وحده. ويرى ترامب ومستشاروه أن على أوروبا تحمل العبء الأكبر في دعم أوكرانيا، بدل الاعتماد على الولايات المتحدة كما حدث في حروب البلقان خلال التسعينيات.
موارد أوكرانيا
وقال الكاتب إن الجانب الاقتصادي يلعب دوراً محورياً في رؤية ترامب. فقد أشار وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، إلى أن العقوبات الأمريكية على روسيا قد تخففه أو تشدد وفق استعداد موسكو للتفاوض.
وفي الوقت ذاته، طالب بيسنت أوكرانيا بمنح الشركات الأمريكية حقوق استغلال ثرواتها المعدنية، التي تُقدر بنحو 500 مليار دولار، تعويضاً عن المساعدات العسكرية التي تلقتها كييف.
ورفض زيلينسكي هذه المطالب، مشيراً إلى أن إجمالي المساعدات الأمريكية المقدمة خلال إدارة بايدن بلغ 69.2 مليار دولار، وهو مبلغ أقل بكثير مما تطالب به إدارة ترامب الآن. كما شدد على أن أي اتفاق اقتصادي يجب أن يترافق مع ضمانات أمنية أمريكية لمستقبل أوكرانيا بعد الحرب.
المغامرة الكبرى
وخلص الكاتب إلى أن استراتيجية ترامب تنطوي على مخاطر كبرى. فإذا تمكن مع فريقه من تحقيق اتفاق سلام لا يعتبر هزيمة أمريكية، مع دفع أوروبا إلى تحمل مسؤولية أمنها، فسيُعتبر ذلك نجاحاً تاريخياً. لكن إذا انهار الاتفاق، وتمكنت روسيا من السيطرة على كييف، فسيواجه ترامب كارثة سياسية شبيهة بالانسحاب الأمريكي من سايغون الفيتنامية في 1975 أو الانسحاب الفوضوي من كابول في 2021.