تتشكّل الأخبار وفق الخط السياسي للحكومة:

كيف يبدو العالم في عيون الصحافة الصينية...؟

كيف يبدو العالم في عيون الصحافة الصينية...؟

-- الطريقة التي تروّض بها الصين الفيروس أثبتت أنها علميّة وفعالة، تشهد على القوة المؤسسية للبلاد
-- في المسألة الأوكرانية، الهمّ الرئيسي هو التنديد بدور الولايات المتحدة في الصراع المستمر


   في الصين، تعيد الرقابة الصارمة على الاعلام رسم عالم يتبع الخط السياسي لشي جين بينغ. وسواء كانت الأخبار وطنية أو دولية، فهي دائمًا ما تتناسب تمامًا مع خط الحزب الشيوعي الصيني.
   بالنسبة للصحافة الصينية، كانت العروض العسكرية التي نُظمت في موسكو في 9 مايو 2022، فرصة لتسليط الضوء على قوة الجيش الروسي. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، أن “نحو 11 ألف جندي، مقسمين إلى ثلاثة وثلاثين تشكيلا، ساروا في الساحة الحمراء، تبعتهم قافلة ميكانيكية مؤلفة من 131 سلاحا ومعدات عسكرية حديثة».    وفي إشارة إلى أن الأمر يتعلق بإحياء الذكرى الـ 77 لانتصار الاتحاد السوفياتي في الحرب الوطنية العظمى، أشارت الوكالة إلى أن فلاديمير بوتين قد أعلن: “من واجبنا الاحتفاظ بذكرى أولئك الذين سحقوا النازية وأورثونا اليقظة، والقيام بكل شيء حتى لا يتكرر رعب الحرب العالمية مرة أخرى”. كما تم الاستشهاد بكلمات الرئيس الروسي التي تدين الدول الغربية “لتزييفها الوقح لتاريخ الحرب العالمية الثانية”. بما يكفي، دون ذكرها مباشرة، لتبرير الحرب الروسية في أوكرانيا بعبارات تستنسخها وكالة شينخوا بأمانة.

    تلعب الصحافة دور الناقل لسفراء الحزب الواحد، وتتشكّل الأخبار وفق الخط السياسي الذي تدافع عنه الحكومة، دون حرمان نفسها من إعادة كتابتها أو إخفاء بعض جوانبها.

إعادة كتابة الحرب
  على مدار شهرين، جددت الدبلوماسية الصينية بشكل منتظم الدعوات لإجراء مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا. لكن يبدو أن همها الرئيسي هو التنديد بدور الولايات المتحدة في الصراع المستمر. في 9 مايو، كتبت الشعب، صحيفة الحزب الشيوعي الصيني: في الواقع، الولايات المتحدة هي التي تسببت في هذه الأزمة. لقد أدى توسع الناتو المستمر باتجاه الشرق بقيادة واشنطن إلى بث النيران، ثم استمرت في تأجيج ألسنة اللهب، وسكب الزيت على النار والاستفادة منها. أوكرانيا ليست سوى بيدق على رقعة الشطرنج الجيوسياسية للولايات المتحدة “...” لاحتواء روسيا. منذ البداية، ما تريده الولايات المتحدة حقًا هو الحفاظ على هيمنتها، أما مصير “قطع الشطرنج” فلا تبالي به إطلاقاً.    في هذه الأيام، الحوار بين الصين والولايات المتحدة متوتر. في 4 أبريل، قدرت وزارة الخارجية الأمريكية، فيما يتعلق بالمسألة الأوكرانية، أن “المسؤولين الصينيين ووسائل الإعلام، تضخم بانتظام دعاية الكرملين ونظريات المؤامرة والمعلومات المضللة».

   ورد المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن على الفور، بأن “موقف الصين من المسألة الأوكرانية محايد وموضوعي ولا يمكن الطعن فيه”. قبل أن يضيف: “عندما يتعلق الأمر بالمعلومات المضللة، يجب على الجانب الأمريكي أن ينظر بجدية في المرآة. على مر السنين، شنت الولايات المتحدة حروبًا في العراق وأفغانستان وسوريا، أسفرت عن مقتل 335 ألف مدني... وهذه ليست معلومات مضللة «.

تحت الرقابة
   تناولت الصحف الصينية على نطاق واسع رواية وجود جيش أمريكي مسؤول عن غزو القوات الروسية لأوكرانيا. هذه الصحف عديدة ومتنوعة: كان هناك حوالي أربعين صحيفة يومية عام 1968، واليوم يوجد ما يفوق 2200 صحيفة. وهذا لا يعني أن الصحافة الصينية تسمح بسماع أصوات مختلفة. في الواقع، تتم مراقبة كل ما تنشره هذه الصحافة عن قرب.
   في كل غرفة أخبار -سواء كانت جرائد مطبوعة أو اذاعات أو قنوات تلفزيون -يتواجد اعوان من مكتب الرقابة للتأكد من أن روح الموضوعات ونصوصها التي يتم تناولها تتفق مع مواقف الحزب الشيوعي. إن معالجة الأخبار من قبل وسائل الإعلام الرسمية تسمح على الأقل بمعرفة نوع المعلومات التي ينوي الحزب تقديمها إلى الشعب الصيني. الأخبار الرئيسية لشبكة “سي جي تي ان”، تلفزيون الصين المركزي، تُبث يوميًا في الساعة 7 مساءً ويعرضها العديد من حوالي 180 محطة تلفزيونية إقليمية ومحلية.

   طبعا، يحتل كوفيد-19 مكانًا كبيرًا في هذه الأخبار التلفزيونية. وترتبط العديد من الموضوعات بشنغهاي، المدينة الرئيسية التي تأثرت منذ شهر ونصف بمتغير أوميكرون، حيث ظهرت حوالي 4000 حالة هذا الأسبوع، بينما كانت أكثر من 25000 في نهاية أبريل. ويُعتقد أن أكثر من 500 شخص قد لقوا حتفهم، في حين أن الغالبية العظمى من الحالات لا تظهر عليها أعراض.

تم ترويض كوفيد-19
   لم تذكر الصحافة الرسمية الاحتجاجات والاستياء الواضح لجزء من سكان شنغهاي الذين يعانون من قيود صارمة وصعوبات في الحصول على الإمدادات الغذائية. على العكس من ذلك، تؤكد القنوات التلفزيونية على مهام الوقاية من الأوبئة ومكافحتها. وعلى وجه الخصوص، قامت ببث صور تمجّد المجموعات التي تقوم بتطهير أحياء بأكملها وإيداع وجبات غداء معبأة أمام المباني، والتي لا يمكن لسكانها المغادرة إلا للاختبار.

   بلدية شنغهاي شعرت بالحاجة إلى تنظيم مؤتمر صحفي في 5 مايو لتقييم الإجراءات التي اتخذتها المدينة في مواجهة متحوّر أوميكرون. وكانت فرصة لتوضيح أنه تم إنشاء ما يقرب من 9 الاف موقع لاختبار الكشف عن الحمض النووي. ويمكن فتح مراكز اخرى حسب الحالة الوبائية ومتطلبات العودة إلى العمل. وقد تم تثبيت مواقع الفحص هذه، الثابتة والمتنقلة، في جميع أنحاء المدينة.
   في 6 مايو، دخلت السلطة المركزية في بكين الحلبة. ونشرت وكالة شينخوا مقالًا مفاده أن “الصين ستفوز بالتأكيد في الحرب ضد فيروس كوفيد-19 بفضل سياستها في السيطرة العلمية والفعالة على الوباء، والتي ستصمد امام اختبار الزمن”. كانت تلك خلاصة اجتماع الأعضاء السبعة، أعلى سلطة في الحزب الشيوعي، اللجنة الدائمة للمكتب السياسي.

   ويوضح البيان الصادر عقب هذا الاجتماع، أن الوباء منتشر في العالم، وأن كورونا فيروس مستمر في التحور. وفي ظل هذه الظروف، “هناك قدر كبير من الشك بشأن تطوره”. كما حذرت اللجنة الدائمة من أي تقاعس في جهود المكافحة، متوقعة بأن: “التراخي سيؤدي بلا شك إلى حدوث عدد هائل من الإصابات والحالات الحرجة والوفيات، مما سيكون له تأثير خطير على التنمية الاقتصادية والمجتمع وعلى حياة وصحة الشعب.

   وللتأكيد على أنه لا تغيير للاستراتيجية، فإن اللجنة الدائمة “تشدد على أهمية الانخراط الثابت في السياسة الديناميكية لـ “صفر كوفيد”، والنضال الحازم ضد أي محاولة لتشويه أو التشكيك أو رفض سياسة الصين المناهضة لكوفيد».

   منذ بداية موجة كوفيد-19 قبل عامين، تم تسجيل حوالي 5000 حالة وفاة رسميًا في الصين، والتي تبدو منخفضة جدًا مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى (للمقارنة، يوجد في فرنسا ما مجموعه 147،048 حالة وفاة، الى حدود 10 مايو 2022). وظهر الوباء مجددًا في نهاية أبريل في بكين، حيث تم الإبلاغ، يوم الأحد، 8 مايو، عن 727 حالة إصابة بـ كوفيد-19. لكن على عكس شنغهاي، فإن الحجر الصحي ليس معممًا في العاصمة: في المناطق التي توجد بها حالات كوفيد، يتم على وجه الخصوص منع ارتياد المتاجر أو المطاعم أو صالات الألعاب الرياضية. وقلة من الناس يتجولون في بكين، التي تبدو وكأنها مدينة أشباح.

   ويؤكد مسؤولو لجنة الصحة الوطنية، أن وضع وباء كوفيد-19 يتحسن في الصين، باستثناء مقاطعات مثل لياونينغ وتشجيانغ وهنان، التي تشهد موجات جديدة من أوميكرون. وقالت إدارة الصحة المركزية انها ستواصل “مع الإدارات الأخرى ذات الصلة، توجيه السلطات الإقليمية في التنفيذ الصارم لتدابير الوقاية من الوباء ومكافحته، من أجل تعزيز الدفاع ضد الفيروس”. من جانبها، تنشر العديد من الصحف افتتاحيات تشرح أن “الطريقة التي تروّض بها الصين الفيروس، أثبتت أنها علميّة وفعالة، تشهد على القوة المؤسسية للبلاد».

التصاق الأخبار
بحملات الحزب
   بالإضافة إلى الموضوعات المهمة التي تثير العديد من التعليقات، تختار وسائل الإعلام الصينية أن تذكّر بإيجاز بالوقائع الرئيسية المستمدة من الأخبار الوطنية والدولية. لكن قبل ذلك، تتناول القنوات التلفزيونية بإسهاب الموضوعات التي تأتي من الحملات التي يطلقها الحزب الشيوعي.
   في الأيام الأخيرة، تم طرح تحسين نصيب أفقر الفلاحين. فرصة لتسليط الضوء على المبادرات من جميع الأنواع التي اتخذتها الحكومة لجعل اقتصاد المناطق النائية مربحًا بشكل خاص، مع تصوير مواضيع المناظر الطبيعية الرائعة والصور الأرشيفية لزيارات الرئيس شي جين بينغ للقاء هؤلاء السكان الريفيين.    قضية أخرى ذات أولوية بالنسبة للسلطة الصينية: الدفاع عن البيئة، التي تعرض في الأخبار التلفزيونية تحت عنوان “صين خضراء ذات مياه صافية وسماء زرقاء”. يتم إعداد التقارير من جميع أنحاء البلاد لتثقيف المشاهدين حول “الإنجاز التاريخي لحماية الطبيعة واستعادتها”. وتظهر، على سبيل المثال، مناظر خلابة لألواح كهروضوئية مثبتة على تلال ريفية. وفي لقطات أخرى، صور لطيور تحلق وسط مساحات مفتوحة واسعة. وفي كثير من الأحيان، يتعلق الامر بإبراز جهود الحكومة الصينية للسيطرة على التلوث.

العلم كرأس حربة
   في أسبوع 2 مايو، تحت شعار “تحقيق مستوى عالٍ من الاستقلالية العلمية والتكنولوجية”، تناولت نشرة الاخبار الرئيسية “سي جي تي ان”، غزو الفضاء. مؤكدة على حدث: في 5 مايو، في قاعدة تاييوان بمقاطعة شانشي، شمال الصين، تم إطلاق المهمة 419 لصاروخ لونغ مارش دي-2.
   أرسلت مجموعة من ثمانية أقمار صناعية إلى الفضاء: واحد يسمى جيلين -1 كوانفو 01 سي، وسبعة اخرين تسمى كوانفو 0. 3 دي. وأعلنت وكالة شينخوا، أن “جميعهم وصلوا إلى المدار المخطط له”، مشيرة إلى أن جيلين -1 كوانفو قادر على توفير صور لمسافة 150 كيلومترا من سطح الأرض، وبإمكانه الارسال بسرعة عالية. وسيتم استخدامه لتقديم خدمات خصوصا للتنقيب عن التعدين وتطوير المدن الذكية.

   وسيتم تنسيق كل هذه الأقمار الصناعية الثمانية الجديدة مع ستة وأربعين أقمارًا أخرى تم إطلاقها سابقًا، والتي توفر بيانات في مجالات مثل الزراعة والغابات وحماية البيئة. كل هذا جزء من برنامج استكشاف صيني واسع للكواكب وكذلك الكويكبات.
   في الأسابيع الأخيرة، “سلطت سي جي تي ان” الضوء أيضًا على فريق مكون من 270 عالمًا تسلقوا الجانب الصيني من جبل تشومولانغما، أعلى قمة في العالم على الحدود الصينية النيبالية، والمعروفة في الغرب باسم إفرست. عملت البعثة على تآزر الرياح الغربية والرياح الموسمية، والتغيرات في إمدادات المياه، والتكيف البشري مع البيئات القاسية في مناطق الارتفاعات العالية جدًا. ثم أقامت ثماني محطات أرصاد جوية، أصبحت إحداها، على ارتفاع 8800 متر، الأعلى في العالم.

   وتتيح هذه التقارير العلمية في جبال التبت فرصة تمرير أن “الناتج المحلي الإجمالي لهذه المقاطعة المتمتعة بالحكم الذاتي، قد تقدم بنسبة 6 فاصل 4 بالمائة في الربع الأول من هذا العام”. وعلى وجه الخصوص، تشير السلطات الصينية في المقاطعة، إلى أنه نظرًا لارتفاع أسعار الخام في السوق الدولية، قفزت القيمة المضافة لصناعة التعدين في التبت بنسبة 24 فاصل 2 بالمائة في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.

سكان معزولون عن العالم
   الغالبية العظمى من أكثر من 1.4 مليار صيني لا يمكنهم الوصول إلا إلى هذا النوع من المعلومات من الصحافة الرسمية. لكن جزءً كبيرًا من السكان -يصعب تحديد عددهم -يتمكنون، من خلال التحايل على الحواجز في الإنترنت، وخاصة بفضل الشبكات الافتراضية الخاصة، من معرفة المزيد عن أخبار البلد ومسيرة العالم.
   بالإضافة إلى ذلك، في الآونة الأخيرة على الشبكات الاجتماعية، ينتقد العديد من أهل شنغهاي صراحة ظروف حبسهم. عندما يحذف الرقيب تعليقاتهم، يعاود أصحابها الكتابة بتغيير العنوان وبضع كلمات. لا تكتشف برمجية الرقابة هذا التغيير على الفور، ويمكن قراءة النص ونقله على نطاق واسع. وبالمثل، عندما يتم حذف مقطع فيديو بواسطة هذه البرمجيات، فإنه يظهر مرة أخرى بصور متغيرة أو بترتيب مختلف حتى تُفهم المناورة وتُمحى بشكل رسمي.

   وعلى النقيض، هناك أحداث يتم تسليط الضوء عليها بقوة في وسائل الإعلام الصينية الرسمية. وهكذا، في 10 مايو، في قصر الشعب، ميدان تيان آن مين في بكين، حضر الرئيس شي جين بينغ، وهو أيضًا الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ورئيس اللجنة العسكرية المركزية، حفلًا بمناسبة الذكرى المئوية لرابطة الشبيبة الشيوعية الصينية.    وقال في خطابه إن “أمل الحزب الشيوعي الصيني والبلد في أيدي الشباب”، وأضاف، بالغنائية المعتادة للحزب، فكرة أن “مثل الأشجار الفتية التي تنمو على الأرض، سيصبح الشباب الصيني يومًا ما أشجارًا عملاقة”... جمل تؤكد أن قيادة الحزب الشيوعي تنظر إلى مستقبل الصين في استمرارية تامة لأسلوب عملها الحالي.