الثالث من نوفمبر او الليلة الطويلة:
لفهم ناخبي ترامب، شاهدوا «غرين بوك» و «الجوكر»
-- لـ «فليك» نفس هدف دونالد ترامب: الإعلام والصحفيون
-- مرة أخرى، الأبيض هو الذي يستقبل الأسود في منزله، ويمكن أن تكون هذه القصة أساس الترامبية
-- يديم غرين بوك أسطورة العنصرية التي لا توجد إلا في جنوب الولايات المتحدة
-- لا يمكن إنكار أن لون بشرة أوباما لعب دورًا في فظاظة دونالد ترامب
-- رغم كونه عنصريًا، سيكشف توني عن قلبه الطيب، وهذا كليشيه آخر للسينما الأمريكية
-- انتخاب ترامب عام 2016، كان التزامًا بإيديولوجية سلطوية معادية للمرأة ومناهضة للأجانب وعنصرية
بالنسبة للعديد من الأمريكيين، ستكون ليلة 3 نوفمبر 2020 هي الأطول في حياتهم. حيث أدهشتهم النتائج التي حققها المرشح الجمهوري، وأدركوا أن انتخاب دونالد ترامب عام 2016، ابعد ما يكون عن كونه اختيارًا لناخبين تائهين، وانما كان في الواقع التزامًا بإيديولوجية سلطوية معادية للمرأة ومناهضة للأجانب وعنصرية.
ما كان لهذا التصويت ان يفاجئء، خاصة في ضوء بعض الإنتاجات السينمائية الحديثة، والتي غالبًا ما نجدها في تنافس على جوائز الأوسكار. “جيت اوت” (جوردان بيل، 2017) ، و”هناك 3 لوحات إعلانية” (مارتن ماكدوناغ ، 2017) ؛ و”بلاكككلانسمان” (سبايك لي ، 2018) ، و”غرين بوك” (بيتر فارلي ، 2018).
عندما فاز “غرين بوك” بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، أراد المخرج الغاضب سبايك لي مغادرة القاعة. وفي تعليق لا يخلو من الدعابة قال: “في كل مرة يكون فيها شخص ما سائقًا لشخص اخر، أخسر”، في إشارة إلى انتصار “الآنسة ديزي وسائقها” عام 1990 (بروس بيريسفورد، 1989) على حساب “دو ذي رايت ثينغ” (1989).
من الفيلم إلى
الواقع الأمريكي
تعكس هذه المبارزات، التي تبدو لا تستدعي الانتباه في الظاهر، رؤيتين لبلد لا يتوقف عن التصادم أبدًا: أمريكا النخب ضد أمريكا الشعبية “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”؛ أمريكا التقدمية، دعم حركات مي تو وحياة السود مهمة، ضد أمريكا الماضوية المتخلفة والرايات الكونفدرالية. وعلى غرار صورة البلاد، تبين أن هذه الأفلام يسكنها شبح الانفصال والجريمة المؤسسة للعبودية.
ومع ذلك، اعتقد “غرين بوك” أنه قام بعمل جيد. من خلال صداقة دون شيرلي (ماهرشالا علي) وتوني “ليب” وفاليلونغا (فيجو مورتنسن)، زعم الفيلم المصالحة بين هاتين الأمريكيتين. هذا دون اعتبار انتشار الكليشيهات البشعة على مجتمع السود والاستعارات السردية التي اعتقدنا أنها قد انتهت. ومن خلال قلب أدوار ميس ديزي، يحلم الفيلم بأن يكون مجددا: هذه المرة الرجل الأسود هو الذي يحتاج إلى خدمات الرجل الأبيض... لكن حذار، لا مجال لأن يمسح توني حذاء صاحب العمل! يجب أن يظل وقورا.
وهكذا، برفضه تحميل الحقائب في السيارة، يفرض المهمة على الموظف الهندي. ان وظيفة السائق ليست سوى ذريعة لتوني للعب الأذرع الغليظة وحماية الموسيقي الأسود في جولة في أعماق الجنوب، الذي حكمته في الستينات قوانين الفصل العنصري.
اذن، ها هو “المنقذ الأبيض” الذي يدين له الأسود بخلاصه، وهو شخصية متكررة في الثقافة الأمريكية. خلال هذه الرحلة، سيجد توني مجموعة كاملة من الفرص لإظهار أنه ليس عنصريًا.
وهو ما يصعب ابتلاعه وقد شاهدناه في السابق يلقي في القمامة أكوابا لمسها العمال السود، واهانته للكوبيين والصينيين، ووصف مشغّله المستقبلي بـ “ملك الغابة».
لكن رغم كونه عنصريًا، سيكشف تونــــــــي عن قلبه الطيب، وهذا كليشــــي آخـــــــــر للسينما الأمريكية.
بالتأكيد أقل رعبًا من أي مكان آخر (تصادم؛ 3 لوحات إعلانية)، فان هذا القوس السردي لخلاص العنصري تم التعامل معه هنا بتبسيط اخرق ومحرج للغاية.
تتمثل الرسالة الأساسية في ملاحظة أن الاختلافات تختفي بسرعة عندما نتعلم كيف نتعرف على بعضنا البعض. انظروا إلى أي مدى بدأ دون، بتواصله مع توني، في الاسترخاء والاستمتاع ببساطة الحياة! ولاحظوا توني وهو يتخلص من قسوته ليكتب لأحبته ويوزع رسالة حب.
نحن نقترب من الخطاب الرئاسي لجاك نيكلسون في “هجوم المريخ!” الذي كان يحاول إنقاذ جلده من الرجال الخضر الصغار: “أيها الصغار، لماذا لا نستطيع أن نتعايش؟”، لكن المحاكاة الساخرة كانت طوعية هناك.
ترامب، مفتاح القراءة
يدعي أنه يخاطب الجميع، يستهدف “غرين بوك” في الواقع جمهورًا محددًا للغاية: جمهور الجمهوريين المعتدلين الذين يعتقدون أن العنصرية النظامية في المجتمع أصبحت شيئًا من الماضي. والفيلم المليء بالمشاعر الطيبة يلتزم بهذه الرؤية ويتعامل مع الواقع، ويكرس أسطورة العنصرية التي لا توجد إلا في جنوب الولايات المتحدة.
وهكذا، تم تقديم “غرين بوك” في العنوان -الاسم الحقيقي السائق الزنجي غرين بوك-كدليل سياحي عبر الجنوب العميق لإرشاد السود اين يتم استقبالهم في أمان.
في الواقع، أول “غرين بوك” كتبه فيكتور هوغو لولاية نيويورك، وهي بعيدة كل البعد عن الجنوب وقوانين جيم كرو.
وبالمثل، فإن تمثيلية دون شيرلي تطرح مشكلة.
مثقف وفنان ومثلي -وهذا ما هو عليه حقًا – يتم تقديم شيرلي، في المقابل، كشخص لا يمكنه إلا أن يشعر بالاغتراب داخل مجموعته العرقية، لأنه يفضل الموسيقى الكلاسيكية على الجاز، والطعام الفاخر على الدجاج المقلي. وهذا ما ثارت ضده عائلة شيرلي، التي عارضت الفيلم بشدة، داحضة الصداقة بين الرجلين. ولكن بدلاً من استشارة أقارب هذه الشخصية، بما أنه تمّ تناولها في الخلفية، فضل المخرج والكاتب المشارك نيك فاليلونغا (ابن توني) تعديل القصة لإعطاء مكانة بارزة للبطل الأبيض.
ولم يتحسن الجدل حول الفيلم عندما طفت على السطح مجددا تغريدة معادية للإسلام من نيك فاليلونغا يعود تاريخها إلى عام 2015 استعادت معلومات مضللة من دونالد ترامب الذي كان يخوض حينها حملته الانتخابية.
إن دونالد ترامب، هو مفتاح القراءة الأساسي لفهم ما يرويه لنا “غرين بوك” خفية: رجل أبيض في وضع الدونية الاجتماعية مقارنة بالرجل الأسود سيعيد التوازن. غير قادر على الرضا بمنصب الموظف، سيصبح توني مساوياً لهذا الرجل الموهوب والمتعلم، بجعل نفسه حاميا لهذه النخبة.
وتوضح نهاية الفيلم تمامًا هذا الانتقام عندما يجلس دون شيرلي على طاولة فاليلونغا للاحتفال بعيد الميلاد. مرة أخرى، الأبيض هو الذي يستقبل الأسود بحفاوة في منزله. ويمكن أن تكون هذه القصة أساس الترامبية أو على الأقل عام 2016.
في الواقع، وفقًا للعديد من المعلقين السياسيين، كان دونالد ترامب سيرشح نفسه للرئاسة لينتقم من استهزاء باراك أوباما به خلال عشاء مراسلي البيت الأبيض عام 2011. كما يروي آدم جوبنيك في النيويوركر، في ذلك المساء “كان إذلال ترامب مطلقًا ... لقد وقف منتصبًا تمامًا، وذقنه متجمدة في غضب لا يتزعزع».
الجوكر والشعبوية
لا يمكن إنكار أن لون بشرة أوباما لعب دورًا في فظاظة دونالد ترامب. لسنوات، ضاعف الأخير الهجمات العنصرية التي تشكك في جنسية الرئيس، حتى أنه ذهب إلى حد الادعاء بأن أوباما هو مؤسس الدولة الإسلامية. وها هو، بمجرد انتخابه، يهدد ترامب بإرسال الحرس الوطني ضد حركة حياة السود مهمة، ويتباهى بدعم الجماعات الفاشية الجديدة.
وربما كان استمرار هذا التمجيد للعنف والنرجسية ونبرة ترامب المتذمّرة أبديا في استقطاب الناخبين سيظل لغزا لولا جوكر (تود فيليبس، 2019)، الذي كان إثباتا بليغا على أن الشعبوية مربحة دائما.
في فيلم فيليبس، يعاني آرثر فليك من مشاكل عقلية ويُراكم الصعوبات: عاطل عن العمل، أعزب، عليه أيضًا رعاية والدته المريضة. تخبره هذه الأخيرة أنه ابن الثري جدا توماس واين -والد بروس، باتمان المستقبلي -الذي يرفض الاعتراف بطفل الزنا هذا. فما يعتقده آرثر في البداية أنه نتيجة تثبيت هذياني، تبين في الواقع أنه ذو مصداقية.
البطل المضاد، تجسيد للشر، يصبح البطل الذي يساء فهمه الذي يثور ضد كل اشكال ظلم “النظام”. “الجميع يصرخ ويشتم الجميع، اندثرت الأخلاق الحميدة! ... هل تعتقد أن ال توماس واين هذا العالم، يتساءلون ماذا يعني ان تكون منسجما مع ذاتك ... يعتقدون أننا سنبقى في مكاننا ونتحمل ضرباتهم مثل الرجال الصغار الطيبين! أننا لن نتحول إلى ذئاب ضارية ونهاجم! “ يقول فليك، لمقدم برامج تلفزيونية قبل أن يطلق النار على رأسه.
الكثير من عناصر اللغة التي تكثر في تغريدات ترامب وتصريحاته التي تتهم الديمقراطيين في كثير من الأحيان بأنهم “فظين وبذيئين”. فليك هذا له نفس هدف ترامب: الإعلام والصحفيون. ويمنح فيليبس دور المقدم لروبرت دي نيرو، وهو ديمقراطي مقتنع، ومعارض شرس لدونالد ترامب.
لكن العنصر الأكثر دهاءً في جوكر، يكمن في تصويره للأمريكيين السود. حول هذا الموضوع، كان نقد ريتشارد برودي في مجلة نيويوركر نموذجيا. يحلل الصحفي كيف استولى المخرج على بعض القضايا الشائنة الشهيرة، مثل قضية سنترال بارك فايف، لتشويهها من أجل تبرير عنف شخصيته، أو حتى قضية برنارد جويتز الذي أطلق النار عام 1984على مجموعة من الشباب المراهقين السود في مترو الأنفاق. ولكن بوضعه فليك مكان جويتز، فإن فيليبس “يزيل ... أي دافع عنصري، ويحوله إلى عملية دفاع عن النفس انحرفت وخرجت عن السيطرة.»
بشكل منهجي، يجد فليك نفسه في مواجهة شخصيات سوداء تغلق الباب في وجهه: من جارته الساحرة التي لا يستطيع إغواءها إلا في المنام، إلى موظف مستشفى الأمراض النفسية الذي يرفض تسليمه الملف الطبي لوالدته.
ولئن حاولت المرشدة الاجتماعية، وهي سوداء أيضًا، والتي يعاتبها على عدم الاستماع إليه أبدًا، المقارنة بين وضعيهما –”إنهما لا يكترثان بأشخاص مثلك، ولا يكترثان بأشخاص مثلي” –فان النقطة المهمة هي أن كل هذه الشخصيات السوداء جزء لا يتجزأ من تنظيم المجتمع الذي يحمّله فليك مسؤولية مشاكله. وبطريقة منحرفة، يبني فيليبس تسلسلاً هرميًا للمرض الاجتماعي الأمريكي، ويضع شخصيته البيضاء غير المحبوبة في أسفل السلّم.
ولأنه لم يجرؤ على دفع الخطاب بعيدًا، فهو يتجاهل المصير المخصص للجارة والطبيبة النفسية السوداء.
مصير يخمنه المتفرج بانه قاتل بالطبع لأن الجوكر يطلق العنان لعنفه في أماكن أخرى. والجمهور يتابع، بعد أن وجد في هذا الوجه القاتم صوتًا موحِّدًا للدمار.
قال جو بايدن منزعجًا خلال الجدل الكارثي بينه وبين منافسه: “من الصعب وضع كلمة مع هذا المهرج”، غير مدرك أنه أفضل ما قال... ولكن بمجرد سقوط المهرج، ماذا سيحدث للجمهور؟
-- مرة أخرى، الأبيض هو الذي يستقبل الأسود في منزله، ويمكن أن تكون هذه القصة أساس الترامبية
-- يديم غرين بوك أسطورة العنصرية التي لا توجد إلا في جنوب الولايات المتحدة
-- لا يمكن إنكار أن لون بشرة أوباما لعب دورًا في فظاظة دونالد ترامب
-- رغم كونه عنصريًا، سيكشف توني عن قلبه الطيب، وهذا كليشيه آخر للسينما الأمريكية
-- انتخاب ترامب عام 2016، كان التزامًا بإيديولوجية سلطوية معادية للمرأة ومناهضة للأجانب وعنصرية
بالنسبة للعديد من الأمريكيين، ستكون ليلة 3 نوفمبر 2020 هي الأطول في حياتهم. حيث أدهشتهم النتائج التي حققها المرشح الجمهوري، وأدركوا أن انتخاب دونالد ترامب عام 2016، ابعد ما يكون عن كونه اختيارًا لناخبين تائهين، وانما كان في الواقع التزامًا بإيديولوجية سلطوية معادية للمرأة ومناهضة للأجانب وعنصرية.
ما كان لهذا التصويت ان يفاجئء، خاصة في ضوء بعض الإنتاجات السينمائية الحديثة، والتي غالبًا ما نجدها في تنافس على جوائز الأوسكار. “جيت اوت” (جوردان بيل، 2017) ، و”هناك 3 لوحات إعلانية” (مارتن ماكدوناغ ، 2017) ؛ و”بلاكككلانسمان” (سبايك لي ، 2018) ، و”غرين بوك” (بيتر فارلي ، 2018).
عندما فاز “غرين بوك” بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم، أراد المخرج الغاضب سبايك لي مغادرة القاعة. وفي تعليق لا يخلو من الدعابة قال: “في كل مرة يكون فيها شخص ما سائقًا لشخص اخر، أخسر”، في إشارة إلى انتصار “الآنسة ديزي وسائقها” عام 1990 (بروس بيريسفورد، 1989) على حساب “دو ذي رايت ثينغ” (1989).
من الفيلم إلى
الواقع الأمريكي
تعكس هذه المبارزات، التي تبدو لا تستدعي الانتباه في الظاهر، رؤيتين لبلد لا يتوقف عن التصادم أبدًا: أمريكا النخب ضد أمريكا الشعبية “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”؛ أمريكا التقدمية، دعم حركات مي تو وحياة السود مهمة، ضد أمريكا الماضوية المتخلفة والرايات الكونفدرالية. وعلى غرار صورة البلاد، تبين أن هذه الأفلام يسكنها شبح الانفصال والجريمة المؤسسة للعبودية.
ومع ذلك، اعتقد “غرين بوك” أنه قام بعمل جيد. من خلال صداقة دون شيرلي (ماهرشالا علي) وتوني “ليب” وفاليلونغا (فيجو مورتنسن)، زعم الفيلم المصالحة بين هاتين الأمريكيتين. هذا دون اعتبار انتشار الكليشيهات البشعة على مجتمع السود والاستعارات السردية التي اعتقدنا أنها قد انتهت. ومن خلال قلب أدوار ميس ديزي، يحلم الفيلم بأن يكون مجددا: هذه المرة الرجل الأسود هو الذي يحتاج إلى خدمات الرجل الأبيض... لكن حذار، لا مجال لأن يمسح توني حذاء صاحب العمل! يجب أن يظل وقورا.
وهكذا، برفضه تحميل الحقائب في السيارة، يفرض المهمة على الموظف الهندي. ان وظيفة السائق ليست سوى ذريعة لتوني للعب الأذرع الغليظة وحماية الموسيقي الأسود في جولة في أعماق الجنوب، الذي حكمته في الستينات قوانين الفصل العنصري.
اذن، ها هو “المنقذ الأبيض” الذي يدين له الأسود بخلاصه، وهو شخصية متكررة في الثقافة الأمريكية. خلال هذه الرحلة، سيجد توني مجموعة كاملة من الفرص لإظهار أنه ليس عنصريًا.
وهو ما يصعب ابتلاعه وقد شاهدناه في السابق يلقي في القمامة أكوابا لمسها العمال السود، واهانته للكوبيين والصينيين، ووصف مشغّله المستقبلي بـ “ملك الغابة».
لكن رغم كونه عنصريًا، سيكشف تونــــــــي عن قلبه الطيب، وهذا كليشــــي آخـــــــــر للسينما الأمريكية.
بالتأكيد أقل رعبًا من أي مكان آخر (تصادم؛ 3 لوحات إعلانية)، فان هذا القوس السردي لخلاص العنصري تم التعامل معه هنا بتبسيط اخرق ومحرج للغاية.
تتمثل الرسالة الأساسية في ملاحظة أن الاختلافات تختفي بسرعة عندما نتعلم كيف نتعرف على بعضنا البعض. انظروا إلى أي مدى بدأ دون، بتواصله مع توني، في الاسترخاء والاستمتاع ببساطة الحياة! ولاحظوا توني وهو يتخلص من قسوته ليكتب لأحبته ويوزع رسالة حب.
نحن نقترب من الخطاب الرئاسي لجاك نيكلسون في “هجوم المريخ!” الذي كان يحاول إنقاذ جلده من الرجال الخضر الصغار: “أيها الصغار، لماذا لا نستطيع أن نتعايش؟”، لكن المحاكاة الساخرة كانت طوعية هناك.
ترامب، مفتاح القراءة
يدعي أنه يخاطب الجميع، يستهدف “غرين بوك” في الواقع جمهورًا محددًا للغاية: جمهور الجمهوريين المعتدلين الذين يعتقدون أن العنصرية النظامية في المجتمع أصبحت شيئًا من الماضي. والفيلم المليء بالمشاعر الطيبة يلتزم بهذه الرؤية ويتعامل مع الواقع، ويكرس أسطورة العنصرية التي لا توجد إلا في جنوب الولايات المتحدة.
وهكذا، تم تقديم “غرين بوك” في العنوان -الاسم الحقيقي السائق الزنجي غرين بوك-كدليل سياحي عبر الجنوب العميق لإرشاد السود اين يتم استقبالهم في أمان.
في الواقع، أول “غرين بوك” كتبه فيكتور هوغو لولاية نيويورك، وهي بعيدة كل البعد عن الجنوب وقوانين جيم كرو.
وبالمثل، فإن تمثيلية دون شيرلي تطرح مشكلة.
مثقف وفنان ومثلي -وهذا ما هو عليه حقًا – يتم تقديم شيرلي، في المقابل، كشخص لا يمكنه إلا أن يشعر بالاغتراب داخل مجموعته العرقية، لأنه يفضل الموسيقى الكلاسيكية على الجاز، والطعام الفاخر على الدجاج المقلي. وهذا ما ثارت ضده عائلة شيرلي، التي عارضت الفيلم بشدة، داحضة الصداقة بين الرجلين. ولكن بدلاً من استشارة أقارب هذه الشخصية، بما أنه تمّ تناولها في الخلفية، فضل المخرج والكاتب المشارك نيك فاليلونغا (ابن توني) تعديل القصة لإعطاء مكانة بارزة للبطل الأبيض.
ولم يتحسن الجدل حول الفيلم عندما طفت على السطح مجددا تغريدة معادية للإسلام من نيك فاليلونغا يعود تاريخها إلى عام 2015 استعادت معلومات مضللة من دونالد ترامب الذي كان يخوض حينها حملته الانتخابية.
إن دونالد ترامب، هو مفتاح القراءة الأساسي لفهم ما يرويه لنا “غرين بوك” خفية: رجل أبيض في وضع الدونية الاجتماعية مقارنة بالرجل الأسود سيعيد التوازن. غير قادر على الرضا بمنصب الموظف، سيصبح توني مساوياً لهذا الرجل الموهوب والمتعلم، بجعل نفسه حاميا لهذه النخبة.
وتوضح نهاية الفيلم تمامًا هذا الانتقام عندما يجلس دون شيرلي على طاولة فاليلونغا للاحتفال بعيد الميلاد. مرة أخرى، الأبيض هو الذي يستقبل الأسود بحفاوة في منزله. ويمكن أن تكون هذه القصة أساس الترامبية أو على الأقل عام 2016.
في الواقع، وفقًا للعديد من المعلقين السياسيين، كان دونالد ترامب سيرشح نفسه للرئاسة لينتقم من استهزاء باراك أوباما به خلال عشاء مراسلي البيت الأبيض عام 2011. كما يروي آدم جوبنيك في النيويوركر، في ذلك المساء “كان إذلال ترامب مطلقًا ... لقد وقف منتصبًا تمامًا، وذقنه متجمدة في غضب لا يتزعزع».
الجوكر والشعبوية
لا يمكن إنكار أن لون بشرة أوباما لعب دورًا في فظاظة دونالد ترامب. لسنوات، ضاعف الأخير الهجمات العنصرية التي تشكك في جنسية الرئيس، حتى أنه ذهب إلى حد الادعاء بأن أوباما هو مؤسس الدولة الإسلامية. وها هو، بمجرد انتخابه، يهدد ترامب بإرسال الحرس الوطني ضد حركة حياة السود مهمة، ويتباهى بدعم الجماعات الفاشية الجديدة.
وربما كان استمرار هذا التمجيد للعنف والنرجسية ونبرة ترامب المتذمّرة أبديا في استقطاب الناخبين سيظل لغزا لولا جوكر (تود فيليبس، 2019)، الذي كان إثباتا بليغا على أن الشعبوية مربحة دائما.
في فيلم فيليبس، يعاني آرثر فليك من مشاكل عقلية ويُراكم الصعوبات: عاطل عن العمل، أعزب، عليه أيضًا رعاية والدته المريضة. تخبره هذه الأخيرة أنه ابن الثري جدا توماس واين -والد بروس، باتمان المستقبلي -الذي يرفض الاعتراف بطفل الزنا هذا. فما يعتقده آرثر في البداية أنه نتيجة تثبيت هذياني، تبين في الواقع أنه ذو مصداقية.
البطل المضاد، تجسيد للشر، يصبح البطل الذي يساء فهمه الذي يثور ضد كل اشكال ظلم “النظام”. “الجميع يصرخ ويشتم الجميع، اندثرت الأخلاق الحميدة! ... هل تعتقد أن ال توماس واين هذا العالم، يتساءلون ماذا يعني ان تكون منسجما مع ذاتك ... يعتقدون أننا سنبقى في مكاننا ونتحمل ضرباتهم مثل الرجال الصغار الطيبين! أننا لن نتحول إلى ذئاب ضارية ونهاجم! “ يقول فليك، لمقدم برامج تلفزيونية قبل أن يطلق النار على رأسه.
الكثير من عناصر اللغة التي تكثر في تغريدات ترامب وتصريحاته التي تتهم الديمقراطيين في كثير من الأحيان بأنهم “فظين وبذيئين”. فليك هذا له نفس هدف ترامب: الإعلام والصحفيون. ويمنح فيليبس دور المقدم لروبرت دي نيرو، وهو ديمقراطي مقتنع، ومعارض شرس لدونالد ترامب.
لكن العنصر الأكثر دهاءً في جوكر، يكمن في تصويره للأمريكيين السود. حول هذا الموضوع، كان نقد ريتشارد برودي في مجلة نيويوركر نموذجيا. يحلل الصحفي كيف استولى المخرج على بعض القضايا الشائنة الشهيرة، مثل قضية سنترال بارك فايف، لتشويهها من أجل تبرير عنف شخصيته، أو حتى قضية برنارد جويتز الذي أطلق النار عام 1984على مجموعة من الشباب المراهقين السود في مترو الأنفاق. ولكن بوضعه فليك مكان جويتز، فإن فيليبس “يزيل ... أي دافع عنصري، ويحوله إلى عملية دفاع عن النفس انحرفت وخرجت عن السيطرة.»
بشكل منهجي، يجد فليك نفسه في مواجهة شخصيات سوداء تغلق الباب في وجهه: من جارته الساحرة التي لا يستطيع إغواءها إلا في المنام، إلى موظف مستشفى الأمراض النفسية الذي يرفض تسليمه الملف الطبي لوالدته.
ولئن حاولت المرشدة الاجتماعية، وهي سوداء أيضًا، والتي يعاتبها على عدم الاستماع إليه أبدًا، المقارنة بين وضعيهما –”إنهما لا يكترثان بأشخاص مثلك، ولا يكترثان بأشخاص مثلي” –فان النقطة المهمة هي أن كل هذه الشخصيات السوداء جزء لا يتجزأ من تنظيم المجتمع الذي يحمّله فليك مسؤولية مشاكله. وبطريقة منحرفة، يبني فيليبس تسلسلاً هرميًا للمرض الاجتماعي الأمريكي، ويضع شخصيته البيضاء غير المحبوبة في أسفل السلّم.
ولأنه لم يجرؤ على دفع الخطاب بعيدًا، فهو يتجاهل المصير المخصص للجارة والطبيبة النفسية السوداء.
مصير يخمنه المتفرج بانه قاتل بالطبع لأن الجوكر يطلق العنان لعنفه في أماكن أخرى. والجمهور يتابع، بعد أن وجد في هذا الوجه القاتم صوتًا موحِّدًا للدمار.
قال جو بايدن منزعجًا خلال الجدل الكارثي بينه وبين منافسه: “من الصعب وضع كلمة مع هذا المهرج”، غير مدرك أنه أفضل ما قال... ولكن بمجرد سقوط المهرج، ماذا سيحدث للجمهور؟