طهران مجدداً تلعب لعبة حافة الهاوية
لماذا ستفشل إيران في محاولة «سُلَيمنة» المنطقة؟
بمناسة مرور عام على اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، نشر وكلاء إيران في الإقليم صوراً ونصباً كثيرة له. وشرح المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط لإعداد التقارير والتحليلات سيث فرانتزمان، أن النصب التذكارية واللافتات هي أمثلة على النفوذ الإقليمي الإيراني في المنطقة. وأضاف في مجلة “نيوزويك” الأمريكية أنها جزء من حملة أوسع تديرها إيران لتحويل سليماني، إلى “شهيد” إقليمي.'
وقتلت الولايات المتحدة سليماني في يناير”كانون الثاني” 2020 بعدما وصل إلى مطار بغداد الدولي للقاء زعيم كتائب حزب الله في العراق، أبو مهدي المهندس. كانت المجموعات الموالية لإيران قد قتلت حينها متعاقداً أمريكياً في كركوك. وردت إدارة ترامب باغتيال سليماني والمهندس فيما كان موكبهما يغادر المطار. أتت الغارة وسط سنة من التصعيد في المنطقة، شهدت إطلاق إيران هجمات بالمسيرات وصواريخ كروز ضد السعودية، وانفجار ألغام بحرية في ناقلات نفطية، وقصف الميليشيات العراقية للمنشآت الأمريكية في العراق. مع أن سليماني كان معروفاً جداً في بعض الدوائر الإيرانية، لكن يُحتفى به عموماً على أنه شخصية مهمة في المنطقة، والنسبة إلى المجموعات المدعومة من إيران مثل حماس، والحوثيين، وحزب الله، فإنه كان لاعباً مهماً في الكواليس. واليوم، يتابع فرانتزمان، تظهر اللافتات الدعائية التي تحمل صوره وأقواله في مناطق خارج الدوائر الإسلامية الشيعية التي تعمل فيها إيران عادة، مَثل الضفة الغربية أو في مناطق عراقية مثل كركوك حيث غالبية السكان غير متعاطفة مع إيران. إن “سُلَيمنة” المنطقة، حسب تعبير فرانتزمان، هي محاولة لاستخدام سليماني لنشر تأثير إيران في الإقليم. وتعهد زعيم حزب الله حسن نصرالله بالانتقام لمقتل الجنرال الإيراني.
أدى سليماني دوراً مهماً في الشرق الأوسط خلال العقود الماضية القليلة. ساعد في إقناع موسكو بالتدخل في الحرب الأهلية السورية الأمر الذي أدى إلى تغيير الخريطة السياسية في البلاد، ونصح الحكومة السورية بتجنيد الميليشيات الشيعية للقتال ضد داعش. تسبب ذلك في تقوية النسخة العراقية من حزب الله في لبنان فغير القوات الأمنية العراقية نحو شبكة أكثر “بلقنةً” تربط بين مجموعات مدعومة من إيران. وعمل أيضاً عن كثب مع نصرالله خلال حرب 2006 ضد إسرائيل. وفي السابق، درست الولايات المتحدة وإسرائيل استهداف سليماني لدعمه الشبكات الإرهابية الإيرانية في المنطقة. الآن، وبعد اغتياله، يستخدم سليماني رمزاً، لربط مجموعات متطرفة لا حصر لها، تدعمها إيران. والرسالة لا ترتبط فقط بالمجموعات الموالية لها. تريد إيران وجه “شهيد” يمكنها استعماله لإظهار دورها في العلن. يُنظر إلى صور المرشد الأعلى علي خامنئي من زاوية ضيقة على أنه شيعي وطائفي.
وبالتالي، فهو يفتقر إلى الجاذبية الواسعة. أما الرئيس الإيراني حسن روحاني فهو موظف صارم ولا يهتم به الجمهور. في المقابل، يقدم سليماني على أنه “جندي نبيل ومتواضع” في مواجهة “الغطرسة” وجزء من “مقاومة” إيران. إن الانتشار الكبير للافتات سليماني عبر المنطقة بعد عام من اغتياله هو مثال على حملة العلاقات العامة الكبيرة التي تقودها إيران، جاء توقيتها لتتزامن مع اقتراب الإدارة الأمريكية الجديدة من تسلم مهامها، وبذلك تريد طهران إيصال رسالة إليها وإلى حلفائها مفادها أن نفوذها الأخطبوطي في المنطقة أصبح أمراً واقعاً.
قد تكون للولايات المتحدة وشركائها معركة صعبة في مواجهة “سُليمنة” المنطقة. لكن فرانتزمان يستدرك بالإشارة إلى أغلبية صامتة في الإقليم لا تشعر برتباطها بهذه القوى، سواء كانوا أكراداً في كركوك، أو مواطنين عاديين في غزة، مزق بعضهم لافتات لسليماني.
يعتقد الباحث أن إيران بالغت في لعبتها. فغالبية المنطقة لا تتعاطف بوضوح مع الجنرال الإيراني الذي وُصف مرة بـ “قائد الظل”. وبالفعل، يرى فرانتزمان أن سليماني كان أنجح في الظل منه ملصقاً لقضية إيرانية في محاولات لفرض الهيمنة على المنطقة.
لعبة الهاوية
تعليقاً على احتجاز إيران ناقلة نفط كورية جنوبية في الخليج العربي، واستئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، رأى أليستير بنكال، مراسل شؤون الدفاع والأمن في قناة “سكاي نيوز” الأمريكية، أن طهران تستعرض عضلاتها قبل وصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن إلى السلطة.
وأوضح بنكال أن التوتر يسود بين طهران وسيول بعد العقوبات الأمريكية التي أدت إلى تجميد الأموال الإيرانية في البنوك الكورية الجنوبية، معتبراً أن إيران لجأت إلى تكتيكها القديم الذي تنتهجه عندما تشعر بالضغط.
وكانت الناقلة الكورية الجنوبية تُبحر عبر مضيق هرمز، عندما استولت عليها سفن الحرس الثوري الإيراني بذريعة تلويث المياه بالمواد الكيميائية.
ورأى بنكال أن هذه الذريعة مشكوك فيها، مرجحاً أن الدافع الحقيقي لهذه الخطوة الإيرانية هو “الانتقام من تجميد 7 مليارات دولار من أموال الحكومة الإيرانية في حسابات كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الأمريكية».
وتدعي إيران أنها في حاجة إلى المال لشراء المعدات واللقاحات لعلاج كورونا، لكن العقوبات الأمريكية تستثني المعدات الطبية، وفي الأشهر الأخيرة حاولت إيران دون جدوى إقناع سيول بالإفراج عن هذه الأموال.
واعتبر بنكال أن توقيت الحادثة لم يأت صُدفة، حيث من المُقرّر أن يزور نائب وزير خارجية كوريا الجنوبية طهران في الأيام المقبلة “وهذه الحادثة ستُعزز موقف إيران في المفاوضات».
في عام 2019 ، حاول الحرس الثوري مراراً وتكراراً الإستيلاء على ناقلات ترفع العلم البريطاني انتقاماً من احتجاز سفينة إيرانية قبالة جبل طارق. وبالفعل، نجح في النهاية، واستولى على “ستينا ايمبيرو».
وقبل أسابيع من تلك الحادثة، تعرّضت ناقلات نفط في الخليج لإنفجارات تزامناً مع زيادة إدارة دونالد ترامب العقوبات ضدّ النظام الإيراني، رغم نفي طهران أي علاقة لها بالأمر.
وخلال هذه الفترة، يسود توتر جديد بين إيران والولايات المتحدة، بعد مرور عام على مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة أمريكية في بغداد، و”قد ترغب إيران في الاحتفال بهذه الذكرى بطريقة ما”، وفقاً لبنكال.
ومن المُتوقع أن يُحاول ترامب منع جو بايدن من العودة إلى الإتفاق النووي مع إيران، وأُرسلت قاذفات “بي 52” إلى الشرق الأوسط، فيما أُبقي على حاملة الطائرات “يو أس أس نيميتز” في منطقة الخليج لفترة أطول مما كان مُقرراً.
وأعلنت إيران، من جهتها، استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، في خرق للإتفاق النووي لعام 2015 الأمر الذي يُسرع بشكل كبير وصول طهران إلى سلاح نووي.
وقبل عقد من الزمن، أقدمت طهران على عملية مُشابهة كادت أن تؤدي إلى هجوم من جانب إسرائيل.
وختم بنكال قائلاً: “مرة أخرى، نحن أمام لعبة حافة الهاوية، من ناحية، هناك رئيس منتهية ولايته ليس لديه الكثير ليخسره. ومن ناحية أخرى، بدأ المُتشددون الإيرانيون يستعرضون عضلاتهم قبل أن يصل بايدن إلى السلطة».