يُنظر إلى نموّها الاقتصادي على أنه تهديد

لن تختلف سياسة بايدن الصينية عن سياسة ترامب...!

لن تختلف سياسة بايدن الصينية عن سياسة ترامب...!

-- سيكون التوتر حتميّـا مع الولايـات المتحـدة إذا قررت بكين القيـام بعمـل عســكري ضـد تايوان
-- لا تطرح الصحافة الصينية إمكانية حدوث تغيير حقيقي في علاقة الولايات المتحدة بالصين
-- سيكون هناك تغيير في الأسلوب، واستمرارية في المضمون
-- كان هناك اهتمام صيني خاص بالولايات المتحدة منذ أكثر من قرن
-- أنتونــي بلينكين: دونـالـد ترامب كان محقّا في اتخاذ موقــف حــازم ضــد الصين
-- يخشى القادة الصينيون ألا يكتفي جو بايدن بالمعركة الاقتصادية فقط


   من الموقف من وباء كورونا فيروس إلى إدارة نفقات الميزانية، ومن الوعود بالحد من التفاوت الاجتماعي إلى متطلبات القانون والنظام في الولايات المتحدة، كانت الاختلافات في وجهات النظر كبيرة بين برنامجي جو بايدن ودونالد ترامب. في المقابل، لا يبدو أن طريقة التعاطي مع المسألة الصينية متباعدة جدا بالنسبة للرئيس المنتهية ولايته وخليفته.

   كان دونالد ترامب أول رئيس أمريكي يتفاعل بحزم مع صعود الصين. عام 2017، قرر الحد من الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، وفرض ضرائب متزايدة على كمية كبيرة من المنتجات عند وصولها إلى الأراضي الأمريكية. ولم يقلب اي اتفاق مع الصين هذا الاتجاه.
   كما تم تشديد العقوبات المفروضة على الشركات الصينية في 11 يناير: حظر مرسوم رئاسي على الأمريكيين الاستثمار في الشركات التي تعمل مع الجيش الصيني. وفي نفس الوقت، ونفس اليوم، أوقفت واشنطن جميع المعاملات مع 31 شركة صينية منها تشاينا موبايل وتشاينا تليكوم ويونيكوم، أكبر ثلاث شركات اتصالات هاتفية صينية.
 
في يوم تنصيب بايدن نفسه، ردت الصين بإعلان عقوبات ضد 28 من مسؤولي إدارة ترامب ورجال أعمال مقربين منه. ولن يتمكن هؤلاء بعد الآن من دخول الأراضي الصينية أو الاتصال بالشركات في الصين، ويشمل هذا الحظر مايك بومبيو، وزير خارجية ترامب.

التمسك بالحزم
 ضد الصين
   في 19 يناير، تم الاستماع لأنتوني بلينكين من قبل مجلس الشيوخ، الذي سيثبّت تعيينه وزيراً لخارجية الرئيس الجديد. واعتبر أن دونالد ترامب “كان محقّا” في اتخاذ “موقف حازم ضد الصين”، وأضاف: “كان المبدأ الأساسي صحيحًا”.
 لكنه انتقــد هذا الحزم أيضًا لكونه مصحوبًا بشكل أحادي الجانب.
“يجب أن نواجه الصين من موقع قوة وليس ضعف”، شدّد أنتوني بلينكين، مضيفًا أنه من المهم “العمل مع الحلفاء بدلاً من تشويه سمعتهم، والمشاركة في قيادة المؤسسات الدولية بدلاً من الانسحاب منها».

   يذكر أن دونالد ترامب قرّر سحب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، وكذلك من اتفاقية باريس للمناخ. وصدر قرار بعودة أمريكا الشمالية إلى هذه المعاهدة الأخيرة عندما تولى جو بايدن منصبه... قرار رحبت به الصحافة الصينية على الفور.
   وتؤكد كلمات وزيرة الخارجية الجديد، أن الولايات المتحدة ستسعى لاحتواء التوسع التجاري للصين. ولهذا، هناك اختلاف آخر مع دونالد ترامب، حيث أعلن جو بايدن خلال حملته الانتخابية أنه سيسعى إلى تقريب وجهات النظر مع الدول الأوروبية. وبالتوازي، يجب على الولايات المتحدة أن تنظم محورًا جديدًا حولها يجمع حلفاءها من حوض المحيطين الهندي والهادئ مثل الهند وأستراليا واليابان.

   وعلى خلاف دونالد ترامب، أتيحت الفرصة لجو بايدن للتعاطي مع القضية الصينية قبل انتخابه. فقد قام بعدة رحلات إلى الصين كعضو برلماني، ثم عندما كان نائب رئيس باراك أوباما، كلّفه هذا الاخير بمهام مختلفة في بكين.
   وهكذا تسنى له مقابلة شي جين بينغ، الذي أصبح رئيسًا لدولة الصين، على وجه الخصوص عام 2013.
 وعنه، صرح جو بايدن خلال حملته الانتخابية: “هو شخص ليس فيه أدنى عظم من الديمقراطية في عموده الفقري”... علامة على عدم وجود تقارب خاص بين الرجل الأمريكي الاول الجديد ونظيره الصيني.

سلسلة من سوء الفهم
   على مدى السنوات الأربعين الماضية أو نحو ذلك، استندت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين الشيوعية دون شك إلى سلسلة من سوء الفهم. على الجانب الصيني، منذ أكثر من قرن كان هناك اهتمام خاص بالولايات المتحدة، الدولة الواقعة على الجانب الآخر من المحيط الهادئ. حتى عام 1972، في خضم الثورة الثقافية، تحولت الصين نحو أمريكا ريتشارد نيكسون عندما اعتقدت أنها مهددة من قبل الاتحاد السوفياتي. ثم تمت دعوة الرئيس الأمريكي للحضور ومقابلة ماو تسي تونغ، ومن هناك بدأت المبادلات الصينية الأمريكية في التطور.

   لقد اتخذوا توجها اقتصاديا في الثمانينات، بدفع من دنغ شياو بينغ، الذي قرر إطلاق بلاده على طريق التنمية الاقتصادية. من الجانب الأمريكي، كانت هناك قناعة بأن الصين ستصبح ديمقراطية أكثر عن طريق التنمية. في حين أصبحت الولايات المتحدة، بالنسبة للصين، ساحة تجارية فضلاً عن قوة اقتصادية يجب مساواتها ثم تجاوزها.
   منذ أواخر التسعينات، أصبح فهم طريقة عمل الرأسمالية الأمريكية أولوية بالنسبة للنظام الشيوعي الصيني. سافر عدد كبير من الطلاب الصينيين، الذين تم اختيارهم من بين الأفضل، للدراسة ببراعة في أكثر الجامعات شهرة في الولايات المتحدة، من بينهم على وجه الخصوص، شي مينغزي، ابنة شي جين بينغ الوحيدة التي ولدت عام 1992.

   عام 2012، عندما أصبح والدها أمينًا عامًا للحزب الشيوعي الصيني، انهت -تحت اسم مستعار ولكن برفقة حارسين شخصيين باستمرار -دورة في جامعة هارفارد.
   عام 2019، كان هناك 370 ألف شاب صيني يدرسون في الولايات المتحدة، أساسا في مجالات الاقتصاد أو العلوم. وعلى مر السنين، اختار معظمهم العودة إلى الصين، ويعملون الآن في شركات صينية حيث يتقاضون أجورًا مريحة، ويعتمدون أساليب إدارة على الطراز الأمريكي.
   في الولايات المتحدة، ظهرت الصين في التسعينات كسوق رئيسية محتملة. أنشأت العديد من الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، فروعا هناك أو انتقلت بالكامل. وكان عليها، كما هو الحال مع أي شركة أجنبية في الصين، التعاون على قدم المساواة مع شركة صينية.

   وبمرور السنوات، تم، على نطاق واسع، تصدير عدد من التقنيات الأمريكية مصحوبة برؤوس اموال إلى الصين. وبينما شرعت هذه الاخيرة في إنتاج جميع أنواع السلع المصنعة منخفضة التكلفة، التي تم بيع الكثير منها في الولايات المتحدة، تم وضع العائدات التي جناها الاقتصاد الصيني في أذون الخزانة الأمريكية وهي تمثل ما يعادل 1000 مليار يورو. وتعد الصين حاليًا أكبر دائن للولايات المتحدة، وهذا لا يعني أن مثل هذا الدين سيكون من السهل اعادة بيعه.

وعي بالخطر الصيني
   في منتصف عام 2010، بدأ الأمريكيون يلاحظون أن الإنتاج الصيني آخذ في التحسن، الى درجة أنه بدأ ينافس الصناعة الأمريكية. والمثال الأكثر رمزية هو قطاع الاتصال الهاتفي مع شركة هواوي وتقنية الجيل الخامس. ومن خلال ملاحظة هذا التقدم في الاقتصاد الصيني واعتباره تهديدًا، قرر دونالد ترامب الرد بجعل الوصول إلى جميع أنواع المنتجات الصينية في السوق الأمريكية أكثر صعوبة.
   الآن، ان التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة، واعاقه حجم وباء كورونا فيروس، هو الحفاظ على موقعها في مواجهة الصين، التي تمكنت من الحفاظ على معدل نمو لا يقل عن 1 بالمائة. ولن يدفع هذا الرئيس الجديد الى مراجعة الرسوم التي فرضها دونالد ترامب على الصين لحماية السوق الأمريكية. وحول هذه النقطة، يبدو أن هناك إجماعًا بين الديمقراطيين والجمهوريين، وكذلك في الرأي العام الأمريكي.

   في الاثناء، قد يخشى القادة الصينيون ألا يكتفي جو بايدن بالقتال على جبهة القضايا الاقتصادية. تقليديا، باسم القيم الكونية التي يدعمها العالم الغربي، اهتم الديمقراطيون     الأمريكيون بحالة حقوق الإنسان في الصين. وفي واشنطن، هناك استعداد للتنديد بمصير الأويغور في شينجيانغ أو وحشية السيطرة الصينية على هونغ كونغ. من جهة اخرى، فإن التوترات ستكون حتمية مع الولايات المتحدة إذا قررت بكين القيام بعمل عسكري ضد تايوان. لن يبقى الجيش الأمريكي متفرّجا، وسيبدأ العمل لحماية الجزيرة القومية دون أن يكون ممكنا معرفة إلى أي مدى يمكن أن تذهب المواجهة.

   موضوع آخر: امكانية وقوع حادث دبلوماسي صيني أمريكي خطير إذا التقى جو بايدن بالدالاي لاما، وسبق ان أعلن الرئيس الأمريكي الجديد رغبته في مثل هذا اللقاء. وتعتبر بكين الزعيم الروحي للتبتيين “انفصاليًا خطيرًا”. ولهذا السبب، على مدار عشرين عامًا أو نحو ذلك، تجرأ عدد قليل من رؤساء الدول الغربية على استقباله.

    بعد أسبوعين من انتخابه، أرسل الرئيس شي جين بينغ، أخيرًا، برقية إلى الرئيس جو بايدن، ليعلمه أنه على بلديهما “تجنب أي صراع أو صدام، والتمسك بالاحترام المتبادل، وبروح التعاون المربح للجانبين” من اجل تعزيز “القضية النبيلة” للسلام والتنمية. إعلان تهدئة يتناقض مع الاستراتيجية الصينية التي تهدف إلى تعزيز إمكانيات التنمية الاقتصادية للبلاد حول العالم. فبالإضافة إلى الاتفاقيات المبرمة مع العديد من الدول في منطقة المحيط الهادئ، وقّعت بكين اتفاقية تجارية مع أوروبا شجعتها أنجيلا ميركل بشدة.

    لقد قدمت الصحافة الصينية سردًا وقائعيًا لتنصيب جو بايدن في 20 يناير. وهي لا تجرؤ على التفكير في إمكانية حدوث تغييرات حقيقية في علاقة الولايات المتحدة بالصين. وفي الوقت نفسه ، أشارت افتتاحيات الصحف الصينية الكبرى إلى رغبة في الابتعاد عن السلوك الأمريكي خلال سنوات ترامب.

تغيير في الأسلوب
   ومع ذلك، يمكن توقّع أن يكون أسلوب الرئيس الجديد وحزامه مختلفا تجاه الصين. فيما يتعلق بـ كوفيد-19، على وجه الخصوص، حيث يحتمل ألا يصنفه البيت الأبيض بشكل منهجي على أنه “فيروس صيني”، كما كان الحال مع دونالد ترامب. ففي نظر جو بايدن، ربما لا يكون مثل هذا التوصيف العنيف مفيدا.
   لكن، بالنسبة لواشنطن، فإن الأمل في انفتاح اقتصادي وسياسي حقيقي لنظام بكين لم يعد هدفًا واقعيًا.

خاصة أن صعوبة العلاقات الصينية الأمريكية في السنوات الأخيرة أدت إلى إلحاق أضرار جسيمة بجاذبية الديمقراطية الأمريكية بين جمهور المثقفين الصينيين. ولم يتحسن رأي هؤلاء مع الاضطرابات التي احاطت بتسليم السلطة في واشنطن. ومع ذلك، على الجانب الصيني، لا تزال أبواب استئناف العلاقات السلمية مع الولايات المتحدة مفتوحة، وتشير بعض الافتتاحيات في الصحف الكبرى إلى أنه يمكن استكشاف هذا المسار.

    هل يمكن للقادة الصينيين الموافقة على تجديد الحوار مع الولايات المتحدة؟ لقد دفعتهم سنوات ترامب إلى الاعتقاد بأنّ هذه طريق مسدودة... إن الأمر متروك الآن لجو بايدن ليحاول أم لا  تدشين مقاربة أخرى للعلاقات مع الصين.