بكين تسير على خيط رفيع:

لهذا أوكرانيا ليست تايوان...!

لهذا أوكرانيا ليست تايوان...!

-- ضم أوكرانيا أو أجزاء من أوكرانيا، أو غزو أو الاستيلاء على كييف ينتهك الموقف الصيني القائل إن السيادة مقدسة
-- تنظر الصين إلى الغزو الروسي على أنه ساحة اختبار
-- لا يريد الرئيس الصيني أن تستمر العلاقات الصينية الأمريكية المتردية أصلا في التدهور أكثر
-- سير الأحداث في أوكرانيا سيكون ذا أهمية حاسمة في سياسة الصين المستقبلية تجاه جارتها الروسية
-- تتقدم موسكو وبكين معًا لوضع حد لهيمنة الولايات المتحدة وإعادة تعريف القواعد الدولية على أسس جديدة


   من يستطيع أن يقول إلى متى ستقاوم كييف؟ منذ بدء هجومه الخميس 24 فبراير قبل الفجر بقليل، يبدو أن الجيش الروسي انطلق في غزو لا يرحم لأوكرانيا، لأن ميزان القوى لصالحه، وخاصة أن الولايات المتحدة لن ترسل جنديًا عسكريًا واحدًا للدفاع عن بلد فولوديمير زيلينسكي. في المقابل، سيكون الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة لجيش التحرير الشعبي الصيني في السيطرة على تايوان. وهذا يشير إلى أن شي جين بينغ يمكن أن يمتنع عن الذهاب بعيدًا إلى جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

   يوم الجمعة، 25 فبراير، اتصل شي جين بينغ بفلاديمير بوتين. وأوصى الرئيس الصيني نظيره الروسي بأن “يتخلى عن عقلية الحرب الباردة ويحترم ويولي أهمية للمخاوف الأمنية المعقولة للدول الأخرى، وأن يبني من خلال المفاوضات آلية أمنية في أوروبا متوازنة وفعالة ومستدامة».    ووفقًا لوسائل الإعلام الصينية، شرح بوتين لشي أسباب إطلاق “عمليته العسكرية الخاصة”: حسب الرئيس الروسي، فإن الولايات المتحدة “تجاهلت منذ فترة طويلة المخاوف الأمنية المشروعة لروسيا، وتراجعت عن التزاماتها، وواصلت تشجيع الانتشار العسكري في الشرق، متحدية الخط الأحمر الاستراتيجي لروسيا «.    إن بكين تسير على خيط رفيع... ممتنعة في الأمم المتحدة، ترفض الصين حتى الآن التحدث عن “غزو” لأوكرانيا أو إدانة عمل روسيا، حليفتها الوثيقة. كيف يمكنها أن تفعل ذلك بينما يخطط شي جين بينغ لـ “إعادة توحيد” تايوان مع الصين، بالقوة إذا لزم الأمر، وخلال الجيل الحالي الحاكم في بكين؟ إن الحرب في أوكرانيا، يفحصها الحزب الشيوعي الصيني عن كثب، ولا شك أنه “سيوقف” خططه لغزو تايوان على هذه النتيجة.

موقف الأمريكيين
   ولكن، هناك اختلافات كثيرة بين أوكرانيا وتايوان. في مواجهة الأراضي الأوكرانية، حشد الرئيس الروسي منذ أسابيع أكثر من 170 ألف رجل.
 وهذه القوة الهائلة ستلتهم أوكرانيا.
 فهذه الدولة، التي ليست عضوًا في الناتو، تخلى عنها الغرب عسكريا.
   حالة تايوان مختلفة تمامًا. أولاً لأنها أرخبيل: ليس للجيش الصيني خبرة في الهبوط على شواطئ معادية حيث تستعد مقاومة الجيش التايواني منذ سنوات.
 ثم، في حال العدوان الصيني على فورموزا القديمة، حذرت الولايات المتحدة من أنها لن تقف مكتوفة الأيدي. بالإضافة الى ان اليابان وأستراليا والهند وفيتنام وبدرجة أقل نيوزيلندا وكوريا الجنوبية أشارت إلى أنها ستقف إلى جانب القوات الأمريكية في حال اندلاع مثل هذا الصراع.

   من الواضح أن الإغراء قوي بالنسبة لـ شي جين بينغ لإبرام تحالف عسكري مع روسيا والاستفادة من حقيقة أن الغرب مستغرق في الأزمة الأوكرانية ليأخذ زمام المبادرة ويأمر جيشه بخوض المعركة.
 في 4 فبراير، شدد الرئيسان الروسي والصيني على أن العلاقات بين الجارين الكبيرين لم تكن أبدًا بمثل هذه المتانة.
    لكن هناك أيضًا فرقًا كبيرًا: إذا كان بالإمكان الاعتقاد أن فلاديمير بوتين قرر وفقًا لأوهام غير عقلانية إحياء الإمبريالية السوفياتية، فإن شي جين بينغ، هو عكس ذلك تمامًا.

 إنه رجل ذكي وحكيم وعقلاني، وباعتباره استراتيجيًا بارعًا، سيكون حريصًا على عدم اتخاذ قرار متسرع دون أن يكون متأكدًا تمامًا من الفوز في حرب مفترضة في تايوان.
   بالتأكيد أن حلم استعادة الإمبراطوريات القديمة تتقاسمه موسكو وبكين، وتعمل الدولتان على تنسيق إجراءاتهما لإعادة صياغة النظام العالمي بشكل أفضل لصالحهما. “بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يريدون التقليل من التقارب الصيني الروسي والتنسيق الوثيق المتزايد لأجندتهما الجيوسياسية، سيكون يوم الاثنين “21 فبراير” بمثابة توكسين، كتب فريديريك كولر في صحيفة لوطون اليومية السويسرية:

“تتقدم موسكو وبكين معًا لوضع حد لهيمنة الولايات المتحدة وإعادة تعريف القواعد الدولية على أسس جديدة تشترك العاصمتان في تبنيها «.
هاجس النمو
   ومع ذلك، هل هو شهر العسل حقا؟ لا، لأسباب أخرى كذلك. هل نحتاج إلى التذكير بأن الصين أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا يضاهي مثيله في إسبانيا؟ ولهذا، فإن للرئيس الصيني القليل من الشهية للمشاركة في عملية عسكرية، من المؤكد أنها ستكون مكلفة للغاية بالنسبة للاقتصاد الروسي، الذي هو اصلا في حالة سيئة. يفضل شي جين بينغ التركيز على متابعة التنمية الاقتصادية لبلاده، وهو مجال تمر فيه الصين ببعض الاضطرابات المقلقة منذ بضع سنوات، لأن سيد الصين الشيوعية يعرف جيدًا : أن السعي لتحقيق النمو الاقتصادي هو أفضل ضمان للحماية من عدم الاستقرار الاجتماعي، وبالتالي عدم الاستقرار السياسي.

   قبل ساعات من بدء الغزو في أوكرانيا، اتهمت الولايات المتحدة موسكو وبكين بتوحيد قواهما لإنشاء نظام عالمي جديد “غير ليبرالي للغاية”.
 لكن المتحدث باسم أمانة الدولة، نيد برايس، أضاف على الفور أنه لا تزال هناك فرصة للصين لاستخدام نفوذها لدعوة فلاديمير بوتين إلى التفكير. جدير بالذكر أن الرئيس الروسي انتظر حتى نهاية الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين للاعتراف بالمنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا وبدء الأعمال العدائية... لفتة مهمة تهدف إلى عدم إحراج الصين.

   لكن اليوم، علينا أن نواجه الحقائق: لقد فشلت جهود بكين لإقناع فلاديمير بوتين بالا تتكلّم الأسلحة.
 إذن، السؤال المطروح:
ماذا ستفعل الصين إذا استمر هذا الصراع في التصعيد؟ كما قال جون كولفر، مسؤول مخابراتي أمريكي سابق نقلا عن بي بي سي، “إن ضم أوكرانيا أو أجزاء من أوكرانيا، أو غزو أو الاستيلاء على كييف، ينتهك الموقف الصيني القائل إن السيادة مقدسة”.
 قد يكون الأسوأ بالنسبة للحزب، هو انحراف محتمل للصينيين الذين تركوا لأنفسهم لتحليل المعلومات الواردة من كييف، مما قد يدفعهم إلى بلورة رأيهم الخاص، وهي فكرة لا تحتمل بالنسبة لنظام بكين.

   أخيرًا، قرار بوتين بغزو أوكرانيا ليس آمنًا سياسيًا لشي جين بينغ.
 أظهرت استطلاعات الرأي أن السكان الروس ليسوا متحمسين جدا بشأن مدى هذا الصراع والخسائر البشرية الكبيرة التي قد يتسبب فيها. ومن الواضح أن الأوكرانيين سيحاولون مقاومة هذا العدوان بكل الوسائل.
 وقد تكون من العواقب طويلة المدى لهذه الحرب، هي سقوط فلاديمير بوتين. لأنه لا شك في أن السكان الروس، المتضررين اقتصاديًا، سيعانون من العقوبات السابقة والجديدة أو التي سيقررها الغرب.

هاجس المجهول
   علاوة على ذلك، من المحتمل ألا يتخذ شي جين بينغ نفس المسار لسبب بسيط وهو أن خسران الحرب في تايوان سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى سقوط الحزب الشيوعي الصيني، وبالطبع سقوط سيّده معه.
ونقلت صحيفة ليبراسيون اليومية، عن ياكوب جاكوبوسكي، الخبير الصيني في مركز الدراسات الشرقية، أن “الصين تنظر إلى الغزو الروسي على أنه ساحة اختبار... ولن تستخدم الصين الأزمة في أوكرانيا لغزو تايوان، ولكن لاختبار جو بايدن والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والتعاون بين برلين وباريس وواشنطن.

 من المؤكد أن بكين ستستخلص دروسا من هذا الملف».
   الخميس، 24 فبراير، كانت الإدانات في جميع أنحاء العالم ضد الأمر الواقع في أوكرانيا بالإجماع. لكن لا ترغب بكين في أن تجد نفسها ذات يوم في نفس الوضع، وأن تصبح دولة منبوذة من المجتمع الدولي. ولا رغبة ايضا في التسبب في مزيد من التدهور في علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاثين عامًا، بينما تواصل الصين تخوفها من القوة العسكرية الأمريكية.
   أخيرًا، إذا كان هناك شيء يمقته النظام الصيني، فهو عدم القدرة على التنبؤ. وها ان بوتين كان في هذه الخانة خلال هذه الأزمة الأوكرانية، ويدرك شي جين بينغ هنا أنّ نظيره الروسي قد لا يكون “صديقًا” جديرًا بالثقة.

   وبالتالي، تغيرت لهجة السلطات الصينية يوم الخميس، ومن الواضح أنها كانت مع تخفيف حدة التصعيد: “الوضع في أوكرانيا يمر بلحظة حرجة والصين قلقة للغاية، قال تشانغ جون، سفير الصين لدى الأمم المتحدة، إنه يتعين على جميع الأطراف ممارسة ضبط النفس وتجنب المزيد من تصعيد التوترات. نعتقد أن باب الحل السلمي لمسألة أوكرانيا ليس مغلقا بالكامل ولا ينبغي إغلاقه، وتدعو الصين جميع الأطراف إلى الاعتراف بأهمية مبدأ الأمن غير القابل للتجزئة ومواصلة الحوار والمفاوضات بهدف البحث عن حلول معقولة من خلال الوسائل السلمية على أساس المساواة والاحترام المتبادل».

   خلال الاجتماع بين بوتين وشي في 4 فبراير قبل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، تفادى الرجل الأول الصيني الانحياز إلى روسيا ضد أوكرانيا. وجاء في بيان مشترك بين الصين وروسيا بشأن نتيجة المحادثات، أن “الصين تتعاطف مع وتدعم مطالب موسكو بإنهاء توسع الناتو، وهو ما يعتبره البلدان تجسيدا لتحالفات الحرب الباردة”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا البيان الصحفي لا يشير صراحة إلى أوكرانيا، بل التركيز على التعاون الاقتصادي بين روسيا والصين.
   بعد فترة وجيزة، أوضح وزير الخارجية الصيني وانغ يي موقف الصين، موقف واضح وضوح الشمس. السيادة هي “معيار للعلاقات الدولية وارد في ميثاق الأمم المتحدة، وهذا هو موقف الصين المبدئي أيضًا، وهو ينطبق أيضًا على أوكرانيا».

كراهية الانفصال
   في الواقع، يعكس رفض بكين الاعتراف بالدول الانفصالية رغبة النظام الصيني في تجنب المقارنات حول هذا الموضوع مع تايوان أو التبت أو شينجيانغ. لم تعترف الصين بضم شبه جزيرة القرم عام 2014. وردت الصين رسميًا على “اعتراف روسيا بمنطقتين انفصاليتين” في أوكرانيا من خلال صوت وزير خارجيتها، “يحتفظ الجانب الصيني بموقف ثابت بشأن أوكرانيا..
 وهو أن أي دولة يجب أن تكون قادرة على احترام مخاوفها الأمنية المشروعة، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة”، خلال مقابلة مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين.

   وأضاف الجانب الصيني، الذي يلتزم بالحفاظ على التواصل مع الجميع، أن التطور الحالي لـ “المسألة الأوكرانية” يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعدم تنفيذ اتفاقيات مينسك لعام 2015.
 إن عملية الموازنة هي الأكثر خطورة بالنسبة لبكين حيث يمكن دائمًا إثارة مسألة تايوان. خلال مؤتمر صحفي، سئل متحدث باسم الوزارة عما إذا كانت القضايا الأوكرانية والتايوانية متشابهة، وأشار إلى الموقف الصيني، وهو أن “تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وهي حقيقة لا يمكن دحضها تاريخيا».

   من جانبها، لم تعبر الحكومة التايوانية رسميًا عن موقفها منذ بدء غزو أوكرانيا، لكن ردود فعل الفضاء السياسي تظهر حساسية كبيرة تجاه المسألة الأوكرانية. وهكذا نقلت الوكالة التايوانية الرسمية تحليل تشاو تشون شان، المتخصص التايواني في السياسة الصينية، والذي قال إن بكين تواجه صعوبة بسبب الاعتراف الروسي باستقلال المنطقتين الانفصاليتين الأوكرانيتين.
   «الحل الوحيد هو المحافظة على مسافة لتفادي ربط القضيتين “أوكرانيا وتايوان”، يرى تشاو تشون شان، مدير الأبحاث في مركز تحليل البر الرئيسي الصيني بالجامعة، إن فصل جزء من شـــــــعب عن شعبه إلى دولتين، ليصبح “دولة داخل البلد”، أمر مشابه للغايــــــة للوضع في تايوان، ولا يمكن للصين بطبيعة الحال أن تحذو حذوها وتعترف هي نفسها بهذه الدولة الصغيرة «.

   إن كيفية سير الأحداث في أوكرانيا في الأيام أو الأسابيع المقبلة سيكون ذا أهمية حاسمة في سياسة الصين المستقبلية تجاه جارتها الروسية.
 وسيواكب شي جين بينغ الأحداث بأكبر قدر من الاهتمام، وسيستخلص الدروس منها في سلوكه فيما يتعلق بتايوان.
 لكن من اللحظة، لعلّه لاحظ أن مغامرة فلاديمير بوتين ولدت تضامنًا غير مسبوق منذ عام 1945 في المعسكر الغربي، ومن المؤكد أن الرئيس الصيني لا يريد أن تستمر العلاقات الصينية الأمريكية المتردية اصلا في التدهور أكثر.

مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.