تحت رعاية رئيس الدولة.. خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل تخريج جامعة خليفة لعام 2025
الحرب في أوكرانيا:
ما الذي يمكن أن نتعلمه من أزمة الصواريخ الكوبية...؟
-- ما يحدث الآن في أوكرانيا مختلف تمامًا عما حدث عام 1962 في كوبا، والحلول المطلوبة يجب أن تكون أيضًا مختلفة تمامًا
-- قد تكون الأزمات المتشابهة في الظاهر مختلفة جدًا بحيث لا يمكن استخلاص أي درس
-- لئن كان من المفيد استخلاص الدروس من التاريخ، فإن المقارنات مع الماضي قد تكون مضللة في بعض الأحيان
دفع احتمال أن تتحول الحرب التي تشنها روسيا إلى حرب نووية العديد من المراقبين إلى استحضار هذه الحلقة الرئيسية من الحرب الباردة. ومع ذلك، فإن الحالتين مختلفتان تمامًا.
يبدو أن أزمة الصواريخ الكوبية عل كل الشفاه، وفي وقت مناسب تمامًا لعيد ميلادها الستين.
حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن في 6 أكتوبر، من أن تهديد الرئيس فلاديمير بوتين باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا أثار “احتمال حدوث كارثة” غير مسبوقة “منذ أزمة الصواريخ الكوبية وكينيدي”. ومثلما تمكن جون فيتزجيرالد كينيدي من إبرام صفقة لحفظ ماء الوجه مع نيكيتا خروتشوف لإزالة صواريخه من كوبا عام 1962، تساءل جو بايدن عن نوع الصفقة التي قد تشجع بوتين اليوم على سحب قواته من أوكرانيا. وقال “نحاول معرفة ما هو المخرج المناسب لبوتين». لجأ عدد لا يحصى من المحللين والصحفيين والمعلقين إلى نفس المقارنة -لوصف حجم المخاطر واقتراح مخرج دبلوماسي.
ومع ذلك، لئن كان من المفيد استخلاص الدروس من التاريخ، فإن المقارنات مع الماضي قد تكون مضللة في بعض الأحيان، وقد تكون الأزمات المتشابهة في الظاهر مختلفة جدًا بحيث لا يمكن استخلاص الدروس.
هناك قول مأثور مفاده أن “التاريخ لا يعيد نفسه، ولكنه غالباً ما يتناغم”.
صحيح، لكن في بعض الأحيان لا يتناغم على الإطلاق.
لنقولها بوضوح: ما يحدث الآن في أوكرانيا مختلف تمامًا عما حدث عام 1962 في كوبا، والحلول التي يجب إيجادها لإنهائها يجب أن تكون أيضًا مختلفــــــة تمامــــًا، ولأكـون صادقًا، قد لا يكون هناك حلا صالحا.
بوتين
ليس خروتشوف
لنذكّر بإيجاز كيف اندلعت أزمة الصواريخ الكوبية. في أكتوبر 1962، رصدت طائرات تجسس من طراز U-2 أن الاتحاد السوفياتي كان ينصب صواريخ نووية في كوبا. نظم كينيدي حينها حصارًا بحريًا للجزيرة وهدد بتدمير الصواريخ.
بدا الوضع وكأنه وصل إلى طريق مسدود وأصبح أكثر توترًا، إلى أن وافق خروتشوف، بعد ثلاثة عشر يومًا، على سحب صواريخه من كوبا إذا سحب كينيدي صواريخ أمريكية مشابهة جدًا من قواعده في تركيا.
وخلافًا لنصيحة جميع مستشاريه، وافق كينيدي على الاتفاقية، بشرط أن تظل بنود الصفقة من الجانب الأمريكي سرية (وظلّ هذا هو الحال طيلة عشرين عامًا).
في مطلع فبراير 2022، عندما كــــــان بوتين يستعد لغزو أوكرانيا، حاول جو بايــــدن وكبار مساعديه (تذكروا بوضوـح الصفقة بين كينيدي وخروتشوف) إيجاد طريقـــــة للســـــماح للزعيم الروسي بالانســـــحاب وحفـــــظ ماء الوجه.
كان بوتين قلقًا من خطر انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وأبلغه مبعوثو بايدن أن ذلك لن يحدث إذا تراجع.
كما عرضوا عليه حوارًا مفتوحًا حول أي مخاوف أخرى قد تكون لدى بوتين بشأن التقارب المحتمل بين حكومة كييف والغرب.
لذلك، هذا هو الفارق الأول بين كوبا عام 1962 وأوكرانيا عام 2022. كان خروتشوف يأمل في مخرج.
فحالما اكتشفت الولايات المتحدة أنه ينصب صواريخ، أدرك أنه سيتعين عليه الاستسلام. في المقابل، يبدو من الواضح الآن، وبأثر رجعي، أن بوتين لم يكن مهتمًا (ولا يزال غير مهتم) بالتراجع.
مهمتهم، منع الحرب
في الواقع، نمت طموحاته مع تقدم الحرب. عندما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه أعاد النظر في طلبه الانضمام إلى الناتو، رفع فلاديمير بوتين الرهان ، متهمًا أوكرانيا بارتكاب “إبادة جماعية” في المقاطعات الشرقية من البلاد، قبل اتهام حكومة زيلينسكي بأنها “نازيــــــة”، وأخيرًا، إنكار سيادتها على أوكرانيــــا، وضم المناطق التي احتلتها القوات الروسية، مع التفكير في إعادة البلد بأكمله في حضن موسكو (كما في زمن الإمبراطورية الروسية).
ومن الصعب العثور على مكان هنا لتقديم تنازلات تحفظ ماء الوجه.
الاختلاف الثاني، والأكثر وضوحًا، هو أنه لم يتم تبادل أي طلق للنار عند إبرام اتفاقية عام 1962.
اه، مع استثناءين: في اليوم الأخير من أزمة الصواريخ، تم إسقاط طائرة جوسسة أمريكية من طراز U-2 فوق كوبا (حركة لم يأذن بها أي ضابط سوفياتي).
قبل ذلك، أطلقت سفينة أمريكية شحنة عميقة، وهي لفتة اعتبرها خطأ قائد غواصة سوفياتية هجوما، مما دفعه للاعتقاد بانه تم إعلان الحرب، وأصدر أمرا بإطلاق طوربيد نووي (وهو أمر من حسن الحظ، رفض أحد مرؤوسيه الانصياع إليه).
هذا هو أحد الدروس الكبرى في أكتوبر 1962: لئن كانت هناك لحظات اقتربت فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من الحرب خلال هذه الأزمة، فقد كان ذلك جراء وقوع حوادث، أو أن فاعلين مندفعين أساؤوا تفسير ما شاهدوه. من المهم أن يحتفظ الأشخاص الموجودون في أعلى سلاسل القيادة بالسيطرة المطلقة.
ونحن محظوظون لأنه في ذلك الوقت، أراد كينيدي وخروتشوف تجنب الحرب.
الشيء المهم هو أن مهمتهم (وهو ما يسمح بقياس نجاحهم) كانت منع انفجار الحرب. ومن نواح كثيرة، كانت مهمة أسهل من المهمة التي يواجهها بايدن وزيلينسكي وحلفاء الناتو اليوم: وقف الحرب أو كسبها، دون بدء نزاع أكبر.
لقد ارتعب كينيدي وخروتشوف لأنهما اقتربا من القضاء على العالم الى درجة أنه في الأشهر التي تلت انتهاء الأزمة، اتخذا خطوات لإنهاء الحرب الباردة، منها إنشاء خط ساخن، ومعاهدة الحد من الأسلحة النووية، والعديد من الاجتماعات الأخرى لنزع السلاح.
ولسوء الحظ، تلطخت هذه التوطئة لتهدئة العلاقات عام 1963، عندما اغتيل كينيدي، وانتهت في أكتوبر 1964، عندما أطاح خصومه المحافظون بخروتشوف.
موقف ضعف ووهم القوة
أخيرًا، في بداية أزمة الصواريخ، كان خروتشوف في وضع ضعف يائس. قبل سنوات، ادعى أن الاتحاد السوفياتي يصنع صواريخ باليستية عابرة للقارات “مثل النقانق”.
لم يكن هذا صحيحًا، لكن ضباط المخابرات الجوية الأمريكية تغاضــــــوا عن هـذه الكذبة، لأنهم كانوا يعلمون أنه كلما بدا أن السوفيات يمتلكون المزيد من الصواريخ، زاد رد فعلهم.
ومع ذلك، في ربيع عام 1961، أظهرت الصور التي التقطتها أقمار التجسس الأمريكية الجديدة لكينيدي أنه لم يكن للسوفيات هذا العدد.
خشــــي خروتشـوف من أن تكون الولاياــــت المتحدة هي أول من يشن ضربــة نوويـة، لأنه كان يعلم أن الأمريكيين يدركون عجـــــزه على الانتقـــــام إذا حدثت.
سارع إلى تثبيت عدد قليل من الصواريخ متوسطة المدى في كوبا من أجل تعويض هذا النقص، حتى يتمكن الاتحاد السوفياتي من الرد في حالة وقوع هجوم أمريكي ...
وبالتالي يكون بمثابة رادع -صاروخ متوسط المدى يطلق من كوبا يمكن ان يصل إلى نفس الأهداف في الولايات المتحدة مثل صاروخ عابر للقارات يتم إطلاقه من موسكو.
وكما أدركنا لاحقا، ذهب بوتين إلى أوكرانيا أقل تسليحًا مما كان يعتقد (وكنا نعتقد أيضًا). لكنه ظنّ في ذلك الوقت أنه في موقع قوة لأسباب لا تزال غير معروفة، وكان على قناعة أن الأمر سيتطلب بضعة أيام فقط لكي تستسلم كييف، وأن معظم الأوكرانيين سيستقبلون الروس كمحررين، وأن الدول الغربية (التي بدت منقسمة، وبالكاد ردت عندما ضم شبه جزيرة القرم، والتي، بالنسبة للبعض، مرتهنة لنفطه وغازه) لن تتفاعل... كان مخطئا في كل نقطة.
مخرج لبوتين؟
باختصار، عرف خروتشوف أنه سيتعين عليه التراجع بمجرد بدء الأزمة.
لذلك كان لديه الوقت لتحضير الأرضية. ولكي يتراجع بوتين في هذه المرحلة، عليه أن يعترف بخطئه ... ويعاني من سقوط أكبر بكثير.
تفترض سيناريوهات “الكارثة”، أن الجيش الروسي، الذي سبق ان هُزِم من خلال الهجمات الأوكرانية المتعددة، يتعرض لسوء أكبر الى درجة أنه يصبح على وشك الهزيمة، وأن ينتهي الأمر ببوتين، اليائس، إلى إطلاق قنبلة نووية منخفضة الطاقة أو اثنتين على أمل صدمة حلفاء أوكرانيا الغربيين وإجبارهم على التفاوض لتفادي المزيد من التصعيد.
يعتقد بوتين أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لن يخوضوا حربًا نووية شاملة فقط لإنقاذ أوكرانيا. إنه محق في ذلك، لكنه ليس بالضرورة محقًا في استنتاج أنه سيجبرنا على إنهاء الحرب. يمكننا الاستمرار في القتال، والأوكرانيون بالتأكيد سيفعلون، بالإمكان إرسال صواريخ نووية أخرى. ولهذا السبب قال جو بايدن”كتحذير وكملاحظة” أن “الحرب النووية المحدودة” قد لا تكون مستحيلة... فهكذا تسير الأشياء.
لهذا السبب يتطلع الكثيرون “حتى عندما يكونون إلى جانب أوكرانيا تمامًا في هذه الحرب” لإيجاد مخرج لبوتين. هل يمكن أن يكون هناك واحد؟ يبدو أنه سيقبل بوقف إطلاق نار من شأنه أن يبقي جميع القوات في مكانها، ويعترف بضم روسيا للمناطق الأربع في أوكرانيا، ويعد بحياد أوكرانيا في التعارض بين الشرق والغرب.
الا ان ذلك، قد يرقى إلى استسلام أوكرانيا “وليس هناك ما يضمن استمرار وقف إطلاق النار”. يجب أن يبدأ أي وقف حقيقي لإطلاق النار يتم التفاوض عليه بالانسحاب الكامل للقوات الروسية من أوكرانيا.
من هنا، يمكن أن تكون هناك مفاوضات حول موقع أوكرانيا في أوروبا، أو استفتاءات حقيقية في مناطق دونيتسك ولوغانسك وشبه جزيرة القرم، ولكن ليس قبل ذلك.
لكل هذا، فإن احتمال وجود مخرج يبدو غير مرجح...
ان الدروس المستفادة من أزمة الصواريخ تناسب بشكل أفضل زعيما روسيا يفهم خطأه ويريد السلام
-- قد تكون الأزمات المتشابهة في الظاهر مختلفة جدًا بحيث لا يمكن استخلاص أي درس
-- لئن كان من المفيد استخلاص الدروس من التاريخ، فإن المقارنات مع الماضي قد تكون مضللة في بعض الأحيان
دفع احتمال أن تتحول الحرب التي تشنها روسيا إلى حرب نووية العديد من المراقبين إلى استحضار هذه الحلقة الرئيسية من الحرب الباردة. ومع ذلك، فإن الحالتين مختلفتان تمامًا.
يبدو أن أزمة الصواريخ الكوبية عل كل الشفاه، وفي وقت مناسب تمامًا لعيد ميلادها الستين.
حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن في 6 أكتوبر، من أن تهديد الرئيس فلاديمير بوتين باستخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا أثار “احتمال حدوث كارثة” غير مسبوقة “منذ أزمة الصواريخ الكوبية وكينيدي”. ومثلما تمكن جون فيتزجيرالد كينيدي من إبرام صفقة لحفظ ماء الوجه مع نيكيتا خروتشوف لإزالة صواريخه من كوبا عام 1962، تساءل جو بايدن عن نوع الصفقة التي قد تشجع بوتين اليوم على سحب قواته من أوكرانيا. وقال “نحاول معرفة ما هو المخرج المناسب لبوتين». لجأ عدد لا يحصى من المحللين والصحفيين والمعلقين إلى نفس المقارنة -لوصف حجم المخاطر واقتراح مخرج دبلوماسي.
ومع ذلك، لئن كان من المفيد استخلاص الدروس من التاريخ، فإن المقارنات مع الماضي قد تكون مضللة في بعض الأحيان، وقد تكون الأزمات المتشابهة في الظاهر مختلفة جدًا بحيث لا يمكن استخلاص الدروس.
هناك قول مأثور مفاده أن “التاريخ لا يعيد نفسه، ولكنه غالباً ما يتناغم”.
صحيح، لكن في بعض الأحيان لا يتناغم على الإطلاق.
لنقولها بوضوح: ما يحدث الآن في أوكرانيا مختلف تمامًا عما حدث عام 1962 في كوبا، والحلول التي يجب إيجادها لإنهائها يجب أن تكون أيضًا مختلفــــــة تمامــــًا، ولأكـون صادقًا، قد لا يكون هناك حلا صالحا.
بوتين
ليس خروتشوف
لنذكّر بإيجاز كيف اندلعت أزمة الصواريخ الكوبية. في أكتوبر 1962، رصدت طائرات تجسس من طراز U-2 أن الاتحاد السوفياتي كان ينصب صواريخ نووية في كوبا. نظم كينيدي حينها حصارًا بحريًا للجزيرة وهدد بتدمير الصواريخ.
بدا الوضع وكأنه وصل إلى طريق مسدود وأصبح أكثر توترًا، إلى أن وافق خروتشوف، بعد ثلاثة عشر يومًا، على سحب صواريخه من كوبا إذا سحب كينيدي صواريخ أمريكية مشابهة جدًا من قواعده في تركيا.
وخلافًا لنصيحة جميع مستشاريه، وافق كينيدي على الاتفاقية، بشرط أن تظل بنود الصفقة من الجانب الأمريكي سرية (وظلّ هذا هو الحال طيلة عشرين عامًا).
في مطلع فبراير 2022، عندما كــــــان بوتين يستعد لغزو أوكرانيا، حاول جو بايــــدن وكبار مساعديه (تذكروا بوضوـح الصفقة بين كينيدي وخروتشوف) إيجاد طريقـــــة للســـــماح للزعيم الروسي بالانســـــحاب وحفـــــظ ماء الوجه.
كان بوتين قلقًا من خطر انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وأبلغه مبعوثو بايدن أن ذلك لن يحدث إذا تراجع.
كما عرضوا عليه حوارًا مفتوحًا حول أي مخاوف أخرى قد تكون لدى بوتين بشأن التقارب المحتمل بين حكومة كييف والغرب.
لذلك، هذا هو الفارق الأول بين كوبا عام 1962 وأوكرانيا عام 2022. كان خروتشوف يأمل في مخرج.
فحالما اكتشفت الولايات المتحدة أنه ينصب صواريخ، أدرك أنه سيتعين عليه الاستسلام. في المقابل، يبدو من الواضح الآن، وبأثر رجعي، أن بوتين لم يكن مهتمًا (ولا يزال غير مهتم) بالتراجع.
مهمتهم، منع الحرب
في الواقع، نمت طموحاته مع تقدم الحرب. عندما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه أعاد النظر في طلبه الانضمام إلى الناتو، رفع فلاديمير بوتين الرهان ، متهمًا أوكرانيا بارتكاب “إبادة جماعية” في المقاطعات الشرقية من البلاد، قبل اتهام حكومة زيلينسكي بأنها “نازيــــــة”، وأخيرًا، إنكار سيادتها على أوكرانيــــا، وضم المناطق التي احتلتها القوات الروسية، مع التفكير في إعادة البلد بأكمله في حضن موسكو (كما في زمن الإمبراطورية الروسية).
ومن الصعب العثور على مكان هنا لتقديم تنازلات تحفظ ماء الوجه.
الاختلاف الثاني، والأكثر وضوحًا، هو أنه لم يتم تبادل أي طلق للنار عند إبرام اتفاقية عام 1962.
اه، مع استثناءين: في اليوم الأخير من أزمة الصواريخ، تم إسقاط طائرة جوسسة أمريكية من طراز U-2 فوق كوبا (حركة لم يأذن بها أي ضابط سوفياتي).
قبل ذلك، أطلقت سفينة أمريكية شحنة عميقة، وهي لفتة اعتبرها خطأ قائد غواصة سوفياتية هجوما، مما دفعه للاعتقاد بانه تم إعلان الحرب، وأصدر أمرا بإطلاق طوربيد نووي (وهو أمر من حسن الحظ، رفض أحد مرؤوسيه الانصياع إليه).
هذا هو أحد الدروس الكبرى في أكتوبر 1962: لئن كانت هناك لحظات اقتربت فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من الحرب خلال هذه الأزمة، فقد كان ذلك جراء وقوع حوادث، أو أن فاعلين مندفعين أساؤوا تفسير ما شاهدوه. من المهم أن يحتفظ الأشخاص الموجودون في أعلى سلاسل القيادة بالسيطرة المطلقة.
ونحن محظوظون لأنه في ذلك الوقت، أراد كينيدي وخروتشوف تجنب الحرب.
الشيء المهم هو أن مهمتهم (وهو ما يسمح بقياس نجاحهم) كانت منع انفجار الحرب. ومن نواح كثيرة، كانت مهمة أسهل من المهمة التي يواجهها بايدن وزيلينسكي وحلفاء الناتو اليوم: وقف الحرب أو كسبها، دون بدء نزاع أكبر.
لقد ارتعب كينيدي وخروتشوف لأنهما اقتربا من القضاء على العالم الى درجة أنه في الأشهر التي تلت انتهاء الأزمة، اتخذا خطوات لإنهاء الحرب الباردة، منها إنشاء خط ساخن، ومعاهدة الحد من الأسلحة النووية، والعديد من الاجتماعات الأخرى لنزع السلاح.
ولسوء الحظ، تلطخت هذه التوطئة لتهدئة العلاقات عام 1963، عندما اغتيل كينيدي، وانتهت في أكتوبر 1964، عندما أطاح خصومه المحافظون بخروتشوف.
موقف ضعف ووهم القوة
أخيرًا، في بداية أزمة الصواريخ، كان خروتشوف في وضع ضعف يائس. قبل سنوات، ادعى أن الاتحاد السوفياتي يصنع صواريخ باليستية عابرة للقارات “مثل النقانق”.
لم يكن هذا صحيحًا، لكن ضباط المخابرات الجوية الأمريكية تغاضــــــوا عن هـذه الكذبة، لأنهم كانوا يعلمون أنه كلما بدا أن السوفيات يمتلكون المزيد من الصواريخ، زاد رد فعلهم.
ومع ذلك، في ربيع عام 1961، أظهرت الصور التي التقطتها أقمار التجسس الأمريكية الجديدة لكينيدي أنه لم يكن للسوفيات هذا العدد.
خشــــي خروتشـوف من أن تكون الولاياــــت المتحدة هي أول من يشن ضربــة نوويـة، لأنه كان يعلم أن الأمريكيين يدركون عجـــــزه على الانتقـــــام إذا حدثت.
سارع إلى تثبيت عدد قليل من الصواريخ متوسطة المدى في كوبا من أجل تعويض هذا النقص، حتى يتمكن الاتحاد السوفياتي من الرد في حالة وقوع هجوم أمريكي ...
وبالتالي يكون بمثابة رادع -صاروخ متوسط المدى يطلق من كوبا يمكن ان يصل إلى نفس الأهداف في الولايات المتحدة مثل صاروخ عابر للقارات يتم إطلاقه من موسكو.
وكما أدركنا لاحقا، ذهب بوتين إلى أوكرانيا أقل تسليحًا مما كان يعتقد (وكنا نعتقد أيضًا). لكنه ظنّ في ذلك الوقت أنه في موقع قوة لأسباب لا تزال غير معروفة، وكان على قناعة أن الأمر سيتطلب بضعة أيام فقط لكي تستسلم كييف، وأن معظم الأوكرانيين سيستقبلون الروس كمحررين، وأن الدول الغربية (التي بدت منقسمة، وبالكاد ردت عندما ضم شبه جزيرة القرم، والتي، بالنسبة للبعض، مرتهنة لنفطه وغازه) لن تتفاعل... كان مخطئا في كل نقطة.
مخرج لبوتين؟
باختصار، عرف خروتشوف أنه سيتعين عليه التراجع بمجرد بدء الأزمة.
لذلك كان لديه الوقت لتحضير الأرضية. ولكي يتراجع بوتين في هذه المرحلة، عليه أن يعترف بخطئه ... ويعاني من سقوط أكبر بكثير.
تفترض سيناريوهات “الكارثة”، أن الجيش الروسي، الذي سبق ان هُزِم من خلال الهجمات الأوكرانية المتعددة، يتعرض لسوء أكبر الى درجة أنه يصبح على وشك الهزيمة، وأن ينتهي الأمر ببوتين، اليائس، إلى إطلاق قنبلة نووية منخفضة الطاقة أو اثنتين على أمل صدمة حلفاء أوكرانيا الغربيين وإجبارهم على التفاوض لتفادي المزيد من التصعيد.
يعتقد بوتين أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لن يخوضوا حربًا نووية شاملة فقط لإنقاذ أوكرانيا. إنه محق في ذلك، لكنه ليس بالضرورة محقًا في استنتاج أنه سيجبرنا على إنهاء الحرب. يمكننا الاستمرار في القتال، والأوكرانيون بالتأكيد سيفعلون، بالإمكان إرسال صواريخ نووية أخرى. ولهذا السبب قال جو بايدن”كتحذير وكملاحظة” أن “الحرب النووية المحدودة” قد لا تكون مستحيلة... فهكذا تسير الأشياء.
لهذا السبب يتطلع الكثيرون “حتى عندما يكونون إلى جانب أوكرانيا تمامًا في هذه الحرب” لإيجاد مخرج لبوتين. هل يمكن أن يكون هناك واحد؟ يبدو أنه سيقبل بوقف إطلاق نار من شأنه أن يبقي جميع القوات في مكانها، ويعترف بضم روسيا للمناطق الأربع في أوكرانيا، ويعد بحياد أوكرانيا في التعارض بين الشرق والغرب.
الا ان ذلك، قد يرقى إلى استسلام أوكرانيا “وليس هناك ما يضمن استمرار وقف إطلاق النار”. يجب أن يبدأ أي وقف حقيقي لإطلاق النار يتم التفاوض عليه بالانسحاب الكامل للقوات الروسية من أوكرانيا.
من هنا، يمكن أن تكون هناك مفاوضات حول موقع أوكرانيا في أوروبا، أو استفتاءات حقيقية في مناطق دونيتسك ولوغانسك وشبه جزيرة القرم، ولكن ليس قبل ذلك.
لكل هذا، فإن احتمال وجود مخرج يبدو غير مرجح...
ان الدروس المستفادة من أزمة الصواريخ تناسب بشكل أفضل زعيما روسيا يفهم خطأه ويريد السلام