تحت رعاية رئيس الدولة.. خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل تخريج جامعة خليفة لعام 2025
لن تبقى العملية إلى أجل غير مسمى:
ما بعد برخان، أي مستقبل لمنطقة الساحل...؟
-- تشمل الاستراتيجية المنشودة جميع الأبعاد، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية
-- وراء كل هذه المبادرات إرادة سياسية قوية لفرضها
-- حان الوقت لتحديد استراتيجية شاملة واقعية، وطموحة من حيث الأهداف
-- لا يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية إلا ساحلية، لأن الساحليين هم من يمتلكون مفاتيح الحل في المنطقة
-- من الوهم الاعتقاد بأن السلام سيعود إلى منطقة الساحل إذا لم يملك قادته حقًا الإرادة
الموضوع صعب وحساس. إن صياغته، ووضع قوة برخان ومستقبل الساحل على المستوى نفسه ، يترك بعض الهيمنة للبعد الأمني على قضية الساحل. من الواضح أن الأمر ليس كذلك، غير أن هذا يميل إلى إظهار أن موضوع عملية “برخان”، الثقيل للغاية، يساهم في طمس أو توجيه التفكير الحر إلى حد ما حول مستقبل منطقة الساحل.
برخان وتطورها: رؤية أمنية تُستبدل في استراتيجية شاملة
التذكير بمهمتها مطلوب، وبالتالي معنى الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل. الأمر كله يتعلق بمحاربة الإرهاب.
عام 2013، وبناءً على طلب من السلطات المالية وبالاتفاق مع دول الجوار، تدخلت فرنسا لقطع الطريق أمام قوة إرهابية تهدد العاصمة المالية. بعد ذلك تم إطلاق عملية سيرفال، وهي قوة لإعادة استعادة الميدان، وسرعان ما تم استبدالها عام 2014 بقوة برخان، وهي قوة تحتل الميدان لمواصلة القتال ضد الإرهابيين. ومع ذلك، لا يُقصد أن عملية برخان ستبقى إلى أجل غير مسمى، فهي جزء من الاستراتيجية التالية:
- وقف تقدم الإرهابيين.
- بناء تحالف وتقويته تدريجياً للقضاء على الإرهاب.
- استبدال العمل الأمني في استراتيجية شاملة تشمل على وجه الخصوص التنمية، وتهدف إلى عودة السلام والأمن في منطقة الساحل؛
- نقل مسؤولية محاربة الإرهاب تدريجياً إلى القوات المحلية بعد المشاركة في تعزيز قدراتها العملياتية.
النتيجة المنطقية لهذه الاستراتيجية، هي تغيير في موقف برخان الذي لا يمكن أن يظل مرئيًا كما هو اليوم. وفي هذا الصدد، هناك ثلاثة أسباب تتطلب الآن الحسم بسرعة كبيرة:
- في منطقة الساحل ، لا يتحسن الوضع الأمني على الرغم من ضخامة الموارد العسكرية الممنوحة ، مما يدل على أن استراتيجية الأمن الشامل قد بلغت حدودها ، وأن صورة برخان قد تطورت تدريجياً ، وأصبح ينظر إليها الآن من قبل السكان المحليين على أنها قوة احتلال.
- في فرنسا أيضًا ، تغيّر الرأي العام فيما يتعلق بمفهومه للالتزام الفرنسي تجاه منطقة الساحل ، حيث أصبح الآن 51 بالمائة من الرأي العام غير مؤيد للإبقاء على برخان ، وهو رقم من المرجح أن يزداد في حال حدوث المزيد من الخسائر في الأرواح في الساحل ضمن الكتيبة الفرنسية. ولا شك ان الموضوع اتخذ بعدا سياسيا، وسيهيمن في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد عام. وبالتالي فإن الضغط من أجل تغيير الموقف يأتي أيضًا من فرنسا؛
- السبب الأخير والرئيسي، تعتبر سلطات مالي (وكذلك بوركينا فاسو) اليوم أن العودة إلى السلام تتطلب التفاوض مع جميع الجهات الفاعلة الوطنية ، بما في ذلك بعض الجماعات الإرهابية المهمة، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بزعامة إياد أغ غالي وجبهة تحرير ماسينا التابعة لحمادو كوفا ، المنتمية للقاعدة. ومع ذلك، اتضح أن هذه المجموعات نفسها تم تحديدها بالاسم من قبل برخان كأهداف ذات أولوية يجب محاربتها عام 2021، وقد ردد ذلك الرئيس ماكرون في قمة نجامينا في فبراير الماضي. لذلك، هناك غموض كبير يجب توضيحه، لأنه في ظل هذه الظروف، لم يعد ممكنا لبرخان أن تحمل لواء الحرب ضد الإرهاب.
ولهذه الأسباب، يجب على برخان أن تغيّر وضعها بسرعة، وبالتأكيد عام 2021، وربما الصيف القادم. ويمكن القيام بذلك على مرحلتين، بعد التشاور مع أعضاء التحالف:
- الخطوة الأولى : مع مواصلة القتال بنشاط ، ستكون مسألة استمرار وتسريع نقل المسؤولية عن الشؤون الأمنية إلى القوات المحلية (يوجد اليوم عدد أكبر من الجنود المحليين مقارنة بغير الساحليين في العمليات المشتركة ضد الإرهاب). في الوقت نفسه ، سيتعين على برخان تقليل بصمتها على الأرض، أي الانتقال من جهاز موزّع في الميدان، مكشوف، مرئي، ومتطلب للغاية من حيث الخدمات اللوجستية، إلى جهاز مجمّع، أقل وضوحًا، يتحرك وفق معلومات استخباراتية، ويستخدم مزيدا من التكنولوجيا، وهو نظام أقل عبئًا لدعمه لوجستيًا، لأنه يعتمد على تأثير أقل على الأرض. وهذا من شأنه أن يسمح بتخفيض كبير في القوة العاملة.
- الخطوة الثانية : تتدخل برخان ضمن قوات التحالف ولكن بناء على طلب القوات المحلية التي تتولى بنفسها مسؤولية العمليات على الأرض. في النهاية، ستغادر برخان المسرح تدريجياً، ويتم اتخاذ كل هذه القرارات بالتشاور مع الجهات الفاعلة الأخرى في التحالف.
ما هي الآفاق المستقبلية
في منطقة الساحل؟
بعد ذكرنا لبرخان وتغييبها التدريجي بمرور الوقت، فإن الآفاق المتوقعة في منطقة الساحل هي على النحو التالي.
يجب وضع البعد الأمني في استراتيجية شاملة تدمج الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية ... والكل يؤمن بذلك اليوم، الا أننا ما زلنا ننتظر استراتيجية شاملة تليق بهذا الاسم. ولا يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية الا ساحلية، لأن الساحليين هم من يمتلكون مفاتيح الحل في منطقة الساحل. لذلك، فإن تعريف هذه الاستراتيجية يعود إلى منطقة الساحل، وللجميع مصلحة فيها، أهل الساحل، وكذلك الفاعلين من المجتمع الدولي.
من وجهة نظر
أهل الساحل أولاً:
وهذا يتطلب الاعتراف بأن الإرهاب ليس سبب الفوضى والاضطراب، ولكنها نتيجة تقوم على الفوضى وانعدام سيادة القانون التي تسببها الأدواء المستوطنة:
- فراغ الدولة أولاً: لفترة طويلة لم تعد الدولة تقوم بمهامها السيادية في مجالات الصحة والتعليم والتنمية والبعد الاجتماعي... ويشعر السكان بالتخلي عنهم وتسليمهم للإرهابيين الأمر الذي يدفعهم أحيانًا إلى تجنيد ميليشيات، على أساس عرقي ، لضمان حمايتهم. كل هذا لا يثري إلا التوترات بين الطوائف والجماعات، وبالتالي ينال من التماسك الوطني، وبشكل أعم يغذي الفوضى العامة؛
- ثم الاتجار غير المشروع : الاتجار بالمخدرات والبشر والأسلحة وما إلى ذلك ، والبحث عن السيطرة على هذا التهريب، يؤدي إلى صراعات دموية تساهم في الفوضى المحيطة ؛
- أخيرًا ، الفساد : أصبح الفساد وغيره من السلوكيات المنحرفة القريبة من الجريمة المنظمة أكثر جسامة خاصة أن تطور هذه الأدواء مرتبط بثقافة الإفلات من العقاب السائدة. كل هذا يضيف (الاقتراح: يساهم) في فوضى الوضع المحلي. وبالأخذ في الاعتبار كل هذا بجدية، فقد حان الوقت لتحديد استراتيجية شاملة واقعية وحمّالة قيم، وطموحة من حيث الأهداف، تشمل جميع الأبعاد، السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية
ومن وجهة نظر
المجتمع الدولي فإن:
جميع الفاعلين من المجتمع الدولي لديهم مصلحة في نجاح استراتيجية الساحل هذه، لكن هذا يستدعي منهم قبول أربعة متطلبات:
- التحلي بالثقة : يجب أن يوافق المجتمع الدولي على المشاركة في استراتيجية ليست من صياغته وصنعه، ويجب أن يكون مستعدًا للعب دوره فيها... ليس من السهل أن تكون متواضعا؛
- توفير الوسائل : نحن نعلم الضعف المادي لدول الساحل ، لذا فإن الأمر يتعلق بالموافقة على توفير الوسائل بسخاء من أجل تأهيل حقيقي، ليس فقط على المستوى الأمني ، ولكن أيضًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ... ويمكن الانطلاق في مساعدة ضخمة بشروط يقررها الطرفان. ويجب أن نتوقف عن العطاء بطريقة محسوبة ومتعالية.
- مرافقة الساحليين : في هذا المسعى ، نعلم أن دول الساحل بحاجة إلى حلفاء ذوي خبرة. وفي هذا السياق، يجب أن يوافق المجتمع الدولي على الامتثال لمقاربة دعم ومرافقة للحل الذي يقرره سكان الساحل وليس لفرض حله؛
- التحلي بالصبر: سيستغرق الأمر وقتًا، بالطبع، لأن هذه الاستراتيجية لن تؤتي ثمارها الا بعد عدة سنوات، مما يعني أنه لا يمكن تخيل المساعدة والمرافقة إلا على المدى الطويل. ومن الصعب القبول عندما تكون معتادًا على مطالبة الآخرين بكل شيء وفورا.
هل عودة السلام ممكنة
في منطقة الساحل؟
نعم، إن عودة السلام ممكنة في منطقة الساحل، لقد رأينا انفا شروطها، من جهة الساحل ومن جهة المجتمع الدولي. بالطبع لن يكون هذا سهلاً، لأن هذه الاستراتيجية الطموحة والحميدة يجب أن تدمج نقاطًا رئيسية مثل عودة الدولة والمؤسسات، واستئناف المهمات السيادية، والكفاح الدؤوب ضد الفساد والاتجار غير المشروع، ونهاية ثقافة الإفلات من العقاب على مستوى العدالة ... سيتحدث البعض عن رؤية متفائلة بشكل مبالغ فيه، بل وحتى يوتوبية. ومع ذلك، هناك إشارات إيجابية ملموسة على الأرض تفيد بأن لا شيء مستحيل، وأن كل شيء هو مسألة إرادة. وهذه الأمثلة هي عوامل الأمل:
- سياسيًا ، يدعو حزب المحوّلون في تشاد إلى إقامة نظام سياسي حر وعادل وشفاف. تخلى زعيمه الشاب طواعية عن مهنة واعدة كخبير اقتصادي دولي ليكرس نفسه لتنظيم حياة سياسية فاضلة لبلده، ويمكن للجميع ملاحظة الحماس الذي يولده بين السكان؛
- على المستوى الاجتماعي، في العديد من بلدان الساحل ، تظهر منصات تندد بالفساد، وكلها ناجحة بشكل مدهش. وبالمثل، تظهر آليات المساعدة الاجتماعية، مثل التأمين الصحي، المصمم خصيصًا للمهن الصغرى، هنا وهناك في غرب إفريقيا، على المستويين العام والخاص؛
- على المستوى الاقتصادي ، تُقترح مبادرات طموحة من قبل فاعلين غالبًا ما يتم تجاهلها أو حتى احتقارها ، على الرغم من أنها ضرورية للتجديد الاقتصادي للبلدان. وهؤلاء بالطبع فاعلين من القطاع الخاص. إن مشروع الممرات الاقتصادية التي تربط عواصم الساحل، المقترح من المجلس الوطني لأصحاب العمل الماليين، هو مثال واعد؛
- فيما يتعلق بالأمن ، سيكون من المثير للاهتمام دراسة سبب أداء إحدى دول الساحل بشكل أفضل بكثير من البلدان الأخرى. إن الحفاظ على المهارات التقليدية المناسبة لمواجهة الإرهابيين لا تفسر كل شيء. إن إرادة والتزام قائدها، مع السلوك الصالح، مهم في الغالب. وتجدر الإشارة، إلى أن وراء كل هذه المبادرات إرادة سياسية قوية لفرضها. وهذه ضرورة مطلقة عند تنفيذ أي استراتيجية. وبعيدًا عن التصريحات، يجب أن يُترجم هذا إلى عمل ملموس والتزام حازم. أيضًا، فمن الوهم الاعتقاد بأن السلام سيعود إلى منطقة الساحل إذا لم يكن قادته حقًا يملكون الإرادة. وبخلاف ذلك، فإن اعتماد بلدان الساحل لاستراتيجية طموحة وقيمية، مدفوعة بإرادة سياسية حازمة، يدعمها مجتمع دولي سخيّ يوافق على دعمها على المدى الطويل بدلاً من فرض حلوله، من المرجح أن تعطي أخيرًا الأمل في الخروج من الوضع الجهنمي الذي غرق فيه الساحل. حذار، الزمن يتغير، لم يعد بإمكاننا الغش مع الإفلات من العقاب. في كل مكان، يطالب الشباب المرتبطون ببقية العالم بالمساءلة، وهم على حق. والأحداث المفاجئة التي تحدث في غرب الساحل موجودة لتذكرنا بذلك.
*جنرال متقاعد في الجيش الفرنسي، مستشار دولي في إفريقيا، المدير السابق للتعاون الأمني والدفاعي في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية
-- وراء كل هذه المبادرات إرادة سياسية قوية لفرضها
-- حان الوقت لتحديد استراتيجية شاملة واقعية، وطموحة من حيث الأهداف
-- لا يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية إلا ساحلية، لأن الساحليين هم من يمتلكون مفاتيح الحل في المنطقة
-- من الوهم الاعتقاد بأن السلام سيعود إلى منطقة الساحل إذا لم يملك قادته حقًا الإرادة
الموضوع صعب وحساس. إن صياغته، ووضع قوة برخان ومستقبل الساحل على المستوى نفسه ، يترك بعض الهيمنة للبعد الأمني على قضية الساحل. من الواضح أن الأمر ليس كذلك، غير أن هذا يميل إلى إظهار أن موضوع عملية “برخان”، الثقيل للغاية، يساهم في طمس أو توجيه التفكير الحر إلى حد ما حول مستقبل منطقة الساحل.
برخان وتطورها: رؤية أمنية تُستبدل في استراتيجية شاملة
التذكير بمهمتها مطلوب، وبالتالي معنى الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل. الأمر كله يتعلق بمحاربة الإرهاب.
عام 2013، وبناءً على طلب من السلطات المالية وبالاتفاق مع دول الجوار، تدخلت فرنسا لقطع الطريق أمام قوة إرهابية تهدد العاصمة المالية. بعد ذلك تم إطلاق عملية سيرفال، وهي قوة لإعادة استعادة الميدان، وسرعان ما تم استبدالها عام 2014 بقوة برخان، وهي قوة تحتل الميدان لمواصلة القتال ضد الإرهابيين. ومع ذلك، لا يُقصد أن عملية برخان ستبقى إلى أجل غير مسمى، فهي جزء من الاستراتيجية التالية:
- وقف تقدم الإرهابيين.
- بناء تحالف وتقويته تدريجياً للقضاء على الإرهاب.
- استبدال العمل الأمني في استراتيجية شاملة تشمل على وجه الخصوص التنمية، وتهدف إلى عودة السلام والأمن في منطقة الساحل؛
- نقل مسؤولية محاربة الإرهاب تدريجياً إلى القوات المحلية بعد المشاركة في تعزيز قدراتها العملياتية.
النتيجة المنطقية لهذه الاستراتيجية، هي تغيير في موقف برخان الذي لا يمكن أن يظل مرئيًا كما هو اليوم. وفي هذا الصدد، هناك ثلاثة أسباب تتطلب الآن الحسم بسرعة كبيرة:
- في منطقة الساحل ، لا يتحسن الوضع الأمني على الرغم من ضخامة الموارد العسكرية الممنوحة ، مما يدل على أن استراتيجية الأمن الشامل قد بلغت حدودها ، وأن صورة برخان قد تطورت تدريجياً ، وأصبح ينظر إليها الآن من قبل السكان المحليين على أنها قوة احتلال.
- في فرنسا أيضًا ، تغيّر الرأي العام فيما يتعلق بمفهومه للالتزام الفرنسي تجاه منطقة الساحل ، حيث أصبح الآن 51 بالمائة من الرأي العام غير مؤيد للإبقاء على برخان ، وهو رقم من المرجح أن يزداد في حال حدوث المزيد من الخسائر في الأرواح في الساحل ضمن الكتيبة الفرنسية. ولا شك ان الموضوع اتخذ بعدا سياسيا، وسيهيمن في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد عام. وبالتالي فإن الضغط من أجل تغيير الموقف يأتي أيضًا من فرنسا؛
- السبب الأخير والرئيسي، تعتبر سلطات مالي (وكذلك بوركينا فاسو) اليوم أن العودة إلى السلام تتطلب التفاوض مع جميع الجهات الفاعلة الوطنية ، بما في ذلك بعض الجماعات الإرهابية المهمة، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بزعامة إياد أغ غالي وجبهة تحرير ماسينا التابعة لحمادو كوفا ، المنتمية للقاعدة. ومع ذلك، اتضح أن هذه المجموعات نفسها تم تحديدها بالاسم من قبل برخان كأهداف ذات أولوية يجب محاربتها عام 2021، وقد ردد ذلك الرئيس ماكرون في قمة نجامينا في فبراير الماضي. لذلك، هناك غموض كبير يجب توضيحه، لأنه في ظل هذه الظروف، لم يعد ممكنا لبرخان أن تحمل لواء الحرب ضد الإرهاب.
ولهذه الأسباب، يجب على برخان أن تغيّر وضعها بسرعة، وبالتأكيد عام 2021، وربما الصيف القادم. ويمكن القيام بذلك على مرحلتين، بعد التشاور مع أعضاء التحالف:
- الخطوة الأولى : مع مواصلة القتال بنشاط ، ستكون مسألة استمرار وتسريع نقل المسؤولية عن الشؤون الأمنية إلى القوات المحلية (يوجد اليوم عدد أكبر من الجنود المحليين مقارنة بغير الساحليين في العمليات المشتركة ضد الإرهاب). في الوقت نفسه ، سيتعين على برخان تقليل بصمتها على الأرض، أي الانتقال من جهاز موزّع في الميدان، مكشوف، مرئي، ومتطلب للغاية من حيث الخدمات اللوجستية، إلى جهاز مجمّع، أقل وضوحًا، يتحرك وفق معلومات استخباراتية، ويستخدم مزيدا من التكنولوجيا، وهو نظام أقل عبئًا لدعمه لوجستيًا، لأنه يعتمد على تأثير أقل على الأرض. وهذا من شأنه أن يسمح بتخفيض كبير في القوة العاملة.
- الخطوة الثانية : تتدخل برخان ضمن قوات التحالف ولكن بناء على طلب القوات المحلية التي تتولى بنفسها مسؤولية العمليات على الأرض. في النهاية، ستغادر برخان المسرح تدريجياً، ويتم اتخاذ كل هذه القرارات بالتشاور مع الجهات الفاعلة الأخرى في التحالف.
ما هي الآفاق المستقبلية
في منطقة الساحل؟
بعد ذكرنا لبرخان وتغييبها التدريجي بمرور الوقت، فإن الآفاق المتوقعة في منطقة الساحل هي على النحو التالي.
يجب وضع البعد الأمني في استراتيجية شاملة تدمج الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية ... والكل يؤمن بذلك اليوم، الا أننا ما زلنا ننتظر استراتيجية شاملة تليق بهذا الاسم. ولا يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية الا ساحلية، لأن الساحليين هم من يمتلكون مفاتيح الحل في منطقة الساحل. لذلك، فإن تعريف هذه الاستراتيجية يعود إلى منطقة الساحل، وللجميع مصلحة فيها، أهل الساحل، وكذلك الفاعلين من المجتمع الدولي.
من وجهة نظر
أهل الساحل أولاً:
وهذا يتطلب الاعتراف بأن الإرهاب ليس سبب الفوضى والاضطراب، ولكنها نتيجة تقوم على الفوضى وانعدام سيادة القانون التي تسببها الأدواء المستوطنة:
- فراغ الدولة أولاً: لفترة طويلة لم تعد الدولة تقوم بمهامها السيادية في مجالات الصحة والتعليم والتنمية والبعد الاجتماعي... ويشعر السكان بالتخلي عنهم وتسليمهم للإرهابيين الأمر الذي يدفعهم أحيانًا إلى تجنيد ميليشيات، على أساس عرقي ، لضمان حمايتهم. كل هذا لا يثري إلا التوترات بين الطوائف والجماعات، وبالتالي ينال من التماسك الوطني، وبشكل أعم يغذي الفوضى العامة؛
- ثم الاتجار غير المشروع : الاتجار بالمخدرات والبشر والأسلحة وما إلى ذلك ، والبحث عن السيطرة على هذا التهريب، يؤدي إلى صراعات دموية تساهم في الفوضى المحيطة ؛
- أخيرًا ، الفساد : أصبح الفساد وغيره من السلوكيات المنحرفة القريبة من الجريمة المنظمة أكثر جسامة خاصة أن تطور هذه الأدواء مرتبط بثقافة الإفلات من العقاب السائدة. كل هذا يضيف (الاقتراح: يساهم) في فوضى الوضع المحلي. وبالأخذ في الاعتبار كل هذا بجدية، فقد حان الوقت لتحديد استراتيجية شاملة واقعية وحمّالة قيم، وطموحة من حيث الأهداف، تشمل جميع الأبعاد، السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية
ومن وجهة نظر
المجتمع الدولي فإن:
جميع الفاعلين من المجتمع الدولي لديهم مصلحة في نجاح استراتيجية الساحل هذه، لكن هذا يستدعي منهم قبول أربعة متطلبات:
- التحلي بالثقة : يجب أن يوافق المجتمع الدولي على المشاركة في استراتيجية ليست من صياغته وصنعه، ويجب أن يكون مستعدًا للعب دوره فيها... ليس من السهل أن تكون متواضعا؛
- توفير الوسائل : نحن نعلم الضعف المادي لدول الساحل ، لذا فإن الأمر يتعلق بالموافقة على توفير الوسائل بسخاء من أجل تأهيل حقيقي، ليس فقط على المستوى الأمني ، ولكن أيضًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ... ويمكن الانطلاق في مساعدة ضخمة بشروط يقررها الطرفان. ويجب أن نتوقف عن العطاء بطريقة محسوبة ومتعالية.
- مرافقة الساحليين : في هذا المسعى ، نعلم أن دول الساحل بحاجة إلى حلفاء ذوي خبرة. وفي هذا السياق، يجب أن يوافق المجتمع الدولي على الامتثال لمقاربة دعم ومرافقة للحل الذي يقرره سكان الساحل وليس لفرض حله؛
- التحلي بالصبر: سيستغرق الأمر وقتًا، بالطبع، لأن هذه الاستراتيجية لن تؤتي ثمارها الا بعد عدة سنوات، مما يعني أنه لا يمكن تخيل المساعدة والمرافقة إلا على المدى الطويل. ومن الصعب القبول عندما تكون معتادًا على مطالبة الآخرين بكل شيء وفورا.
هل عودة السلام ممكنة
في منطقة الساحل؟
نعم، إن عودة السلام ممكنة في منطقة الساحل، لقد رأينا انفا شروطها، من جهة الساحل ومن جهة المجتمع الدولي. بالطبع لن يكون هذا سهلاً، لأن هذه الاستراتيجية الطموحة والحميدة يجب أن تدمج نقاطًا رئيسية مثل عودة الدولة والمؤسسات، واستئناف المهمات السيادية، والكفاح الدؤوب ضد الفساد والاتجار غير المشروع، ونهاية ثقافة الإفلات من العقاب على مستوى العدالة ... سيتحدث البعض عن رؤية متفائلة بشكل مبالغ فيه، بل وحتى يوتوبية. ومع ذلك، هناك إشارات إيجابية ملموسة على الأرض تفيد بأن لا شيء مستحيل، وأن كل شيء هو مسألة إرادة. وهذه الأمثلة هي عوامل الأمل:
- سياسيًا ، يدعو حزب المحوّلون في تشاد إلى إقامة نظام سياسي حر وعادل وشفاف. تخلى زعيمه الشاب طواعية عن مهنة واعدة كخبير اقتصادي دولي ليكرس نفسه لتنظيم حياة سياسية فاضلة لبلده، ويمكن للجميع ملاحظة الحماس الذي يولده بين السكان؛
- على المستوى الاجتماعي، في العديد من بلدان الساحل ، تظهر منصات تندد بالفساد، وكلها ناجحة بشكل مدهش. وبالمثل، تظهر آليات المساعدة الاجتماعية، مثل التأمين الصحي، المصمم خصيصًا للمهن الصغرى، هنا وهناك في غرب إفريقيا، على المستويين العام والخاص؛
- على المستوى الاقتصادي ، تُقترح مبادرات طموحة من قبل فاعلين غالبًا ما يتم تجاهلها أو حتى احتقارها ، على الرغم من أنها ضرورية للتجديد الاقتصادي للبلدان. وهؤلاء بالطبع فاعلين من القطاع الخاص. إن مشروع الممرات الاقتصادية التي تربط عواصم الساحل، المقترح من المجلس الوطني لأصحاب العمل الماليين، هو مثال واعد؛
- فيما يتعلق بالأمن ، سيكون من المثير للاهتمام دراسة سبب أداء إحدى دول الساحل بشكل أفضل بكثير من البلدان الأخرى. إن الحفاظ على المهارات التقليدية المناسبة لمواجهة الإرهابيين لا تفسر كل شيء. إن إرادة والتزام قائدها، مع السلوك الصالح، مهم في الغالب. وتجدر الإشارة، إلى أن وراء كل هذه المبادرات إرادة سياسية قوية لفرضها. وهذه ضرورة مطلقة عند تنفيذ أي استراتيجية. وبعيدًا عن التصريحات، يجب أن يُترجم هذا إلى عمل ملموس والتزام حازم. أيضًا، فمن الوهم الاعتقاد بأن السلام سيعود إلى منطقة الساحل إذا لم يكن قادته حقًا يملكون الإرادة. وبخلاف ذلك، فإن اعتماد بلدان الساحل لاستراتيجية طموحة وقيمية، مدفوعة بإرادة سياسية حازمة، يدعمها مجتمع دولي سخيّ يوافق على دعمها على المدى الطويل بدلاً من فرض حلوله، من المرجح أن تعطي أخيرًا الأمل في الخروج من الوضع الجهنمي الذي غرق فيه الساحل. حذار، الزمن يتغير، لم يعد بإمكاننا الغش مع الإفلات من العقاب. في كل مكان، يطالب الشباب المرتبطون ببقية العالم بالمساءلة، وهم على حق. والأحداث المفاجئة التي تحدث في غرب الساحل موجودة لتذكرنا بذلك.
*جنرال متقاعد في الجيش الفرنسي، مستشار دولي في إفريقيا، المدير السابق للتعاون الأمني والدفاعي في وزارة أوروبا والشؤون الخارجية