جاء العديد منهم من ضواحٍ ثرية:
ما تعلّمناه من متمردي الكابيتول هيل عن ناخبي ترامب
-- إذا كانت الترامبية ظاهرة جديدة، فإن استخدام مصطلح العنق الأحمر لأغراض تمييزية ليس كذلك
-- فهم الهجوم على أنه محاولة للحفاظ على نظرية تفوق الرجل الأبيض المهددة بالتغيرات الديموغرافية
-- لا تؤكد ملامح المتمردين في الكابيتول هيل، وتحليل نتائج الانتخابات، النظرة المتجانسة لجمهور ترامب
-- حقيقة أن البيض من جميع الطبقات الاجتماعية والفئات المهنية شاركوا في التمرد ليست ظاهرة جديدة
إن متمردي الكابيتول، وعلى نطاق أوسع، ناخبو دونالد ترامب، لا يتأثرون فقط بالمعاناة الاقتصادية ولكن أيضًا بالخوف من انحدار تصنيفهم الطبقي والاجتماعي، كما تحلل نيكول هيرزوغ، ملحقة مؤقتة بالتعليم والبحث في الدراسات الأمريكية في جامعة تور، وطالبة الدكتوراة في جامعة فرساي سانت كوينتين أون إيفلين -جامعة باريس ساكلاي.
جالت صور انتفاضة الكابيتول في 6 يناير 2021 في وسائل الإعلام، مصحوبة في كثير من الأحيان بالسخرية الموجهة إلى الترامبيين، حيث يتم تقديمهم على أنهم حشد يتكون بأغلبية ساحقة من رجال بيض غير متعلّمين وفقراء وجهلة. ومع ذلك، بعد بضعة أسابيع، بدأنا نعرف المزيد عن هوية العديد من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم “وطنيين”، ويبدو أن الواقع أكثر اختلاطًا. منذ بداية حملة دونالد ترامب الأولى عام 2015، وُصف أنصاره، في معظمهم، بأنهم “هيلبيليز” أو “العنق الأحمر” أو حتى “القمامة البيضاء” -باختصار، “قرويين” بيض وفقراء. كثيرا ما يُنسب انجذاب هؤلاء الناخبين نحو ترامب إلى المعاناة الاقتصادية: يشعر ناخبو ترامب البيض بأنهم مستبعدون بسبب الاقتصاد المعولم وتراجع التصنيع، لا سيما في منطقة حزام الصدأ والأبالاتشي.
حتى الرئيس السابق باراك أوباما اعتنق هذه الرؤية. إن ناخبي ترامب، هؤلاء “الأشخاص البائسون” إذا استعرنا وصف هيلاري كلينتون، تم تصوّرهم بالكامل تقريبًا على أنهم من الرجال البيض القلقين على مستقبلهم الاقتصادي، وأغبياء وعنصريون، يرتدون ملابس الصيد والقبعة الحمراء الشهيرة. باختصار، متخلفون لا يمكن إصلاحهم.
ناخبو دونالد ترامب
والقلق الاقتصادي
لا تؤكد ملامح المتمردين في الكابيتول هيل، وأبعد من ذلك، تحليل نتائج الانتخابات، هذه النظرة المتجانسة لجمهور ترامب. من بين المشاركين في عملية 6 يناير الذين أصبحت أسماؤهم معروفة، كان هناك، على سبيل المثال، جينا رايان، وكيل عقارات في تكساس وصل إلى واشنطن على متن طائرة خاصة، أو ديريك إيفانز، المنتخب الجمهوري عن ولاية فرجينيا الغربية، أو سيمون جولد، طبيبة تعمل في مدينة بيفرلي هيلز الثرية في كاليفورنيا.
قد يُعتقد أن هذه الوجوه الثلاثة هي استثناءات؛ الأمر ليس كذلك. جاء العديد من المتمردين من ضواحي ثرية، كما أكد الصحفي ويل بانش، الذي لم يتردّد في الحديث عن “تمرد الطبقة الوسطى البيضاء العليا”. لقد كانوا قادرين على أخذ أيام إجازة في العمل، وأحيانًا تحملوا تكاليف رحلة عبر البلاد والنوم في الفنادق -وهو أمر لا يمكن تصوره بالنسبة للطبقات الدنيا المجبرة على العمل حتى عندما تكون مريضة أثناء الجائحة، والتي تجد صعوبة في توفير أبسط حاجياتها.
بعد انتخابات عام 2016، أظهرت دراسة أن غالبية صغيرة من العمال في وضع اقتصادي مقلق، كانت ثقتهم في هيلاري كلينتون أكبر من دونالد ترامب، لتحسين وضعهم. وأثبتت هذه الدراسة أيضًا، أن الدافع الأساسي للتعبئة السياسية للطبقات الشعبية البيضاء كان مرتبطًا بالشعور بأنه تم تجاوزهم ثقافيًا، وخاصة من قبل المهاجرين: ان العمال البيض، الذين غالبا ما يقولون إنهم أصبحوا أجانب في بلدهم، ويعتقدون بضرورة حماية الولايات المتحدة من النفوذ الأجنبي، كان احتمال تصويتهم لصالح ترامب 3.5 مرات أكثر من أولئك الذين لا يشاركونهم هذه المخاوف.
وأظهرت دراسة أخرى، أن ناخبي ترامب لا يهتمون بالقدر المتوقع بقضايا مثل العولمة التي من شأنها أن تعرض وظائفهم للخطر، وأنه إذا كانوا في الواقع أقل تعليماً في المتوسط من ناخبي كلينتون، فإن جزءً كبيرًا منهم يتمتع بدخل مرتفع إلى حد ما.
لذلك ليسوا فقط، أو حتى أساسا، “عنق أحمر”، عمال وفقراء محبطون يدعمون الرئيس السابق، ولكن بيض بشكل عام “وجماعات عرقية أخرى، ولكن بدرجة أقل” من جميع الطبقات الاجتماعية.
دور “البياض»
«الاِبْيِضَاض”، هو مفهوم اجتماعي يركز على التعامل مع الأشخاص ذوي البشرة البيضاء، أو الذين يعتبرون بيضا، أثناء التفاعلات الاجتماعية، وتوزيع السلطة والموارد في المجتمع. ومع التغييرات الديموغرافية، يتمسك البيض أكثر بهذه الهوية. هذا التعريف الأعمق ليس بالضرورة مرادفًا لدعم الجماعات المتطرفة مثل برود بويز، كما توضح أستاذة العلوم السياسية آشلي جاردينا، لكن التمسك القوي بهويته كأبيض، يعني ضمناً المزيد من الدعم لترامب، في جميع الطبقات الاجتماعية.
وهكذا، فهم الباحثون والنشطاء الهجوم على مبنى الكابيتول هيل على أنه محاولة للحفاظ على نظرية تفوق الرجل الابيض المهددة بالتغيرات الديموغرافية ومن قبل جو بايدن الذي أوضح أنه يرغب في تعزيز المساواة العرقية. علاوة على ذلك، حدث هذا الاعتداء في نفس يوم فوز المرشحين الديمقراطيين -رجل أسود ورجل يهودي -في انتخابات مجلس الشيوخ في جورجيا، وهي ولاية معروفة منذ فترة طويلة باعتماد ممارسات مختلفة تهدف إلى منع الناخبين السود من التصويت. لقد تجلى، شعور هؤلاء البيض بأنه تم التقليل من شأنهم ونسيانهم، في مبنى الكابيتول هيل وخلال انتخاب ترامب عام 2016؛ حدثان لا تكفي المعاناة الاقتصادية لتفسيرهما.
من جهة اخرى، حقيقة أن البيض، من جميع الطبقات الاجتماعية والفئات المهنية، شاركوا في التمرد ليست ظاهرة جديدة: المؤرخ إريك فونر، يذكر أن كو كلوكس كلان أسسها محامون وقساوسة وأشخاص آخرون يطلق عليهم “محترمون” “. واستخدم دونالد ترامب أيضًا فكرة الاحترام هذه، لا سيما في أغسطس 2017 بعد المظاهرات العنيفة في شارلوتسفيل من قبل المتعصبين البيض، عندما اعتبر أن هناك “أناس طيبون جدًا” بينهم. في 6 يناير، أكد أيضًا على “حبه” لغزاة مبنى الكابيتول، و”فهم آلامهم” (لأنه “ الانتخابات سرقت منهم «).
وهذا هو أحد التفسيرات لحقيقة أن الشرطة، في الكابيتول هيل، لم تتصرف بنفس القدر من الحزم الذي اعتمدته لتفريق المظاهرات التي نُظمت في إطار حركة حياة السود مهمة: هؤلاء “الأشخاص الطيبون جدًا”، يحبون الشرطة وفق شعارهم الحياة الزرقاء مهمة (حياة الشرطة مهمة)، وإن قسمًا مثيرًا للقلق من قوات الامن يتكون من ترامبيين ومتعصبين بيض، وكثير منهم، لم يكونوا في الخدمة، لكنهم سجلوا حضورهم أثناء التمرد.
تحويل وإعادة تخصيص مصطلح “العنق الاحمر»
إذا كانت الترامبية ظاهرة جديدة، فإن استخدام مصطلح العنق الاحمر لأغراض تمييزية ليس كذلك. يأتي الاستخدام الأكثر شيوعًا للعنق الاحمر من القرن التاسع عشر، وهي العبارة التي تشير إلى العامل الأبيض برقبة حمراء بسبب الشمس -وبالتالي عنق أحمر. الدلالة مشابهة لمصطلح قمامة بيضاء، وهو مصطلح يوصم البيض الفقراء، تستخدمه النخبة البيضاء والسود منذ ظهوره المبكر.
كانت فائدة مثل هذه الكلمة هي التمييز العنصري للفقراء البيض: وباستعارة تفسير سيلفي لوران، فإن المتخلفين والقمامة البيضاء هي “تجسيد مخجل للفشل الذي لا يمكن تصوره لسكان ‘عنصريًا’ مقدر لهم الرفاه والازدهار”.
ولما كان البياض نقيض للفقر، يجب أن ينتمي البيض الفقراء إلى عرق منفصل.
ويؤدي التمييز العنصري تجاه البيض الفقراء بهذه الطريقة إلى تقسيم الطبقات العاملة، وكسر كل أشكال التعاون بين الأعراق. وكما أوضح دبليو إي بي دوبوا عام 1935، فإن “الأجور النفسية” لان تكون من البيض، تكافئ حتى العمال ذوي الأجور المنخفضة بامتيازات عنصرية؛ وهذا هو السبب في أن البيض من جميع الطبقات الاجتماعية يرون هويتهم في بياضهم بدلاً من طبقتهم الاجتماعية. وفي سياق التمرد وانتخاب ترامب، فإن تصوير أنصاره على أنهم عمال بيض فقط، ينكر القوة الحقيقية للابيضاض والعوامل التفسيرية الأخرى للترامبية.
وفي مواجهة مثل هذا التلاعب الطبقي، يسعى بعض المتخلفين إلى استعادة هذا المصطلح. ويأتي أحد استخدامات “عنق احمر” من أوائل القرن العشرين في التعدين، وعلى الأخص في ولاية فرجينيا الغربية أثناء إضراب جبل بلير حيث ارتدى العمال عصابات حمراء حول أعناقهم للإشارة إلى عضويتهم في الحركة العمالية. وقد تصدت هذه الحركة للشرطة الموالية لأصحاب العمل.
كما سمح اللون الأحمر للباندانا، لمنتقدي الحركة بنعت العمال بالشيوعيين، وهو اتهام خطير خلال الذعر الأحمر الأول في الولايات المتحدة. خلال تلك الفترة، كانت الشيوعية عنصرية بشكل ملحوظ، وقدّمت كفكرة قادمة من الآخر، غير الأبيض. لم يكن اللون الأحمر مرتبطًا بالجيش الأحمر للاتحاد السوفياتي فحسب، بل كان مرتبطًا أيضًا بـ “الوحشية” المفترضة تاريخيًا للأمريكيين الأصليين.
من جهة اخرى، سعى أصحاب المناجم إلى تقسيم عمال المناجم عن طريق الفصل بين المساكن في الموقع، مرتبة وفقًا لمعايير إثنية-عرقية، وعارض العمال البيض أحيانًا توظيف المهاجرين أو عمال المناجم السود. ومع ذلك، فإن اتحاد عمال المناجم، الاتحاد الذي يقف وراء إضراب جبل بلير، قد تمكن من تعبئة العمال البيض والسود ومن أصول اخرى، باستخدام هذه الباندانا الحمراء.
لذلك، ان تكون “عنقا احمرا”، يعني انه تاريخياً كانت لك القدرة على جمع العمال معًا، وليس تقسيمهم رغم استخداماته الأخرى.
وفي ضوء هذا التاريخ، تسعى بعض الحركات إلى إحياء التضامن المناهض للعنصرية الذي يرفض الكاريكاتور الذي يعتبر العمال البيض عنصريين تلقائيًا أو حتى ناخبي ترامب. ويفترض أن يمثل هذا التمرد نهاية الفرضية التي تنسب، قبل كل شيء، التصويت لترامب إلى المعاناة الاقتصادية وإعطاء مكان أكثر أهمية، في البحث عن تفسيرات للظاهرة الترامبية، إلى طرق أخرى مثل تفوق البيض، أو مؤامرة كيو أنون، أو الإنجيلية. المؤكد أن الاتجاه السياسي لن يختفي، حتى لو لم يعد ترامب في البيت الأبيض.
-- فهم الهجوم على أنه محاولة للحفاظ على نظرية تفوق الرجل الأبيض المهددة بالتغيرات الديموغرافية
-- لا تؤكد ملامح المتمردين في الكابيتول هيل، وتحليل نتائج الانتخابات، النظرة المتجانسة لجمهور ترامب
-- حقيقة أن البيض من جميع الطبقات الاجتماعية والفئات المهنية شاركوا في التمرد ليست ظاهرة جديدة
إن متمردي الكابيتول، وعلى نطاق أوسع، ناخبو دونالد ترامب، لا يتأثرون فقط بالمعاناة الاقتصادية ولكن أيضًا بالخوف من انحدار تصنيفهم الطبقي والاجتماعي، كما تحلل نيكول هيرزوغ، ملحقة مؤقتة بالتعليم والبحث في الدراسات الأمريكية في جامعة تور، وطالبة الدكتوراة في جامعة فرساي سانت كوينتين أون إيفلين -جامعة باريس ساكلاي.
جالت صور انتفاضة الكابيتول في 6 يناير 2021 في وسائل الإعلام، مصحوبة في كثير من الأحيان بالسخرية الموجهة إلى الترامبيين، حيث يتم تقديمهم على أنهم حشد يتكون بأغلبية ساحقة من رجال بيض غير متعلّمين وفقراء وجهلة. ومع ذلك، بعد بضعة أسابيع، بدأنا نعرف المزيد عن هوية العديد من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم “وطنيين”، ويبدو أن الواقع أكثر اختلاطًا. منذ بداية حملة دونالد ترامب الأولى عام 2015، وُصف أنصاره، في معظمهم، بأنهم “هيلبيليز” أو “العنق الأحمر” أو حتى “القمامة البيضاء” -باختصار، “قرويين” بيض وفقراء. كثيرا ما يُنسب انجذاب هؤلاء الناخبين نحو ترامب إلى المعاناة الاقتصادية: يشعر ناخبو ترامب البيض بأنهم مستبعدون بسبب الاقتصاد المعولم وتراجع التصنيع، لا سيما في منطقة حزام الصدأ والأبالاتشي.
حتى الرئيس السابق باراك أوباما اعتنق هذه الرؤية. إن ناخبي ترامب، هؤلاء “الأشخاص البائسون” إذا استعرنا وصف هيلاري كلينتون، تم تصوّرهم بالكامل تقريبًا على أنهم من الرجال البيض القلقين على مستقبلهم الاقتصادي، وأغبياء وعنصريون، يرتدون ملابس الصيد والقبعة الحمراء الشهيرة. باختصار، متخلفون لا يمكن إصلاحهم.
ناخبو دونالد ترامب
والقلق الاقتصادي
لا تؤكد ملامح المتمردين في الكابيتول هيل، وأبعد من ذلك، تحليل نتائج الانتخابات، هذه النظرة المتجانسة لجمهور ترامب. من بين المشاركين في عملية 6 يناير الذين أصبحت أسماؤهم معروفة، كان هناك، على سبيل المثال، جينا رايان، وكيل عقارات في تكساس وصل إلى واشنطن على متن طائرة خاصة، أو ديريك إيفانز، المنتخب الجمهوري عن ولاية فرجينيا الغربية، أو سيمون جولد، طبيبة تعمل في مدينة بيفرلي هيلز الثرية في كاليفورنيا.
قد يُعتقد أن هذه الوجوه الثلاثة هي استثناءات؛ الأمر ليس كذلك. جاء العديد من المتمردين من ضواحي ثرية، كما أكد الصحفي ويل بانش، الذي لم يتردّد في الحديث عن “تمرد الطبقة الوسطى البيضاء العليا”. لقد كانوا قادرين على أخذ أيام إجازة في العمل، وأحيانًا تحملوا تكاليف رحلة عبر البلاد والنوم في الفنادق -وهو أمر لا يمكن تصوره بالنسبة للطبقات الدنيا المجبرة على العمل حتى عندما تكون مريضة أثناء الجائحة، والتي تجد صعوبة في توفير أبسط حاجياتها.
بعد انتخابات عام 2016، أظهرت دراسة أن غالبية صغيرة من العمال في وضع اقتصادي مقلق، كانت ثقتهم في هيلاري كلينتون أكبر من دونالد ترامب، لتحسين وضعهم. وأثبتت هذه الدراسة أيضًا، أن الدافع الأساسي للتعبئة السياسية للطبقات الشعبية البيضاء كان مرتبطًا بالشعور بأنه تم تجاوزهم ثقافيًا، وخاصة من قبل المهاجرين: ان العمال البيض، الذين غالبا ما يقولون إنهم أصبحوا أجانب في بلدهم، ويعتقدون بضرورة حماية الولايات المتحدة من النفوذ الأجنبي، كان احتمال تصويتهم لصالح ترامب 3.5 مرات أكثر من أولئك الذين لا يشاركونهم هذه المخاوف.
وأظهرت دراسة أخرى، أن ناخبي ترامب لا يهتمون بالقدر المتوقع بقضايا مثل العولمة التي من شأنها أن تعرض وظائفهم للخطر، وأنه إذا كانوا في الواقع أقل تعليماً في المتوسط من ناخبي كلينتون، فإن جزءً كبيرًا منهم يتمتع بدخل مرتفع إلى حد ما.
لذلك ليسوا فقط، أو حتى أساسا، “عنق أحمر”، عمال وفقراء محبطون يدعمون الرئيس السابق، ولكن بيض بشكل عام “وجماعات عرقية أخرى، ولكن بدرجة أقل” من جميع الطبقات الاجتماعية.
دور “البياض»
«الاِبْيِضَاض”، هو مفهوم اجتماعي يركز على التعامل مع الأشخاص ذوي البشرة البيضاء، أو الذين يعتبرون بيضا، أثناء التفاعلات الاجتماعية، وتوزيع السلطة والموارد في المجتمع. ومع التغييرات الديموغرافية، يتمسك البيض أكثر بهذه الهوية. هذا التعريف الأعمق ليس بالضرورة مرادفًا لدعم الجماعات المتطرفة مثل برود بويز، كما توضح أستاذة العلوم السياسية آشلي جاردينا، لكن التمسك القوي بهويته كأبيض، يعني ضمناً المزيد من الدعم لترامب، في جميع الطبقات الاجتماعية.
وهكذا، فهم الباحثون والنشطاء الهجوم على مبنى الكابيتول هيل على أنه محاولة للحفاظ على نظرية تفوق الرجل الابيض المهددة بالتغيرات الديموغرافية ومن قبل جو بايدن الذي أوضح أنه يرغب في تعزيز المساواة العرقية. علاوة على ذلك، حدث هذا الاعتداء في نفس يوم فوز المرشحين الديمقراطيين -رجل أسود ورجل يهودي -في انتخابات مجلس الشيوخ في جورجيا، وهي ولاية معروفة منذ فترة طويلة باعتماد ممارسات مختلفة تهدف إلى منع الناخبين السود من التصويت. لقد تجلى، شعور هؤلاء البيض بأنه تم التقليل من شأنهم ونسيانهم، في مبنى الكابيتول هيل وخلال انتخاب ترامب عام 2016؛ حدثان لا تكفي المعاناة الاقتصادية لتفسيرهما.
من جهة اخرى، حقيقة أن البيض، من جميع الطبقات الاجتماعية والفئات المهنية، شاركوا في التمرد ليست ظاهرة جديدة: المؤرخ إريك فونر، يذكر أن كو كلوكس كلان أسسها محامون وقساوسة وأشخاص آخرون يطلق عليهم “محترمون” “. واستخدم دونالد ترامب أيضًا فكرة الاحترام هذه، لا سيما في أغسطس 2017 بعد المظاهرات العنيفة في شارلوتسفيل من قبل المتعصبين البيض، عندما اعتبر أن هناك “أناس طيبون جدًا” بينهم. في 6 يناير، أكد أيضًا على “حبه” لغزاة مبنى الكابيتول، و”فهم آلامهم” (لأنه “ الانتخابات سرقت منهم «).
وهذا هو أحد التفسيرات لحقيقة أن الشرطة، في الكابيتول هيل، لم تتصرف بنفس القدر من الحزم الذي اعتمدته لتفريق المظاهرات التي نُظمت في إطار حركة حياة السود مهمة: هؤلاء “الأشخاص الطيبون جدًا”، يحبون الشرطة وفق شعارهم الحياة الزرقاء مهمة (حياة الشرطة مهمة)، وإن قسمًا مثيرًا للقلق من قوات الامن يتكون من ترامبيين ومتعصبين بيض، وكثير منهم، لم يكونوا في الخدمة، لكنهم سجلوا حضورهم أثناء التمرد.
تحويل وإعادة تخصيص مصطلح “العنق الاحمر»
إذا كانت الترامبية ظاهرة جديدة، فإن استخدام مصطلح العنق الاحمر لأغراض تمييزية ليس كذلك. يأتي الاستخدام الأكثر شيوعًا للعنق الاحمر من القرن التاسع عشر، وهي العبارة التي تشير إلى العامل الأبيض برقبة حمراء بسبب الشمس -وبالتالي عنق أحمر. الدلالة مشابهة لمصطلح قمامة بيضاء، وهو مصطلح يوصم البيض الفقراء، تستخدمه النخبة البيضاء والسود منذ ظهوره المبكر.
كانت فائدة مثل هذه الكلمة هي التمييز العنصري للفقراء البيض: وباستعارة تفسير سيلفي لوران، فإن المتخلفين والقمامة البيضاء هي “تجسيد مخجل للفشل الذي لا يمكن تصوره لسكان ‘عنصريًا’ مقدر لهم الرفاه والازدهار”.
ولما كان البياض نقيض للفقر، يجب أن ينتمي البيض الفقراء إلى عرق منفصل.
ويؤدي التمييز العنصري تجاه البيض الفقراء بهذه الطريقة إلى تقسيم الطبقات العاملة، وكسر كل أشكال التعاون بين الأعراق. وكما أوضح دبليو إي بي دوبوا عام 1935، فإن “الأجور النفسية” لان تكون من البيض، تكافئ حتى العمال ذوي الأجور المنخفضة بامتيازات عنصرية؛ وهذا هو السبب في أن البيض من جميع الطبقات الاجتماعية يرون هويتهم في بياضهم بدلاً من طبقتهم الاجتماعية. وفي سياق التمرد وانتخاب ترامب، فإن تصوير أنصاره على أنهم عمال بيض فقط، ينكر القوة الحقيقية للابيضاض والعوامل التفسيرية الأخرى للترامبية.
وفي مواجهة مثل هذا التلاعب الطبقي، يسعى بعض المتخلفين إلى استعادة هذا المصطلح. ويأتي أحد استخدامات “عنق احمر” من أوائل القرن العشرين في التعدين، وعلى الأخص في ولاية فرجينيا الغربية أثناء إضراب جبل بلير حيث ارتدى العمال عصابات حمراء حول أعناقهم للإشارة إلى عضويتهم في الحركة العمالية. وقد تصدت هذه الحركة للشرطة الموالية لأصحاب العمل.
كما سمح اللون الأحمر للباندانا، لمنتقدي الحركة بنعت العمال بالشيوعيين، وهو اتهام خطير خلال الذعر الأحمر الأول في الولايات المتحدة. خلال تلك الفترة، كانت الشيوعية عنصرية بشكل ملحوظ، وقدّمت كفكرة قادمة من الآخر، غير الأبيض. لم يكن اللون الأحمر مرتبطًا بالجيش الأحمر للاتحاد السوفياتي فحسب، بل كان مرتبطًا أيضًا بـ “الوحشية” المفترضة تاريخيًا للأمريكيين الأصليين.
من جهة اخرى، سعى أصحاب المناجم إلى تقسيم عمال المناجم عن طريق الفصل بين المساكن في الموقع، مرتبة وفقًا لمعايير إثنية-عرقية، وعارض العمال البيض أحيانًا توظيف المهاجرين أو عمال المناجم السود. ومع ذلك، فإن اتحاد عمال المناجم، الاتحاد الذي يقف وراء إضراب جبل بلير، قد تمكن من تعبئة العمال البيض والسود ومن أصول اخرى، باستخدام هذه الباندانا الحمراء.
لذلك، ان تكون “عنقا احمرا”، يعني انه تاريخياً كانت لك القدرة على جمع العمال معًا، وليس تقسيمهم رغم استخداماته الأخرى.
وفي ضوء هذا التاريخ، تسعى بعض الحركات إلى إحياء التضامن المناهض للعنصرية الذي يرفض الكاريكاتور الذي يعتبر العمال البيض عنصريين تلقائيًا أو حتى ناخبي ترامب. ويفترض أن يمثل هذا التمرد نهاية الفرضية التي تنسب، قبل كل شيء، التصويت لترامب إلى المعاناة الاقتصادية وإعطاء مكان أكثر أهمية، في البحث عن تفسيرات للظاهرة الترامبية، إلى طرق أخرى مثل تفوق البيض، أو مؤامرة كيو أنون، أو الإنجيلية. المؤكد أن الاتجاه السياسي لن يختفي، حتى لو لم يعد ترامب في البيت الأبيض.