رئيس الدولة: الدورة تعزز الحوار والتعارف والتنافس بين شباب العالم على أرض الإمارات
مطالب بوتين لا تتمحور في السيطرة فحسب
ما هي الجائزة الكبرى التي تسعى إليها روسيا في أوكرانيا؟
أكد الكاتب توم ماكتاج أن الطموح الكبير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من هجومه على أوكرانيا هو إخراج أمريكا من أوروبا تماماً، والتفاوض على صفقة تعترف بروسيا لاعباً شرعياً في النظام الأمني للقارة، بعد الخسائر التي تكبدتها موسكو في التسعينيات عندما أُجبِر جيشها على العودة بخُفي حنين إلى داخل حدودها.
وكتب ماكتاج، في مجلة “اتلانتك” الأمريكية، أن الأوروبيين كانوا يعتبرون أن “القوة الصلبة” لم تعد مهمة، وأن مجالات النفوذ باتت جزءاً من الماضي.
ولكن ما إن أرسلت روسيا 100 ألف جندي إلى الحدود الأوكرانية، حتى انتهى وقت اللعب، وأصبح الأمن الأوروبي في المستقبل مرة أخرى بيد شخص آخر في مكان آخر. وقال إن أمريكا لا تزال صاحبة القرار في الأزمة الأوكرانية، حيث يشهد الرئيس جو بايدن نقاشاً محتدماً بين مؤسسة السياسة الخارجية التقليدية التي تدعو إلى الردع و”المقيدين” الأكثر نفوذاً الذين يؤكدون أن الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل الانزلاق في حرب أخرى على محيطها الإمبراطوري.
الطموح الروسي
وأشار الكاتب إلى أن جزءاً من لعبة بوتين هو الاستفادة من هذا الانقسام، داخل أمريكا وفي طول بلاد الغرب وعرضها، ويسعى لاستغلال ذلك. وأضاف أن ما يلفت النظر هو مدى التموضع الجيوسياسي داخل أوروبا المصمم للتأثير ليس فقط على الأزمة نفسها، ولكن على مستقبل للقارة العجوز، بعد اتخاذ بوتين خطوته.
وأوضح أن مطالب بوتين، لا تتمحور في السيطرة على أوكرانيا فحسب ولكن حول إعادة جزء كبير من أوروبا الشرقية إلى مجال نفوذ روسيا، وتهديد النظام الحالي الذي يمثلها، وبالتالي فهو يتحدى الهياكل الأساسية للتحالف الغربي، الأمر الذي يجبر كل دولة فيه على تقييم كيفية خدمة مصالحها الوطنية على أفضل وجه في المستقبل.
خطر حقيقي أمام ناتو
وأضاف أنه للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الباردة، يواجه حلف ناتو خطراً حقيقياً وماثلاً، معتبراً أن الأزمة الراهنة هي بمثابة تذكير بأهمية ناتو، وبالتالي، أهمية العالم الذي تقوده الولايات المتحدة، ولكن أيضًا بضعف الحلف البنيوي.
وأشار الكاتب إلى التباين عندما يتعلّق الأمر بما على الغرب فعله لإحياء نفسه. وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي عن وجهة نظر صريحة مفادها أنه حان الوقت لأوروبا لتأكيد “استقلالها” الاستراتيجي عن الولايات المتحدة.
وفي خطاب ألقاه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، قال ماكرون إن الوقت حان لأوروبا لإجراء حوارها مع روسيا، لإنشاء “نظام أمني واستقرار جديد لأوروبا».
وهذه نغمة كان يكررها لبعض الوقت دون تأثير يذكر. ولم يكن بإمكانه أن يختار أزمة أسوأ ليؤكد من خلالها أهمية استقلال أوروبا عن أمريكا.
ضعف جيوسياسي
وأكد الكاتب أن الحقيقة التي يفهمها ماكرون جيداً، هي أن أوروبا لا تتمتع باستقلال استراتيجي، لا في شكلها الأوسع، بما في ذلك المملكة المتحدة، ولا داخل الاتحاد الأوروبي.
ولا يقتصر الأمر على الافتقار لأي طريقة لإبراز قوتها عسكرياً، ولكنها لا تستطيع مراقبة حدودها مراقبة سليمة، أو أن تضمن إمداداتها من الطاقة، والتي يأتي معظمها من روسيا.
حتى أن الولايات المتحدة وضعت خططاً لتعزيز امدادات الوقود للاتحاد الأوروبي إذا ردت روسيا على العقوبات الغربية بقطع الوقود عن القارة.
ولكن الضعف الجيوسياسي للاتحاد الأوروبي أعمق من اعتماده على الطاقة والأمن، فالاتحاد الأوروبي لا يملك “وادي سيليكون” أو “وول ستريت”، ولا يزال يعتمد على النظام المالي الأمريكي، والتجارة الصينية.
وفي غضون ذلك، كانت بريطانيا، بعد أن عزلت نفسها عن الاتحاد الأوروبي، نشطة للغاية في جهودها لتذكير الحلفاء بأهميتها المستمرة. وأصدرت لندن معلومات استخباراتية عن خطط الحرب الروسية، وأرسلت أسلحة إلى أوكرانيا، وقدمت عروضاً دبلوماسية لدعم مجموعة من دول أوروبا الشرقية.
وكان الغرض من هذا الجهد هو الحفاظ على دعم ناتو باعتباره المنظمة الرئيسة للأمن الغربي، ومن ثم ضمان عدم تجاهل بريطانيا. ورغم ذلك، فإن لا أحد في الحكومة البريطانية يقترح أن تهاجم بريطانيا روسيا، أو لديه أي نية لشنّ هجوم، لكن يُطربها أن تكون محط أنظار الجميع. فكلما زادت قدرة بريطانيا على إقناع الدول الأوروبية بأنها شريك أمني جاد، قل احتمال عزلها عن النظام الأمني الأوروبي في المستقبل. في غضون ذلك، تواصل ألمانيا لعبتها التي دامت عقوداً طويلة من التظاهر بأنها ليست “قوة” على الإطلاق.
ونقل الكاتب عن مسؤولين محبطين قولهم إن ألمانيا كانت تحاول التمتع بمزايا الحلف الغربي وتجنُّب عيوبه في الوقت ذاته، والتصقت بقوة بناتو والاتحاد الأوروبي، وعقدت العزم على الصمود في وجه الانخراط في الاعتبارات الجيوسياسية الأمريكية طالما كانت قادرة على تجنب تحمل أي تكاليف أخلاقية أو اقتصادية غير ضرورية قد تتكبدها.
أمريكا الحامية لأوروبا
والمفارقة هي أن كل موقف يتخذه الثلاثة الكبار في أوروبا يقوض موقف القوتين الأخريين. وتظل أمريكا الحامية الأبوية لأوروبا، تماماً كما كانت أوروبا عندما انهار البلقان في أوائل التسعينيات، ولكنها هذه المرة فقط حامية مُسنة وأكثر هشاشة من أعدائها الذين يبدون أقوى مما كانوا عليه.
وبعبارة أخرى تتلخّص النتيجة في الركود الذي يناسب الجميع في أوروبا، فأمريكا تستمر في الدفع، ولا يتعين عليها مواجهة أي خيارات صعبة.
وقال الكاتب إن مشكلة أوروبا تكمن في أنه مع كل أزمة جديدة، يستمر ضعف التزام واشنطن بنظامها العالمي المهيمن، لكن لا أحد لديه أي فكرة حقيقية عما يمكن أن يحل، محل هذ النظام.
وختم الكاتب قائلًا: “مهما حدث بعد ذلك، تبدو هذه اللحظة كأنها لحظة محورية في القرن الحادي والعشرين. وتظل البلدان التي تشكل حلف ناتو من أغنى المجتمعات، وأكثرها تقدماً على وجه الأرض. وحتى الآن اتحد الغرب على نحو مثير للإعجاب إلى حد ما في مواجهة العدوان الروسي. لكن حان الوقت ليجلس الطرفان ويعيدان النظر في القواعد قبل أن يجدا نفسيهما في وضعية صعبة».